ميشال عون: 61 مرشحاً و16 دائرة

العماد ميشال عون: مواليد 1935
العماد ميشال عون: مواليد 1935


منذ نحو 5 أسابيع يزداد إرهاق توفيق وهبي (السكرتير الخاص في دارة العماد ميشال عون). فهو لا يكاد يُنزل سماعة الهاتف حتى يرن مجدداً، يستقبل ضيفاً ثم يسارع إلى تنبيهه للإسراع، لأن ضيفاً آخر ينتظر. مرشحون يبحثون عن مواقعهم. سياسيون يفاوضون. وفود سياسية بامتياز. حزبيون لديهم مراجعات شبه يومية. وفود شعبية تريد أن تتعرف أكثر إلى العماد. هيئات تتبع للتيار تحتاج إلى جرعات من المعنويات

بين السابعة صباحاً والحادية عشرة ليلاً، يستقبل العماد ميشال عون نحو 13 وفداً شعبياً. يُعلن عن البعض، والبعض الآخر يأتي ويذهب في السر: ناس لا يشبه الواحد منهم الآخر بشيء. طباع متعددة، بعضها ممل وبعضها استفزازي. خصوم يأتون باكين. عونيون ضائعون. متفلسفون ينظرون في أمور لا يعرفون عنها شيئاً. قرويون يريدون إقحام الجنرال في ما يحصل في قراهم من خلافات بلدية وعائلية. غالباً، ما تراوح مدّة الزيارة بين النصف ساعة والساعة، إذا كان عون مسروراً في الحديث (يعود لتوفيق، سكرتيره الخاص، التقدير، فإما يأتي معتذراً من الضيف لأن ضيوفاً آخرين ينتظرون، أو يغض النظر عن انتهاء الوقت المخصص للزيارة). مع العلم أن معظم الزوار يريدون «تخليد الزيارة» بصورة مشتركة، أو يطلبون توقيعه على صورة. والهم الأساسي إخبار عون بما يقومون به: «خدمة القضيّة».

قبل استقبال ضيف، وخلال الزيارة وبعدها، يفكر العماد عون في تفاصيل الانتخابات مباشرة في 12 دائرة يُعتبر هو العمود الفقري للمعارضة فيها (بيروت الأولى، المتن، جبيل، كسروان، الشوف، عاليه، بعبدا، زحلة، الكورة، عكار، البترون وجزين). ويفكر، بدرجة اهتمام أقل، في أربع دوائر إضافية (بيروت الثانية، البقاع الغربي، زغرتا وصيدا)، من دون أن تغيب من باله الدوائر العشر الباقية. وفي الأساسية، يخوض عون في الحسابات على أكثر من جبهة. فهناك الحلفاء الذين يفترض مراعاتهم واختيار الأنسب من بينهم. وهناك التوازنات العائلية كحقل ألغام يعبر وسطه عند البحث في كل دائرة. وهناك، أيضاً، التوزع الطائفي للمقاعد. والأهم من هذا كله، هناك التيّار الوطني الحر، حيث كل مسؤول يعتقد أنه أهل للنيابة. هكذا، يفكّر عون في 12 دائرة، يستعرض في رأسه المعطيات كلّها. يحفظ الإحصاءات وأحجام القوى السياسية، ويتخذ، بالنيابة عن المعارضة، القرار.

في المقابل، يبدو خصوم عون في الساحة المسيحيّة مرتاحي الذهن: دوري شمعون لم يضطر إلى التفكير إلا بكيفية الفوز بمقعده، وحتى هنا وفر عليه وليد جنبلاط عناء التفكير. كارلوس إده لم يطلب منه غير التفكير بمكان يترشح به فاختار كسروان. سمير جعجع يفكر في معركة كاملة في بشري وبنصف معركة في الكورة والبترون، ويفكر عنه ومعه حلفاؤه في 5 دوائر أخرى (بيروت الأولى، المتن، جبيل، زحلة وزغرتا). أمين الجميّل أراح نفسه وحصر اهتمامه بالمتن وبعض زحلة تاركاً لحلفائه الاهتمام بالدوائر الأخرى، بما في ذلك تلك التي يملك حزبه فيها نفوذاً.

من جهة أخرى، يجد الجنرال نفسه معنياً باختيار نحو 61 مرشحاً، والمشاركة في اختيار نحو 10 آخرين. وطبعاً، إن اختيار شخص واحد غير مناسب لمكانه يمكن أن يؤدي إلى نتائج سيئة في أكثر من مكان. وفي المحصلة، يتابع الجنرال استطلاعات عبدو سعد وكمال فغالي وغيرهما. يهتم بما يسمعه من تفصيل صغير هنا وكبير هناك. يقرأ قدر المستطاع ما يتوافر من تحليلات صحافية مقنعة، يربط بين هذه جميعها، يراكم فوق مكتبه الملاحظات، ثم يهرب إلى نفسه ليراجع في رأسه المعطيات كلّها من دون ملاحظات المستشارين، ويتخذ القرار المناسب. وطبعاً، يتطلب ذلك في معظم الأوقات قفزاً فوق عواطف وصداقات وأولويات شخصيّة.

وفي بعض الحالات، حيث الحيثية الشعبية والسجل الشخصي متشابهان، ثمّة تحد استثنائي: بسام الهاشم أو سيمون أبي رميا، والاثنان يملكان الاندفاعة نفسها؛ جان حواط أو وليد الخوري، الأول صديق قديم والثاني ثَبت في التكتل رغم الإغراءات كلّها. يعقوب الصراف أو جوزف شهدا، الأول عبّر عن تطلعات عون بالنسبة إلى المسؤول والثاني لامس تطلعاته بشأن المثقفين. نبيل نقولا أو كميل الخوري. إدغار معلوف أو شارل جزرا، الأول صديق صدوق والثاني طبيب طموح. شكيب قرطباوي أو ناجي غاريوس. رمزي كنج أو حسن الخليل. زياد عبس أو عصام أبو جمرة. جورج عطا الله أو مسعد بولس. فايق يونس أو جورج مراد. وتطول اللائحة ليكتشف معها أن الاستطلاعات التي كان يراهن عليها تساعده، لكن هناك أموراً كثيرة إضافية لا بدّ من أخذها بالاعتبار. مع سعيه الدائم إلى توفير الحجة المناسبة ليقنع نفسه فيتصالح مع ذاته قبل أن يقنع الآخرين الذين يلحّون عليه بالأسئلة المحرجة.

أما خصومه المسيحيون، فمرتاحون: لم يكلف جعجع نفسه عناء البحث وسط محازبيه فجاد في الموجود، مرشحاً النواب الحاليين والمرشحين السابقين دون تبديل (ستريدا جعجع وإيلي كيروز في بشري، أنطوان زهرا في البترون، فريد حبيب في الكورة، جورج عدوان في الشوف، وإدي أبي اللمع في المتن). أمين الجميل أيضاً، لم يتعبه البحث كثيراً، فالتوريث يختصر الحيثيات (ابنه سامي محله في المتن، وابن بشير محل والدته صولانج في الأشرفية، وابن جورج سعادة في أقرب نقطة من محل والده في البترون، وصديقه سجعان قزي حيثما يريد).

لاحقاً، بعد سماع وجهات النظر، واختيار المرشحين، والتوسط مع البعض للانسحاب، وإعلان اللوائح ثمة مهمة ثالثة أمام العماد ميشال عون تتمثل بمخاطبة الناس وتعويض الفارق في الماكينات. ففي جبيل، يقترع أنصار فارس سعيد وناظم الخوري لهما بصفتهما الشخصيّة لا السياسية. وفي المتن يقترع أنصار المر والجميل وسركيس سركيس لهؤلاء بصفتهم الشخصية لا السياسية أيضاً. وهكذا دواليك في غالبية الدوائر (بعبدا، البترون، وبشري).

في المقابل، لا همّ لدى غالبية ناخبي عون إذا ترشح فلان أو آخر على لائحته. كما في جبيل كذلك في جزين والمتن وكسروان والبترون وعكار، ناسه يذهبون ومعهم عنوان واحد بأسماء... إنهم ينتخبون الجنرال ومن يرشحه.

هنا، تكمن المهمة الإضافية، خلال الأيام القليلة المقبلة سيكثف الجنرال حركته ليقنع الناس بأن الكلام عن مرشح من الجبل وآخر من الساحل وثالث من الوسط هو مجرد كلام عبثي لا معنى له لأن النائب يمثل الأمّة لا الحي، وسيقول أيضاً إنه يحترم العائلات ويقدر دورها في المناطق. لكن ذلك لا يعني أن تحل العائلة محل الحزب، ولا أن مرشحي الحزب ليسوا أبناء عائلات. وبموازاة هذا، سيعمد إلى تفعيل الحماسة العونية وغير العونية لإشعار المستقلين أنهم جزء أساسي من معركة التغيير والإصلاح. هنا أيضاً ليس ثمة نقاش ضروري حول الفريق الذي يحتاج إليه الجنرال لمواكبته: وحده يقرأ ما يتوافر، يتوقف عند النقاط الأساسية، يستمع إلى المواطنين، يدوّن الملاحظات، يأخذ بالاعتبار تفاعل المجموعات الصغيرة التي يلتقيها مع ما يقوله، يختار أفضل ما لديه، وينتظر الوقت المناسب ليظهّر موقفاً جديداً.

خلال السنوات الأربع الماضية، لم يقل دوري شمعون وأمين الجميل وسمير جعجع وكارلوس إده جديداً. لم يضيفوا معلومة أو حلماً، لم يقدموا فصلاً من مبادرة. في المقابل، قدم عون أربع مبادرات جديّة لحلول جذرية (كان أبرزها وثيقة التفاهم مع حزب الله)، انفرد بعقد اجتماعات أسبوعية لتكتله النيابي، أثار أكثر من قضية حساسة افتتحت نقاشاً طويلاً، وربما يكون الجنرال مصدر أبرز الحيويات التي يعيشها لبنان من سنوات. ما يجعل المعركة القاسية ضده أشبه بمضادات، لكنها حتى اللحظة تبدو منتهية الصلاحية!

الأكبر سناً وسط المسيحيين أكثر شباباً من غيره بكثير

يبدو جنرال الرابية أكثر شباباً وقدرة على الحركة والقيادة، من خصومه في الساحة المسيحيّة، رغم فارق العمر بينه وبين العديد منهم. ثمّة من ينسى أن عون مواليد 1935 فيما أمين الجميل مواليد 1942 وسمير جعجع مواليد 1952. وسنوات عون الأربع والسبعين لا تقارن أبداً بسنوات ابن بكفيا المدلل مثلاً. الأول أمضى العقدين الأولين في هامشية حارة حريك، ثم تنقل ثلاثين عاماً على جبهات القتال مرتدياً بزة الجيش، أما الثاني فتمسك 67 عاماً بالملعقة الذهبية مكرساً الوقت الكافي يومياً للاهتمام بالبشرة وقصة الشعر، فيما مسيرة الثالث العملانية لا تشمل أكثر من بضعة أوامر أصدرها بين عامي 1980 و1993 ثم أشرف على سوء نتائجها.

بعد انتقاله إلى منفاه في باريس، لم تتعطل ساعة الجنرال على توقيت 13 تشرين الشهير. دارت به الأيام، وظل متابعاً لتفاصيل بلده، منخرطاً في متابعة ما يجري من حوله. وفيما كان خصومه ينسجون الصفقات من دون توقف، كان الجنرال يتكل على شباب تعرفوا إلى وجهه عبر شرفة القصر الجمهوري وسمعوا صوته من بعيد، لكنهم حفظوا ما مكّنهم من إحداث تغيير هو الأكبر في الشارع المسيحي، الذي ترنح لعقود تحت وطأة الإقطاع وأحزابه البالية.

تعليقات: