الخريبة أولى البلدات التي دمرها العدوان الصهيوني وأهلها ما زالوا مشتتين

يقف فوق أطلال ما تبقى من بلدة الخريبة
يقف فوق أطلال ما تبقى من بلدة الخريبة


حتضنت انطلاق المقاومة الفلسطينية بشن العمليات:

الخريبة أولى البلدات التي دمرها العدوان لم تلحظها المساعدات وأهلها ما زالوا مشتتين..

الخريبة:

لم تعد قرية، حيث يخيل لك للوهلة الأولى عندما تطأها قدماك لا شيء يوحي لك بأن هذه البقعة من أرض الجنوب كانت في يوم من الأيام منطقة مأهولة أو على علاقة بالإنسان أو بالحياة، فكل شيء فيها مدمر حتى الكنيسة، وكذلك المقابر التي لم تسلم من همجية العدوان الإسرائيلي، وما اقترفته يداه من حقد وخراب ودمار·

هذا هو واقع حال قرية الخريبة في منطقة العرقوب - قضاء حاصبيا، التي تهجّر أهلها عنها قسراً قبل حوالى ثلاثة عقود ونيف من الزمن، عندما دخلها العدو الإسرائيلي وهرب أهلها سيراً على الأقدام في البراري والأحراج وبساتين الزيتون إلى القرى الخلفية الآمنة، تاركين خلفهم منازلهم ومواشيهم وأرزاقهم وجنى عمرهم، بقصد المحافظة على حياتهم وحياة عيالهم وأطفالهم·

يبلغ عدد سكان الخريبة اليوم حوالى 1200 نسمة، موزّعين في كافة المناطق اللبنانية من أقصاها إلى أقصاها، حتى أن قسماً لا يستهان به من أبناء البلدة هاجروا إلى العديد من الدول الأوروبية والأميركية·

<لــــــواء صيدا والجنوب> جال في أرجاء البلدة وعاد بهذا التقرير··

تقع قرية الخريبة التي كانت تضم قبل هدمها من قبل العدو الإسرائيلي 60 منزلاً على تلة مشرفة على فلسطين المحتلة، يحدها شرقاً وشمالاً راشيا الفخار، وغرباً نهر الحاصباني وإبل السقي، وجنوباً جارتها الماري·

عائلاتها هي: <دعبوس، فارس، القلوط، ارسلان، الخالد، معلوف، دخل الله، علاء الدين وشحادة>·

بعد مضي حوالى 35 عاماً من التهجير القسري، و9 سنوات على التحرير وزوال الاحتلال، يتذكر أهالي الخريبة والحسرة تدمي قلوبهم، ما عانوه وما واجههم من متاعب ومصاعب شاقة طيلة هذه الحقبة، إلا إنهم فخورون بأن الثمن الباهظ الذي دفعوه طيلة هذه الفترة، كان نتيجة انتمائهم الوطني وعدم تعاملهم كما فعل البعض مع الإسرائيليين أو مع عملائهم في ميليشيات سعد حداد سابقاً وميليشيات انطوان لحد من بعده، وكذلك بالنسبة لمواقفهم المشرّفة تجاه القضية الفسطينية منذ نكبة العام 1948، ومن ثم احتضان رجال المقاومة الفلسطينية، الذين قدموا إلى لبنان في العام 1969 واتخذوا من العرقوب منطلقاً لشن هجماتهم ضد العدو الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة·

وكانت آنذاك قرية الخريبة تشكل المتراس الأول مع هذا العدو واعوانه بحكم موقعها الجغرافي فكانت عرضة وبشكل شبه يومي لقصف مدفعي أو لغارات بالطيران·

أهالي قرية الخريبة، وبالرغم من رحلتهم الطويلة مع المعاناة والحرمان، يستغربون اليوم أشد الإستغراب هذا التجاهل المتعمّد من قبل المسؤولين تجاه قضيتهم المحقة والمزمنة، حيث هم وحتى الساعة ما زالوا مهجّرين قسرياً عن منازلهم، التي ما زالت مدمّرة، لأنهم لم يقبضوا بعد قرشاً واحداً من الدولة أو من أية جهة أخرى للتعويض عما لحق بهم من خراب ودمار، في حين أن جميع البلدات والقرى التي تضررت في الجنوب وغيره من مناطق لبنانية أخرى بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة منذ أواخر الستينيات وحتى عدوان تموز 2006، قد اعيد بناؤها، وتم التعويض على المتضررين مرات ومرات·

ويتساءل الأهالي عن سبب هذا العقاب الذي اتخذ بحقهم، ويتخوفون أن يكون مقدمة لمحو اسم الخريبة عن الخريطة اللبنانية من قبل بعض الجهات السياسية والحزبية النافذة التي لها مصلحة في ذلك·

دعبوس

حكاية أهالي الخريبة مع المعاناة والحرمان حدّثنا عنها أحد أبناء البلدة زهير دعبوس، فقال: رحلة أهالي الخريبة في المعاناة والحرمان بدأت منذ العام 1969 مع دخول رجال المقاومة الفلسطينية إلى هذه المنطقة التي عرفت آنذاك بمنطقة <فتح لاند>، بعدأن تمركزت قوة كبيرة من منظمة <فتح> بقيادة حسين الهيبي داخل البلدة، واتخذ منها منطلقاً لشن عمليات عسكرية ضد مواقع العدو الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي كل مرة كان يرد هذا العدو بقصف مدفعي أو بغارات طيران، وكان يحرق ما يحرق، ويدمر ما يدمر، وفي العام 1970 دخلت قوة إسرائيلية البلدة ونسفت عدداً من المنازل التي تخص آل دعبوس· وفي العام 1973 ابان حرب تشرين قصف الطيران الحربي الإسرائيلي ما تبقى من منازل البلدة ودمرها تدميراً كاملاً، بما فيها كنيستها - كنيسة مار إلياس - التي يعود تاريخها إلى العام 1700م، وتهجر الأهالي إلى القرى المجاورة، وخصوصاً إلى قرى كفر حمام، راشيا الفخّار، إبل السقي والخيام، ومنذ ذاك التاريخ وبسبب عدم تمكن الأهالي من العودة إلى القرية، بدأوا يلحقون إدارياً ويحصلون على بطاقة الهوية في أماكن اقامتهم بحيث لم يعد ما يربطهم ببلدهم الأم الخريبة، وهذا سؤال نضعه برسم المعنيين وما الغاية من وراء ذلكَ!·

ويضيف دعبوس: في اجتياح العام 1978 أقدمت قوات الإحتلال الإسرائيلي على جرف منازل البلدة بالجرافات وسوتها بالأرض، وأقامت مكانها أكبر قاعدة عسكرية لها ولميليشيات سعد حداد آنذاك، وخلال تلك الفترة عمدت هذه الميليشيات إلى سرقة حجارة المنازل ونقلها إلى جهة مجهولة، في حين أقدم الإسرائيليون على جرف الكنيسة وسرقة كل الآثار التي كانت موجودة في البلدة، نقلها إلى داخل الأراضي المحتلة، والخريبة معروف عنها أنها من أغنى بلدات المنطقة بالأماكن الأثرية·

أما بشأن التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالخريبة فيقول دعبوس: في العام 1972تقدّمنا بطلبات للدولة للكشف على حجم الأضرار، وأرسلت في حينه قيادة الجيش لجنة مؤلفة من الرائد يونس، المعاون أول مخائيل دعبوس، الرقيب أول خليل زيتون، وجندي رابع يدعى شربل، ولدى وصول اللجنة إلى مقربة من البلدة انفجر بسيارتهم لغم كان قد زرعه العدو الإسرائيلي مما أدى إلى استشهادهم جميعاً، وبعد ذلك ارسل <مجلس الجنوب> العديد من لجان الكشف، وكانت الوعود بأن التعويضات ستتم على أساس الأصول والفروع، والطلبات التي سجلت بلغت 120 طلباً، لكن حتى الآن ورغم كل المراجعات والإتصالات التي قمنا بها لم نحصل على قرش واحد، وفي كل مرة كان الرد من قبل المعنيين أن هذا الملف سيحال إلى الدولة من أجل إعادة اعمار البلدة، وأحياناً أن دفع التعويضات سيتم عندما تتأمن الأموال اللازمة، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يتحقق، وفي كل مرة كنا نقول نحن لا نريد سوى معاملتنا أسوة بغيرنا، ولا نريد سوى حقّنا، لكن لا حياة لمن تنادي، كما أن نواب المنطقة الذين راجعناهم مرات ومرات لانهاء هذا الملف، كان ردهم نعمل حسب امكانياتنا، ونحن نعرف بأنهم جاءوا عبر <المحادل>·

ولفت دعبوس إلى <أن أهالي الخريبة تقدموا بطلبات تعويض إلى <حزب الله> الذي اتخذ من البلدة مركزاً له في العام 2001، فوعدونا خيراً، لكن حتى الآن لم نرَ سوى الوعود فقط>·

ويضيف دعبوس: إننا نأسف أشد الأسف على هذا الإجحاف بحقنا من قبل المعنيين، لكننا لن نسكت وسنبقى نرفع الصوت عالياً، وربما سنلجأ إلى خطوات تصعيدية من أجل الحصول على حقوقنا المشروعة دون منّة من أحد·

وكشف دعبوس انه <في العام 2007 تم مسح البلدة والحقت إدارياً ببلدة راشيا الفخّار، وهذا الأمر خلق مشاكل عديدة بين الناس لعدم معرفةالحدود بين المالكين بسبب غياب معالمها، لكن يبقى همّنا الأول والأخير هو العودة إلى قريتنا والإستقرار فيها>·

الغريب

من جهته رئيس بلدية راشيا الفخّارغطّاس الغريب استغرب <هذا الإهمال المتعمّد تجاه أهالي الخريبة وحقوقهم المشروعة والمستحقة منذ أمد بعيد>· ورأى <في ذلك تقصير واجحاف ليس لهما أي مبرر>·

وتساءل الغريب: لماذا هذا التميز في التعاطي بين متضرر وآخر؟ ولماذا كل الناس قبضت تعويضاتها باستثناء أهالي الخريبة، مع العلم بأنهم كانوا أول المتضررين من الإعتداءات الإسرائيلية ليس في هذه المنطقة فقط بل في الجنوب كله·

وطالب الغريب <مجلس الجنوب> وكافة الجهات المعنية، ضرورة الإسراع في معالجة ملف الخريبة، ودفع التعويضات المقررة لهم، كي يتمكنوا من اعادة اعمار بلدتهم والإستقرار بمنازلهم بصورة دائمة، أسوة بأخوانهم الجنوبيين لأنه يكفيهم ما عانوه من تهجير ومن قهر وحرمان منذ زمن بعيد·

تعليقات: