الزهورات والاعشاب تستخدم في معالجة الرشوحات


العطارة تستعمل في مكافحة الامراض المستعصية وسوق العطارين ملاذ الفقراء في طرابلس والاغنياء احيانا..

العطارة هي علاج بالاعشاب وهو طب قديم حاولت بعض الشعوب الاعتماد عليه للتخفيف من امراضهم ومعالجتها، وكان العطار في ذلك الزمان الطبيب والصيدلي اي انه كان يحدد المرض ويصف الدواء.

ولقد ارتبطت مهنة العطارة التي تقنى بصحة الانسان ونظافته بالتراث العائلي، وحافظت على قيمتها من خلال توارث اسرارها وتفاصيلها من جيل الى جيل داخل العائلة الواحدة، وتنوعت في طرابلس الاعمال والصنائع وانواع التجارة والحرف، وبقيت فئة من الناس هي من تستحوذ على هذه العلوم التي تعتمد بمجملها الكيمياء وعلم النبات اساسا في مبادئها، وهذه الفئة عادة ما تكون من اشراف المدينة واعرق عائلاتها التي يعرف عنهم التدين والمحافظة على التقاليد والاخلاق الحميدة، فالعطار مؤمن ضميره حي، وصادق في نظرته وهذا ما يجب ان يكون حتى يصح الصحيح دوما في العلاج.

بدأت ظاهرة التداوي بالاعشاب الطبيعية، او الطب البديل، تزداد انتشارا منذ سنوات في مدينة طرابلس بشكل لافت ويقبل عليها المواطنون بحثا عن علاج عربي يداوي الاوجاع والآلام بعيدا عن العقاقير والادوية الكيماوية وارتفاع اسعارها.

ويلجأ الى العطارين او الى الطب البديل الشعبي، بعض المرضى الذين فقدوا الامل في علاج الطب الحديث، حيث يكون ملاذهم للشفاء من امراضهم وبخاصة المزمنة منها فيما يقبل عليه اخرون للحفاظ على لياقتهم ورشاقتهم، وسط قناعة مشتركة بينهما انه اذا لم يستفيدوا فلن يصابوا بالاذية، انسجاما مع تعامل القدامى على مر العصور، مع النباتات على انها مصدر طبيعي لعلاج الامراض، وخلوها من التأثيرات الجانبية، وكونها رخيصة الثمن.

وسوق العطارين في طرابلس، يتخبط اليوم في ضوضاء بيع الخضار، حيث تحولت المحال التي كانت تفوح منها رائحة البهارات والعطورات الى اكشاك ودكاكن، وتباع فيها الخضار والفاكهة واللحوم، وتفوح منها روائح لن يعرفها الا من زار المكان، فلقد تناقص عدد محلات العطارة في المدينة وفقد السوق هويته بعد ان تحول الى سوق متنوع للمبيعات والمصنوعات الا العطارة.

مع العطارين

جلنا في سوق العطارين، وتحدثت الى بعض اصحاب العطارة الذين توارثوا هذه المهنة ابا عن جد، مستطلعة تاريخ هذه المهنة مقارنة الماضي بالحاضر، فكان لقاء مع العطار ابو احمد الذي تحدث عن دور العطار قديما، والذي كان بمثابة الطبيب والمرجع، فلم يكن دوره يقتصر على بيع العطورات والاعشاب فقط، انما كان الطبيب الذي يجمع في شخص واحد جميع اختصاصات الطب ما عدا الجراحة، حتى ان بعضهم كانوا يعتبرونه بمثابة الطبيب النفسي فليجأون اليه عندما يعانون من مشاكل عائلية او خاصة، وذلك ليحل لهم ازمتهم، ويقدم لهم النصائح المناسبة، كما كان العطار عبارة عن شيخ يقصده، الناس لأي سبب بسيط، فيطلبون منه تارة بعض الاستشارات، وتارة اخرى يسألون عن وصفة معينة تناسب حاجاتهم، ويتابع: اما بعضهم الاخر فكان يطلق عليه لقب الصيدلي لأنه كان يقوم بمهمة الصيدلي اذ يعطي الادوية المناسبة لكل مرض، اضافة الى انه كان يركب بنفسه ادوية من خلاصة الاعشاب وظيفتها معالجة مختلف الامراض الانسانية.

ويقول ابو احمد: اما العطارون اليوم فاغلبيتهم تجار يغلب على دورهم بيع العطورات والاعشاب وهدفهم الربح المادي فهم لا يتمتعون بأي خبرة وبالتالي لا يعرفون شيئا عن عالم العطارة، ولا هم قادرون على وصف العشبة المنسبة لكل حالة مرضية.

وعن الحركة التجارية وكيفية البيع يجيب: اننا نعاني من حركة جمود وركود اقتصادي وشلل من ناحية البيع والشراء، ولكن مع ذلك نشهد اقبالا بسيطا على العطارين، فلا ننسى ان هناك اشخاصا كثر وخصوصا الفقراء منهم، من هم عاجزون عن زيارة الطبيب ودفع الكشفية المطلوبة، فتراهم يحاولون قدر الامكان اللجوء الى العطار لاستشارته في الدواء المناسب عسى ولعل يزول مرضهم بواسطة الاعشاب التي يصفها لهم العطار، اما الاغنياء فقد استبدلوا العطار بالصيدلي، وباتوا يتوجهون الى الصيدلي لشراء ما يحتاجونه من الادوية الغالية الثمن، لافتا الى ان الادوية الحديثة مصنوعة من بعض الاعشاب، بالاضافة الى بعض المواد الكيماوية. وعن المنتوجات يقول: تتنوع انتاجات العطارة فهناك اقسام كثيرة قد يختار احدهم التخصص باحداها، او قد يقوم ببيعها والتجارة بها كلها ومن هذه الاقسام: الزهورات، البهارات، العطورات، النكهات، الصباغات، مواد التجميل، مواد كيماوية، بذورات، الجوز، الحنة، الكحل، العسل، العصائر الطبيعية، مشيرا الى انه في شهر رمضان يكثر الطلب على البهارات والمكسرات والتمر الهندي والسوس والجوز من العطارين وذلك لكثرة استخدام هذه المواد في الشهر الفضيل.

الوصفات والعلاجات

وعن استخدامات الاعشاب يجيب: الزعتر والبابونج لعلاج امراض الرشح، حبة البركة وزيت الزيتون والخل لمعالجة الصفراء الناتجة عن خلل في اداء الكبد، دخان السكر المحروق لعلاج عسر التنفس، بزر الكتان لعلاج القروح، زيت الزيتون على الريق لتفادي فقر الدم، الخل يوقف نزيف الجروح من خلال التقطير على الجرح، الليمون مع الثوم لعلاج الصلع، الحنة بالزيت لتخفيف تساقط الشعر، اما زيت بزر الكتان فهو مصدر هام للاحماض الدهنية الضرورية للجسم ويساعد في علاج الاكزما واضطرابات الحيض بالاضافة الى انواع عديدة من الاعشاب لعلاجات متنوعة.

اما العطار ابو مسعود فيشير الى ان نسبة الاقبال على العطارين لم تتراجع كما يظن البعض، فهناك فئة كبيرة من الناس ما زالت تؤمن باهمية العطار وبدوره في شفاء المرضى، كما انهم يعمدون الى شراء الاعشاب وتناولها لاعتقادهم بأنها في حال لم تنفعهم فانها بالطبع لن تضرهم، عكس الدواء غير المناسب.

منافع الاعشاب

وعن اهمية الاعشاب يقول: للاعشاب منافع عديدة فهي مفيدة لازالة الشحوم والدهون وللتخلص من الرشح واوجاع البطن، وبمعنى اخر الاعشاب تداوي مختلف الاوجاع ودون استثناء ما عدا الامراض الخطيرة والتي هي بحاجة لعمليات، ويوضح بأن الاعشاب تستخرج من جميع انحاء العالم، ولا سيما من الهند والصين والباكستان، حيث يحضرها التجار من الخارج الذين بدورهم يبيعونها للعطارين، الا انه يؤكد بأن اكثر الطبقات التي تشتري الاعشاب هم الفقراء وذلك لأنها رخيصة ويستطيع الفقير شراء حاجاته منها باسعار زهيدة بينما باستطاعة الاغنياء ابتياع الادوية من الصيدليات وهم بالتالي يقصدون العطار فقط لشراء نوع معين من الاعشاب، وذلك لانهم قد سمعوا من التلفزيون، او قرأوا في الكتب عن منفعة عشبة ما فيشترونها بغية الاستفادة منها.

ويأسف ابو مسعود الى ان عدد العطارين قد تقلص بشكل كبير واصبح سوق العطارين غير مخصص للعطارة كما يدل اسمه، انما لبيع اللحوم والخضار والملبوسات والمواد الغذائية مطالبا الاهتمام بهذه المهنة التي تعنى بالتراث القديم، ومن شأنها ان تساهم في تفعيل الحركة التجارية في المدينة.

اما العطار ابو عمر فاعتبر ان الاعشاب علاج يشفي حوالى ٧٠% من الامراض التي تفتك بصحة الانسان ويتحدث قائلا: هناك العديد من المرضى الذين يعانون من رمل في الكلى او لديهم بحص ولكنهم عندما تناولوا نوعا من الاعشاب ازالت البحص من جسمهم وتماثلوا للشفاء، كما لدينا علاجات لتساقط الشعر ولحب الشباب ونصنع كريمات خاصة لتغذية البشرة وحمايتها من التجاعيد والكلف والنمش، لافتا الى ان غالبية تلك العلاجات كان لها فعالية مهمة، مشيرا الى ان اهم الاعشاب هي البابونج لكونها مضادة حيوية للالتهابات، اما الانواع الاخرى مثل عشب الشومر والشوفان فيعالجان بكل عام الدهون والشحوم، وهناك عشبة الكرز وعشبة ذنب الخيل، فهاتان العشبتان مفيدتان للبحص والكلى والرمل وعشبة جذور الرباص او شلش الرباص، فهي مفيدة لمرض السكري، وشلش الزلوع يعتبر منشطا للجسم ومقويا عاما، اما حبة البركة فهي لتقوية المناعة في الجسم فالحبة السوداء تحتوي على فوائد لمعالجة العديد من الامراض، كارتفاع الضغط والربو والحساسية والسكري وامراض الكبد والام المفاصل وتقوية المناعة.

ويوضح بأن اهم انواع الاعشاب هي عشبة اللويزي الخاصة بمعالجة اوجاع البطن والالتهابات وزهرة التيلو لازالة البلغم والرشح واوجاع الصدر، وزهرة الزيزفون التي تعتبر مهدئة للاعصاب وزهرة البابونج لتذويب الشحم والفطر ومعالجة المصارين، وزهرة الورد لوجع الرأس وشوشة الذرة مع زهرة الالماسة للبحص والرمل اما عشب العناب فيعالج الامراض الخبيثة.

وقائع واخبار

ويذكر العطار ابو عمر نماذج عن حالات لبعض المرضى استطاعت الاعشاب ان تشفيهم فيقول: جاء مريض يعاني من بحصة في احدى كليتيه، فوصفت له انواعا من الاعشاب وطلبت منه ان يتناولها باستمرار، وبالفعل فقد عاد بعد حوالى الاسبوع وبيده البحصة، وتبين ان العشب الذي وصفته تمكن من اخراجها.

ويسرد: كما ان هناك امرأة تبلغ من العمر حوالى الاربعين عاما، تعاني من انحناء في ظهرها يسبب لها الاما لا تحتمل فقصدت الطبيب، وعلى الرغم من انه اعطاها ادوية الا انها لم تستفد منها، وبقيت على حالها الى ان قصدتني فركبت لها دواء من المواد الكيماوية، وطلبت منها تناوله، فعادت تلك المرأة بعد مدة، وقد شفيت تماما ويتابع: كما وصفت لمريض اخر يعاني من الكوليسترول بالدم نسبته هي ٦ فاصبحت ٤، وعندما سأله الطبيب ماذا فعلت حتى انخفضت لديك نسبة الكوليسترول فاجابه انه تناول بعض الاعشاب، واليوم يشتري هذا المريض كل اسبوع من هذا العشب، الذي اعتاد عليه واعطاه نتائج مرضية.

وعن اسعار الاعشاب يقول: اسعار الاعشاب في الكيلو فتتراوح ما بين عشرة الاف ليرة لبنانية لتصل الى ١٠٠ دولار اميركي وما فوق.

ويختم العطار ابو عمر بأن مهنة العطارة هي مهنة قديمة ولها اهمية كبرى في حياة الانسان، لذلك يجب الاهتمام بها والعمل على تفعيلها خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها المواطن في مدينة طرابلس، وكي لا تندثر هذه المهنة خاصة بعد ان تضاءل عدد العاملين فيها.

العطارة مهنة تحتاج الى اطلاع دائم وتواصل، كما انها بحاجة الى علم ومعرفة ومن الصعب ممارستها لأنها تحمل مسؤولية كبيرة لن يمارسها مثل الطبيب تماما، فارواح الناس وصحتهم وشفاؤهم بيده، ويجب عدم اضمحلال هذه المهنة بل العكس تشجيعها لأنها مفيدة وليست مضرة.


تعليقات: