عيوب إضافية تعرّض مرسوم التشكيلات للإبطال أمام مجلس القضايا في الشورى


مجلس القضاء لم يبادر لتصحيح مخالفات مرسوم التشكيلات ونجّار اعتبرها إصلاحية..

وصف وزير العدل إبراهيم نجّار التشكيلات القضائية بأنّها «أفضل ما كان في الإمكان»، وبأنّها «أرست دعائم مهمّة لإكمال الإصلاح في المرحلة اللاحقة»، من دون أن يبادر هو ومجلس القضاء الأعلى إلى تصحيح المخالفات القانونية الواردة فيها والتي أشارت «السفير» إليها، لا بل بالعكس تمّ نشر مرسومها رقم 1465 في «الجريدة الرسمية» ليتكشّف المزيد من العيوب ممّا يعرّضها للطعن والنقض.

وإنْ كانت الفرحة لم تَسَعْ القضاة الشباب البالغ عددهم مئة وستّة قضاة، لأنّ مرسوم التشكيلات أعاد إليهم حقّهم في ممارسة عملهم رسمياً بعد سنوات من التخرّج من معهد الدروس القضائية، وتوقيع الأحكام والقرارات التي يصدرونها بأنفسهم أو بمشاركة قضاة آخرين معهم في محاكم البداية على سبيل المثال، إلاّ أنّ هذا المرسوم عطّل مسير بعض الملفّات والدعاوى الموجودة في غير محكمة ودائرة تحقيق، بسبب تغيير القضاة والهيئات الناظرة فيها، بعدما كانت قد قطعت أشواطاً كبيرة ومتقدّمة لبلوغ مرحلتها النهائية قبل ختم المحاكمة أو التحقيق فيها.

وهذا ما كان حذّر منه كثر، لأنّ صدور التشكيلات بعد مرور ستّة أشهر على بدء السنة القضائية هدفه إبطاء الحركة القضائية لا تسريعها وتحفــيزها، فما هي الغاية من إصدار التشكيلات في الثلث الثالث من السنة القضائية، خصوصاً أنّ هناك قضاة كباراً في طريقهم في فـــصل الصيف المـــقبل، إلى التقاعد، ومنهم جوزيف القزي، وسمير عاليه، وسعـــد جبور وبالتالي الحاجة إلى إجراء حركة مناقلات لا غنـى عنها؟.

ويقول خبير قانوني إنّه يحقّ لكلّ صاحب مصلحة وصفة، أيّ لمطلق قاض، الحقّ في الطعن بالمرسوم المذكور أمام مجلس شورى الدولة «مجلس القضايا» الذي هو أعلى سلطة قضائية لدى المجلس المذكور، وذلك لكي يصـار إلى طلــب وقف تنفــيذ المرسوم، وإذا ما تمّ هذا الأمر، فإنّه يعني وقف العمل بالمرسوم إلى حين صدور القرار بشأن الإبطال عن المرجع المختص!.

الوكالة والأصالة

وبحسب حقوقي متابع لموضوع التشكيلات ترتسم مغالطات وملاحظات كثيرة في مرسوم التشكيلات بالإضافة إلى ما سبق لـ»السفير» أن نشرته، وهي:

1ـ عيّن القاضي هاني حلمي الحجّار مستشاراً في محكمة الجنايات في بيروت، بينما درجته ثلاثة، تسمح له بأن يكون مستشاراً بالوكالة، ولا يحقّ للقاضي أن يكون مستشاراً في محاكم الاستئناف إلاّ إذا كان في الدرجة الرابعة وما فوق، والقاضي الحجار يصبح في 10 أيلول 2010 في الدرجة الرابعة، أيّ بعد عام ونصف العام.

وكذلك الحال بالنسبة للقاضية رانيا بشارة التي عيّنت مستشارة في محكمة الجنايات في جبل لبنان، وتحديداً في الغرفة التي يرأسها القاضي عبد الرحيم حمود، ودرجتها الحالية ثلاثة، وتصبح في 17 أيلول 2009، في الدرجة الرابعة، أيّ بعد ستّة أشهر.

وهذا ما ينطبق أيضاً، على القاضية هانيا الحلوة التي عيّنت مستشارة في الغرفة الرابعة لمحكمة الاستئناف في الشمال ودرجتها ثلاثة، وتصير في 17 أيلول 2009، في الدرجة الرابعة، وبالتالي فهي مستشارة بالوكالة وليس بالأصالة.

وهذا ما يجوز قوله بالنسبة لوضع القاضي إيلي جبران الذي هو في الدرجة الثالثة ويصبح في 17 أيلول 2009، في الدرجة الرابعة، وبالتالي فإنّ درجته تؤهّله لأن يكون مستشاراً بالوكالة في الغرفة الأولى لمحكمة استئناف البقاع، وليس مستشاراً أصيلاً كما ذكر المرسوم خطأ.

وأيضاً القاضية ليلى رعيدي المعيّنة مستشارة في الغرفة الثانية لمحكمة استئناف البقاع، بينما كان يفترض إضافة عبارة بالوكالة إلى صفتها، لأنّها في الدرجة الثالثة وتصبح في 17 أيلول 2009 في الدرجة الرابعة.

وعيّن القاضي طارق منيمنة مستشاراً بالانتداب في الغرفة الثالثة لمحكمة الاستئناف في النبطية بالإضافة إلى وظيفته الأصلية قاضياً منفرداً في النبطية، بينما واقع الحال أنّه يمكن انتدابه مستشاراً بالوكالة، لأنّ درجته ثلاثة ويصبح في 10 أيلول 2010 في الدرجة الرابعة، علماً بأنّه كان يؤمل من هذه التشكيلات أن تلغي فكرة الانتداب من الوجود بسبب الكمّ الكبير والأعداد الوافرة للقضاة، وكان يمكن على سبيل المثال، التخفيف من عدد قضاة التحقيق في بيروت أو في جبل لبنان، وتعيين أحدهم مستشاراً وبالأصالة ومن دون منّة «بالوكالة» في محكمة الاستئناف المذكورة، أو التخفيف من «جيش» القضاة المنفردين في بيروت البالغ عددهم 32، وتوزيعهم على الأطراف حيث يرزح قضاة منذ سنوات وسنوات وبدرجات عالية نسبياً (سبعة وما فوق) والالتفات إلى كفاءتهم ونزاهتهم وإنتاجيتهم ومكافأتهم بتعيينهم في مركز مستشار، في حال تعذّر تعيينهم رؤساء، لتشجيعهم على الاستمرار في العطاء وبذات الوتيرة إن لم نقل وأكبر أيضاً.

أين المساواة؟

1ـ عدم مساواة قضاة بزملائهم مثل إميل عازار ورجا أبي نادر وفادي العريضي ونادين القاري الذين تسمح لهم درجتهم الثانية التي صارت حقّاً مكتسباً لهم منذ 2 شباط 2009، بأن يكونوا قضاة منفردين بالأصالة وليس بالوكالة كما ورد في المرسوم.

2 ـ لماذا أبقي قضاة في مراكزهم منذ خمس سنوات فهل هذا تقدير لهم؟ أم أنّ التقدير يكون بتحريكهم وتعيينهم في مراكز أفضل، خصوصاً أنّه مشهود لهم بالإنتاجية الوافرة والنزاهة، وغزارة العلم والفهم، وليس بإبقائهم في أماكنهم وتعيين قضاة أقلّ درجات منهم في مراكز مشابهة لمراكزهم ومساواتهم بهم؟.

3ـ لم يتمّ إعادة الاعتبار والحقّ إلى عدد من القضاة على الرغم من اتضاح نظافة ملفّاتهم بشهادة هيئة التفتيش القضائي وهيئتي التأديب المولجتين بالنظر في شؤون القضاة المخالفين، فأسندت إليهم مراكز من دون مكاتب في العدلية، ليبقوا في بيوتهم وليتمّ استدعاؤهم عند الحاجة لغياب قاض ما أو تنحّي آخر (وردّه أيضاً) وما شابه، وكأنّ الغرض هو دفعهم إلى الاستقالة، بدلاً من التشبّث بهم وبينهم من كان طليع دورته في معهد الدروس القضائية!.

4ـ لا يحقّ للقاضي أنطوني عيسى الخوري الانتقال من منصبه كمفتّش عام في هيئة التفتيش القضائي، إلى أيّ منصب آخر في القضاء العدلي من دون صدور مرسوم بذلك عن مجلس الوزراء، وذلك عملاً بقاعدة الأداة الموازية المعمول بها في القانونين الدستوري والإداري، لأنّه لا يمكن نقل رئيس هيئة التفتيش القضائي أو مفتّش عام لدى هذه الهيئة من وظيفته إلاّ بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء لطلب الشخص المعني، وبمعنى أدقّ، فإنّه يعيّن بمرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء، وينقل بناء لطلبه، وعملاً بالقاعدة المذكورة بمرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء لا في مجلس القضاء، وعليه فإنّه ينبغي بداية، أن يصار إلى نقل القاضي أنطوني عيسى الخوري من التفتيش القضائي إلى القضاء العدلي بمرسوم بناء لطلبه يتخذ في مجلس الوزراء، ثمّ يصار إلى تعيينه رئيساً للغرفة العاشرة في محكمة التمييز بمرسوم عادي.

5ـ تضمّن المرسوم أسماء مغلوطة حتّى يعتقد القضاة المعنيون بأنّهم غير المقصودين، وبأنّ الأسماء هي لأشخاص آخرين وجدد على الساحة القضائية، فمثلاً رئيسة الغرفة الرابعة لمحكمة الاستئناف في الشمال سنية العلمي السبع اختصر اسمها إلى سنية السبع، مع أنّ اسمها الكامل هو سنية أكرم العلمي السبع (متزوّجة من حسين رضوان من بلدة الدوير الجنوبية)، والقاضي المنفرد في سير الضنية - المنية زيّاد محمّد نزيه المصري الشعراني، بحسب اللوائح الموجودة في وزارة العدل، فإذا به يصبح زياد الشعراني.

6ـ تجاوز مجلس القضاء الأعلى معايير الدرجات والأقدمية والإنتاجية ولم تعرف المعايير المعتمدة وما إذا كانت السياسة هي التي فرضت وأنضجت هذه التشكيلات، فمثلاً القاضي جوزيف القزي هو القاضي الأعلى في لبنان وليس في طائفته المارونية فقط، ودرجته هي 22، وولد في الرميلة عام 1941 ودخل إلى القضاء في 31 تموز 1968، وعيّن في مركز مستشار إضافي في محاكم التمييز لأسباب محض سياسية تتعلّق بملفّ محرقة برج حمود الشهير، ولم يأخذ مركزاً يستحقّه، إذ كان بالإمكان على سبيل المثال، تعيينه رئيساً للغرفة العاشرة لمحكمة التمييز وهي غرفة مستحدثة، وليس هناك من حجّة للقول بصعوبة تعيينه مكان أيّ قاض يرأس واحدة من غرف التمييز المخصّصة للطائفة المارونية طالما أنّ هناك غرفة مستحدثة وجديدة وأسندت للقاضي أنطوني عيسى الخوري المولود في بشري في 25 شباط 1947 وهو في الدرجة 18 ويتقاعد في 25 شباط 2015، بينما يتقاعد القزّي في الأوّل من تموز 2009، وكان بالإمكان تعيين أنطوني عيسى الخوري بعيد تقاعد القزّي.

.. وأخطاء

1ـ انتدب المرسوم القاضي راني صادق قاضياً منفرداً عقارياً في النبطية فضلاً عن مركزه الأساسي قاضياً عقارياً في الجنوب، ولكنّه لم يذكره بين القضاة المنفردين في النبطية بحسب ما تقتضي الأصول، ومثلما حصل مع قضاة آخرين أسندت إليهم مسؤوليتان ومحكمتان.

2ـ ومن أخطاء المرسوم أيضاً، تعيين القاضي حريص معوّض مستشاراً بالانتداب في الغرفة الرابعة لمحكمة استئناف الشمال بالإضافة إلى وظيفته الأصلية رئيساً لمجلس العمل التحكيمي في الشمال، ولكن عند التدقيق في أسماء رؤساء مجالس العمل التحكيمي، ترد قرب اسم معوّض عبارة «وينتدب مستشاراً لدى الغرفة الثالثة لمحكمة استئناف الشمال»، ممّا ضيّع القاضي المعني، فهل هو في الغرفة الثالثة أم في الغرفة الرابعة؟.

3ـ وأكثر ممّا تقدّم، فالاسم الكامل للرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في الجنوب والمرشّح لتولّي رئاسة هيئة التفتيش القضائي هو أحمد أكرم عز الدين بعاصيري، وذكره مرسوم التشكيلات السابقة رقم 13653 كاملاً وصحيحاً، بينما اختصره المرسوم الجديد 1465، ليصبح أكرم بعاصيري بحسب ما ينادى به، ولكنّ القانون لا يعرف الاختصار في المسائل القانونية والمعاملات والمراسيم الرسمية.

تعليقات: