من رئاسة الجمهوريّة إلى الكتلة النيابيّة: بعبدا أوّلاً

عون في حارة حريك ملوّحاً لأهالي الضاحية (أرشيف ــ هيثم الموسوي)
عون في حارة حريك ملوّحاً لأهالي الضاحية (أرشيف ــ هيثم الموسوي)


يمكن العونيِّين أن يبدأوا احتفالات انتصاراتهم النيابيّة باكراً. فها هي دائرة بعبدا تنتظر أهازيج الفوز الأسهل لهم في الدوائر ذات الغالبيّة المسيحيّة، دون أن يحدَّ ذلك من صخب هذه الدائرة الانتخابي حيث تتساوى زحمة المرشحين وزحمة المراهنين على ترويض المستحيل

ثمة معطيات كثيرة تُطعِّم الانتخابات في دائرة بعبدا بنكهة مميّزة. ففي الشكل، هي دائرة بيت الشعب التي وفد الناس من مختلف المناطق اللبنانية ليؤسسوا فيها انطلاق الحالة العونيّة، وهي أيضاً دائرة المقاومة على اعتبار الضاحية حجر الزاوية في بناء حزب الله والحاضن لمسؤوليه. ودون شك، هي دائرة القصر الجمهوري، إن أخذ رهان البعض على دور الرئيس النيابي بعين الاعتبار. أما في المضمون، فيفترض أن تكون بعبدا دائرة تصفية الحسابات بين أهل الاتفاق الرباعي من جهة، وساحة نموذجيّة ليثبت حزب الله والوطني الحر تفاعل جمهورهما الإيجابي مع التفاهم. وثمة من ينتظر هنا أيّة هفوة من التيّار والحزب لينقضّ عليهما، ويبرز أن التفاهم لم يعط قيمة إضافيّة للتيار. مع أخذ عامل إضافي هنا في الاعتبار، هو أن عدد الناخبين الدروز (24770 ناخباً بحسب لوائح الشطب الصادرة عن وزارة الداخلية أخيراً) والسنّة (8282) يوازي تقريباً عدد الناخبين الشيعة (33564 ناخباً)، وبالتالي لا يمكن اعتبار الناخب الشيعي عامل حسم مسبق للمعركة كما يصوِّر البعض (كلما ارتفعت نسبة التصويت عند السنّة والدروز صغُر تأثير الناخب الشيعي).

في التفاصيل، تمتد دائرة بعبدا التي يمثّلها ستة نواب (3 موارنة، 2 شيعة، ودرزي) من البحر ساحلاً (تعد الحدت والشياح وفرن الشباك من البلدات الساحليّة) إلى بلدة ترشيش في أعالي الجبل. وغالبية سكان الساحل، ذي الكثافة السكانية العالية هم مسيحيّون وشيعة، فيما غالبيّة سكان الجرد مسيحيّون ودروز. وبحسب العرف المتداول، وفق نقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي، يُمثّل الساحل عادة بأربعة نواب (2 شيعة و2 موارنة)، والجرد بنائبين (درزي وماروني). واللافت أن هذه الدائرة، قبل الحرب وبعدها، لم تشهد، وخصوصاً في المناطق المسيحيّة، سيطرة للإقطاع العائلي كحال جيرانها، سواء في المتن الشمالي أو في الشوف. وقد كانت السياسة دائماً شغل البعبداويين الشاغل. فالدائرة، قبل الحرب، كانت قلعة للرئيس كميل شمعون، يشاركه في بعض النفوذ العميد ريمون إده. أما درزياً، فكان لكل من مجيد أرسلان وكمال جنبلاط حضورهما، فيما كانت للعائلات كلمتها في الوسط الشيعي. وبعد الحرب، يقول قرطباوي إن الوطني الحر وحزب الله ووليد جنبلاط كانوا الأقوى في هذه الدائرة، مع أخذ حضور القوات والكتائب المتواضع في الاعتبار.

■ المعركة مسيحيّاً

ماذا عن المعركة المنتظرة مسيحيّاً؟ على صعيد 14 آذار، لا شيء واضحاً ولا تهافت مرشحين. فكتائبياً، عقد الرئيس أمين الجميّل نهاية الأسبوع الماضي اجتماعاً أبلغ فيه كتائبيي بعبدا ضرورة توفيرهم الدعم لرئيس بلدية الشياح المستقيل إدمون غاريوس، وحين راجع بعض الكتائبيين توفيق أنطوان غانم بهذا الشأن أبلغهم التزامه الكامل بما يقرره الجميّل. أما القوات، الذين لم يجدوا إثر وفاة إدمون نعيم غير الإعلامية مي شدياق ليطرحوا اسمها مرشحةً في بعبدا، فيتداولون باسم وزير البيئة القواتي طوني كرم. لكن القواتيين الجديّين يؤكدون أن الوقت مبكر، والقوات ستلتزم في النهاية دعم اللائحة المناوئة للائحة عون ـــــ حزب الله الأكثر حظّاً. بينما يكتنف الغموض مصير مرشح حزب الوطنيين الأحرار المفترض إلياس أبو عاصي، الذي نال منفرداً في بعبدا وحدها، عام 2005، 1963 صوتاً، رغم حدة التجاذب بين لائحتي التغيير والإصلاح ووحدة الجبل.

أما عونياً، فثمة 6 أسماء يُتداول بها، هي: حكمت ديب (مهندس ـــــ حدت)، ألان عون (مهندس ـــــ حارة حريك)، ناجي غاريوس (طبيب نسائي ـــــ شياح)، نسيب حاتم (مسؤول لجنة الإحصاءات المركزيّة في التيار ـــــ حمّانا)، فادي جرجس (طبيب أسنان ـــــ رأس الحرف)، إيلي بصيبص (مهندس ـــــ فالوغا). وتشير الإحصاءات التي طلب العماد عون إعدادها لاختيار مرشحي التيار إلى تقدم شاسع لديب وعون اللذين ينتميان إلى الساحل حيث يفترض أن يكون لعون مرشحان مارونيان. أما في الجرد، فتبدو حظوظ نقيب المحامين السابق وعضو اللقاء المسيحي الوطني شكيب قرطباوي، ابن بلدة كفرسلوان، مرتفعة. وهو من الأسماء القليلة الصديقة للتيار، التي يفترض أن تضفي على لائحة التيّار قيمة مضافة يتطلع إليها عون.

وضمن لائحة أصدقاء التيار يبرز أيضاً اسما جو إيلي حبيقة الذي يعدّ بدءاً من الشهر المقبل بضعة لقاءات شعبيّة في بعبدا ومناطق أخرى تؤكد استعداده لوراثة مقعد والده وخوض غمار الحياة السياسية جدِّياً، وإميل إميل لحود الذي يرغب في العودة إلى المجلس. ويراهن بعض المحيطين بلحود على ضغط حزب الله على عون لأخذه في بعبدا إن كان ذلك صعباً في المتن الشمالي نتيجة التوازنات الدقيقة هناك. مع العلم بأن تفوّق المعارضة في هذه الدائرة من جهة، ووفرة المقاعد المارونيّة، من جهة أخرى، يشجّع كثيرين على محاولة الترشح في لائحة المعارضة، وفق مبدأ أن النيابة الأكيدة، حتى لو بعدت عن دائرة المرشح الأصلية، أفضل من ترشّح غير محسوم النتيجة في مكان النفوذ الأساسي، في ظل وجهة نظر أخرى، قد لا تكون مقنعة، تقول إن المعركة السياسيّة بامتياز في بعبدا والتي لا تراعي كثيراً التوازنات العائليّة، تسمح بترشيح أيّ كان حيث الناس تنتخب المشروع السياسي لا الشخص.

في موازاة الزحمة على باب طبّاخي اللائحة الأولى، تزداد جديّة الكلام عن حتمية التقاء النائب بيار دكاش (حدت) وإدمون غاريوس (شياح) إن لم تتسع لهما لائحة عون مع النائب السابق صلاح حنين (كفرشيما) الأقرب سياسياً إلى وليد جنبلاط منه إلى أية قوة أخرى، في لائحة ثانية تدّعي القرب من رئيس الجمهوريّة، وتستفيد من وضع الأكثرية كل النفوذ والخدمات في تصرفها. مع العلم بأن الموارنة الثلاثة، السابق ذكرهم، ينتمون جغرافياً إلى الساحل، وإبدال أحدهم بمرشح من الجرد يهدّد بفرط الفكرة برمّتها.

ومن جهته، يرفض دكاش كلام بعض العونيين عن قيامهم بواجبهم كاملاً تجاهه سواء في ترئيسه لائحتهم عام 2005، أو في إعطائه الأولوية غداة وفاة نعيم، أو في طرح العماد عون اسمه جدياً رئيساً للجمهورية لمرحلة انتقاليّة. ويؤكد دكاش ترشّحه، معتبراً أن تداول السلطة لا يعني أبداً ثني رجل معطاء عن الاستمرار في السعي للخدمة العامة التي نذر نفسه لها منذ كان يافعاً. فيما يقول حنين، الشغّال منذ عام 1992، إن الانتخابات لا تحسم قبل موعدها، وعلى المحللين والبصّارة انتظار نتائج الصناديق، مفضّلاً عدم الدخول في التفاصيل قبل أن تقرر المجموعة التي ينسّق معها إعلان نفسها.

باختصار، على مستوى الترشيح المسيحي، يتوقع أحد المتابعين تشكل لائحتين أساسيتين، الأولى تضم قرطباوي وديب وعون تواجهها لائحة تضم حنين وغاريوس ودكاش تحظى بدعم قوى 14 آذار، وقد لا يكون هدفها الفوز، بل الاكتفاء بزعزعة تمثيل عون المسيحي جدّياً، مع العلم أن العونيين يشككون في قدرة تأليف المناوئين لهم لائحة، مرجّحين الاتفاق، في النهاية، مع غاريوس على تسوية ما.

أما درزياً، فلا شيء جديداً على الساحة التي تحافظ على انقسامها بين الجنبلاطيين والأرسلانيين مع غلبة لزعيم المختارة. واللافت أن عدد الراغبين في الترشح من آل الأعور، أكبر العائلات الدرزية في بعبدا، تضاعف هذه المرّة. ويرجح أن يختار العماد عون وحزب الله وأرسلان مرشحاً من آل الأعور، دون أن ينتقص هذا الترجيح من جديّة الكلام المتداول عن نيّة المعارضة ترشيح الوزير السابق وئام وهاب في هذه الدائرة.

■ في ساحل المتن الجنوبي

شيعياً، لا يمكن استهلال الكلام إلا من الضاحية حيث غطى «مجد» الاسم الجديد على الاسم القديم «ساحل المتن الجنوبي». وتشمل التسمية أحياءً عدة كان لكل واحدة منها سابقاً مكانتها مثل الشياح (حيث لم تكن هناك غبيري بعد) التي نشأت بلديتها في أوائل الستينات، وبرج البراجنة، وبينهما حارة حريك التي باع معظم أهلها المسيحيين أراضيهم في أوائل الثمانينات بعد «انتفاضة» 6 شباط التي قادها نبيه بري ووليد جنبلاط ضد الحكم الذي كان يترأسه أمين الجميّل. وقبل اتفاق الطائف، كان ثمة مقعد شيعي واحد لدائرة بعبدا شغله دورات 1960، 1964، 1968، و1972 النائب السابق محمود عمار الذي كان من مؤيّدي الرئيس الراحل كميل شمعون. وكان يترشح ضد عمار عدد من المستقلّين مثل حسين فرحات وخضر الحركة ومحسن سليم. وغالباً ما كان أحد هؤلاء يحظى بغالبية أصوات الشيعة، لكنّ عمّار، بحكم الأرجحيّة المسيحيّة، كان يفوز.

ولاحقاً، خلال تعيينات 1991 الاستثنائيّة، دفع الرئيس نبيه بري باتجاه تعيين الوزير الحركي السابق محمود أبو حمدان نائباً عن بعبدا، رغم انتمائه إلى البقاع الغربي، ورغم النفوذ الكبير الذي كان يتمتع به المسؤول السابق في الحزب التقدمي الاشتراكي رياض رعد، الذي استقال مع محسن دلول وعلي الموسوي من الحزب عام 1987. وبعد إضافة مقعد شيعي نتيجة تعديلات الطائف إلى دائرة بعبدا، تحالف الرئيس الحريري وحزب الله، عام 1992، فوصل إلى المجلس ابنا برج البراجنة النائب باسم السبع المقرّب جداً من الحريري، وعلي عمار عضو حركة أمل ثم حزب الله. وفي دورة 1996، سبقت انتخابات بعبدا صلحة حزب الله وحركة أمل الانتخابيّة، فدفع علي عمار الثمن. إذ فاز كل من مرشح حركة أمل، المقرّب اجتماعيّاً من بري، صلاح الحركة وباسم السبع. وخسر عمّار.

أما عام 2000، فتمثّلت بعبدا بعمّار والسبع. إلى أن أتت انتخابات 2005، وقد كانت دائرة بعبدا ــــ عاليه العنوان الأبرز.

وتُسجل هنا 4 ملاحظات أساسيّة:

1ـــــ رفض العماد عون رفضاً قاطعاً عزله داخل «شرنقة» الطائفة المسيحية، ومنعه من تسمية مرشح شيعي وآخر درزي. الأمر الذي مهّد للتصادم جدياً بينه وبين قوى 14 آذار. وذلك من منطلقين: الأول، ثقة التيار بأن مناصريه ليسوا مسيحيين فقط. والثاني، تأكّد عون من أن ثقل تياره في هذه الدائرة يسمح له بأن يكون المسمِّي الأساسي.

2ـــــ ما كان التفكير بالتحالف الرباعي ممكناً لولا حسابات 14 آذار التي أكدت لها احتمال خسارتها كل شيء تقريباً، إن لم تبقِ ورقة الفوز في بعبدا عاليه بيدها.

3ـــــ ترك عون المقعد الشيعي الثاني في لائحة التغيير والإصلاح شاغراً، احتراماً منه «للتعاطف والتأييد الذي يكنّه شيعة الساحل لحزب الله. وقد كان لسان حال أهل الضاحية يومها: خيارنا هو لائحة عون وأرسلان إضافة إلى علي عمار. لكن الرياح لم تجر كما تشتهي السفن، فكان التكليف الشرعي الذي أطاح كل الآمال العونيّة. وتابع عون تفاصيل بعبدا الانتخابيّة بدقة متناهية، وحرص على معرفة ما يحصل في دائرته الانتخابية، والمنطقة التي نشأ فيها وقضى بين أرجائها أصعب مراحل حياته العسكرية في أفواج الدفاع ثم في قيادة اللواء الثامن.

4ـــــ شعور العونيين، نتيجة الملاحظات الثلاث السابقة، بأن خطأ الـ2005 بحقهم يفترض أن يصحّح. وغالباً ما ينتهي كلامهم هنا بالتعويل على وفاء الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

وفي التفاصيل الآنيّة، تعاني قوى 14 آذار فراغاً على المستوى الشيعي، في ظل الكلام عن نيّة ترشيح باسم السبع في دائرة بيروت الثالثة، حيث لتيار المستقبل الأرجحية، لا في بعبدا. أما وسط المعارضة، فثمة اسمان أساسيان قيد التداول هما علي عمار (الذي يتحفّظ حزب الله بسرّيته المعهودة على قرار الحفاظ عليه أو إبداله)، ورمزي كنج عن الوطني الحر. مع احتمال أن يطلب بري التمثّل بمرشح في هذه الدائرة التي تراجع حضور أمل فيها منذ النزاع مع حزب الله عام 1986. ويرجّح أحد المتابعين أن يصطدم طلب بري، إن حصل، بثلاث عقبات أساسية:

1ـــــ رغبة أهل الضاحية بممثّل لهم، عوني، يجسّد التفاهم بين حزب الله وحركة أمل، مع أخذ صعوبة تنحّي عمار أو من ينوب عنه بعين الاعتبار.

2ـــــ حق عون بتسمية مرشح من طائفة أخرى حيث هناك أرجحية مسيحيّة أسوة بحق حزب الله وحركة أمل بتسمية المرشح المسيحي حيث هناك أرجحية شيعية، كدائرة بعلبك ـــــ الهرمل.

3ـــــ عدم امتلاك حركة أمل حيثيّة كبيرة في هذه الدائرة، ولا سيما أن معظم مؤيّديها في الشياح والمناطق المجاورة لا ينتخبون في أماكن سكنهم. إضافة إلى وجود نقمة صغيرة في ساحل المتن على أمل التي «لم تحسب حسابنا في التعيينات التي كانت تقوم بها في إدارات الدولة»، مع التأكيد أن حيثيّة أمل وسط الطائفة الشيعية في ساحل المتن الجنوبي تبقى أكبر بكثير من حيثيّة الوطني الحر.

في النتيجة، يؤكد أحد المقرّبين من العماد عون أن الأخير يتعامل مع الانتخابات المقبلة بواقعية كبيرة، ويراعي التوازنات بدقّة. وهو ما ستدل عليه لوائحه في كل لبنان. والواقعية هذه تقتضي الاعتراف من الحلفاء والأصدقاء، قبل غيرهم، بأن بعبدا قلعة العونيين الأساسيّة، وهي الدائرة شبه الوحيدة التي يمكن للعونيين أن يوصلوا فيها مجموعة متجانسة من الشبان المنتمين إلى التيار.

ديب وعون في الطليعة

تتقاطع معظم الاستطلاعات عند مفاجأة ألان عون، ابن حارة حريك. حيث يبرز اسمه مباشرة بعد حكمت ديب، وسط الأسماء العونيّة، في معظم الاستطلاعات، رغم عدم إعلانه جدياً بعد ترشحه. وتجمع الإحصاءات، التي لا تأخذ الموقف المفترض لرئيس الجمهورية بعين الاعتبار، على تقدم المعارضة بنسبة كبيرة في هذه الدائرة، وخصوصاً عند أبناء الطائفتين المسيحية والشيعيّة. وبالعودة إلى عون، يشرح أحد المتابعين أن قرار عدم ترشيحه، أو سحبه لاحقاً، مرتبط مباشرة بتفاهم ميشال عون والرئيس ميشال سليمان انتخابياً، فيُنحّى عون لحساب رئيس بلدية الشياح المستقيل إدمون غاريوس.

«علناً علناً حكمت ديب»

لا يمكن عونياً منذ أكثر من خمس سنوات أن يمر في بعبدا دون أن يسمع نفسه يردّد، بغير إرادته ربما، «علناً علناً حكمت ديب». وهنا يتداخل مكوّنان، فقد مثّل الجزء الأول من الشعار، علناً علناً، إعلاناً عونياً صريحاً ببدء مرحلة جديدة من النضال تبتعد عن السريّة التي اتسمت بها العونيّة 13 عاماً. وكان ترداد «علناً علناً» بصوت مرتفع وفرح أشبه بصراخ أسرى سابقين: «نحن أحرار». أما الجزء الثاني من الشعار، «حكمت ديب»، فهو رمز للعونيّة المتمردة بحدِّ ذاتها. فهو اسم لا يكاد يعرفه أحد، يستطيع، كالنائب كميل خوري بعد 4 سنوات، أن يواجه العالم كله. وهكذا، عبر هذا الشعار، انتقلت العونيّة من حركة سريّة جامعيّة إلى حزب علني يصرّ على الدخول إلى كل المناطق، حتى تلك «المحظورة».

* * *

في برج البراجنة، يوم 14 أيلول 2003، كان الشبان العونيون الوافدون إلى المنطقة من خارجها يحاولون عبثاً على مداخل مراكز الاقتراع إقناع أحدهم بأخذ ورقة حكمت ديب. وكانوا كالمتسوّلين: ينظر إليهم أهل المنطقة بازدراء، يكاد يعتدي عليهم البعض بالضرب إن أصرّوا على «الطحش» بأوراق مرشحهم. فجأة، سمع أحدهم أغنية «عونك جايي من الله» فاستنفر رفاقه بحثاً عن زميل يكاد يودي بهم إلى مصيبة: أعتقد أنها تلك المحجبة، يقول أحدهم. وقبل أن ينهي كلمته تكرر الصبيّة الضغط على مفتاح تشغيل الأغنية في هاتفها.

تتغير ملامح الشبان وتزداد عيونهم انشداداً صوبها، فتتلفت حول نفسها مستطلعة عدم انتباه أحد أبناء الحي إليها، وتقول: نحن أيضاً نحبه كثيراً، لكن لا نستطيع قول ذلك علناً علناً.

بعد أربع سنوات، التقت الفتاة نفسها باثنين من العونيين الطارئين على حيّها في 14 أيلول 2003، وأخبرتهم بأنها وعائلتها لحقوا بهما وصاروا علناً علناً ميشال عون.

* * *

كانت صورته على الحائط واحدة من عشرات لشبان كانوا يلتذون بتحويل قمع القوى الأمنيّة والسلطة السياسية لهم إلى انتصارات مدوِّية. وحين اختير، لم يسأل أحد نفسه لماذا حكمت ديب. فقد كان الواحد، يومها، يعبّر عن تطلعات مجموعة تعمشقت بالحلم، وكبرت. شاب شعر حكمت، وظلت متعمشقة بالحلم تتقاذفها الريح يميناً ويساراً. ترشُح حكمت للمرة الثالثة، وفوزه، يشكلان انتصاراً لجيل كامل. ففي النهاية هو ليس حكمت ديب، هو مجرد صورة لهذا الجيل.

خسر بفارق صوت واحد

يذكر شكيب قرطباوي سابقة في الانتخابات النيابيّة حصلت عام 1960 في دائرة بعبدا، إذ خسر ميشال فرحات المقعد النيابي نتيجة تقدم زميله في اللائحة إلياس الخوري عليه بفارق صوت واحد، فحاز فرحات 15804 أصوات والخوري 15805 أصوات. وبذلك، حلّ الخوري ثالثاً، خارقاً لائحة الجبهة اللبنانيّة التي فاز عنها إدوار حنين (17927 صوتاً) وعبده صعب (16550)، وخسر إرنست كرم (13040).

فازوا ضد إرادة طوائفهم

شغل الراحل إدمون نعيم مقعد بعبدا الماروني رغم حيازته ثقة 27,4% فقط من المقترعين المسيحيين (و73,3% من المقترعين المسلمين)، ومثله الشهيد أنطوان غانم (26,6% من المقترعين المسيحيين) وعبد الله فرحات (22,4% منهم). وفي المقابل، اعتبر خاسراً بيار دكاش الذي حاز ثقة 73,9% من المقترعين المسيحيين (و23,3% من المقترعين المسلمين)، شكيب قرطباوي 73% منهم، وناجي غاريوس 69,1% منهم.

ولو اعتمد يومها قانون الستين (لو فصل قضاء بعبدا عن قضاء عاليه)، لاقتصر خرق لائحة التغيير والإصلاح للائحة الاتفاق الرباعي بالمرشحين غالب الأعور الذي نال تأييد 48,2% من ناخبي بعبدا بمجمل طوائفهم، وبيار دكاش الذي أيّده 50,5% من ناخبي بعبدا المسيحيين والمسلمين.



تعليقات: