نحو فضّ الاشتباك غير المُعلَن بين أمل والتيّار


منذ 7 أيار 2005، استقبلت الرابية أصدقاء وخصوماً لكن وحده سعيد (سائق الرئيس نبيه بري) لم يسلك هذه الطريق. كذلك حال منير (سائق العماد ميشال عون) لم يكلّفه أحد عناء التوجه إلى عين التينة إلا مرة واحدة خلال 4 سنوات

بقي تبادل الزيارات بين سيّد عين التينة وجنرال الرابية مقتصراً على الرسميات. فنادراً ما يزور عون المجلس النيابي دون المرور برئيسه. وبقيت العلاقة مشرعة على «القيل والقال» دون خضوعها لمواجهات مباشرة، ولم يسجل بين الرجلين أي سجال حاد.

ولكن، رغم تأكيد عون أول من أمس والوزير محمد جواد خليفة أمس أن العلاقة متينة بين القطبين، ثمة من يدعو إلى الإسراع في وضع اليد على الجرح. فعشيّة الانتخابات، بدأت تبرز ملاحظات تنذر بتصاعد التوتر، وخصوصاً أن المواطنين المتوترين أصلاً، تقلقهم أية شائعة ولا تنفع طمأنتهم بعبارة سطحية.

يتحدث الناس عن عدم تناغم في «الكيمياء» بين الرجلين، وعن مشروعين متضاربين. ويتردد وسط العونيين كلام صريح عن أن بري كان شريكاً في «جمهورية الفساد» التي يطمحون إلى محاسبة حكامها. وهم يحمّلون بري مسؤولية التحالف الرباعي الذي أقصاهم أربع سنوات أخرى عن المشاركة الفاعلة في الحكم، تماماً كما يحمّلونه وقوف «انتفاضة 7 أيار» عند حدود زعزعة الأكثرية دون إطاحتها، فيما هم كانوا يتطلعون منذ تظاهرة 10 كانون الأول 2006 إلى اقتحام السرايا. وطبعاً، بين العونيين من هم مقتنعون بأن بري عمل منذ البداية على منع تحقيق حلمهم بوصول عمادهم إلى بعبدا. واليوم هناك بين القاعدة العونيّة من يترك المجال لخياله كي يرسم ما يشاء حول علاقة بري بحركة النائب ميشال المر، وخاصة أن رئيس المجلس كان عراب السماح لرؤساء البلديات بالترشح للانتخابات النيابية.

في المقابل، ثمة في حركة أمل من لا يفهم إصرار عون إثر اجتماع تكتل التغيير والإصلاح الأخير، مثلاً، على طلب إقفال كل الصناديق في عزِّ حملة حركة أمل لتوفير الأموال لصندوق الجنوب وتأمين استمراره، تماماً كما لا يفهمون ثابتة الخطاب العوني في موضوع محاربة الفساد و«فتح ملفات الحلفاء قبل الخصوم».

وطبعاً، تناهت إلى سمع بري مداولات لبعض نواب التغيير والإصلاح تتحدث عن الفساد في أروقة المجلس النيابي. وفي موضوع الانتخابات، سبب البلبلة العونية ـــــ الأملية، هناك في الحركة من يستصعب بلع مطالبة عون بالمقاعد المسيحية في الدوائر ذات الغالبية الشيعية ورفضه إعطاء الحركة أو غيرها المقاعد الشيعية في الدوائر ذات الغالبية المسيحية. وفي كلام الأمليين هناك دائماً صدىً لغضب مما يصلهم من ترداد مسؤولين عونيين في لقاءات عامة أن أمل لا تقدم ولا تؤخر على صعيد الانتخابات، والكلمة الفعلية هي لحزب الله، مع الأخذ في الاعتبار، بحسب مسؤول في الحركة، أن طبيعة المنتسبين إلى أمل لا تهادن الخصوم السابقين... إلا بعد وقت. ومقابل انفتاح جمهور عون على جمهور حزب الله، كان بين العونيين من يكرر القول إن التفاهم هو مع حزب الله بصفته شريكاً شيعياً لم يقاتل المسيحيين في الحرب خلافاً لحركة أمل.

وفي النتيجة، يؤكد مسؤول في 8 آذار على مسافة من بري وعون، أن العلاقة على مستوى القاعدة وضمن المسؤولين الثانويين تحتاج إلى اهتمام القيادة. ويفترض بهذا أن يتم فوراً، لأن «المعارضة» التي تُشغل أجهزتها الإعلامية بجدال صغير بين مسؤول قواتي وآخر كتائبي أو بين القواتي والاشتراكي، لا يمكن أن تترك باب الأقاويل هذا مشرعاً. وإصلاح العلاقة، بحسب المسؤول ـــــ الوزير السابق، لا يكون بإيفاد وزير من هنا أو نائب من هناك، ولا بد أن يتطور النقاش الشخصي بين بري وعون الذي يشرح بصراحته، وجهة نظره. ويقدم بري، بنيات طيبة من مناوراته المعروفة، ما يمكن فعله. مع جزم المسؤول أن بري يعرف أن التباين مع عون سينتهي بتوافق، لكنه يرفض أن يكون التوافق وفق شروط عون. أما التباين، فسببه وجود تداخل بين قواعد عون وقواعد بري في 6 دوائر أساسية (جزين، الزهراني، حاصبيا ـــــ مرجعيون، بعبدا، جبيل، وزحلة)، حيث تمثّل قاعدة عون غالبية، مقارنة بقواعد بري في زحلة، بعبدا، وجبيل، وبالتالي يرى عون أن من حقه تسمية المرشحين الشيعة الثلاثة في هذه الدوائر. لكن، يقول المصدر المطلع جزئياً على التباين، إن بري يطالب بمقعدي زحلة وجبيل الشيعيين وبأحد مقعدي بعبدا الشيعيين أيضاً.

في المقابل، تمثّل قاعدة بري غالبية، مقارنة بقاعدة عون في دائرتي الزهراني ومرجعيون، ويرى بري أن من حقه تسمية المرشح الكاثوليكي في الزهراني والأرثوذكسي في مرجعيون، الأمر الذي يغضب عون الذي يريد أن يسمي هو هذين المرشحين. وفي جزين، حيث يشوب الغموض صورة الخريطة الانتخابية، يطالب بري بنائبين من المسيحيين الثلاثة في هذه الدائرة.

وطبعاً يستتبع العرض السابق، تحليلات كثيرة تخلط الأرقام وتطحن الأسماء. لكن أحد رسامي جغرافيا المعارضة الانتخابية يقول إن ذهاب الأمور صوب الحل يفرض إسقاط بري مقعدي زحلة وجبيل من حسابه، في مقابل إسقاط عون مقعدي مرجعيون (الذي يرجح أن يبقى لشاغله النائب أسعد حردان لقاء دعم القوميين لعون في المتن ودوائر أخرى) والزهراني (نتيجة استحالة تخلي بري عن النائب ميشال موسى) وأحد المقعدين المارونيين في جزين (لمصلحة بقاء النائب سمير عازار).

وهكذا يقتصر النقاش الجدي بين الرجلين على مقعد بعبدا الشيعي (على اعتبار أن المقعد الشيعي الثاني سيبقى للنائب علي عمار) ومقعد جزين الكاثوليكي (على اعتبار أن أحد المقعدين المارونيين سيذهب لمرشح عون والمقعد الثاني سيذهب لبري) علماً بأن العونيين يجزمون بأن نفوذ بري في جزين يسمح له بالحصول على مقعد لا اثنين، تماماً كما أن نفوذ حركة أمل في بعبدا لا يتيح لها المطالبة بمقعد نيابي. فيما تردّ مصادر أمل بالتأكيد أن إعطاء أحد المقعدين لبري يجب أن يكون بموافقة عونيّة تامة نظراً لما يمكن ماكينة بري أن تقدمه للماكينة العونية في أربع دوائر تشهد معارك محتدمة جداً بين العونيين وخصومهم، وللناخب الشيعي فيها دور مهم، هي جبيل، المتن، الأشرفية، وزحلة.

وهكذا، سيسوى التباين ـــــ الخلاف عبر تقاسم عادل بين القطبين، فيختار كل منهما المقعد الأنسب له، أو يقتنع بري بوجهة نظر عون الذي يُفترض في ظل الظروف الراهنة أن يتراجع عن مبدإه المعلن بتوزيع عدد الوزراء في أية حكومة ينوي المشاركة فيها بحسبب النسبة النيابية (يقول عون إن حجم الكتلة الوزارية يحددها حجم الكتلة النيابيّة). مع العلم أن بين الفاعلين في عين التينة من يقترح أن يتفق بري وعون على اسمين لشغل المقعدين تكون إحدى قدميهما في كتلة التنمية والتحرير والقدم الأخرى في تكتل التغيير والإصلاح.

تعليقات: