قبـرص: الجزيـرة المعلّقـة بيـن سحـر الشـرق وحضـارة الغـرب

 على شاطئ أيانابا: حركة خجولة حتى الآن
على شاطئ أيانابا: حركة خجولة حتى الآن


قبرص :

أربعة أيام بعيدا عن الانتخابات النيابية اللبنانية وحملاتها المتصاعدة، هي أمنية كل إعلامي لبناني في هذه الأيام، فكيف إذا كانت الرحلة بعيدا عن السياسة وعلى مرمى حجر من لبنان، حيث تستريح جزيرة قبرص المعلقة بين سحر الشرق وحضارة الغرب.

دزينة كاملة من الصحافيين اللبنانيين، من معظم «الملل والنحل» اللبنانية، كان لقاؤهم الأسبوع الماضي في قبرص بدعوة من منظمة السياحة القبرصية، وهي منظمة حكومية مهمتها الترويج للسياحة في هذه الجزيرة التي باتت تستقبل من السياح الأجانب سنويا، ما يزيد على ثلاثة أضعاف سكانها الأصليين، الذين لا يتجاوز عددهم سبعمئة وخمسين ألفاً.

إلا أن السياسة اللبنانية لم تغب عن تفاصيل هذه الرحلة التي شملت القطاع اليوناني من الجزيرة، لكن الانسجام الإنساني كان كاملا، فاتفقنا أولا على أن نقبل بعضنا البعض، فتناقشنا وتحاورنا واختلفت آراؤنا، لكننا عدنا من دون خطوط تماس.

بالنسبة إلى لبنان تميز قبرص فضيلتان: الأولى أنها اقصر رحلة جوية من بيروت (أقل من نصف ساعة) بحيث لا تكاد تستوعب شراب كوب المرطبات الذي يقدم وحيدا، وهذه امنية الذين يعييهم السفر جواً. أما الميزة الثانية فهي في الرقعة الجغرافية الصغيرة للجزيرة، رغم الغنى السياحي الذي تتمتع به، ما يسمح للزائر بمعاينة الجزيرة بالكامل في فترة قصيرة.

كانت الإقامة في فندق «سانت روفاييل» الفخم على شاطئ مدينة ليماسول في الجنوب القبرصي، وتعود ملكيته إلى قبارصة من أصل لبناني من آل شماس. لكن الجولة كانت واسعة، وامتدت من «آيا نابا» في أقصى الشرق، حتى «بافوس» في أقصى الغرب، مرورا بـ»لارنكا» وليماسول وجبال ترودوس الخضراء التي ما تزال تكسوها مسحة من الثلوج على علو 1900 متر، وهو أقصى ارتفاع في الجزيرة.

لم يبدأ الموسم السياحي بعد بصورة كاملة في قبرص، رغم حركة بعض السياح الأوروبيين الذين يقصدون الشمس والمياه الدافئة الصافية، غير أن زخات المطر فاجأتهم أحيانا، وإن أصروا على ممارسة السباحة ولو في عز المطر وبرودة الطقس.

من يعرف قبرص سابقا يعلم جيدا حجم الازدهار السياحي والخدماتي الذي بلغته خلال الاعوام الـ25 الماضية، حيث تحولت مدنها وبلداتها إلى مساحات واسعة من الأبنية السكنية والمحال التجارية والفنادق المستلقية على شاطئها الممتد بطول 250 كيلومترا، بحيث بات في إمكانها استيعاب هذه الكمية الكبيرة من الزوار سنويا، والتي تصل إلى نحو مليونين ونصف المليون، ما يشكل نسبة مهمة للدخل القومي القبرصي، قد تصل هذا العام إلى ثلاثة مليارات دولار.الواضح أن قبرص عرفت جيدا كيف تقدم نفسها للعالم بوجه سياحي ممتاز، سواء من حيث البنى التحتية الضرورية لأي سياحة، أم من حيث الروح الشعبية التي تستقبل الزائر مفتوحة اليدين، كأنها «بلاد ولدت لتكون سياحية فقط» على حد تعبير أحد الزملاء. ولهذه الغاية وفرت الحكومة القبرصية تسهيلات واضحة للزوار ابتداء من تأشيرة الدخول وانتهاء بالإقامة والخدمات والأسعار المعقولة، رغم تحولها إلى اتحاد اليورو منذ 2006.

تطمح قبرص إلى جذب اكبر عدد من السياح العرب وخصوصا من دول الخليج، حيث ما يزال عدد الوافدين إليها خجولا. ولهذه الغاية فتحت منظمة السياحة القبرصية مكاتب لها في بعض الدول العربية، خاصة في دبي، يديرها مدير التسويق والمبيعات في منظمة السياحة القبرصية «هراتش سحاكيان» الذي رافق الوفد الإعلامي اللبناني في رحلته.

إلا أن عدد العرب الذين زاروا قبرص العام الماضي لم يزد على 25 ألفاً من دول الخليج، بالإضافة إلى نحو ثلاثين ألفا من دول أخرى من الشرق الأوسط، فيما زارها في العام ذاته أكثر من مليونين ونصف مليون سائح من جميع أنحاء العالم، خاصة من بريطانيا وألمانيا واليونان والسويد والنروج وروسيا.

وتحتل الجالية اللبنانية مكانة مرموقة في قبرص، رغم تراجع عدد أفرادها بعد الحرب. من مئة ألف لبناني في أوائل التسعينات، لم يبق في قبرص أكثر من عشرة آلاف، لكنهم يشغلون مواقع ظاهرة في قطاع الخدمات والإعلام والصناعة، خاصة في المصارف والمحال التجارية والفنادق.

يبقى أن العائد من قبرص يشعر بدفء هذه الرحلة القصيرة، وغناها المعرفي عن هذه الجزيرة الحالمة شرقي المتوسط، لكنه يعود بالطبع محملا بكمية وافرة من «الكوليسترول» نتيجة الإفراط في طعام كثير الدسم!!

تعليقات: