كي لا تذهب دماؤنا هدرا... فليحمل كل فلسطيني سلاحه ويتبعني


إذا ما أرخنا للنكبة الفلسطينية من اللحظة الأولى لسقوط السيطرة العثمانية على بر الشام ودخول البلاد تحت حكم البريطانيين (ما جعل من وعد بلفور حالة واقعية يمكن تنفيذها)، فإن عمر الآلام الفلسطينية يبلغ أثنين وتسعين عاما...

وستستمر الآلام الفلسطينية إلى تسعين عاما قادمة إن لم يبادر الشعب الفلسطيني عبر نخبته وعبر القوى الشعبية الفاعلة على الارض وبين الجماهير في الداخل وفي الخارج إلى تقييم مسيرته الوطنية، وإن لم يبادر إلى خلق آليات تصحيح ذاتية لتلك المسيرة، بدءا من تحديد الهدف المرحلي والنهائي لنضال الشعب أو لمن يناضلون من بين فئاته المتعددة.

ليس المطلوب كثير ولا بالمستحيل، ولا يحتاج تنفيذه لتكنولوجيا ولا لصواريخ عابرة للسماوات السبعة.

يستحق نهر الدماء المنسكب من عروق عشرات الآلاف من الفلسطينين شيبا وأطفالا ورجالا ونساء ممن سقطوا خلال مسيرة النضال الماضية، وتستحق آهات مئات آلاف المعذبين الفلسطينيين ممن مروا في سجون الإحتلال خلال العقود الماضية، وتستحق صرخات الحرية المنطلقة من عزائم أثني عشر الف اسير فلسطيني ممن لا يزالون يعانون من ظلام الأسر رغم كل إتفاقات السلام والمبادرات العربية.

القضية بدأت تضيع والقيادات التاريخية فشلت في تحقيق أي هدف وطني قبل أن ترحل اللهم إلا في نيل المديح من جزء من الشعب والشتم من الجزء الآخر.

قد تستفز هذه الدعوة حركة حماس أو حركة فتح وأنا أقول للطرفين ولكافة الفئات المناضلة أو الصامتة والمستسلمة في الشعب الفلسطيني ومن له أذنين فليسمع ومن له عينين فليقرأ:

كلكم في المأزق سواسية، لقد جربت حركة فتح إستراتيجيات عدة في النضال وحظيت بفرصة لقيادة الجماهير في الحرب وفي السلم وفشلت.

وقد مضى على تأسيس حركة حماس أكثر من عقدين وهي سائرة إلى الفشل رغم كل تضحياتها التي أثمرت جزئيات نصر لا تكفي لإعتبارها نصرا (مثل تحرير مدن القطاع ورد المعتدين عن نفس المدن خلال العدوان الآخير وإحباط مؤامرات السلطة العباسية لإنهاء القضية الفلسطينية) إن إعتبرت أن الظروف المحيطة بقضيتها اليوم هي ظروف في صالح الشعب الفلسطيني عامة وقيادة حماس لهذا الشعب خاصة، وللتذكير فالجنرال دايتون والسلطة العباسية يمسكان بخناق الشعب الفلسطيني في الضفة، بينما الإستيطان والجدار يكادان ينهيان القضية على أرض الواقع جغرافيا وديمغرافيا وقانونيا بنيل تواقيع الموافقة على إمتلاك المسروقات الوطنية من قبل سلطة يعترف العالم لها بأنها سلطة وطنية قانونية نالت حتى حماس في ظلها شرعيتها الديمقراطية.

الشعب الفلسطيني صار اليوم خمسة أجزاء:

شعب مكتف بالسلطة العباسية في الضفة

وشعب محاصر بالقتل جوعا أو بالفوسفور في غزة

وشعب يعيش في مخيمات الشتات ولا يحظى بفرصة لتركها ولا نية له بذلك إلا إلى فلسطين أو إلى عيشة إنسانية (لم تلبث وأن تحولت توطينا في بلاد الإغتراب في معظم الحالات) بإنتظار العودة إلى فلسطين.

وشعب يعيش في اربع جهات الأرض عيشة راضية مرضية من الناحية الإنسانية على الأقل.

وشعب لا يملك نفس المشكلات ولا نفس التطلعات ولا نفس أساليب النضال التي للفلسطينيين الآخرين وأفراده يقيمون متمسكين بالتراب الوطني ولكنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية ويذهبون إلى الإنتخابات ويطالبون وزراء الحكومة الصهيونية أحيانا برعاية إحتفالاتهم الموسيقية.

يستطيع قادة كل من حماس والسلطة العباسية الزعم بأن لهم تمثيلا واسعا في كل من الضفة الغربية وغزة وحتى في المخيمات، ولكني أجزم (وأدعوهم للإعتراف بما أجزم) بأنهم لا يمثلون شيئا فاعلا في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الآخضر، ولا يمثلون شيئا فاعلا داخل الجاليات الفلسطينية المنتشرة حول العالم والتي يمثل بعضهم اليوم الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين (أو المهجرين) في أميركا وأوروبا واستراليا ودول الخليج العربي. (أو أن القوانين المحاربة للفلسطينيين بحجة الإرهاب تمنع حماس من التحرك بينما يمثل أي تحرك " لفتح السلطة " مصيبة للقضية أتمنى ألا يحدث)

لقد شكلت منظمات الفدائيين الفلسطينيين بعد زلزال ضرب العرب في فضيحة حرب السبعة وستين أملا راهن عليه معظم الشعب الفلسطيني حتى داخل الخط الآخضر فيما يسمى اليوم حول العالم بإسرائيل، امل لم يلبث أن خفت وذاب و " إنفخت الدف وتفرق عشاق القضية " بعد تجربة منظمة التحرير الفاشلة في لبنان، وبعد أن تم سحب آمال الشعب الفلسطيني بالتحرر من كهوف النضال في وديان جنوب لبنان إلى عمارات الرفاهية وإلى الإستعراضات العسكرية والجيوش النظامية في بيروت وفي فنادقها (اليس غريبا أن يستشهد قادة العمل الأمني السري في فتح أبو يوسف النجار وكمال عدوان داخل شقق فخمة في منطقة فردان البيروتية الراقية وليس في أكواخ المخيمات أو في كهوف الجبال المحصنة )؟؟

اليوم ليس سوى المنافق أو الجاهل يزعم بأن ما يهم إبن المخيم في عين الحلوة هو نفسه حلم تلك الفتاة الأكاديمية التي تنحدر من أصل فلسطيني وتتحدث بلهجة شيكاغو لا بلهجة بني تعمر.

إنطلاقا من هذه الحقائق ولأن للعمر حقه وللسنين تأثيرها على النضال الوطني ولأن لكل جزء من أجزاء الشعب الفلسطيني الخمسة أساليب نضال وظروف موضوعية وأحلام مختلفة، فإن من الواجب أن نقول بأن على الشعب الفلسطيني أن يعيد توحيد أجزاءه نضاليا على هدف واحد بأساليب مختلفة. وذلك طلبا لإنهاء المأساة اليومية التي تتمثل تارة بإحراق البيوت في عكا، أو في منع لم الشمل في يافا، أو في عنصرية مقيتة تمارس ضد المتظاهرين في الناصرة، أو تتمثل بالغارات الليلية على قرية في الخليل وأخرى في جنين، أو تتمثل بمجزرة في في الضفة وأخرى أعمق أثرا في لحم الأطفال الحي في غزة، أو تتمثل قصفا لا رحمة فيه لمخيم فلسطيني في لبنان أو في الاردن يسكنه مئتي مسلح و مئة الف مدني فلا يفرق القاصفون بين الطرفين.

كفى الشعب الفلسطيني موتا مجانيا، وسجنا مجانيا، وضياعا مجانيا في الشتات وفي الوطن، كفاكم تراشقا وتنازعا وتناسخا منظمة عن منظمة وشخصية عن شخصية وجماعة عن جماعة لكل الأمراض المعدية التي تنشرها بينكم مسألة واحدة ووحيدة، هي عدم وجود آلية موحدة تجمع عشرة ملايين فلسطيني من سعسع إلى الجليل إلى رفح فرام الله فالمخيمات فنيوجرسي وسيدني والكويت والإمارات مرورا بشيكاغو ومونتريال ووندسور وديترويت ولندن وباريس وأوسلو و بكل بيت في عالمنا يخفق فيه قلبٌ بالحنين وتدمع عينان كلما رأت الكوفية أو علم فلسطين.

على القادرين على التفكير والفعل والتنظيم من المستقلين الفلسطينيين الموجودين في أوروبا تحديدا لأنهم الأكثر حرية ومقدرة على التحرك، عليهم فورا أن يذهبوا إلى بلد حر يرحب بهم ولا يكون السفر إليه مشكلة لأي جزء من أجزاء الشعب الفلسطيني الخمسة، ربما قبرص تركيا ستكون مناسبة.

عليهم الآن لا في الغد المبادرة إلى توجيه الدعوة علنا إلى مؤتمر فلسطيني شعبي يحضره ممثلو الأحزاب والحركات والهيئات السلطوية والشبه سلطوية في الضفتين غزة والغربية لنهر الأردن، ويحضره أرباب العمل الشعبي والحزبي في المجتمع الفلسطيني في داخل الخط الأخضر، ويحضره ممثلون معروفون بالنشاط الشعبي من مخيمات لبنان وسوريا والأردن، ويحضره ممثلو الهيئات الطالبية أو التراثية أو البارزين إعلاميا وسياسيا وثقافيا من المجتمعات الفلسطينية في العالم العربي وفي العالم الشرقي والغربي وخصوصا فئات رجال الأعمال والأثرياء والأكاديميين، مؤتمر يحضره البرلمانيون الفلسطينيون في برلمانات دول أخرى غير الكيان الصهيوني مهما كان حجمهم ضئيلا وعددهم قليلا، ويحضره كافة أعضاء الهيئات المعترف بها عالميا أو إقليميا أو محليا شرط أن يكونوا من أصل فلسطيني.

لا حاجة لي لتحديد الزمان ولا المكان ولا الكيفية التنظيمية ولا الإنتقائية اللازمة لقبول متحدث من عدمه ومن قبول مشارك في لجان التخطيط من عدمه، ولا حاجة لتحديد كيفية إبعاد العملاء والمدسوسين والخونة عن لجان تنفيذ المقرارت لا متابعتها، هذه كلها أمور سهل تدراكها والسيطرة عليها ففي العشرة ملايين فلسطيني كفاءات تدير كفة مليار من البشر لا عشرة ملايين فقط.

والهدف......

على المؤتمر هذا أن يتحول إلى مؤتمر سنوى لمتابعة التنفيذ ومقرراته واضحة:

البند الأول:

تحديد الهوية الفلسطينية من جديد - عربية نضالية إنسانية تحترم كل الأديان وتلتزم المعايير الديمقراطية والقانونية في التعامل مع الآخرين أكانوا أعداء أم حلفاء.(لأن من يطالب الآخرين بأن لا يكونوا عنصريين يهود ضده عليه أن يلتزم بأن لا يكون عنصريا دينيا ضدهم من منطلق ديني لا علاقة له بالإسلام ولم يدعو إليه الإسلام يوما )

ملاحظة على البند الأول: من مصلحة دعاة الحكم لله أن تتراجع شعارات الدولة الإسلامية في فلسطين وأن تتقدم شعارات التحرير لأن مكسب النضال المسيحي الفلسطيني واليهودي المعادي للصهيونية والعلماني الإنساني المساند لنضال الشعب الفلسطيني أهم بكثير من التعنت في دفع كليشيهات دينية إلى واجهة نضال نريده عالميا لفرض تحرير فلسطين التاريخية كلها من نظام الفصل العنصري والإستيطان الإجرامي.

البند الثاني: تحديد الهدف الفلسطيني العام لكل الأجزاء الخمسة وبشكل يراعي إتفاق الجميع على هدف لا حياد عنه هو إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تعيد لعشرة ملايين فلسطيني هويتهم السيادية على أرضهم وتمنح جنسيتها لكل من يستحقها من أولادها حتى لو كانوا الآن يعيشون في الاسكا وسيبيريا ومجاهل الأمازون، وليس على بعد أمتار من فلسطين في لبنان والأردن فقط، على أن يعلن المجتمعون حلا يتفقون عليه بخصوص المقيمين الآن في الكيان الغاصب، حلا إنسانيا واقعيا يبتعد عن المبالغات العربية المعهودة وينسى موضوع حل الدولتين المستحيل ولو حصل على أرض الواقع الأميركي السلطوي العباسي للهروب من مأزق يتوقعونه بسبب حتمية بروز مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني (التي نراها نحن بعيدة ويراها أعدائنا علميا حتمية وقريبة).

فليكن هدف العشرة ملايين فلسطيني هو التالي:

تحرير فلسطين بأي وسيلة و تدمير القوانين العنصرية في فلسطين وخلق دولة فلسطينية عربية لا ترمي أحدا في البحر ولا تظلم يهوديا ولا مسلما لدينه ولا لأصله ولا لجرائم أبيه وأمه، دولة إن ضاقت الارض بسكانها ترتفع طوابقها حتى عنان السماء.

دولة بعد بنائها سلما أو نضالا وحربا تلتزم بديمقراطية الإنتخابات، فإن إختار الشعب أن الحكم لله فليكن وإن إختار أن الدين لله والوطن للجميع فليكن.

هذان هما البندان المطلوبان والواقعيان وليترك المؤتمرون لكل فئة فلسطينية أن تقترح وتبتدع أشكال النضال التي تراها مناسبة لـأوضاعها شرط أن تكون مدماكا في سياق القضية العام.

عقد المؤتمر ومـأسسته وجعله سنويا وتجاوز العقبات الواقعية والمفتعلة لن يجعلا من الأمر مسألة سهلة التحقيق ولا الخروج بنتائج عملية سيكون متاحا بلا صعوبات، ولكن الشعب الذي عرف كيف يتجاوز حصاره بالشعر والزيتون في الجليل و في عكا، والشعب الذي عرف كيف يبقي راية فلسطين عالية رغم أنها مرفوعة فوق أشباه بيوت في لا وطن اللجوء، والشعب الذي خرج منه مخترعوا الصواريخ وحافروا الأنفاق، الشعب هذا فعلا شعب الجبارين وسيعرف كيف يخط لنفسه إنطلاقة جديدة ترسم الطريق لنضاله في القرن الواحد والعشرين.

صار من العار فعلا أن تتفض عكا وأم الفحم ولا تشاركهما رام الله وخان يونس ويافا، وصار من العار أن تدمر غزة ويذبح شعبها فيتضامن معها أهالي الضفة إنسانيا بالمساعدات لا بالرصاص يوجه إلى رؤوس جنود الإحتلال.

وصار من العار أن تحاصر القدس وتهدم بيوتها وتذبح الطفولة في غزة ومن ثم نسمع بأن فنانة فلسطينية من المثلث تشارك بإسم الكيان الغاصب في مهرجان موسيقي.

لقد جرب الشعب الفلسطيني الركون إلى الدول العربية وإلى الأمم المتحدة وإلى الإنتداب الأجنبي (إسمه اليوم لجنة رباعية ومؤامرات انابوليس) وجرب الإعتماد على الدول العربية تارة وعلى روسيا والصين وأميركا تارة اخرى، وخرجنا من كل تلك التجارب بحاصل كان ناتج جمعه مزيدا من المجازر والتشرد والآلام.

آن الآوان أن يعتمد الشعب على نفسه فقط، آن الآوان ان لا يفرح الفلسطيني إن صرح عمرو موسى أو صمت، إن زور نِصابا لإجتماع عربي أو إرتشى أم إلتزم بشرف المهنة العربية في الدجل والنفاق سرا، فليختلف رؤساء الدول العربية أو فليتفقوا، لا تدعوا ذلك بعد اليوم هما لكم.

من لايعرف كيف يوحد أطياف شعبه ومن لا يتواضع في إدعاءات تمثيله مهما كانت واسعة ومن لا يضم أصابعه الخمسة في قبضته الواحدة لن تفيده شعوب العالم كلها إن وقفت خلفه، ما دام هو أصلا متوقف عن الحراك إلى الأمام بكل جسده.

فلسطين ليست غزة وفلسطين ليست فقط قضية حق العودة وبناء الدولة المستقلة على ما تبقى من اراضي إحتلت في العام سبعة وستين، فلسطين هي فلسطين كلها بكل أبنائها وبناتها في الداخل وفي الخارج، فلسطين هي كل أرض فلسطينية كانت يوما تسمى فلسطين حتى ولو قبل سبعة الاف عام، ومن يزعم غير ذلك يتخلى للمحتلين عن بعضه.

تعليقات: