أهالي الماري يزرعون أراضي سوريي الغجر في الطرف الشمالي للجولان

مزارعو الماري في حقل يعود لسوريي الغجر
مزارعو الماري في حقل يعود لسوريي الغجر


المزارعون يطالبون بعدم تغيير واقع الحال في ظل استمرار الاحتلال

المنطقة الحدودية:

تكشفت عملية ترسيم وتحديد أراض تجريها الدوائر العقارية اللبنانية لمصلحة بلدة الماري الحدودية، عن تداخل حدودي قديم بين أراض لبنانية وسورية عند الأطراف الشمالية للجولان السوري المحتل، وبالتحديد عند الجهة الشمالية الشرقية لبلدة الغجر. تبين، وفق عملية الترسيم، وجود عقارات عدة بور تعود لسكان من الغجر، وتتجاوز مساحتها الـ11 كيلومترا مربعا. بدأ حوالى 35 مزارعاً لبنانياً من الماري باستغلالها بعيد العدوان الإسرائيلي في العام 1967.

والأراضي السورية هذه هي عبارة عن قطعتي ارض متلاصقتين وتابعتين لبلدة الغجر، تعرف الأولى باسم مرج الطبل وتبلغ مساحته حوالى عشرة كيلومترات مربعة، ويطلق على الثانية تسمية الكلابية السورية، وتتجاوز مساحتها الكيلومتر المربع الواحد بقليل. ويشير العديد من مزارعي بلدة الماري الذين وضعوا أياديهم على هذه الأراضي، وبدأوا باستغلالها منذ حوالى 40 عاما، إلى أن أصحابها، وهم من سكان بلدة الغجر السورية المحتلة، أرغموا على التخلي عنها في أعقاب عدوان اسرائيل في العام 1967 على الجبهة السورية، واحتلال الجولان، بما فيه بلدة الغجر. وعمد الغزاة في تلك الفترة إلى إقامة سياج حدودي شائك، يحول دون وصول العديد من سكان البلدة إلى أراضيهم التي تركت الى الشمال من الخط الحدودي الجديد الذي فرضه جيش الاحتلال. وشجع الوضع الاحتلالي المستجد العديد من مزارعي بلدة الماري المجاورة على زراعة هذه السهول الخصبة التي تروى أساساً من مياه نهر الحاصباني.

يستذكر المزارع فندي ماجد حكاية وضع اليد على الأراضي ليروي كيف كان مزارعو الماري يلتقون مع العديد من مزارعي الغجر: «الجماعة أصحابنا ومعترين مثلنا. كنا نزرع وبالتزامن هذه الأرض بالبطاطا والبصل والبندورة، انها خصبة فعلا، وكانت تروى بـ»الوسعة» (أي بالمجان) من مياه الحاصباني». ويشير فندي إلى أن مزارعي الماري لم يختلفوا يوماً مع جيرانهم من الغجر «هم جيران طيبون»،مضيفاً أنه «وعلى اثر عدوان 1967 احتلت اسرائيل البلدة وطردت سكانها، فهرب بعضهم إلى بلدتنا والقرى المجاورة». حضن أهالي الماري والمحيط النازحين وساعدوهم «على قدر المستطاع». ويشير المزارع فندي إلى موقع الجيش السوري الذي كان عند مدخل الغجر ودمره الجيش الإسرائيلي، مؤكداً أنه «وبعدما هدأت الحرب تمكن العديد من أهالي الغجر من العودة إلى بلدتهم، كانوا بمجملهم رعاة ماشية ومزارعين فقراء». بعد ذلك ركز جيش الاحتلال سياجا حدوديا شائكا ومنع السكان من تجاوزه الى أراضيهم، وأقام خلفه حقول ألغام عدة بطول حوالى خمسة كيلومترات وبعرض ما بين خمسين ومئة متر، لتترك مساحة كبيرة من الأراضي بورا.

يقول فندي إن مزارعي الماري «استحرموا ترك الأرض لـ»الهشير»، فعمدنا إلى زراعتها بالخضار عاما بعد عام، بحيث تم وضع اليد عليها من قبل حوالى ثلاثين إلى أربعين مزارعا. يوماً ما خطر ببال المزارع ماجد فندي تشجير قطعة أرض مساحتها حوالى خمسة دونمات من خلال زرعها بنصوب الزيتون في مطلع الثمانينيات. يومها تنبه صاحب الأرض من طرف الغجر الشمالي الى ان النصوب ترتفع في أرضه، فانزعج من هذا التصرف معظم أهالي الغجر، وشكلوا وفدا ترأسه مختار البلدة وهو من آل الخطيب، وقصدوا شيخ عقل الطائفة الدرزية في فلسطين الشيخ المرحوم أمين طريف. وضع الوفد الشيخ الراحل بصورة ما يحصل «مما أسموه تعديا على أراضيهم»، وطالبوه بضرورة التدخل لدى مزارعي الماري لوقف ظاهرة تشجير أراضيهم، على ان يقتصر استغلالها على زراعة الخضار فقط، ريثما يتمكنون من العودة إليها». تفهم الشيخ طريف موقف أهالي الغجر وأجرى اتصالات سريعة مع مشايخ البياضة في حاصبيا، الذين طلبوا بدورهم من فندي قلع أشجار الزيتون وكانت بحدود الـ300 غرسة «فكان لهم ما أرادوا مع وعد من مزارعي الماري كافة بعدم الإقدام على تشجير هذه الأراضي مرة ثانية، واقتصار استغلالها على زراعة الخضار فقط. ومنذ ذلك الحين سرى هذا العرف وبقي حتى اليوم، وقد أبلغ الأهالي الشيخ طريف بموقفهم.

يشير المزارع أكرم أبو العلا، الذي يستغل دونمات عدة من أراضي مزارعي الغجر في الماري منذ 40 عاما، إلى أن الغاية «ليست في تملك الأرض، والتي نعرف ونقر بأن لها أصحاباً في جارتنا الغجر، واننا ننتظر اليوم الذي يتمكن فيه أصحابها من العودة واستغلال حقهم في أرضهم، انها لفرحة كبرى ان نلتقي مع من حال جيش الاحتلال من التواصل معه طوال هذه الفترة». ويؤكد أبو العلا «ولكن حتى تلك اللحظة لن نسمح لأحد بأن يمنعنا من استغلال هذه الأرض، تحت حجة إجراء عملية تحديد ومسح أو ما شابه»، مبدياً تخوف المزارعين «من أن يستغل بعض النافذين الوضع ويمسح بعض العقارات لمصلحته، فهذه الأرض أمانة عندنا سنعيدها لأصحابها يوما ما».

ويطالب يوسف فياض الجهات المعنية في الدوائر العقارية والقاضي العقاري في النبطية بضرورة التدخل لمنع تفاقم الوضع في بلدة الماري، «حيث يرفض عشرات المزارعين عملية ترسيم الأراضي السورية التي يشغلونها، لأن ذلك يمكن أن يؤدي الى رفع أياديهم عنها أي بمفهومهم قطع أرزاقهم، وهم على استعداد لتسليم الأرض الى أصحابها عندما يتسنى لهم ذلك». ويرى فياض «أن المطلوب في هذه الفترة وقف الترسيم عند حدود هذه الأراضي وإبقاء القديم على قدمه»، مشيراً إلى «أن عملية الترسيم هنا يمكن أن تكون مخالفة للأعراف والقوانين التي تحكم مثل هذه الحالات، لأن الأراضي غير لبنانية وصكوك ملكيـتها بأيــادي أناس يعيـــشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما انها يمكن أن تــجر الى أمور نحن بغنى عنها في هذه المنطقة الحدودية المحـــكومة بخصوصية أمنية وعسكرية وسياسية حساسة ودقيقة».

ويوضح مختار البلدة سليمان ابو كمر أن عملية التحديد والترسيم بعد الضجة التي افتعلها العديد من أبناء البلدة توقفت ولأيام عدة، وذلك كفرصة تتيح للجهات المعنية تقييم الوضع ودراسته من مختلف جوانبه، على ان يبلغ الأهالي لاحقا بأي قرار يتخذ يحفظ حقوق أصحاب الأرض السوريين، والمزارعين من أبناء الماري على حد سواء. ويعبر المختار عن ثقة الأهالي «بحرص مسؤولينا على اتخاذ القرار البناء والمناسب الذي يخدم مصلحة الجهات كافة، علماً بأن القوات الدولية العاملة في هذا القطاع على اطلاع بما يحصل وهي تتابع كل التفاصيل بدقة».

ويشير العميد المتقاعد أمين حطيط، الذي كان يرأس الفريق اللبناني المكلف بعملية ترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة في أعقاب التحرير في العام 2000، إلى أن مشكلة تداخل الأراضي اللبنانية السورية في محور الغجر ـ الماري، هي واحدة من اصل 23 نقطة عالقة بين البلدين الشقيقين. ويوضح حطيط ان المساحة المتنازع عليها في خراج الماري هي امتداد طبيعي للطرف الشمالي اللبناني من بلدة الغجر، «فهذه الأراضي الممتدة من الخط الأزرق الذي حددته لجنة ترسيم الحدود عام 2000 وحتى حدود خراج بلدة الماري، هي أراض غير ممسوحة تقع تحت السيادة اللبنانية وبعضها مملوك من أشخاص سوريين، ولكن ظروفا أمنية جعلتها تحت سيطرة دولة أخرى». ويشير حطيط إلى أن قانون التحديد والتحرير رقم 186 تاريخ 26/10/63 يعطي الحق في الأرض غير الممسوحة لمن يضع اليد عليها لمدة عشر سنوات، وإذا كانت أميرية تصبح ملكا لمن يضع يده عليها لمدة خمسة عشر عاما».

ويؤكد حطيط أنه «يصرف النظر عن هذا القانون ويعطل إذا كانت الأرض خاضعة لقوة قاهرة كمـا هو حاصل اليوم مع الاحتلال الإسرائيلي»، معتبراً أن هذا الوضع كان قد بحث ضمن لجنة ترسيم الحدود اللبنانية الدولية وليس له علاقة أو أي تأثير ،على الخط الأزرق الذي يعطي الشــطر الشمالي من الغجر الى لبنان.

تعليقات: