انتهى ملفّ «التنصّت» دون الـتطرّق إلى... التنصّت!


■ يختفي المشتبه فيه عن أنظار المحققين مدّة يومين..

■ ذكّر جنبلاط بزمن لا يزال يؤرّق حاضره وعنوانه جميل السيّد..

■ باسيل يثق بوزير الداخلية الحالي لكن السؤال هو: من سيخلفه؟..

لأن الانتخابات النيابية على الأبواب، ينقسم السياسيون حتى حول جنس الملائكة. خلال الأسبوع الماضي حاضروا في التنصت، وزايدوا في الحفاظ على أمن البلاد وخصوصيات المواطنين. لكنهم اختلفوا حول بيانات هاتفية وأجمعوا على وجوب... التنصت

بناءً على القاعدة اللبنانية المعهودة «لا غالب ولا مغلوب» انتهت قضية ما أثير حول التنصت على الهاتف الخلوي. فالاتفاق الذي أُبرم في اجتماع السرايا يوم أول من أمس أعطى الأجهزة الأمنية حق الحصول على بيانات كاملة من شركتي الهاتف الخلوي (مع تحفظ وزير الاتصالات عن ذلك)، مقابل تحقيق الوزير جبران باسيل لمراده، أن تمر طلبات الحصول على البيانات عبر القنوات التي ينصّ عليها قانون التنصت.

غير أن اجتماع السرايا، رغم إضفائه نوعاً من الشرعية على عمل الأجهزة الأمنية المتعلق بالبيانات الهاتفية من الآن وصاعداً، لم يتطرّق إلى قضية التنصت الحقيقي على المكالمات. فالمعركة السياسية التي فتحت خلال الأسبوع الماضي لم يكن موضوعها التنصت، بل البيانات التي تسمح للأجهزة الأمنية بالاطلاع على الآتي:

1ـــــ الرسائل النصية (SMS).

2ـــــ تحديد الأماكن التي يتنقل فيها حاملو الهواتف الخلوية.

3ـــــ تحديد الأرقام التي اتصل بها الهاتف وتلك التي تلقى منها اتصالات، إضافة إلى تحديد مدة كل اتصال.

والبيانات المذكورة التي تحصل عليها قوى الأمن الداخلي (فرع المعلومات والشرطة القضائية التي لا تستثمر البيانات جدياً) ومديرية استخبارات الجيش لا تحوي أي تسجيل صوتي للمكالمات، وتصل إلى الأجهزة الأمنية بتأخير 48 ساعة عن تاريخ تسجيلها، أي إن المشتبه فيه يختفي عن أنظار المحققين مدة يومين.

■ علامَ المعركة؟

بعد اجتماع السرايا، خرج وزير الدفاع الياس المر ليمسك بالعصا من وسطها بقوله إن «وزير الاتصالات لم يمنع البيانات» عن فرع المعلومات، وإن «البيانات ستُعطى للجميع وفقاً للقانون»، و«أنا انتدبت ضابطاً من الجيش إلى وزارة الاتصالات بناءً على طلب باسيل، والهدف الأساسي هو كشف التخابر الدولي غير الشرعي».

في النقطة الأخيرة، كان المر يتحدث عن العقيد دانيال فارس، الذي قال النائب وليد جنبلاط يوم 26/1/2009 إنه ضابط من الأمن العام فُتِح له مكتب في وزارة الاتصالات بغية الحصول على معلومات تتصل بالتحقيق في اغتيال الحريري. جنبلاط الذي رمى بحصة فارس في بحيرة التنصت لم يصوّب سهامه مباشرة إلى قيادة الجيش، إذ قال إن الضابط يعمل في المديرية العامة للأمن العام. ويبدو أن رئيس اللقاء الديموقراطي لم يكن يريد تحييد الجيش بقدر ما أراد التذكير بزمن يبدو أنه لا يزال يؤرق حاضره، عنوانه اللواء جميل السيد. فالعقيد دانيال فارس، وهو أحد الضباط المختصين بالتنصت في مديرية استخبارات الجيش، كان عام 1998 قد انتقل، مع السيد، من الجيش إلى الأمن العام. وعام 2005، عاد إلى الجيش، وتابع عمله من دون أي ضجيج، إلى أن قرر جنبلاط رفع إصبعه في وجه جبران باسيل ومن خلفه العماد ميشال عون والمعارضة السابقة.

بعد انكشاف «الغشاوة» عن عيني جنبلاط ورؤيته «للتحقيق الدولي مهدداً»، قطع الوزير جبران باسيل إمداد البيانات الهاتفية عن فرع المعلومات. قوى 14 آذار، بفريقيها السياسي والأمني، اتهمت باسيل بإنشاء غرفة في وزارة الاتصالات، يترأسها العقيد فارس، مجهزة بنحو 45 جهاز كومبيوتر، لتحل مكان غرفة «الفوترة» التي كانت موجودة أيام الوزير السابق جان لوي قرداحي، والتي، بحسب ما يقول أهل 14 آذار، يمكن استخدامها للتنصت على المحادثات الكلامية الخلوية. وإضافة إلى ذلك، لم تترك الأكثرية ستراً على باسيل، فأخرجت إلى وسائل إعلامها كلاماً كانت قد حصرته سابقاً خلف أبواب مغلقة: بعد انفجار شارع المصارف في طرابلس الذي أودى بحياة 10 عسكريين من الجيش و5 مدنيين (13 آب 2008)، كان محققو فرع المعلومات قد بدأوا يتلمسون الملامح الأولى لشبكة عبد الغني جوهر. لم يكن أفراد الشبكة قد حُدِّدوا بعد، وكانت الوسيلة الوحيدة لتتبعهم هي البيانات الهاتفية. ويوم 28/8/2008، فاجأ باسيل المحققين بقطع البيانات الهاتفية عن جميع الأجهزة الأمنية، وبينها فرع المعلومات. اختفت شبكة جوهر عن أنظار المحققين، إلى أن اغتيل الشيخ صالح العريضي (10/9/2008) ورفع باسيل الحظر جزئياً عن البيانات، قبل أن يعود ويقطعها إلى أن وقع انفجار البحصاص يوم 29/9/2008.

بعد ذلك، زار رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن الوزير باسيل، قبل أن يحصل اتفاق بين وزارات الداخلية والدفاع والاتصالات، على أن تزود الأخيرة الأجهزة الأمنية البيانات التي اعتادت أن تأخذها من الشركتين، شرط أن تمر طلبات الحصول عليها عبر النيابة العامة التمييزية. ويومها، تحدّث ضباط من فريق 14 آذار عن فرضية مفادها أن كشف شبكة جوهر كان ممكناً قبل تفجير البحصاص، مشيرين إلى مسؤولية معنوية يتحملها باسيل. وردد هذا الكلام ضباط «محايدون» أو على الأقل بعيدون عن 14 آذار.

وقبل أيام، قال ضباط وسياسيون من الأكثرية إن باسيل أعاد إلى الواجهة قضية الحفاظ على خصوصيات المواطنين لهدف وحيد هو محاولة التغطية على ما كشفه جنبلاط عن وجود العقيد فارس في وزارة الاتصالات. وإضافة إلى ذلك، وجه هؤلاء إلى باسيل تهمة ملاحقة التحقيق في جريمة اغتيال الحريري، من خلال مطالبة شركتي الهاتف الخلوي بتزويده كل ما زودوا لجنة التحقيق الدولية أياه، ملمّحين إلى أن ما طلبه سيصل إلى سوريا، لكي تتمكن من تحديد ما توصلت إليه لجنة التحقيق الدولية.

في مقابل هذا الكلام، قال الوزير المر أول من أمس إن باسيل لم يمنع البيانات عن الأجهزة الأمنية، إلا في الأسبوع الأول لتسلمه مهامه في الوزارة. أما باسيل، ومنذ وصوله إلى وزارة الاتصالات، فيتحدّث عن التزام القانون 140، الذي يحدد آليتين فقط للتنصت: القضائية والإدارية. الاولى تتم بطلب من قاضي التحقيق الأول في كل محافظة، فيما الثانية تحصر إجازة التنصت بكل من وزيري الداخلية والدفاع، بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء.

ويقول وزير الاتصالات إن القانون لا يجيز التنصت بأمر من النائب العام التمييزي، فكيف الحال بأمر من محامين عامين كما كان يجري؟ ويشير إلى أن الفترة الممتدة من 2004 إلى 2007 شهدت حصول أكثر من 25 ألف حالة اعتراض وكشف معلومات ومراقبة خطوط هاتفية، فيما ورد إلى شركتي الخلوي 22272 طلب معلومات عن أرقام خلوية في الفترة الممتدة من شباط 2007 إلى أيار 2008. ويقول باسيل إن معظم هذه الطلبات جاء من خارج القانون، وكان يصل إلى شركات الخلوي مباشرة. «ولوقف هذا التسيّب القانوني، تشددتُ في موضوع البيانات. أما العقيد فارس، الذي لم أتمكّن بعد من وضع كومبيوتر واحد في تصرفه، فطلبته لمعاونتي في كل ما يختص بالتخابر غير الشرعي، باستثناء التنصت. ومن انزعج من قمع التخابر غير الشرعي لجأ إلى الصراخ».

أما عن سبب منعه فرع المعلومات من الحصول على البيانات بعد ما أثاره جنبلاط، فيقول باسيل إن ذلك يتعلّق «بمن تجاوب مع طلب الالتزام بالقانون ومن لم يتجاوب»، رافضاً الإفصاح عن الجهات التي يقصدها بكلامه.

وفضلاً عن ذلك، يعود باسيل وفريقه السياسي إلى قانونية «شعبة» المعلومات التي لا وجود لها في القانون والمراسيم المنظمة لعمل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. ويذهب بعض هذا الفريق أبعد من ذلك، فيقول إن فرع المعلومات ليس من الضابطة العدلية المكلفة التحقيق في الجرائم. وبعيداً عن فرع المعلومات، سجّل باسيل في اجتماع السرايا تحفظه عن حصول الأجهزة الأمنية على كل البيانات الهاتفية المسجلة في شركتي الهاتف الخلوي، التي لا تستثني أي هاتف على الأراضي اللبنانية. لكن أمنيين معنيين بقضية التنصت يؤكدون أن حصول الأجهزة الأمنية على البيانات كاملة يرتبط بعدم إمكان حصر المشتبه فيهم على نحو كامل، فضلاً عن التخوف من تسريب المعلومات خلال مرور طلبات التزود بالبيانات على كل من النيابة العامة التمييزية ووزارة الاتصالات وشركتي الهاتف الخلوي. وفي مقابل ذلك، يقول باسيل إنه لا يجوز التذرع بالوضع الأمني للتدخل في خصوصيات المواطنين والسياسيين، «وبإمكان الأجهزة الأمنية التمويه في طلباتها، عبر طلب معلومات عن منطقة معينة، أو عن ألف خط هاتفي مثلاً، بدلاً من طلب كل البيانات الموجودة في الشركتين». ويقول إنه طلب من وزيري الدفاع والداخلية أن يحاولا ضبط الأمور من هذه الناحية إلى أقصى الحدود الممكنة.

حيال تخوّف بعض الأمنيين من تحفّظ باسيل، وبقائه سيفاً مُصْلتاً يمكنه استخدامه في أي لحظة، يرفض وزير الاتصالات الإفصاح عن نياته قائلاً: «لن أُطَمئن من يخالف القانون».

خلفيات أخرى يقول باسيل إنها تقف وراء إثارة 14 آذار لملف الاتصالات، ويتحدّث عن 3 أسباب: «يريدون إبقاء ملف التنصت فالتاً، وهم منزعجون مما فعلته في وزارة الاتصالات، ووصلتهم معلومات خاطئة».

■ أين التنصت؟

الملف الذي أثير على خلفيات متعددة لم يتطرّق إلى التنصت الذي يؤكّد رجال السياسة حصوله، لكن من دون إخراج أي دليل عليه، وهو غير الموجود لدى المديرية العامة للأمن العام واستخبارات الجيش. فالأولى تملك أجهزة «متخلفة» للتنصت، بحسب ما يقول مسؤول أمني رفيع، وهي لا تستطيع أن تسجل سوى عشرات الخطوط الأرضية بطريقة بدائية. أما في الجيش، فتوجد أجهزة للتنصت على المكالمات الهاتفية الصادرة من شبكة الهاتف الأرضي، وتلك الواردة إليه. ويجري هذا الأمر بعلم السلطة السياسية، لكونه، بحسب الرواية شبه الرسمية للجيش، مرتبطاً بالأمن العسكري الذي لمديرية الاستخبارات صلاحيات مطلقة فيه بموجب وثيقة الطائف.

ورسمياً، ليس في لبنان أي مركز شرعي للتنصت على مكالمات الهاتف الخلوي. وما لم يشر إليه اجتماع السرايا، هو ما يقال عن الأجهزة الصغيرة التي يمكن حملها في حقائب، والتي تمكن حامليها من التنصت على أقل من 10 خطوط خلوية في وقت واحد، شرط أن تتلقى الأجهزة الإشارات من الخلية ذاتها التي تزود الهواتف التي تخضع للمراقبة. وبالتالي، فإن على المحققين اللحاق بالشخص المستهدف. وقال مسؤول أمني رفيع المستوى إن سعر هذه الأجهزة زهيد، لكن إدخالها بطريقة شرعية إلى لبنان صعب جداً.

ورغم ذلك، يؤكد مسؤولون وجود حقائب كهذه مع أجهزة أمنية عديدة، من دون أن يعترف أحد من الأمنيين بذلك، رغم وجود بعض الإشارات إلى استخدام أجهزة رصد متنقلة في بعض التحقيقات.

أما تثبيت أجهزة مركزية للتنصت في كل واحدة من شركتي الخلوي أو في مركز الربط التابع لوزارة الاتصالات، فقد حال دونه سعر الجهاز منتصف التسعينيات، الذي فاق 60 مليون دولار حينذاك، فيما سعره الحالي يقل عن 15 مليون يورو. وللتمكن من التنصت على مكالمات جميع أجهزة الهاتف الخلوي في لبنان ينبغي تثبيت جهاز مماثل في وزارة الاتصالات أو في شركتي الهاتف الخلوي معاً، وهو ما سيتم في نيسان المقبل. فبعد شهرين، تنهي شركة نوكيا تجهيز مركز التنصت الشرعي، الذي سيديره ضابط من الأمن الداخلي وآخر من الجيش وموظف من وزارة الاتصالات. ويتيح المركز المذكور مراقبة مكالمات 360 هاتفاً خلوياً في وقت واحد، فضلاً عن تعقب 48 ألف هاتف خلوي في اليوم الواحد، فضلاً عن تسجيل كل الرسائل النصية (SMS) وحركة الاتصالات. وفي تموز المقبل، يصبح بإمكان المركز مراقبة الشبكة الثابتة وشبكة الإنترنت. ويمَكّن المركز المذكور الأجهزة الأمنية من مراقبة حركة هواتف المشتبه فيهم مباشرة، فضلاً عن الاستماع لمحادثاتهم، ما يطوّر عمل الأجهزة الأمنية. ويوم أمس، رأس وزير الداخلية والبلديات زياد بارود الاجتماع الأول لأعضاء الجهاز الخاص باعتراض المخابرات الهاتفية، الذي سيدير مركز التنصت المذكور. ويضم «الجهاز» الرائد سامي ناصيف عن وزارة الداخلية والرائد طوني قهوجي عن وزارة الدفاع، والمهندس طوني حنا عن وزارة الاتصالات. وتجدر الإشارة إلى أن المركز يتبع قانوناً لوزارة الداخلية، بينما يقع مبناه في وزارة الاتصالات.

أما ضمان الحريات الشخصية، فالالتزام بالقانون الذي يمنع التنصت على أي هاتف من دون الآليتين السابقتي الذكر. ويرى وزير الاتصالات وجوب تعديل النصوص القانونية إذا أظهرت التجربة وجود ثغر فيها. ويقول إنه يثق بوزير الداخلية الحالي زياد بارود، لكن السؤال هو: من سيكون وزير الداخلية في المستقبل؟

«تعود حليمة إلى عادتها القديمة»

أشاد السياسيون بالتحضير لبدء تطبيق قانون الاتصالات. أما الرئيس الأسبق للحكومة الدكتور سليم الحص فأبدى حرصه على الحريات الفردية، وطالب بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية. الرئيس عمر كرامي شارك الحص في المطلب ذاته، داعياً إلى معاقبة من كان مسؤولاً عن مخالفة القانون، ومبدياً خشيته من تغيير الحكومة الحالية ووزير الاتصالات «الذي نجح في فضح هذا الأمر»، لتعود «حليمة الى عادتها القديمة».

البيانات والجرائم

سمح تحليل البيانات الهاتفية بحصول اختراقات مهمة في التحقيق بعدد من الجرائم. فبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تمكّن الفريق التقني في مديرية استخبارات الجيش (كان برئاسة العقيد غسان الطفيلي الذي ناله نصيب من هجوم 14 آذار السياسي) من تحديد أرقام الهواتف التي قالت لجنة التحقيق الدولية لاحقاً إن من اغتالوا الحريري استخدموها. ومع توسّع فرع المعلومات، تمكن مكتبه الفني، برئاسة النقيب الشهيد وسام عيد (الصورة)، من كشف عدد من الأفراد والشبكات المتهمين بتنفيذ عمليات تفجير، أو بالانتماء إلى تنظيمي القاعدة و«فتح الإسلام»، كمجموعة ثكنة فخر الدين والمتهمين بتنفيذ جريمة عين علق وصولاً إلى شبكة عبد الغني جوهر، مروراً بـ5 شبكات في الجنوب وإقليم الخروب والبقاع.

جديد تيّار المستقبل: شبكة اتصالات خاصة تُنجَز قبل أيّار

أحمد محسن

بعد أقلّ من عام على حوادث أيار 2008، يعود ملف الاتصالات والتنصّت إلى الواجهة بقوة، من مجلسي الوزراء والنوّاب ووسائل الإعلام. لكنّ أمراً آخر يجري تحضيره في الخفاء، إذ علمت «الأخبار» من بعض الإداريين والعاملين في إحدى الشركات التجارية الرائدة في مجال التكنولوجيا والمعلومات، أن تيار المستقبل تقدم بطلب إلى الشركة المذكورة، لبناء شبكة اتصالات خاصة به لأهداف «انتخابية». وأكدت المصادر نفسها أن التكلفة رصدت، وأن التيار يعوّل على الشركة لإنجاز الشبكة قبل أيار المقبل.

الشركة المتعهدة ICC، شركة تجارية معروفة في مجال تكنولوجيا الاتصالات، وباشرت العمل على تنفيذ مشروع المستقبل، بحسب ما ذكرت مصادر الشركة لـ«الأخبار». ونقل عن أحد التقنيّين فيها أن المشروع يهدف إلى الربط بين مراكز تيار المستقبل في كل لبنان، على أبواب الانتخابات.

ليس بالضروري أن تكون سمعة الشركة الجيدة سبباً رئيساً في اختيارها. ربما هناك أسباب أخرى، أكثر تشجيعاً لتيار المستقبل. ومن أبرزها وجود رئيسة قطاع المهندسين في التيار، السيدة بشرى عيتاني، على رأس إدارة الشركة، ما قد يسهّل الأمور، وخاصة أن العمل يجب أن ينتهي قبل شهر من موعد الانتخابات النيابية على الأقل، كما أكد أحد العاملين في الشركة. وعند محاولة استيضاح عيتاني، قالت لـ«الأخبار»: «لا يمكنني أن أعطكيم أيّ خبر عن هذا الموضوع»، حتى إنها رفضت التحدث عن الجانب التقني منه، إذ اعتبرته «موضوعاً خاصاً وحساساً، لا يمكن إعطاء المعلومات عنه لأن العمل قد انطلق». فيما قال أحد العاملين في الشركة، وهو من المنتمين إلى المستقبل، إن انطلاق العمل في منطقة البقاع سيبدأ قريباً. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن أغلب التقنيين في الشركة ينتمون إلى التيّار.

وعلمت «الأخبار» من المصدر ذاته أن تكلفة مشروع المستقبل ستتخطى المليون دولار، على أن تنتهي في أوائل أيّار، أي قبل الذكرى السنوية الأولى لحوادث السابع من أيّار، التي اندلعت بسبب القرار الحكومي الشهير. في المقابل، ينتظر كوادر التيار ومنسّقو فروعه أن يصير لهم شبكتهم الداخلية الخاصة. وإذا سلّمنا جدلاً بأن هذه الشبكة هي لأهداف انتخابية بحتة، فإن القانون الانتخابي، الذي أقرّه مجلس النوّاب في 30 تشرين الأول من العام الفائت، كان قد أقرّ «هيئة مراقبة الحملات الانتخابية»، بالاعتماد على الاقتراحات التي وردت في مسوّدة القانون الذي تقدّمت به لجنة فؤاد بطرس لتشكيل هيئة مستقلّة للانتخابات. ومن صلاحياتها ضبط الإنفاق الانتخابي. ومن غير المتوقع اعتبار إنشاء شبكة اتصالات خاصة بين فروع حزبية ضمن الحد المسموح به للإنفاق الانتخابي.

وأكّد أحد المقربين من رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري لـ«الأخبار» وجود المشروع المذكور، مشدّداً على أن شبكة المستقبل لن تكون خارجة عن سلطة الدولة، إذ إن التيار سيستأجر جزءاً من شبكة الألياف البصرية (fiber optics) التابعة للدولة. وأشار المسؤول المستقبلي إلى أن هذه الشبكة ستستخدم لنقل البيانات خلال الانتخابات، وهي شبيهة بتلك الموجودة في المصارف والشركات الخاصة.

باسيل والاتصالات: نموذج عن إمكان مواجهة الفساد

إبراهيم الأمين

ثمّة عبارات تستخدمها وسائل إعلام فريق 14 آذار تعكس أحياناً كثيرة قلةً في التدبير والحيلة ونقصاً في الخيال الخصب، حتى يصح القول إن نظام الدكتيلو عاد إلى العمل. عند الثامنة إلا دقيقة، أو أكثر، خرجت قناة «أخبار المستقبل» أمس بعنوان أن اجتماع السرايا انتهى إلى قرار بوقف حجب المعلومات عن لجنة التحقيق الدولية، وبالطبع كانت إذاعة «الشرق» قد فعلت الأمر نفسه، قبل أن يكرّر اللازمة وزراء ونواب ومصادر وزارية وحكومية ونيابية من الجماعة نفسها. وحتى إذا ما طلع الصباح، كانت صحيفة «المستقبل» تستخدم العبارة نفسها، فيما فوجئ المواطنون بديك «النهار» يتحول إلى ببغاء، فيكرر العبارة نفسها، ولا حاجة إلى ذكر آخرين من الذين يعانون ضائقة شعبية لا تفكّها البحبوحة المادية.

إلا أن الأكثر فجاجة، هو اللجوء إلى الكذب و«التفنيص» بطريقة منفّرة، مثل تجاهل وقائع عُرضت أمام جميع المراجع الرسمية الأمنية والسياسية والحزبية، وقسم منها معروف قبل اندلاع أزمة التنصت الأخيرة، وفيها معلومات مثيرة للعجائب، عن عمليات مراقبة لآلاف الخطوط الهاتفية وفق نظام دوائر لا يمكن عباقرة الأمن الوقائي في العالم معرفة الرابط بينها، لكن إذا ما أُتيح إدخال كلمة معارضة، أو قريب من سوريا، يمكن فهم الشريط اللاصق لهذه الخطوط المراقبة، وساعتها ليس مهماً كيف يكون التنصّت وما الذي يجب متابعته أو لا، من الحديث عن خلافات الأزواج، كما أشار جبران باسيل، إلى ملف العشيقات، كما أظهرت تحقيقات لجنة التحقيق الدولية التي فوجئت بالقدر الكبير من رسائل الحب التي أطلقها سياسيون ورجال أعمال ورجال أمن في ذلك اليوم المشؤوم في 14 شباط المصادف لعيد الحب. ولو أُتيح للّجنة نشر قسم من هذه المعلومات، لسادت البلاد موجة من الفضائح. إلا أن الأخطر هو ما أشارت إليه جهات متخصصة، بأنّ هدف التنصت ليس فقط الاستماع أو المراقبة، بل تسجيل أصوات البعض والعمل على تركيب حوارات لم تحصل، وإعداد أقراص مدمجة، تتضمّن وقائع ليس لها أساس من الصحة. لكن ثمة من يحترف إعادة الصياغة، يعمل على إعادة تركيب الجمل والعبارات بما يحوّلها إلى قصة، فإذا نفعت في بعض التحقيقات نفعت، أو فلتُستَخدَم لأغراض أُخرى. ويبدو أن هذه العملية أُجريت على بعض الذين هم من فريق 14 آذار نفسه، والذين باتوا أسرى حسابات جعلتهم يتورطون أكثر في ألعاب وفي الكذب والتشهير بحق الآخرين.

أمر آخر، هو الذي يخصّ آلية العمل واعتبار التدقيق والطلب أن يكون التنصت وفق ما يفرضه القانون، حيث يبدو أن القوى المعنية بالجانب الأمني في فريق 14 آذار معنية بعزل ما تقوم به عن الآخرين، سواء كان ذلك في مسرح الأجهزة الرسمية أو الأجهزة الخاصة. وبهذا المعنى، يمكن فهم الحملة غير المنطقية على الوزير جبران باسيل، إذ يبدو أن الأخير نجح في مجموعة أمور منها:

أولاً: قدرته على قراءة ملف الاتصالات في الوزارة وتوابعها بأسرع مما كان يعتقد فريق 14 آذار الذي تصوّر وروّج حتى بين موظفي الوزارة أن باسيل سيكون مشغولاً بالانتخابات النيابية، وأنه سيهتم بتوظيف بعض الأنصار والمحاسيب، لا أكثر من ذلك. لكن المفاجأة أن باسيل نجح في وقت قياسي في التعرف إلى الكثير من الأمور. كذلك ظهر أن في الوزارة، على مستويات مختلفة، عدداً غير قليل من الموظفين الذين كانوا يعيشون حالة قمع منعتهم من رفض الكثير من التجاوزات.

ثانياً: لم يُخفِ باسيل انشغاله بالانتخابات، وهو لا يخفي رغبته في أن ينجح في عمله، ما ينعكس إيجاباً على صورته عند الناخب، لكنه يعرف منذ اللحظة الأولى أن الجمهور الذي سيهتم به هو الجمهور الذي يريد أن يكون عمله لافتاً لناحية تحقيق نجاحات تعيش لوقت طويل، وهذا يعني اتخاذ قرارات تستند إلى قوانين تصبح نافذة فعلاً لا قولاً. وهذا الأمر يشمل أبواباً كثيرة في نطاق عمل الوزارة، ومن بينها ملف التنصت الذي ظل على الدوام نصب أعين كل من يصل إلى السلطة في لبنان، فكيف وفريق الحريري كان يعاني أيام الأب الراحل نقصاً فادحاً في الذراع الأمنية، وهي الذراع التي منعتها عنه سوريا، بل وضعتها في مواجهته.

ثالثاً: حاول رئيس الحكومة وفريقه المالي محاصرة الوزير باسيل من خلال ملف الواردات، إذ قيل له منذ اليوم إنه ممنوع عليه إدخال أي تعديلات من شأنها تقليص حجم الجباية من هذا القطاع، وكانوا يستهدفون شلّ قدرته على التعديل في أسعار الخدمات التي يهتم لها 90 بالمئة من اللبنانيين المتعاملين مع وزارة الاتصالات وشركتي الهاتف الخلوي. لكن ما لبث فريق السنيورة أن اصطدم بإعداد باسيل مقترحات تحقّق وفراً للمواطن وتزيد من نسبة العائدات، وتفرض على القطاع الخاص توفير خدمة كاملة إن لم تكن أفضل من السابق.

رابعاً: سعى هذا الفريق أخيراً إلى محاولة محاصرة الوزير باسيل في ملف التنصت من خلال شهر سيف التحقيقات الأمنية والجنائية، لمنع تحقيق برنامج التنصت وفق القانون، بعدما فشلت محاولة منعه عندما أكد أن تكلفة إنشاء الغرفة التقنية لا تحتاج إلى تمويل جديد، وبالتالي جرب طويل 14 آذار ألاعيبه التقليدية في الانتقاد والغمز واللمز، لكنه لم ينتبه إلى أن مفعول هذه الألاعيب، كما مفعوله السياسي هو، قد انتهى بتاريخ 7 أيار 2008.

ماذا في جعبتهم أيضاً؟

أزمة ثقة تعطّل القانون 140 لا رقابة قضائيّة مستقلّة

عمر نشابة

تكرّرت الدعوات إلى الالتزام بقانون صون الحق بسرّية المخابرات (140) على لسان وزراء العدل والدفاع والداخلية والاتصالات ورئيس مجلس الوزراء، غير أنه لا يخفى على الناس استمرار عجز السلطة في تطبيق الجانب الأهمّ منه: الرقابة القضائية المستقلّة على اعتراض المخابرات بقرار إداري.

المادة السادسة عشرة من القانون 140 تنصّ: «تنشأ هيئة مستقلة من الرئيس الأول لمحكمة التمييز ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة تناط بها صلاحية التثبت من قانونية الإجراءات المتعلقة باعتراض المخابرات المتخذة بناءً على قرار إداري». ويشرح القانون أن الهيئة يُفترض أن تُبلّغ باعتراض المخابرات المتخذة بموجب قرار إداري خلال ثمانٍ وأربعين ساعة من صدورها. ويعود للهيئة خلال مهلة سبعة أيام من تاريخ التبلّغ النظر في قانونية الاعتراض. ويمنح القانون الهيئة أو من تنتدبه من أعضائها «أوسع الصلاحيات لإجراء التحقيقات اللازمة مع الجهة الأمنية والإدارية والفنية المختصّة ومع مؤسسات القطاع الخاص المعنية بموضوع وسائل الاتصال. ولها الحق في إجراء الكشف الحسي والاستعانة بمن تشاء من أهل الخبرة والاطّلاع على المعدات والمستندات اللازمة مهما كانت درجة سريتها».

كذلك ينصّ القانون على أن نظام عمل الهيئة يُحدّد بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح رئيس مجلس الوزراء. وكان المرسوم 15281 قد صدر في 1 تشرين الأول 2005 ونصّ على أن المراجعة تقدم من «كلّ ذي مصلحة إلى رئيس الهيئة» (المادة الخامسة) و«تُعلم الهيئة مقدّم المراجعة عن مصير مراجعته بواسطة القلم» (المادة الحادية عشرة). كذلك حدّد المرسوم مكان اجتماع اللجنة وهيكليتها الإدارية وتسلسل الإجراءات التي تتخذها.

غير أنه رغم مرور نحو 10 سنوات على صدور القانون 140، ونحو 4 سنوات على صدور المرسوم 15281 يستمرّ عجز مجلس الوزراء في إنشاء الهيئة القضائية المستقلة. ولم يُعلن بعد اجتماع الوزراء الأخير الذي كان مخصّصاً لمعالجة قضية اعتراض المخابرات عن أية نية لإنشائها قريباً.

لا حاجة للدخول في الأسباب والدوافع السياسية وغير السياسية، بل تكفي الإشارة إلى تقصير الحكومة ورئيسها في تطبيق القانون. فذلك بحدّ ذاته يستوجب المحاسبة في الدول الراقية.

لكن، لا بدّ من الإشارة هنا إلى دور أزمة الثقة التي تؤدي إلى عدم توافق مجلس الوزراء على القاضي الذي يفترض أن يُعيّن رئيساً لديوان المحاسبة. فيبقى مركزه شاغراً ويزيد ذلك من العجز عن إنشاء الهيئة بحيث إن رئيس ديوان المحاسبة هو أحد أعضائها و«لا تكون اجتماعات الهيئة قانونية إلا بحضور جميع أعضائها» (المادة التاسعة).

أما بما يخصّ مصطلح «التنصّت» المتداول بكثافة في الإعلام وعلى لسان السياسيين، فلم يوضَح المقصود منه. إذ إن القانون 140 والمرسومين: 15280 (تحديد أماكن وأصول اعتراض المخابرات) و15281 (نظام عمل الهيئة المستقلة) لا يستخدمونه، بل يُذكر «اعتراض المخابرات». على أيّ حال، إن الهدف من القانون 140 والمرسومين هو تنظيم «اعتراض المخابرات» بقرار قضائي أو إداري، لا تنظيم تسجيل البيانات التي تشير إلى تواريخ الاتصالات والأرقام التي تطلب منها وتستقبلها.

تعليقات: