»القبعات الزرقاء« تجذب المستثمرين وتحرك الإقتصاد

جنود دوليون يتسوقون من معرض للمنتوجات الريفية في الخيام
جنود دوليون يتسوقون من معرض للمنتوجات الريفية في الخيام


شهدت نظرة بعض المواطنين إلى منطقة جنوب نهر الليطاني تحولاً جذرياً بعد أشهر على نهاية عدوان تموز ٢٠٠٦ وحتى اليوم. ما إن بدأت وفود القوات الدولية بالوصول إلى الجنوب المنكوب بأكثر الاعتداءات وحشية حتى تحولات الأنظار عن مشاهد الدمار منتقلة إلى فرص الاستثمار والنمو. وتزامنت ورش الإعمار في القرى والبلدات الجنوبية مع توسع وافتتاح مراكز تجارية تستقطب الجنود الدوليين. واللافت أن مدينة صور تستفيد وبشكل كبير من هذه المراكز، بحيث يلمس زوارها الطفرة في المشاريع السكنية والتجارية الضخمة على السواء، انطلاقا من أن المدينة لم تصب بأضرار تدميرية جسيمة جراء عدوان تموز على لبنان، وتمكنت وأهلها من استعادة نمط الحياة الطبيعية في وقت سريع نسبياً.

وللجنوبيين تجارب سابقة من العلاقات التجارية مع الدوليين، وان حفلت تلك العلاقات بالعديد من التقلبات بحيث أنعشت الحركة التجارية تارة وأدخلتها في بعض السبات أطواراً أخرى. ولم تكن التقلبات مرتبطة بالتطورات، سياسية أو اقتصادية كانت، وإنما جل ما في الأمر أنها كانت ترتبط بالكتيبة نفسها العاملة ضمن قوات الطوارئ الدولية وأماكن انتشارها في المناطق من جهة وبالتطورات الأمنية، خصوصاً في الفترات التي استهدفت فيها »اليونيفيل« من جهة أخرى وأساسية. فقد سبق وعممت »اليونيفيل« على عناصرها الدوليين بضرورة التخفيف من التواجد في الأماكن العامة إثر استهداف الكتيبة الإسبانية في سهل الخيام ـ مرجعيون.

وعلى الرغم من عدم تواجد مراكز للقوات الدولية فيها، تعتبر مدينة صور إحدى المحطات الرئيسية واليومية لهؤلاء الجنود إذ يقصدونها دائماً للاستفادة من شاطئها صيفاً، ومن المراكز السياحية والتجارية فيها، والتي لا تخلو من تواجدهم الدائم وفقاً للتطورات الأمنية، إما لشراء الحاجيات وإما لتناول وجبات الطعام وشراء الألبسة وإما للتمتع بالمناخ المعتدل وبآثار المدينة التي تتميز بتاريخيتها. وشهدت صور نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة لا سيما على مستوى المؤسسات الموجودة على الكورنيش البحري أو على جادة الرئيس نبيه بري، فاستفادت من السياحة الداخلية في ظل مناخ التحرر النسبي الذي تتميز به مقارنةً مع محيطها. في المقابل، أدى الدمار الكبير في قرى قضاء صور ووصول القوات الدولية إلى ارتفاع أسعار الشقق السكنية بشكل جنوني، بلغت نسبته المئة في المئة، حيث تتراوح إيجارات الشقق المتوسطة الحجم اليوم ما بين ٨٠٠ و١٢٠٠ دولار شهرياً، وفق أحد ملاكي المدينة.

الحركة التجارية الناشطة أغرت المستثمرين

تكثر المجمعات التجارية الضخمة عند مدخل صور ويطل »رزق سنتر« الذي افتتح بعد حرب تموز، حيث يؤكد صاحبه علي رزق الانعكاس الإيجابي لوجود القوات الدولية في المنطقة ومساهمتها في الحركة التجارية والاقتصادية، وبالتالي إنشاء المجمع، »لا شك في أن للجنود الدوليين سبباً رئيسياً لافتتاح السنتر، وهذا ما نراه من خلال وجودهم اليومي فيه وشرائهم الحاجيات المتنوعة لهم ولعائلاتهم«. ويضيف رزق »حاجة المدينة والجنوب إلى مثل هذه المجمعات لتوازي المناطق السياحية والتجارية الأخرى في لبنان، كونها مدينة سياحية بامتياز، وهو ما يؤكده صيفها المزدحم في كل عام«.

من جهته يعتبر محمد دقدوق، صاحب محل لبيع الألبسة العسكرية، »أن قدوم »اليونيفيل« المعززة، خلق فرص عمل جديدة ساعدت في تحسين أوضاع الكثير من العائلات، كما ساهمت في رفع بدل إيجار المحل إلى نحو ألف دولار أميركي شهرياً«. ويؤكد دقدوق أن حركة البيع في محله زادت ما بين ثلاثة إلى أربعة أضعاف بسبب وجود هذه القوات، »خصوصاً وأنني أملك خبرة في احتياجات الجنود من ألبسة عسكرية وعدة وعتاد«.

ويقول منير عواضة صاحب ٣ hermanos (أي الأشقاء الثلاثة بالاسبانية)، وهو متجر لبيع الألبسة: »إن تنوع زبائنه ما بين لبنانيين، إضافة إلى عدد كبير من الجنود الدوليين«، معتبراً ان وجود القوات الدولية في المنطقة يساهم في رفع أسعار السلع المتنوعة، »على الرغم من ارتفاع الأسعار الجنوني إلاّ أننا نبيع والحمد لله«. يتمنى عواضة »بقاء الوضع على ما هو عليه حتى تنتعش الحياة الاقتصادية ويتمكن الأهالي من العيش ببحبوحة«.

ويشير مدير استراحة صور السياحية عماد قانصوه إلى وجود مراكز دائمة للقوات الدولية في استراحته، وهي عبارة عن عيادات طبية للجنود، إضافة إلى مركز لقاءات دائم لهم »الاستراحة هي محطة رئيسية للجنود الدوليين في صور يستفيدون فيها من الحماية الأمنية المؤمنة في داخلها ومحطات المراقبة، إضافة إلى الموقع المميز على الشاطئ الذي يفيض بهم وبعائلاتهم صيفاً«. ويشير قانصوه إلى تراوح نسبة إشغال الدوليين من عموم الزبائن في الاستراحة »ما بين ٤٠ و٥٠ في المئة، بحيث يزورها ما بين ٢٠ إلى ٣٠ عنصراً من هذه القوات يوميا ليرتفع العدد إلى ٥٠ عنصراً نهاية الأسبوع«.

وتتنوع السلع التي يمكن أن يهتم بها الجنود وتختلف من كتيبة إلى أخرى، فالألبسة العسكرية والعدة طلبات مشتركة بالنسبة للجميع تقريباً، فيما يقتصر شراء الهدايا والساعات على الجنود الغربيين، ويبدو الفرنسيون والايطاليون أكثر اهتماماً بالعطور والمطاعم.

وجودهم زيادة لحركة الأسواق

ويؤكد رئيس جمعية تجار صور محمود قرعوني أن وجود قوات »اليونيفيل« هو عامل طبيعي في زيادة حركة السوق وخلق فرص لمصالح جديدة، »حيث أن موقع مدينة صور التاريخي والأثري يمنحها موقعاً سياحياً مهماً، وهو ما يدفع الصوريون إلى الاستثمار في القطاعات التجارية والسياحية بشكل كبير مستفيدين من الحركة التجارية التي أمنّها وجود الدوليين. ويبدي قرعوني ارتياحه لانتعاش حركة الأسواق في المدينة، موضحاً أن »التجار قاموا بتوسيع محالهم وتجديدها بشكل يتلاءم مع متطلبات واحتياجات الجنود«. ويرى قرعوني في ازدياد المجمعات التجارية والسياحية »دليل عافية، وهذا ما معناه أن الجنوبي قادر على التكيف مع المتطلبات الجديدة«. ويشجّع قرعوني على القيام بمزيد من المشاريع مطمئناً إلى الاستقرار الأمني والسياسي التي تشهده المنطقة بعد دخول الجيش وقوات »اليونيفيل« إليها، مؤكداً على مساهمة الدوليين في إيجاد فرص عمل كبيرة لعدد واسع من الجنوبيين، وبمداخيل مرتفعة أحياناً.

ويشير قرعوني إلى ارتفاع حركة القطاعات التجارية بنسبة ٤٠ في المئة خلال العام ٢٠٠٨ مستفيدة من اتخاذ الدوليين القوات التي تعتبر صور من المراكز الرئيسية في زياراتها متوقعاً زيادة اكبر في العام ٢٠٠٩، وهي نسبة يعتبرها قرعوني »مهمة جدا في منطقة كانت تشهد منذ سنتين ونصف أي في تموز ٢٠٠٦ معركة قاسية مع العدو الإسرائيلي«.

وعن الوجه الآخر غير التجاري لمدينة صور، يؤدي تواجد الدوليين في المدينة إلى نسج علاقات شخصية وإنسانية معهم، وهو ما يتحدث عنه رئيس بلدية صور عبد المحسن الحسيني الذي يفضل تسمية هؤلاء الجنود بأولاده، ويستعمل دائماً في تعامله معهم عبارة »يا بابا« إشارة إلى وصفهم كأولاده وهي لفتة مهمة من قبل الحسيني ليشعر خلالها الجنود بأنهم وسط أهلهم.

٤٠ في المئة مساهمة »اليونيفيل« في الاقتصاد المحلي

تتحدث الناطقة الرسمية باسم القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان ياسمينا بوزيان عن » ارتباط »اليونيفيل« بشكل كبير باقتصاد الجنوب.. إذ أنها تشكلّ جزءاً من منطقة الجنوب منذ ثلاثين سنة، وذلك من خلال التعايش مع الجنوبيين و المشاركة بالعديد من وسائل عيشهم من بينها الجانب الاقتصادي. فمع ازدياد عدد عناصر »اليونيفيل«، تقول بوزيان، »يمكنك تصوّر الوضع لو أن كل عنصر منهم قام بصرف دولار واحد يومياً، أي ١٣ ألف دولار بشكل إجمالي يومياً«. وترى بوزيان أن »الجنود ينفقون الكثير من المال هنا ويزورون المناطق السياحية والأسواق ويتناولون وجباتهم في المطاعم ويسافرون، وهذا ما يساهم في تحفيز الاقتصاد الذي يستفيد من حوالى ٤٠ في المئة من ميزانية »اليونيفيل««.

وتشير بوزيان إلى فرص التوظيف التي أمنها تواجد »اليونيفيل« في الجنوب »وبالتالي فان الكثير من العائلات و الأفراد يعيشون من خلال المدخول والأجور التي يحصل عليها الأشخاص الموظفين في »اليونيفيل« والتي تتراوح ما بين الـ٥٠٠ دولار إلى ثلاثة آلاف دولار أحياناً، يضاف اليها الذين يستفيدون أيضا من خدمات الرعاية الصحية وطبابة الأسنان، وهو ما يخفف العبء عن الأهالي«.

كما وتقوم »اليونيفيل« أيضاً بشراء البضائع المحلية مثل مواد البناء والمازوت غيرها من السلع الاستهلاكية. وتتعاقد مع شركات محلية لمهمات ووظائف معينة مثل خدمات البناء، وتلفت بوزيان إلى ان »موظفي »اليونيفيل« يشترون السلع ويستأجرون الشقق ويسجلون أولادهم في المدارس، إضافة الى انهم يستقبلون العديد من الزوار ما سيكون له تأثير مهم على السياحة«.

لمحة تاريخية

للبنان تاريخ طويل مع قوات حفظ السلام، ففي العام ١٩٧٨ اجتاح العدو الإسرائيلي الجنوب اللبناني واحتفظ بحزام امني بذريعة إبعاد »منظمة التحرير الفلسطينية« عن الحدود. على إثره اصدر مجلس الأمن في ١٩ آذار ١٩٧٨ القرار الشهير ٤٢٥ الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من المنطقة التي احتلتها ويعلن إنشاء قوات الفصل التابعة للأمم المتحدة في لبنان »اليونيفيل«، ومنذ ذلك الحين لم تغادر هذه القوات ارض الجنوب وإن عرفت مداً وجزراً في عديدها. وشهد العام ٢٠٠٠ تحرير معظم الأراضي اللبنانية، وتقلص عدد أفراد »اليونيفيل« إلى حوالى الألفي عنصر لكن الأمور عادت إلى ما كانت عليه في ١٤ تموز ٢٠٠٦، حين اصدر مجلس الأمن القرار ١٧٠١ القاضي بتعزيز دور »اليونيفيل« في الجنوب، وأتاح لها زيادة عديد أفرادها إلى ١٥ ألف عنصر كحد أقصى.

تعليقات: