لمـاذا تبقـى منـازل كفـرشوبـا ركـامـاً؟

منزل المواطن حسن سامي عبد الله الذي لم يتمكن من إعادة بنائه في كفرشوبا
منزل المواطن حسن سامي عبد الله الذي لم يتمكن من إعادة بنائه في كفرشوبا


مستحقات متوجبة على الدولة تعود الى أكثر من ٣٠ عاماً..

كفرشوبا :

قضى كبير معمري بلدة كفرشوبا المرحوم سعيد غانم قبل ثلاث سنوات عن عمر يناهز السابعة والتسعين، أمضى ٣٣ عاما منها ينتظر تقاضي مستحقاته عن منزله الذي دمرته اسرائيل عام .١٩٧٥

أما جاره اسماعيل عبد العال الذي أتت طائرات العدو أيضا على منزله الحجري، فيروي أن المرحوم غانم كان قبل وفاته بفترة قصيرة يردد بحسرة عبارة جارحة مفادها »اتمنى لو أتمكن من حفر حفرة واحدة فقط لأساس منزلي قبل مغادرتي هذه الدنيا«.

يتمتم عبد العال بصوت خافت قائلا انه »إذا كانت اسرائيل قد ظلمتنا وهي العدو، فظلم أهل القربى أشد وأقسى بكثير«.

يضرب حسن حمد يداً بيد ويقول: »لقد بتنا نخشى أن نموت جميعا قبل الحصول على تعويضاتنا، علما بأن أصغرنا قد تجاوز الخامسة والسبعين«.

تبدو معالم السنين القاسية على ملامح وجه طالب سعيد قصب (٧٤عاما). يقول إنه بعد تدمير منزله أمضى وأفراد أسرته ست سنوات في منزل جاره علي احمد الحجلي، قبل أن ينتقل إلى منزل صديق آخر هو كامل احمد ناصر.

في تلك الفترة، كان المختار المرحوم ابراهيم قصب ، شقيق طالب، شاهدا على عملية تخمين الأضرار من قبل مهندسي مجلس الجنوب. يقول طالب »انتظرنا الدفع لكن دون جدوى فقررنا اعادة البناء على نفقتنا. بعت قطيع الماعز الذي أملكه وهو مؤلف من ١٢٤ رأساً، ومصاغ العائلة، ارتفع البناء عن عجز. تتراكم الديون علينا وفوائدها التي لا ترحم. إلى متى الانتظار؟«.

ترتفع الشكوى في كفرشوبا من تنكر الدولة وتجاهلها لنضال وتضحيات البلدة التي دفعت أثمانا غالية وما بدلت، بحسب رئيس بلديتها عزت القادري الذي يضيف »كان الأحرى بدولتنا ان تدفع المستحقات هنا مضاعفة، لكن ما يحصل هو العكس«.

ويتساءل القادري »هل يعقل أن يحرم أهلنا من تعويضات الحرب التدميرية الإسرائيلية، وهل هناك من مبرر لوقوفنا اليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاما، فوق ركام منازل لم ترفع حتى انقاضها؟«.

ويوضح القادري أنهم راجعوا معظم المسؤولين، »وقدمنا العرائض، شرحنا الوضع المأساوي للأهالي، وسمعنا كلاماً من عسل، ثم طال الانتظار ولم يتم الإفراج عن مستحقاتنا. بقيت الأموال المستحقة، بحسب ما أبلغنا، غير متوفرة ولا أحد يعرف متى ستتأمن«.

يذكر محمد قاسم عبد الله ( ٧٦ عاما) اسم احد اعضاء لجنة تخمين أضرار عام ،١٩٧٥ »كان من دير ميماس، واعتقد انه كان مهندسا تحسس معاناتنا، وتألم خلال الكشف على منزلي، سمعته يردد حرام هذا البيت حجارته من الصخر الصم المنحوت وتصعب اعادة بنائه«.

الخسارة كبيرة ومضاعفة في هذا البيت المجاهد الذي دمر مرة ثانية في حرب تموز ٢٠٠٦ وقتل تحت أنقاضه شهيدان. عمل صاحبه جاهدا على اعادة البناء في المرة الأولى، لكن، في المرة الثانية بدت إعادة الإعمار مستحيلة. يقول »في المرة الأولى بعت قطعة ارض بسعر بخس، وفارق السعر اليوم يبني لنا ثلاثة منازل. خسائرنا كبيرة بالفعل، وحرام هذا التنكر لحقوقنا«.

يقول محمد قاسم القادري، وهو في السابعة والسبعين من العمر، إنه بعد تدمير بلدته سافر الى الكويت حيث أمضى أكثر من عشر سنوات، عاد بعدها ليعيد بناء منزله.

يضيف »كل ما كسبته في الكويت بالكاد يكفي لإعادة بناء المنزل، والغريب أن تجار الحديد والترابة في تلك الفترة رفضوا تقاضي ثمن المواد بالليرة وكنت أضطر لشراء الدولار وأذكر أن سعره كان نحو تسعمئة ليرة مما جعلني أتكبد خسائر إضافية«.

أما علي محمد يحيا فقد أمضى ثماني سنوات في البرازيل، وعاد ليبني منزله بمساحة ومواصفات المنزل المدمر نفسها، إلا أن الكلفة كانت قد زادت بنسبة تقدر بين الثلاثة والأربعة أضعاف.

يروي يحيا أنه حمل »صورة منزلي القديم الى الرئيس بري وكنت ضمن وفد من المتضررين عرضوا عليه مأساتنا. استقبلنا يومها بوجه بشوش وبنبرة الواثق حيث قال بالحرف: ستتقاضون حقوقكم كاملة مع فوائدها وسندفع للأصول والفروع في كفرشوبا، هذه البلدة المناضلة العنيدة بترفع الراس«.

أما رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط، وخلال زيارته لكفرشوبا في أعقاب التحرير عام ،٢٠٠٠ فقد قصد مع صحبه سطح المدرسة الرسمية ليشهد معالم البلدة بشكل أوضح. أشار يومها رئيس البلدية عزت القادري الى منزل يعود لنسيب وقاسم محمد القادري قائلا »انظر وليد بك هذا المنزل ما زال ركاما منذ عام .١٩٧٥«، فتنهد جنبلاط واكتفى بالقول »شي بخجل والله«.

كثيرة هي روايات كفرشوبا وكلها متشابهة. من حسن ابراهيم احمد الذي أمضى عشرين عاما في الكويت ليعيد بناء منزله المدمر، إلى جلال علي القادري الذي أنجز إعادة بناء منزله على نفقته الخاصة وتقاضى مليوناً ونصف مليون ليرة عام ٢٠٠٠ ، ثم تلقى شيكا آخر قيمته خمسة ملايين ليرة ما زال يحتفظ به كونه بلا رصيد كما يقول.

يؤكد حسن حسين عبد العال وهو من حلتا التابعة لكفرشوبا أن كافة منازل البلدة وعددها ١٢ ما زالت مدمرة، وبالكاد يمكن تحديد معالمها. أما منى غانم فتقول بشيء من الخجل »تعالوا شوفوا منزلنا ما يزال مدمراً، وما كان حداً يساعدنا لنعمر من جديد، وعلى كل حال ما عاد بالعمر اكثر مما مضى«.

متضررو بلدة كفرشوبا يعتبرون ان الفرصة اليوم سانحة للضغط في كافة الاتجاهات، فالموسم انتخابي ويمكن ان تكون الكلمة مسموعة.

وقد دعا رئيس البلدية عزت القادري المتضررين الى اجتماع موسع في دار البلدية، خصص لمناقشة وضعهم وبحث صيغة للتحرك.

هو يعتبر أن بلدته تعاني من حجز الحكومة لأموال قديمة تعود إليها »لا ننكر اننا قبضنا مستحقات، لكن ما تزال لنا مبالغ كبيرة مجمدة، وهم لا ينكرون ذلك إلا أنهم يتحججون بكونها غير متوفرة«.

وحدد القادري المنازل المتضررة على الشكل التالي:

ـ ٤١٠ وحدات سكنية لم يستوف اصحابها مستحقاتهم نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية عام .١٩٧٥

ـ ١٢ منزلاً مهدماً في بلدة حلتا التابعة لكفرشوبا.

ـ ٦٥ منزلاً مهدماً وأعيد بناؤها على نفقة أصحابها.

ـ٧٠ منزلاً ما زالت أسقفها من تراب.

٢٥٠ منزلاً منجزة على نفقة أصحابها.

- نزلاً متضرراً بنسبة ثمانية في المئة.

أما أضرار عدوان ٢٠٠٦ فهي على الشكل التالي، بحسب القادري:

ـ عشرة منازل لم يقبض أصحابها الدفعة الأولى وقيمة كل منها ثلاثون مليون ليرة لبنانية.

ـ ٨٥ منزلاً مهدماً لم يقبض اي من أصحابها الدفعة الثانية.

تعليقات: