المحكمة الدولية الخاصة بلبنان: سابقة في تاريخ الأمم المتحدة

وليد عيدو الشهيد الأول بعد إقرارها بموجب الفصل السابع

تطبق القانون اللبناني باستثناء عقوبتي الأشغال الشاقة والإعدام

بعد 836 يوماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، أصدر مجلس الامن الدولي القرار1757 المتعلق بانشاء المحكمة الخاصة بلبنان في سابقة هي الاولى في تاريخ الامم المتحدة.

القرار دخل حيز التنفيذ في العاشر من الجاري، وكان الاعتقاد ان اقرار المحكمة يضع حداً للمسلسل الارهابي الذي يضرب لبنان منذ الاول من تشرين الاول عام 2004، لكن يد الاجرام تتحدى المحكمة ونالت من الشهيد النائب وليد عيدو ورفاقه اول أمس.

بعيداً عن الجدل السياسي الذي سبق ورافق اقرار المحكمة، كيف تنفذ الاخيرة قراراتها؟ وهل يجب الاستعانة بالقوات الدولية لجلب المتهمين؟ وهل يجب تعديل الدستور اللبناني؟

يشكل اصدار القرار1757، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والمتعلق بانشاء المحكمة الخاصة بلبنان سابقة في تاريخ المنظمة الدولية، اذ لم تتشكل محكمة دولية جزائية خاصة بدولة هدفها محاكمة المتهمين الضالعين بجرائم عادية أو إرهابية.

لكن صدور القرار لا يعني بدء عمل المحكمة، لأن الأخيرة لن تشكل غداً ولا خلال شهور، ذلك ان الانتهاء من اجراءاتها يستغرق وقتاً طويلاً، ربما يصل الى عام، اضافة الى ضرورة تأمين التمويل اللازم. من جهة ثانية يرى بعض القانونيين أن القرار 1757 يتطلب تعديل الدستور اللبناني وبعض القوانين الداخلية.

أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور سامي سلهب يذكر أن "كل قرار يصدر عن مجلس الأمن هو قرار وحيد الطرف وتنفيذه يتطلب التعاون (الملزم) من الدول الأعضاء في المنظمة، لأن مجلس الأمن يعبّر عن ارادة الدول الأعضاء تبعاً لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة". ويستغرب عدم اشارة القرار 1757 الى القرار 1373 الصادر في ايلول 2001.

ويضيف "يفرض القرار على الدول موجب عناية أي تعاون لتنفيذ القرارات، بمعنى آخر عدم اعاقة تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وموجب نتيجة أي لا يجوز للقانون الداخلي أن يحول دون تنفيذ تطبيق قواعد القانون الدولي الواردة في القرار."

من جهته، يؤكد الخبير في القانون الجنائي الدولي واستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني ان قرارات مجلس الامن كلها ملزمة للدول، سواء أقرت تحت الفصل السادس او السابع، لأن المادة 25 من ميثاق الامم المتحدة تدعو كل الاعضاء (الدول) الى تنفيذ هذه القرارات، "الأمر الذي اكدته ايضاً محكمة العدل الدولية في قرارها حول ناميبيا العام 1971"، ويضيف: "لكن ما يميز الاستناد الى الفصل السابع يكمن في تقدير مجلس الامن ان الموضوع الذي يتناوله القرار يهدد السلم والأمن الدوليين او اعمال العدوان، وبالتالي يهدف القرار الى منع هذا التهديد بناء على المادة 39 من الميثاق". ويرى جوني ان المشكلة الأساسية تكمن في مدى صحة تقدير مجلس الامن ما اذا كان الموضوع الذي ينظر فيه يشكل فعلاً تهديداً للأمن والسلم الدوليين.

وفي هذا السياق يرى بعض الخبراء القانونيين ان مجلس الأمن يتمتع بسلطة استنسابية في التقدير وهو سيد نفسه ولا سلطة تعلو سلطته، ويخالف آخرون هذا الرأي ويعتبرون انه يجب ان يكون التهديد للسلم الدولي جدياً ولا لبس فيه.

ويعتقد جوني ان انشاء المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع قد ينعكس سلباً على الداخل اللبناني وربما على الامن والسلم الدوليين "هذا ما تحذر منه بعض الدول مثل روسيا والصين وقطر... الخ".

ليست المرة الأولى التي ينشئ فيها مجلس الأمن محكمة جزائية خاصة بموجب الفصل السابع، وسبق أن أنشأ المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، لمحاكمة مجرمي الحرب، وفي العام 1994 أصدر قراراً آخر قضى بانشاء المحكمة الخاصة برواندا لمحاكمة مرتكبي جرائم ضد الانسانية (انطلاقاً من الأوضاع المتردية في الدولتين المذكورتين أعلاه).

لم يكن في استطاعة منظمة الأمم المتحدة ابرام اتفاقية مع كل منهما كما حصل في كمبوديا أو سيراليون.

تراتبية القواعد القانونية

من المسلم به قانوناً أن الدستور يعلو القواعد القانونية كلها، وبالتالي لا يمكن تبني أي نص قانوني داخلي أو دولي يتعارض مع أحكامه. وفي حال كانت الاتفاقية أو المعاهدة الدولية تتعارض مع أحكام الدستور نكون أمام حلين: اما تعديل بنود المعاهدة أو الاتفاقية أو تعديل الدستور، لكن هل في نظام المحكمة الخاصة التي أقرت بموجب القرار1757، بنود تخالف أو تتعارض مع الدستور وبالتالي يجب تعديل بعض مواد هذا الاخير؟

يجيب الدكتور سلهب: "في المبدأ ما من داعٍ لتعديل الدستور اللبناني، لأن مقدمة الدستور وتحديداً الفقرة "ب" نصت على: "( ...) كما هو (لبنان) عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في الحقول والمجالات كلها من دون استثناء".

اضافة الى اجتهادات محكمة العدل الدولية التي تؤكد أولوية سمو قواعد القانون الداخلي، من دون تحديد ما اذا كان القانون دستورا أو تشريعا عاديا.

من هنا يلتزم لبنان مواثيق الأمم المتحدة؛ وبما أن قرار مجلس الأمن يصدر بناءً على ميثاق الأمم المتحدة، فانه لا ضرورة لتعديل الدستور. من جهة ثانية لا بد من الاشارة الى أن المحكمة تطبق أحكام القانون اللبناني (قانون العقوبات، وأصول المحاكمات الجزائية) باستثناء عقوبتي الاعدام والأشغال الشاقة ، أما في حال التناقض بين نص القرار الدولي والقواعد القانونية اللبنانية سواء كانت دستورية أو تشريعية فيوضح الدكتور سلهب: "في هذه الحالة، على الدولة المعنية أن تعدل هذه القوانين بهدف عدم اعاقة تطبيق القرار الدولي."

في المقابل يرى جوني ان قرارات مجلس الامن الصادرة بموجب الفصل السابع لا تراعي القوانين الداخلية للدول و"القرار 1757 ينشىء حالة جديدة وغريبة في آن، حيث يفرض على لبنان الغاء قانون العفو، وتلزيم انشاء المحاكم الى هيئة دولية، مما يستدعي تعديل الدستور اللبناني".

السيادة والفصل السابع

يعتبر بعضهم أن اقرار المحكمة بموجب الفصل السابع يشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية، ويظهر لبنان بلدا لا دولة فيه، اضافة الى انه لا يجوز للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وفقاً لما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. في المقابل يرى آخرون أن اقرار المحكمة تحت الفصل السابع لا يشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية. وفي هذا السياق يقول الدكتور سلهب "بما أن المشروع الأولي (أي نص الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة) يهدف الى ابرام معاهدة بين لبنان والأمم المتحدة، وما دامت الأخيرة استنفدت كل الوسائل كي تقر هذه المعاهدة وفقاً للاجراءات الدستورية في لبنان، بالتالي ليس هناك أي انتهاك للسيادة اللبنانية. علما أن الحكومة اللبنانية طلبت رسمياً من الأمم المتحدة اتخاذ الاجراءات الآيلة لانشاء المحكمة لأسباب يعرفها الجميع".

أما عن المادة الثانية من الميثاق فيوضح "يجب الانطلاق أولاً من أن مجلس الأمن يتمتع بسلطة استنسابية مطلقة في اصدار قراراته بغض النظر عن سيادة الدول، كما أن الميثاق وخصوصاً الفصول الخامس والسادس والسابع المتعلقة بصلاحيات مجلس الأمن ليس فيها ما ينص على احترام سيادة الدول عندما يكون هناك تهديد للسلم الدولي".

ولا يخفي سلهب أن هناك جدلاً حول تفسير الفقرة السابعة، والتدابير القمعية والاحترازية "لذلك يجب العودة الى اجتهادات مجلس الأمن في ما يتعلق بانشاء محكمتي يوغوسلافيا ورواندا، اللتين جاء اقرارهما بسبب الأوضاع الداخلية المضطربة في هاتين الدولتين وقد حالت دون محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الانسانية، والأمر ينسحب على لبنان لأسباب مغايرة بسبب استحالة الاتفاق مع الدولة اللبنانية".

من جهته، يرى جوني ان القرار الاخير لمجلس الامن لم يحترم الاجراءات الدستورية اللبنانية ويشكل انحيازاً لفريق لبناني على حساب فريق آخر "عدا عن انتهاكه اللسيادة الوطنية، لان المادة الثانية من الميثاق لا تعطي الحق لأي هيئة من هيئات الامم المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، الا في حال تطبيق تدابير القمع بموجب الفصل السابع، وهذا يترافق مع انتهاك السيادة الوطنية. ومثال ذلك ما جرى في العراق من اعمال التفتيش التي لم توفر القصور الرئاسية قبل سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين".

المحكمة: عام لتشكيلها

قرار إنشاء المحكمة لا يعني البتة بدء عملها، لأن الترتيبات تتطلب زهاء عام وتبقى القضية الأساسية في التمويل، عدا عن اختيار المقر وتعيين القضاة. وصدور القرار لا يجب ربطه بببدء عمل المحكمة، لأن هناك ترتيبات كثيرة مطلوبة، وتكمن المشكلة الأساسية في التمويل "لا يمكن أن تبدأ المحكمة عملها ما لم يتوفر على الأقل 50 بالمئة من التمويل لثلاث سنوات. ان الأمم المتحدة قد تسهم في تمويل المحكمة من خلال المساهمات الالزامية أو الطوعية، على أن يتحمل لبنان 49 بالمئة من تمويل المحكمة، عدا عن اختيار مقر المحكمة". ويرى سلهب أن مقر المحكمة يجب أن يكون قريباً من الدول المعنية بالجرائم التي تنظر فيها المحكمة.

ولا يفصل جوني دور السياسة عن المسائل التقنية التي تؤخر عمل المحكمة "منها ان الولايات المتحدة الاميركية تستغل الظروف السياسية للحصول على مكتسبات في المنطقة، اضافة الى ان تمويل المحكمة يخضع للتجاذبات السياسية، والاخيرة قد تضّر مستقبلاً باحقاق العدالة الدولية".

هدف المحكمة الخاصة

تهدف المحكمة الخاصة بلبنان الى معاقبة المتهمين في ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وايضاً الجرائم الاخرى من محاولة اغتيال الوزير مروان حماده وصولاً الى اغتيال النائب والوزير الشهيد بيار الجميل، وذلك تبعاً للقرار 1757 وميثاق الامم المتحدة وخصوصاً المادة 25 منه التي تنص: "يتعهد أعضاء الامم المتحدة بقبول قرارات مجلس الامن وتنفيذها وفق هذا الميثاق". لكن ماذا لو رفضت الدول التعاون مع المحكمة، وامتنعت عن تسليم المتهمين في الجريمة أو الجرائم التي تنظر فيها المحكمة؟ وهل يمكن فرض عقوبات على الدول التي ترفض تسليمهم؟ ولو افترضنا أن الدولة اللبنانية لم تستطع لسبب من الأسباب تسليم متهم لبناني في الجريمة، هل تفرض عقوبات ضد الدولة اللبنانية؟

يوضح سلهب "في حال عدم مثول المتهمين امام المحكمة يحق للأخيرة إصدار حكم غيابي على الذين تثبت إدانتهم تبعاً لأدلة دامغة، ويسبق اصدار الحكم تعيين المحكمة محامي دفاع للمتهمين الغائبين. وفي حال عدم تعاون الدول يحق لمجلس الأمن فرض عقوبات غير عسكرية وفقاً للمادة 41 من الميثاق مثل قطع العلاقات، اي عزل هذه الدولة غير المتعاونة عن المجتمع الدولي". ويشير الى ان على الدول ان تظهر حسن النية "اي بذل كل الجهود للقبض على المتهمين وتسليمهم للمحكمة، وفي حال لم تستطع ذلك تصدرالمحكمة حكمها الغيابي". ويختم "في حال لم تتمكن المحكمة من انجاز عملها خلال 3 أعوام يتم تمديد عملها بموجب قرار جديد لمجلس الأمن. ومن جهة ثانية، وبموجب القرار 1757، أصبحت قضية المحكمة حصراً في عهدة مجلس الأمن".

اما عن امكان المحكمة الاستعانة بقوات دولية لتنفيذ قراراتها او احضار المتهمين امامها يعلق جوني "ثمة سابقة في يوغسلافيا (السابقة) حيث ساهمت القوات الاطلسية الموجودة على الاراضي اليوغوسلافية في عمليات المداهمات والبحث عن المطلوبين للمحكمة الخاصة، مما يطرح السؤال عما اذا كانت هناك نية لتكليف قوات "اليونيفيل" المنتشرة في جنوب لبنان تنفيذ قرارات المحكمة، وخصوصاً ان القرار 1701 يلحظ امكان تغيير مهام هذه القوات".

تعليقات: