أين أصبحت الملفات الساخنة من المجلس الدستوري الى التعيينات والأمور الحياتية؟


لبنان في مرحلة "كوما" السياسية في انتظار جلاء غبار معركة غزة...

الحكومة اللبنانية: متى تعالج الملفات العالقة؟

يشبه بعض المراقبين الوضع السياسي في لبنان بالمريض الذي دخل مرحلة الغيبوبة (الكوما) منذ 27 كانون الأول الماضي، تاريخ بدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. فكل شيء تقريبا توقف في لبنان. "نامت" الملفات السياسية العالقة، وفي مقدمها استكمال التعيينات في المجلس الدستوري، وحتى الملفات الحياتية كملف المازوت "المفقود" لا يجد من يعمل على حله... فهل يجوز تعطيل الحياة في لبنان؟!

كانت الحياة السياسية اللبنانية "تعجّ" بالملفات الحساسة جدا قبل أقل من 5 أشهر على الموعد الذي حددته وزارة الداخلية والبلديات لإجراء الانتخابات النيابية في 7 حزيران المقبل. من المجلس الدستوري الذي "تجمّد" استكمال إنشائه عند أبواب مجلس الوزراء، بعد مرحلة أولى ديموقراطية في مجلس النواب، وذلك بفعل إصرار فريق 8 آذار على منطق إما الحصول على ما يريدون وإما التلويح بالتعطيل، مرورا بملف التعيينات الإدارية انطلاقا من تنفيذ الأحكام الصادرة عن مجلس شورى الدولة لمصلحة عدد من المديرين العامين الموضوعين بالتصرف، الى استكمال التعيينات في كل المراكز الشاغرة، وصولا الى متابعة الملفات الحياتية الساخنة كلّها التي يعاني بسببها المواطن الأمرين.

هذه الملفات كلّها وغيرها دخلت "الثلاجة" السياسية بعد انطلاق الهجمات الإسرائيلية على غزة. لا أحد يفهم السبب الفعلي، وإن كان الجميع يقر بخطورة ما يجري من مجازر بحق الفلسطينيين، وبأن ثمة خوفا كبيرا من انعكاسات محتملة لما يجري في غزة قد تطول أكثر من منطقة في الشرق الأوسط.

وإذا كان بعض المراقبين يعتبرون أن ثمة تراخياً لبنانياً غير مبرر في متابعة الملفات الداخلية، إلا أنهم يقرون بأن الحكومة اللبنانية نجحت في مواكبة التطورات في غزة، بهدف منع تمدد أي أصداء لها على الأراضي اللبنانية، رغم بعض الظواهر المقلقة التي تمثلت في الصواريخ التي أطلقت من الجنوب اللبناني أو في التي تمكنت الجهات الأمنية من العثور عليها قبل إطلاقها، أو حتى في حادثة المتفجرات المشبوهة التي حاولت استهداف القوة الإيطالية العاملة ضمن قوات "اليونيفيل" في الجنوب.

وزير الدولة وائل بو فاعور يعتبر أن "التصعيد الإسرائيلي في غزة أدخل معطى جديدا على الساحة في المنطقة. وهذا المعطى لا يتعلق بالموضوع الفلسطيني فقط، بل له أيضا تداعياته اللبنانية بعدما شهدناه من العثور على صواريخ في الجنوب وإطلاق أخرى انطلاقا من الأراضي اللبنانية. لذلك فإنه لا يمكن اعتبار أن الحكومة اللبنانية مقصرة في متابعة الملفات، بل العكس فإننا نتابع الملفات والقضايا العالقة كلّها، من دون أن نغفل الاهتمام بالأولويات المتعلقة بالوضع الأمني في ظل الوضع الخطير في غزة".

أبو فاعور يشير الى أنه "لا توافق حتى اللحظة في موضوع استكمال التعيينات في المجلس الدستوري، ولهذا السبب لم يتم إدراج الموضوع حتى اليوم على جدول أعمال مجلس الوزراء. ولا أسباب أخرى وراء تأجيل الموضوع العالق منذ ما قبل حوادث غزة. وأنا اليوم أيضا أستبعد حل هذا الموضوع لأن لا توافق عليه".

الجمود لا يجوز

عضو تكتل "الإصلاح والتغيير" النائب ابرهيم كنعان يؤكد أنه "لا يجوز أن يحصل جمود في الملفات السياسية الداخلية أو على الصعيد الاقتصادي والإداري، وبدءا من الاستحقاق الأكبر المتعلق بإعادة تشكيل السلطة انطلاقا من الانتخابات النيابية. ولا أرى سببا لتعطيل البحث في أي من الملفات المذكورة. ولكن ينبغي التمييز بين الفرق في أن نأخذ في الاعتبار الأولويات القائمة بفعل التطورات المتسارعة في غزة إذ لا يمكن أن نعيش في جزيرة معزولة، فالعالم كله يتأثر بما يحصل في غزة. وإذا لم يثر عدد من القضايا والملفات العالقة إعلاميا فهذا لا يعني أنه لا يجري البحث بها، فثمة حركة حكومية ونيابية ناشطة تجاه عدد من الملفات، وأنا لست مع التذرّع بأي موضوع لتجميد الملفات الداخلية. ولكن يجب أن نعترف بأن المأساة الانسانية في غزة تأخذ انتباه كل الناس ولها انعكاساتها على أوضاع المنطقة، ولذلك تنال عناية دول عدة تراقب ما يحدث وتحاول أن تعمل لإيجاد حلول. ويكفي أن نذكر أن في لبنان حوالى نصف مليون لاجئ فلسطيني حتى ندرك أهمية ما يحدث في غزة لناحية انعكاساته المحتملة على لبنان".

كنعان يؤكد أيضا أن "موضوع المجلس الدستوري غير مرتبط بما يجري في غزة. قد يكون ما يجري في غزة أخّر إدراج الموضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء، وخصوصا أن التوافق لم يحصل في هذا الموضوع بعد ما جرى من انتخابات في مجلس النواب حيث فشل التوافق الذي كنا نسعى إليه لتحييد المجلس الدستوري عن الاصطفافات السياسية القائمة. وبسبب هذا الفشل في مجلس النواب، ولأن المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري تنص على أن تعيين أعضائه الخمسة في مجلس الوزراء يحتاج الى أكثرية الثلثين، فهذا يعني ضرورة قيام توافق وضرورة توفر الإرادة لاستكمال التعيينات. ومثلما مارست الأكثرية أكثريتها في مجلس النواب من خلال عملية الانتخاب التي حصلت، يحق لنا أن نمارس دورنا في مجلس الوزراء من أجل التوصل الى التوافق. الوزير جو تقلا يقوم بمساع في هذا الإطار ورئيس الجمهورية يتابع الموضوع، والوزير ابرهيم نجار يقوم أيضا بمساع حميدة نشكره عليها".

منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد يلفت الى أن "قوى 14 آذار ترفض تجميد أمور البلد في هذه الفترة بسبب التطورات في المنطقة. لذلك المطلوب أولا أن تسارع الحكومة اللبنانية الى اتخاذ الإجراءات الأمنية المطلوبة والمرتبطة بما تم التوافق عليه على طاولة الحوار الأولى في موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، والذي بات يشكل خطرا كبيرا على الاستقرار اللبناني، وخصوصا في ظل التطورات التي شهدناها أخيراً وتحديدا على الساحة الجنوبية. كما أن المطلوب من مجلس الوزراء، وبسرعة بعدما حددت وزارة الداخلية والبلديات 7 حزيران 2009 موعدا لإجراء الانتخابات النيابية، أن تبادر الى استكمال التعيينات في المجلس الدستوري تمهيدا لقيام هذا المجلس بواجباته قبل إجراء الانتخابات. كذلك مطلوب أيضا من الحكومة أن تستكمل معالجة الملفات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين لأنه لا يجوز تعليق معالجة شؤون الناس تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، فمن حق المواطنين أن تعمل الحكومة لتأمين احتياجاتهم الأساسية في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة وفي عز الشتاء ومعاناتهم مع وسائل التدفئة".

تداعيات غزة...

رغم "هدوء" السجالات الداخلية، وهو العامل الإيجابي الوحيد لعدم البحث في الملفات الكثيرة العالقة، فإن التخوّف الجدي من تداعيات حوادث غزة على الداخل اللبناني يسبّب قلقا متزايدُ لدى المواطنين. فهل من تداعيات فعلية محتملة أم أن التخوّف في غير محله؟ وما انعكاسات كلام بعض مسؤولي "حزب الله" حول أن انتصار المقاومة في غزة يعني انتصارها في لبنان، وخسارتها في غزة قد تؤثر سلبا على المقاومة في لبنان؟

أبو فاعور يجزم بأن "النتائج السياسية لحوادث غزة لن يكون لها تداعياتها الداخلية في لبنان. فالمعركة الدائرة اليوم في غزة هي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما نسمعه من بعض الكلام هنا وهناك فيه الكثير من منطق التخوين الذي يشكل تكرارا لما سمعناه بعيد حرب تموز 2006. في لبنان أجمعنا على موقف سياسي داخل مجلس الوزراء لمنع جر لبنان الى حرب تكون وبالا عليه، ونحن نأسف للغة فيها الكثير من التخوين والتي تذكرنا بما أعقب تموز 2006، رغم أنه يفترض أن يكون الجميع أدركوا أن مثل هذه اللغة لا تنفع".

أبو فاعور يكشف "نحن متخوفون فعلا من توسع العدوان الإسرائيلي لأن النية العدوانية لدى إسرائيل موجودة دائما، كذلك ثمة أصابع إقليمية تحاول استعمال لبنان ساحة من جديد لتوجيه رسائل إقليمية ودولية. ونحن هنا لا ندخل في تحليلات بل نتحدث عن وقائع بعد ما شهدناه من صواريخ في الجنوب، والتي كانت تهدف أولاً وأخيراً الى محاولة توريط لبنان وجره الى نزاعات هو في غنى عنها. الجيش اللبناني يبذل جهداً كبيراً في هذه القضية، ولكن يبقى أن القرار سياسي، والمناقشات داخل مجلس الوزراء أفضت الى قرار موحد بأن لا أحد يجر لبنان الى أتون صراعات ستكون كارثية".

من جهته يثمّن كنعان "موقف مجلس الوزراء بالإجماع في موضوع الصواريخ. وأطالب بأن تأخذ التحقيقات، التي انطلقت مع العثور على الدفعة الأولى من الصواريخ وما تلاها، مداها بالكامل توصلا الى إظهار الحقيقة كاملة وإعلامنا بها كمجلس نواب وكرأي عام لبناني. فهذا الموضوع لا يتعلق بجهاز أمني دون سواه بل يتعلق بكل اللبنانيين".

كنعان أضاف أن "موضوع السلاح الفلسطيني قديم- جديد، وبمعزل عما يحصل في غزة يجب أن يحتل هذا الموضوع صدارة الاهتمامات والأولويات المطروحة على أجندة الحكومة اللبنانية. ولا يجب أن ننتظر خضات أمنية لنعيد طرح الموضوع لمحاولة إيجاد حل له، بل يجب حل هذه القضية المطروحة منذ إبرام اتفاقية القاهرة وحتى اليوم والتي تحتاج الى معالجة جدية من الدولة اللبنانية ومن محيطنا العربي. واليوم، ومع موقف الحكومة اللبنانية الذي اتخذته بالإجماع، تعززت ثقتي أكثر بلبنان وباللبنانيين بمكوناتهم السياسية المختلفة. صحيح أن ما حصل هو قرار سياسي، لكنه حصل في حكومة اتحاد وطني تجمع كل الاختلافات. فكلما عززنا التفاهم والثقة بين اللبنانيين كلما أخذنا مواقف تخدم الاستقرار الداخلي. ثمة حسابات لبنانية تعززت بفعل التواصل الداخلي. طاولة الحوار على جمودها مهمة، وحكومة الاتحاد الوطني على علاتها وبطئها بالغة الأهمية في مرحلة استثنائية كالتي تمر بها المنطقة".

أما سعيد فيقر بأن "الانعكاسات كبيرة لكنها غير مضمونة، وليس بالضرورة أن تكون متطابقة مع ما ستؤول إليه مجريات الحوادث في غزة، فانتصار المقاومة في فلسطين لا يعني بالضرورة انعكاسا لهذا الانتصارفي لبنان، بل قد يعني انتصارا لمنطق الممانعة في مواجهة منطق الشرعية العربية. نحن لسنا متخوفين بل ننتظر ونراقب. لا شك في أن إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني شكل خرقا واضحا للقرار 1701، ونحن كنا حريصين منذ اليوم الأول أن نؤكد ضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية وتعزيز منطق الدولة في مواجهة محاولات التفرّد بالقرار الأمني، ولهذا السبب اصدرنا تعليقنا على ما صدر عن مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، لأنه لا يجوز أن يتناقض أي أمر مع ما يصدر عن مجلس الوزراء اللبناني".

• • •

الطريف أنه حتى ملف الانتخابات النيابية وتشكيل اللوائح سواء داخل فريق 8 آذار أم داخل فريق 14 آذار تم تعليقه في انتظار انحسار غبار المعارك الدائرة في غزة. فهل غيّر السياسيون اللبنانيون أولوياتهم، التي لم يكن ليتقدم أي أمر فيها على السباق نحو المقاعد في ساحة النجمة؟

تعليقات: