لماذا قرر القضاء في آخر لحظة عدم إطلاق الضباط الأربعة؟

الضباط الأربعة
الضباط الأربعة


قبل فترة قصيرة من إطلاق سراح الأخوين عبد العال والجرجورة، وُضِع أطراف أساسيون في المعارضة في صورة هذا الإجراء، وتبلغوا صراحة بعزم الجهات القضائية على إخلاء سبيلهم!

فوجئ الأطراف المذكورون بما طرح عليهم، ورحبوا، بهذه المبادرة القضائية ولو كانت متأخرة، فخير أن تأتي متأخرة من ألا تأتي أبدا. ولكي تكون المبادرة القضائية مكتملة وغير ناقصة، نصح الأطراف الأساسيون في المعارضة بأن يأتي الإفراج عن الموقوفين شاملا الأخوين عبد العال والجرجورة بالاضافة الى الضباط الأربعة. على اعتبار ان التوقيف الذي استمر لنحو ثلاث سنوات ونصف سنة قام على بعد سياسي، وبلا قرائن جرمية على نحو ما ورد في نصيحة الأطراف المذكورين.

وقبل الإفراج عن الثلاثة بساعات قليلة، اجتاحت موجة تفاؤل غير مسبوقة عائلات بعض الضباط ووكلاء الدفاع عنهم، بإمكانية إخلاء سبيلهم إن لم يكن في لحظة إخلاء سبيل الثلاثة، فبعدها بزمن قصير وقبل موعد انطلاق المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. والمستوى الأعلى من التفاؤل أحاط موضوع اللواء جميل السيد لانتفاء الأسباب التي توجب توقيفه أصلا، كما يؤكد فريق الدفاع عنه. إلا أن الآمال التي بناها هؤلاء على إمكانية الإفراج الشامل، تبددت مع الإفراج الناقص. وقيل في هذا الجانب إن المسألة كادت تصل إلى خواتيم إيجابية لولا أنها تعقدت على باب أحد كبار القضاة الذي رفض إخلاء سبيل الضباط بشكل قاطع.. وهنا توقف الأمر!

وجاء خروج الأخوين والجرجورة من السجن، ليشكل بعد ذلك، حدثا مثيرا للترحيب من جهة، ومن جهة ثانية للدهشة والاستغراب ولكثير من علامات الاستفهام والشك حول توقيته ومغزاه، وخصوصا انه لم يكن متوقعا أصلا قبل انطلاق المحكمة بالافتتاح الاحتفالي الذي تم أمس في لاهاي، ولا منتظرا حصوله بعد طول توقيف، وبعد رد متكرر لطلبات إخلاء سبيلهم التي قدمها وكلاؤهم خلال سنوات التوقيف. وما زاد في الغموض والريبة هو الإفراج عن الثلاثة بقرار قضائي غير معلل وغير موضـَّح لموجبات هذا الأمر. الا ان المثير أكثر في هذا السياق، هو صمت القضاء اللبناني حيال كل ما اثير ويثار حول هذه المسألة، وعدم إجابته بصراحة ووضوح من موقعه كجهة معنية وحدها دون غيرها على كثير من الاسئلة الاستفسارية او الاتهامية او التشكيكية بحياديته، ولا سيما منها تلك التي تؤكد التداخل بين القضاء والسياسة، او التي تؤكد خضوع بعض القضاة لسطوة فريق من السياسيين. او تلك التي تنطوي على نبرة قاسية وترددت في بعض الصالونات والمجالس السياسية: « ... لو ان هذا الإفراج عن الثلاثة، وبعد ثلاث سنوات ونصف سنة من الاعتقال، تم بهذه الطريقة في دولة تحترم نفسها، لكانت تدحرجت رؤوس، ووضع السجـَّان في السجن»... او التي تنطوي على لغة هادئة تفتح الباب على فرصة اخيرة لاستدراك الخطأ بقرار كبير يعيد زرع الثقة والمصداقية مع الجمهور اللبناني.

ويتقاطع ما سبق، مع نقاش مستمر منذ واقعة الإفراج، تخطى البعد القضائي إلى التركيز على البعد السياسي، ويدور تحت عنوان البحث عن الاعتبارات التي أملت في هذه المرحلة رفع «الفيتو السياسي» عن نصف الموقوفين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ولماذا نزلت ليلة القدر القضائية على الأخوين عبد العال والجرجورة، ولم تنزل على الضباط الأربعة. واللافت في هذا النقاش يقوم على واقع مربك في بعض الزوايا الأكثرية، التي تعكس بوضوح صعوبة حقيقية في هضم الإفراج عن أشخاص زُرع في ذهن «14 آذار» منذ توقيفهم قبل ثلاث سنوات ونصف بأنهم متورطون في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وفجأة خرجوا من السجن أبرياء ولم يثبت تورطهم ولا علاقتهم بما نسب إليهم. وثمة في هذه المجالس أيضا تساؤلات تطرح ربطا بهذا الأمر، على شاكلة «إن لم يكونوا متورطين، فلماذا تمّ توقيفهم أصلا». تضاف اليها اسئلة اخرى من ذات العائلة التشكيكية حول استمرار توقيف الضباط الاربعة: ماذا لو كانوا أبرياء؟!

الطبيعي في غياب المعطيات ان تكثر التكهنات حول ما هو مطروح, والنقاش في هذه المجالس لم يصل بعد الى تظهير اجابة واضحة وشافية حول سبب الفصل القضائي بين الموقوفين المدنيين وبين الضباط الاربعة, وحول ما يخفيه او يبيّته هذا الفصل؟

على ان البارز في هذا السياق, هو الالتقاء على احالة مصير الضباط الاربعة الى لاهاي, مع الاشارة هنا الى موقفين لافتين للانتباه, الأول لركن في المعارضة, يجزم فيه عدم توقع اطلاق سراح الضباط, اقله قبل الانتخابات النيابية. واما الرأي الثاني فلقيادي في «14 اذار», يجزم فيه اخذ الضباط الى لاهاي, ولكن اهم ما في كلامه انه يتوقع ان يصار الى اطلاق سراحهم مع ابقائهم هناك الى ما بعد الانتخابات النيابية.

قد لا يكون هذا الرأي مقنعا, الا اذا كان هذا القيادي يعلم بـ«الغيب الاكثري». واهمية كلام القيادي المذكور ليس التوقع الذي ساقه, بل ارتكاز كلامه على مضمون تبرئة للضباط وليس ادانتهم على جاري ما كان سائدا على مدى السنوات الماضية.

واما بالنسبة الى ما يخفيه هذا الفصل بين المدنيين والضباط, فثمة من يقول ان هذا الفصل متعمد ومقصود، يندرج من ناحية في اطار اعتبارات اقليمية ومذهبية تمت من خلالها مراعاة الشق المتصل بالمدنيين، واما من الناحية الثانية فيندرج في سياق يقود الى سلبيات في ما خص مصير الضباط، ولاسيما ان القاعدة التي ارتكز اليها فريق القبض عليهم هي ذاتها ولم تتبدل. ويملك اصحاب هذا الرأي كما يقولون معطيات حول نقاشات داخلية تمت بين مراجع سياسية في الموالاة ومقربين منهم.

ولكن ثمة من يقول في المقابل ان القضاء اللبناني لا يستطيع ان يذهب الى لاهاي و«يده فارغة»، وقد اعتمد في ما يبدو سياسة الإلقاء التدريجي لكرات النار من يده واحدة تلو الاخرى, لكي لا يأتي القاؤها كلها دفعة واحدة في لبنان, بتداعيات وانهيارات دراماتيكية, ومن هنا تركه الضباط في يده, تاركا مصيرهم لتقرره المحكمة الدولية، فعندها الافراج عنهم، يكون وقعه اخف ثقلا مما لو تم الافراج عنهم في لبنان من قبل القضاء اللبناني, فمن شأن ذلك ان يحدث ما يشبه الزلزال السياسي على 14 اذار, وبالتالي الى كارثة انتخابية لاحقاً.

تعليقات: