إرحموا الجيش ..

يتعاظم حجم الكارثة التي تتهدد لبنان في جيشه الذي بات في موقع القلعة الأخيرة للوحدة الوطنية، ومن ثم للدولة المتصدعة والمهددة في وجودها.

مع ذلك، فإن أهل السلطة ممثلين بقياداتهم السياسية كما بالحكومة البتراء المثقلة الآن بأوسمة الجدارة التي تأتيها بوتيرة شبه يومية من الرئيس الأميركي جورج بوش، يتصرفون كأن ما يجري على «جبهة» نهر البارد ومن حوله إنما هو مجرد «اشتباكات» مع عصابة مسلحة، وأن مزيداً من الأسلحة والذخائر للجيش تحسم الأمر بنصر مؤزر يحفظ لهم الحق بتقرير مصير لبنان عبر تحكّمهم بالعهد المقبل، رئيساً وحكومة وأجهزة هي على كل شيء قديرة!

تتوالى التصريحات العنترية، بوتيرة ترافق مواكب تشييع الشهداء، وتتزايد حدة المواقف المانعة للتوافق الوطني، ويُبنى المزيد من الحواجز على طريق حكومة الإنقاذ.

.. بينما دماء الضباط والجنود تسيل غزيرة في معركة غير متكافئة، في مكانها وزمانها وطبيعة المواجهة فيها مع عصابة تحمل اسم «فتح الإسلام» بينما تتوارد المعلومات عن ارتباطها بالتنظيم الدولي للقاعدة، وفق المصادر الرسمية الأميركية، وهي الأخبر والأدق معرفة بهذه الشبكات التي استولدتها ورعتها لسنين طويلة (ولعلها لا تزال ترعاها في سياق خطتها المعروفة بعنوان الفوضى المنظمة)..

تلجأ السلطة إلى أطراف فلسطينية تشبهها في تكوينها وارتباطاتها، فتزيد الأمور تعقيداً، لأن هذه الأطراف عاجزة عن المشاركة في القتال (إلى جانب الجيش كما حاول البعض منها أن يوحي) ومرفوضة كوسيط له من النفوذ ما يمكنه من إيجاد المخرج المشرّف الذي يحمي كرامة الجيش وهيبته ويحفظ للفلسطينيين مخيم لجوئهم ويقدم إلى العدالة المتورطين في هذه «الحرب»، في حين ييسّر للآخرين الفرصة للرحيل إلى حيث ألقت (كما يقترح بعض مَن سعى في الوساطة..).

وتعرف السلطة، بالتأكيد، وبشهادة الأسابيع الثلاثة الدامية، أن الحل العسكري مستحيل، وأنها بالإصرار عليه في غياب التسوية السياسية الملائمة إنما تفاقم في حجم المخاطر التي تتهدد لبنان كله (والفلسطينيين فيه)..

.. مع أن التوجه بمثل هذا المطلب إلى السلطة قد يبدو ساذجاً بل ومضحكاً، فمن يرفض التسوية مع «شركائه» في الوطن ودولته، وفي الهموم المصيرية كالتي نعيشها، لن يسعى إلى «تسوية مشرفة» مع «عصابة» أدانها الجميع، لكن الإدانة لا تكفي لتوفير «المخرج المشرف»، كما أن السلاح وحده لن يكفي لحسم الوضع عسكرياً.

... ولن يستطيع الجيش أن يواصل حمل الدولة على ظهره، إلى ما لا نهاية، خصوصاً إذا كانت السلطة تعمل بعقلية: إن لم تكن الدولة لي وحدي فلا كانت أبداً.

تعليقات: