هل تذهب 14 آذار إلى انتخابات قد تخسر فيها كل شيء؟

الأستاذ نبيل هيثم
الأستاذ نبيل هيثم


حديث التسليح والتدريب يتجدد .. ومجموعات أصولية تتقاطر إلى لبنان!..

الحراك الانتخابي على أشده، والمثير فيه ارتكازه على قناعة فرقاء الصراع السياسي والانتخابي بأن كليهما سيربح.

فالمعارضة تبدو واثقة بأنها ستنتزع الأكثرية النيابية، ولن تتفرّد بالسلطة، بل ستمد يدها الى «14 آذار» لمشاركتها الحكم المقبل، وفي المقابل تروّج الموالاة لقدرتها على إعادة إنتاج أكثريتها الحالية، وستعبر بها الى دولتها، تحت راية الطائف ولا للدوحة ولا للثلث المعطل.

والمثير أكثر في موازاة هذه القناعة غير المقنعة، هو ظهور حالات قلق حقيقي على مصير الانتخابات في مساحات سياسية مختلفة. والكلام حول هذا القلق، لم يعد محصوراً في منطقة الهمس، بل بدأ بمغادرتها في اتجاه العلانية والمجاهرة. وخصوصا مع عودة الحديث مجددا عن تسليح ودورات تدريب في بعض دول الاعتدال العربي، بالتوازي مع وصول مجموعات أصولية الى بعض المناطق اللبنانية والمخيمات، وتتقاطر من طاجيكستان الى اليمن الى دول خليجية وآسيوية؟

القلق مبرر لهذه الناحية، ومن هنا يأتي الحذر السائد والزائد لدى أوساط سياسية وغير سياسية، مما تخبئه الأسابيع الثلاثة الفاصلة عن موعد انتخابات 7 حزيران، والخوف الحقيقي هو من «تسللات» تخريبية تستغل الاحتقان الداخلي الموجود أصلا بين خطوط التماس المذهبية. الرئيس نبيه بري حذر في هذا السياق من مخطط إسرائيلي لاعتداءات واغتيالات لتخريب الوضع اللبناني والوضع الانتخابي. ويلاقيه قيادي بارز في «14 آذار» بقوله «قلبي «ناقزني» من أن يحصل شيء يوتر الأجواء قبل الانتخابات».

بينما في موازاة ذلك، تبدو حركة «القيادي الأول» في «14 آذار» منصبة في اتجاه رفع المتاريس المذهبية على طريق الانتخابات، ووضع مواصفات محددة للمرشحين المقبولين في لوائحه، أهمها أن يتمتع المرشح المقبول «بالقدرة على السبّ والشتم في معركة كسر العظم التي نخوضها مع المعارضة وضد «حزب الله» تحديداً»، على حد ما قال حرفياً لزواره في الساعات الأخيرة. لكن الأخطر في ما قاله حرفيا أيضا: «لست في حاجة الى أصوات تلك «الفئة المذهبية»، فسأعوّض هذه الأصوات بـ«تعبئة جماعتنا»، والتحريض إسلامياً ومسيحياً، ولا أعتقد أن في استطاعتهم أن يواجهونا». وهرب القيادي المذكور من الجواب عندما سأله زواره : هل تقدر عواقب ما أنت مقدم عليه؟

واذا كانت قناعة المعارضة في الفوز بأكثرية نيابية تزيد عن نصف أعضاء المجلس النيابي مرتكزة على نتائج استطلاعات أجرتها وتطابق النتائج ذاتها التي انتهت اليها استطلاعات «14 آذار»، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو التالي: علام تستند «14 آذار» في قناعتها بأنها ستربح وتحافظ على أكثريتها الحالية وعلى موقعها ممسكة بالسلطة والحكم؟

تكفي نظرة الى أرض الواقع الانتخابي، لتبيّن عدم انسجام «روحية الربح» التي يجري تسويقها في أوساط «14 آذار»، مع الواقع الحقيقي الذي تعيشه. ففي الأساس قدمت «14 آذار» نفسها على أنها حركة سياسية بمضمون سيادي تخوض على أساسه معركة تحديد هوية سياسية للبنان وفق معاييرها الاستقلالية وتولت السلطة والحكم على هذا الأساس، ألا أن الصورة تهشـّمت الى حد كبير في مراحل تشكيل اللوائح الانتخابية، بحيث تدرجت نزولا من حركة سيادية بعنوان عريض، الى حركة خرج منها المعيار السياسي، وحلّ مكانه معيار التناحر الانتخابي، وتنافس الأحجام المحاصصاتي. والذي أطاح عدداً من رموز هذه الحركة، سواء بالخروج الاحتجاجي للوزير نسيب لحود، والخروج الصامت للنائب سمير فرنجية، والمعركة المستمرة التي يخوضها النائب السابق فارس سعيد لتثبيت موقعه في الانتخابات. إضافة الى آخرين لم يجدوا لهم أمكنة ودوائر فغادروا وغابوا عن الصورة.

ومع انتقال النائب وليد جنبلاط الى ضفة الانفتاح والتهدئة الداخلية، ارتكزت «14 آذار» على ثنائية «الحريري ـ جعجع»، والسؤال الذي يحضر هنا: بعد سلسلة الضربات التي تلقتها الحركة السيادية، والتشتت الذي حصل مع تشكيل اللوائح، هل هذه الثنائية كافية وحدها لقيادة «14 آذار» نحو معركة انتخابية تصرّ على وصفها بالمصيرية؟

إذا ما دققنا ملياً في الأحجام، نصل الى حقيقة أن هذه الثنائية النظرية، هي «أحادية حريرية» بالفعل، بالنظر الى الحجم الحقيقي لسمير جعجع، وما لا يمثله وقواته من ثقل على لوائح «14 آذار» وليس ثقلاً للوائح. واذا ما دققنا في المواقف نجد أنّ «قناعة الربح» منبعثة من هنا. لكن ملاحظة ذات دلالة ينبغي تسجيلها هنا، وهي أن «قناعة الربح» السابقة الذكر، تسير بالتوازي، عن قصد أو عن غير قصد، مع سياق عام للتدخل الدولي في الانتخابات المقبلة، دافعه الخشية الحقيقية من إمكانية فوز المعارضة و«حزب الله» في الانتخابات.

وتجلى هذا التدخل في محطات عديدة، بدءًا بالحملة المصرية على «حزب الله»، ومن ثم زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وإعلان تمسكها بروحية ثورة أرز 14 آذار، وبعد زيارة «شد العصب» التي قام بها مساعدها ديفيد هيل، الى التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وكلامه ضد «حزب الله»، الى تقرير تيري رود لارسن الذي مدّ «خطر» حزب الله الى مصر، الى الكلام في السياق ذاته للمندوبة الأميركية في مجلس الأمن سوزان رايس، الى الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت التي وصلت الى بيروت في زيارة انتخابية قبل أيام، تجاوزتها في لقاءاتها الرسمية، وركزت فقط على سلاح «حزب الله» وخطره على الانتخابات. ومن هنا جاء حديث الرئيس بري الأحد الماضي عن نوعين من الموفدين الذين يحضرون الى لبنان، نوع يريد أن يراقب الانتخابات جدياً، ونوع آخر لديه رغبات دفينة غايته الأساسية استهداف المقاومة. ويتجلى هذا التدخل أيضا في إعادة فتح حنفيات المال، التي يجري الحديث في أوساط سياسية مختلفة، عن وصولها بكميات هائلة، وفي إطلاق حملة تهويلية تنذر بنتائج اقتصادية كارثية وحصار مالي حال فوز المعارضة و«حزب الله»!

يحضر سؤال هنا: هل يمكن أن يتطوّر التدخل الدولي الى خطوات ميدانية مباشرة، وماذا لو اكتفى المتدخلون الدوليون باعتماد سياسة عرض العضلات من بعيد، وتبعاً لذلك، هل تذهب «14 آذار» الى انتخابات بلا غطاء يمكن أن تخسر فيها كل شيء، ويسقط العرش الذي بنته منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

يقول مطلعون إن احتمال أن تذهب «14 آذار» الى الانتخابات وتخسر فيها، هو احتمال قوي، لكنها لا تراهن فقط على محاولة تحقيق الربح والحفاظ على أكثريتها النيابية، بل ان رهانها الأساسي هو على «الرافعة الدولية» التي ستبقيها على قيد الحياة السياسية، حتى ولو خسرت الانتخابات.

تعليقات: