التحرّك المعاكس في الشارع الشيعي وإمكانية التغيير (بمنظور المستقبل)

الشيخ محمد الحاج حسن.. إلى أين؟
الشيخ محمد الحاج حسن.. إلى أين؟


لدراسة واقع الشارع الشيعي في لبنان أهمية تزيد عن كونها دراسة لواقع أحد أهم الطوائف اللبنانية عدداً ودوراً، إذ من المعلوم أن الشيعة في لبنان يقفون في قلب خطوط تقاطع المصالح الإقليمية في مواجهة "المشروع الأميركي في المنطقة"، وأنهم بقيادة الثنائي "حزب الله" ـ حركة "أمل" رأس حربة في منظومة الدفاع السوري ـ الإيراني، فضلاً عن كونهم كانوا العمود الفقري للعمل المقاوم الذي أدى إلى التحرير في العام 2000، ومواجهة عدوان تموز العام 2006.

واقع الشارع الشيعي اليوم

على الرغم من القوة السياسية والعسكرية التي يبدو فيها الشيعة في لبنان اليوم، إلا أن الشارع الشيعي يعيش حالاً من "التخويف المصطنع"، من الاستهداف الداخلي والخارجي، تُعزّز حال الاستنفار الطائفي، لا سيما بعد خروج الجيش السوري (2005) وعدوان تموز (2006)، ما يمنع النقاش الموضوعي حول خيارات الشيعة الاستراتيجية، ويسهل انتشار الخطاب الشعبوي الذي يمارسه "حزب الله" وحركة "أمل".

"حزب الله" يحتل اليوم الأولوية التمثيلية لدى الشيعة كما هو معلوم، مستفيداً من منظومة عوامل تفضيلية، أهمها:

ـ امتلاكه السلاح تحت عنوان الدفاع عن لبنان، وضمناً عن الشيعة.

ـ الإمكانات المادية والخدمية والمؤسسية الهائلة ـ

ـ البنية التنظيمية القوية والشابة

ـ الخطاب الديني، والمرجعية الشرعية اللتان تشبعان الحاجة إلى التقليد الديني لدى الشيعة ـ

وتفتقد حركة "أمل" أكثر هذه العوامل، أو تمتلكها بنسبة أقل، وقد كانت الى الأمس القريب صاحبة القدرة الأعلى على تأمين الخدمات أو المنافع التي تتأتى من طريق الدولة وإداراتها، لكن "حزب الله" بات ينافسها حتى في هذا المجال.

التوافق الظاهر بين الحركة والحزب لا يمنع وجود تباين كبير وغير ظاهر في الرؤى بينهما، ويُسجل باستمرار حالات من الصراع المباشر في العديد من القرى والبلدات الجنوبية بين أنصار الفريقين تصل إلى حدود الاشتباكات المسلحة وتؤدي الى سقوط جرحى، كما حدث اخيراً في بلدتي الصرفند ومعركة وغيرهما، غير أن الواقع الذي يعيشه الشارع الشيعي، والخوف على القاعدة الانتخابية، وسياسة المزايدة المذهبية، تطمس على الكثير من نقاط التباين حول دور الشيعة وخياراتهم. ويبدو "حزب الله" حريصاً جداً على تمتين "الوحدة الشيعية"، بما أن قيادتها معقودة إليه، وأنه هو المستفيد الأول من هذا الواقع، لا سيما في أوساط الشباب، ولعل القول الشائع في الشارع الشيعي بأن كل من هو دون الأربعين سنة ينتمي حكماً إلى "حزب الله" خير دليل على ذلك. وبطبيعة الحال فإن "حزب الله" في معرض إخماد أية اعتراضات على الخيارات الصعبة التي ينتهجها "يدفع" لحركة "أمل" من حسابه الانتخابي بما يفوق قوة الحركة التمثيلية. وفي المقابل فهو يبدي تشدداً مع الحركات والتيارات والشخصيات المعترضة في الوسط الشيعي، وأسلوب التعامل معها يبدأ من الترغيب ويصل إلى حدود الترهيب، ما يضطر الكثير من هذه القوى إلى خفض صوتها، بينما يتجه بعضها الآخر إلى التركيز على الجانب الإنمائي حصراً، تجنباً لانتقاد سياسات "حزب الله".

الحراك الشيعي

بالرغم من هذا الواقع الصعب فإن الشارع الشيعي يشهد حالات متزايدة من الاعتراض على واقعه، وعلى الخيارات السياسية للشيعة في عهد الاستقلال الثاني، ولعل حضور قرابة خمسة آلاف شخصية شيعية في أيلول الماضي حفل إطلاق حركة "الخيار اللبناني"، مؤشر كبير على رغبة شريحة ليست بالقليلة من الشيعة في التغيير نحو "منطق الدولة، التي تنفذ اتفاق الطائف وتصون السلم الأهلي، وتحمي المقاومة من دون التفريط بسيادتها" كما جاء في البيان الصادر عن اللقاء.

وإلى جانب هذه التظاهرة الاعتراضية ثمة العديد من التيارات والشخصيات التي باتت تمتلك حيثية تمثيلية في الأوساط الشيعية، وهي تعبر عن نفسها بصورة تجمعات ولقاءات وجبهات وتيارات ومواقع، ولعل من أبرزها:

- "لقاء علماء لبنان" برئاسة الشيخ عباس الجوهري، وهي حالة دينية كانت جزءاً من "حزب الله"، وانفصل بعضها عنه بعد أحداث عين بورضاي في كانون الثاني 1998، وبعضها الآخر بعد حرب تموز 2006.

- في الخط نفسه "المجلس الإسلامي العربي" برئاسة العلاّمة محمد علي الحسيني، الأمين العام لجمعية بني هاشم، والأخير له مواقف حادة من "حزب الله" وقد أعلن عن رغبة في الدعم الانتخابي لشخصيات شيعية تخالف الحزب في سياسته.

- "التيار الشيعي الحر" برئاسة الشيخ محمد الحاج حسن،

- وشخصيات دينية كمفتي صور المخلوع العلامة السيد علي الأمين،

- القاضي الجعفري في صيدا السيد محمد حسن الأمين،

- الأمين العام السابق لـ"حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي،

- بمستوى اعتراض أقل حدة، إمام النبطية الشيخ عبد الحسين صادق.

وإلى جانب هذه التحركات ذات الطبيعة الدينية ثمة العديد من الأطر المدنية، لعل أبرزها:

- "حركة الانتماء اللبناني"، الذي تأسس في العام 2007 بقيادة أحمد الأسعد، وهي حركة تنشط هذه الأيام في الجنوب، ويتوقع أن تشكل قوة انتخابية جدية في دائرتي مرجعيون وحاصبيا.

- كما أعلن قبل أيام عن قيام "التجمع الوطني الديموقراطي" من بلدة إبل السقي.

- في الجنوب أيضاً ينشط رئيس مجلس إدارة "الجنوب للإعمار" رياض الأسعد.

- في البقاع تنشط "الجبهة الوطنية لإنماء بعلبك والهرمل" برئاسة فادي يونس،

و"حركة شباب البقاع" بقيادة عماد قزعون.

- في الضاحية الجنوبية تكاد تكون إمكانية العمل منعدمة نظراً الى الطبيعة الأمنية للمنطقة، ولكن الأصوات السياسية والعائلية المعترضة على الأداء السياسي لـ"حزب الله" تبقى موجودة وإن كانت ضيقة ومحدودة، كما هي حال حركة "هيا بنا" بقيادة الإعلامي لقمان سليم، صاحب "دار الجديد" للنشر، والتي ُأطلقت في العام 2005.

وفي هذا المجال لا يمكن إغفال القوة التمثيلية الحقيقية لعدد من النواب والوزراء الحاليين والسابقين، أمثال: النائب باسم السبع، الوزير إبراهيم شمس الدين، النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون. وفي هذه الخارطة يحتل الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني موقعاً هاماً، كونه أحد أهم رجالات "الشيعيّة السياسية"، لا سيما بعد تقديمه استقالته من البرلمان في آب الماضي، في اعتراض ضمني على ما آلت اليه أحوال الطائفة الشيعية بعد الإمامين موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين.

وإلى جانب كل هؤلاء فإن الوسط الإعلامي كما الثقافي يعج بشخصيات شيعية مرموقة، وذات رؤية ودور مؤثر في النظرة إلى دور الشيعة وخياراتهم المستقبلية.

إمكانية التغيير

بالرغم من ازدياد قوى الاعتراض في الشارع الشيعي فإن إمكانية التغيير، بمعنى نقل الشيعة من خيار إلى آخر لا تزال بعيدة جداً، إذ تعاني القوى البعيدة عن الاستقطاب الثنائي لـ"حزب الله" وحركة "أمل" من عوامل ضعف كثيرة، ومن افتقادها إلى الأدوات التنظيمية، فضلاً عن غياب التنسيق في ما بينها، وافتقار معظمها إلى القدرات المالية التي تمكّنها من الوقوف على قدميها وسط السيل المالي الهائل لـ"حزب الله"، غير أن ما يلفت الانتباه راهناً وجود شرائح شيعية ليست بالصغيرة تريد التغيير، والتصالح مع بقية الطوائف في وطن التوافق لبنان، ولعل من الخطأ تجاهل هذه القوى واعتبار أن الساحة الشيعية ممثلة فقط بقيادتها الثنائية الحالية، وهنا تأتي أهمية إدماج هذه القوى ضمن تيار 14 آذار، ومد يد الدعم المادي والمعنوي لها، ولحظِها في قلب اللوائح الانتخابية في الانتخابات التشريعية المقبلة.

تعليقات: