الموالاة والمعارضة: سباق على الأكثريّة للإمساك بثلثي الحكومة الجديدة

الموالاة والمعارضة: سباق على قصر الحكومة
الموالاة والمعارضة: سباق على قصر الحكومة


قبل شهر من انتخابات 7 حزيران، يشتد التنافس على الغالبية النيابية الجديدة، رغم التهدئة التي أشاعتها الأسابيع الماضية، وأوحت أن الموالين والمعارضين على السواء يرغبون في حصر المواجهة ببعدها المحلي. وأوحيا أيضاً أنهما يريدان الإفساح أمام رئيس الجمهورية ميشال سليمان للاضطلاع بدور أكبر في أولى حكومات ما بعد الانتخابات، يتجاوز ما منحه إياه اتفاق الدوحة. كانا يتحدثان بإفراط عن الحوار والمحافظة على الاستقرار السياسي والأمني، وأن الانتخابات لن تكون إلا محطة في مسار التوازن السياسي الذي فرضه عليهما اتفاق الدوحة، فيما يطلقان شعارات الاستفزاز المتبادل في الحملات الانتخابية. عبّر عن هذا المنحى رئيس المجلس نبيه برّي ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط بتمسكهما بالحوار والمشاركة في الحكم ونزع فتائل الصدام، فيما حلفاؤهما يدفعون في وجهة معاكسة أكثر تشدّداً وإصراراً على إجراء انتخابات خيارات يخرج منها رابح وخاسر. بيد أن معطيات جديدة فتحت باب مراجعة الحسابات لدى الطرفين بإزاء تطورات محلية وإقليمية متسارعة:

أولها، بدء جولة ثانية من الحوار الأميركي ـــــ السوري الخميس الماضي، قاده مجدّداً مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى السفير جيفري فيلتمان مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، تجاوز التحفظ الذي رافق الجولة الأولى في 7 آذار الماضي. تحدّث الدبلوماسي الأميركي عن محادثات بنّاءة ومصالح مشتركة بين البلدين، عازياً الحوار إلى رغبة في التوصّل إلى حلول للخلافات وتحديد تقاطع المصالح، فيما تحدّث المعلم عن اختبار النيات الأميركية حيال سوريا، من خلال التباعد في هذين الموقفين اللذين لا يعبّران عن حماسة مماثلة، حاولت سوريا إظهار عدم استعجالها الحوار مع واشنطن.

وبحسب مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع، لا يعكس التقدّم البطيء في العلاقات الأميركية ـــــ السورية، إلا تعزيز الخيار الوحيد المتداول لدى الأميركيين في الوقت الحاضر، وهو استمرار الحوار مع دمشق التي ترغب بدورها في الحصول على مزيد من النفوذ في لبنان لتحسين شروط تفاوضها مع واشنطن. وليس من باب المصادفة أن الرئيس السوري بشار الاسد تسلّم أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق ميشال خوري قبل بدء محادثات فيلتمان في دمشق، ولا كذلك تأكيد السوريين أنهم غير معنيين بالمحكمة الدولية، إذ اعتبروها شأناً لبنانياً كي لا يدخل هذا الموضوع بنداً في جدول أعمال محادثات فيلتمان، ولا إبقاء الحوار الأميركي ـــــ السوري بين يدي المعلم مفاوضاً وحيداً في انتظار إحراز تقدّم حقيقي وجدّي يستأهل عندئذ وضعه بين يدي الأسد. تحمل هذه الإشارات المصادر الدبلوماسية نفسها على عدم توقع قفزة مهمة في علاقات البلدين قبل انتخابات حزيران، وعلى تسلّح دمشق بالحذر والترّيث إلى حين تيقّنها من فوز المعارضة بالغالبية النيابية.

ثانيها، اعتقاد أقطاب معارضين بأن الحصول على الأكثرية المطلقة في البرلمان الجديد أمر أضحى لا مفرّ منه لتصويب التوازن السياسي في مجلسي النواب والوزراء. ويتسلّح هؤلاء بوجهة نظر مفادها أن على المعارضة، في حال فوزها في الانتخابات، تسلّم الحكم برمته ما دام الموالون يقولون إن خسارتهم الغالبية الحالية ستحملهم على عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، ورفض الحصول على الثلث الزائد واحداً. إلا أن الموالين أنفسهم يقرنون هذا القول بآخر مشابه لحجة المعارضة، وهو أن حصول قوى 14 آذار على الأكثرية المطلقة سيفضي حكماً إلى استئثارها بالحكم، لأنها لن تعطي المعارضة ما أعطاها إياه اتفاق الدوحة، وهو الثلث الزائد واحداً.

بذلك لا يكتفي الطرفان، أياً يكن الرابح والخاسر بينهما، في حساباتهما الجديدة، بالخروج على التوازن الذي أرساه اتفاق الدوحة عندما وزّع النصاب في مجلس الوزراء، بل يسعى من الآن إلى وضع استحقاق رئاسة الحكومة وتركيبتها أمام مأزق حتمي. ولعلّ أحد مظاهر هذا المأزق تداول بعض النافذين في المعارضة اسم وزير سابق لرئاسة الحكومة المقبلة، من غير النواب السنّة المرشحين للانتخابات.

ثالثها، يتفق الطرفان حيث يختلفان على النظرة إلى المشاركة، وهو أن كلاً منهما يدرك ضمناً أن إعطاء الآخر الثلث الزائد واحداً سيحرمه القدرة على الحكم، كذلك إن كلاً منهما يحسب في أولوية إجراءات إمساكه بالسلطة، وضع اليد المباشرة وغير المباشرة على الملفين الأكثر تعقيداً، والأكثر تعبيراً عن الاستئثار بالحكم، والأكثر استفزازاً للجدل، وهما القضاء والأمن. لذا يبدو من المنطقي أن تعيد المعارضة النظر في موقف كان بعض أقطابها قد أدلى به في أكثر من مناسبة بعد اتفاق الدوحة، وهو أنها تريد إشراك الفريق الآخر في الحكم وإعطاءه الثلث الزائد واحداً. لكن واقع الأمر أن توازناً كهذا في إدارة مجلس الوزراء سيجرّدها من مقدرتها في السيطرة على القضاء والأمن، ومن ثم إحداث تغييرات رئيسية في إداراتهما، لافتقارها إلى نصاب الثلثين. يفضي ذلك إلى سعي قوى 8 آذار ـــــ ما دامت متيقنة من مقاطعة الموالاة الحالية المشاركة في الحكم ـــــ إلى التمسّك بـ21 مقعداً في حكومة ثلاثينية جديدة، وتترك المقاعد التسعة الباقية لرئيس الجمهورية الذي يرغب في وضع حقائب الدفاع والداخلية والعدل في يده.

تعليقات: