أبو حسين عطوي ولحظة من الانتصار

على حائط المدرسة، قرب البلدية، كانوا خمسة وعشرين عجوزاً، بل كانوا خمسين يداً مرتجفة مرفوعة الى الاعلى، تحت التهديد الارعن لبنادق عدو لا يرحم.

على الحائط لا يبدو منهم الا شعر ابيض، برانيط صوفية فوق رؤوس صغيرة شائبة واكتاف ضعيفة هابطة. نقب بيضاء طويلة تغطي كل الظهرتشدها صاحباتها بالاكواع وبكل ما امتلكت من قوة كي لا تقع...

تنانير طويلة مهلهلة وبجامات واسعة، سراويل قصيرة وارجل بعضها حاف وبعض آخر متمكن من بابوح خفيف.

خليط من الاعمار اصغرهم يتعدى الستين.

وعلى حائط اخر في الحي الشرقي عدد مماثل من الاشخاص والاعمار، كلهم الوجه الى الحائط تحت تهديد اكثر من بندقية مجرمة.

وحده ابو حسين علي عطوي لم يحتمل ان يكون بين الجموع مصلوبا على الحائط، بثيابه الداخلية. فهو عند اعتقاله في منزله بجرم الصمود في الخيام... لم يسمح له الجنود الصهاينة واتباعهم بتغيير لباسه ولو للسترة فقط. عزّ عليه الامر، كيف يقف بسرواله القصير بين جيرانه واصحابه؟ كاد الغيظ ان ينهشه. سرق لفتة الى يمينه فشماله وترك الصف باقصى ما استطاع من سرعة وغضب. فرّ في اتجاه حارة آل سعد ومنها الى القلاعي... وعجزت الرصاصات التي اطلقت نحوه عن اصابته، وخاف من لاحقه اكمال الملاحقة.

فرّ الحاج ابو حسين ولكنه فر بثيابه الداخلية فما العمل؟ لا بد من العودة الى البيت مهما كان الثمن...

وكان الثمن غاليا... أحاط الاعداء بالمنزل بعد الدخوله واستطاعوا ان ياسروه من جديد انما بكامل ثيابه، لقد احس انه انتصر للحظة ففرحت عيناه، انه الآن بكامل ثيابه... وبكامل ثيابه سقط مع الخمسين عجوزا في مجزرة جماعية حاقدة لا يرتكبها الا البرابرة.

شهداء الخيام الذين قتلوا غدراً وأُخفيت جثثهم بعد ان مثل فيها افتدوا بلدتهم وكل لبنان. وهم للتاريخ خير شاهد على نبل قضية وطننا وعلى عدوانية الصهاينة وبطشهم ووجوب محاكمتهم امام العالم كله في جرائم ضد الانسانية. والتاريخ لن يكون الا عادلاً.

عزت رشيدي

تعليقات: