صرخة عاملات فيليبينيّات: اللبنانيّون شياطين

عاملات فيليبينيات سجينات في لبنان
عاملات فيليبينيات سجينات في لبنان


اقتصرت ردات فعل العاملات الأجنبيات في لبنان فيما مضى، لما يتعرضن له من انتهاكات، على محاولات الهروب والانتحار. بعد يوم واحد على وصولهن من لبنان، أخبرن مانيلا قصصهن فيه، وأطلقن صرختهن: «إياكم والذهاب إلى هناك»

قد يبدو برنامجٌ إذاعيٌ فيليبيني رتيباً بالنسبة إلى اللبنانيين، حتى وإن عرفوا أنه يجري بإدارة نائب الرئيس هناك. لكن ماذا لو سمعوا صوتاً يتسلّل إلى الراديو الفيليبيني، منبّهاً جميع الفيليبينيين الراغبين في الذهاب إلى لبنان: «إياكم والذهاب إلى هناك. الناس هناك شياطين. كثيرون تعرّضوا للاغتصاب، وبعضنا أصيب بالجنون»؟. هذا النداء المؤلم وجّهته إحدى العاملات الفيليبينيات إلى أبناء شعبها عبر أثير البرنامج الإذاعي. الأشد إيلاماً، أن العاملة الغاضبة لم تكن وحيدة في هذا الاتصال، وشاركتها فيه زميلتان لها، على مسمع جمهور فيليبيني كبير، من المفترض أنه يتابع برنامج «نائب الرئيس».

لم تكتف العاملة بوصف اللبنانيين بالشياطين، رغم بشاعة الوصف. لقد شرحت تفصيلياً كيف وصلت بها الأمور لترى الشرّ في وجوههم. لم تكن تتلقّى راتبها دائماً في المكان الأول، كانوا يصرخون في وجهها، ونادراً ما يطعمونها. مرضت العاملة لمدة أسبوعين، وكان مرضها شديداً، «بيد أن ذلك لم يمنع (مكتب استقدام الخدم) من استخدامها مجدداً، عند عائلة جديدة»، كما قالت. عندئذ فقط، «فكّرت جدّياً بالهروب من ذلك العالم».

بعد انتهائها من مداخلتها، جاء دور مواطنتها مارليتا. كانت مارليتا أكثر هدوءاً، وصفت تجربتها بغير السارة. ربما كانت غير مصدّقة أنها هربت بالفعل، ولهذا السبب كانت هادئة. وكيف تكون كذلك، وهي التي أكدت تعرّضها للضرب لمرات عديدة؟ مارليتا أيضاً، شقوا لها طريق الهرب، ودفعوها إليه بأنفسهم. أما زميلتهما الثالثة، ليزيل، فأخبرت قصة مختلفة، لكنها مألوفة هنا في لبنان، ويتداولها اللبنانيون أكثر مما يتداولون فظاعة ممارسات بعضهم العنصرية مع العاملات الأجانب. لم تستطع ليزيل تحمّل الاتهام الذي وجّه إليها بسرقة بعض المال، هي التي كانت تُضرب أمام جميع أفراد العائلة التي تعمل في منزلها، بمن فيهم الأطفال. طلبت من العائلة أن تستعين بالشرطة للتحقيق وصرخت «كفّوا عن اتهامي، كفّوا عن ضربي». كانت ليزيل قد وُعدت بمبلغ 250 دولاراً أميركياً كراتب شهري، لكن الوعد بقي مبهماً، رغم أن المبلغ أقل من الحد الأدنى للأجور، ويشبه التدني في التصرفات التي تعرضت لها العاملات، عن الحد المعقول من التعامل الإنساني بحسب المعايير الحقوقية.

اكتفى وكيل الخارجية الفيليبيني، الذي كان من بين ضيوف البرنامج الإذاعي، بتحذير المستمعين من الثقة بوكالات العمل. كان لطيفاً في مداخلته مقارنة بتعبيرات السيدات الثلاث الغاضبات. وفي هذا الإطار، يجب التذكير بتقارير منظمة «هيومن رايتس ووتش» العالمية، التي تشدد على ضرورة توفير وضع قانوني أفضل في لبنان لحماية العاملات من العنف. وتساعد الفقرة «ب» من مقدمة الدستور اللبناني على إيضاح مسؤولية اللبنانيين عن حقوق الإنسان. فهي نصّت بوضوح على أن لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة، وملتزم بمواثيقها، ولا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وإضافة إلى ذلك، لا بأس من الاطلاع على تقارير الشرطة اللبنانية التي تكتفي بإحصاء عدد العاملات الأجنبيات اللواتي «يهربن من منازل مخدوميهن»، أو «يقدمن على الانتحار» بصمت، في ظروف غامضة، من دون أن يحصلن، أقلّه، على تحقيق جدي في ظروف وفاتهن.

تعليقات: