يوم اعتقالي وزجّي في معتقل الأحرار في الخيام

الأسير المحرر المناضل علي احمد خشيش
الأسير المحرر المناضل علي احمد خشيش


لن أنسى يوم اعتقالي مهما حييت.. لقد كان اليوم الأطول في حياتي!

عشته لحظة بلحظة وأذكر أدق التفاصيل فيه.

كان ذلك عصر يوم الجمعة الموافق أول تشرين الثاني 1985، كنت أعمل يومها في بلدة الطيبة، وقبل أن أنتهي من عملي جاءني جندي تابع لجيش العملاء (جيش لحد) ليبلغني بانّ ظابطا" من الجيش الاسرائيلي الموجود في مركز مشروع مياه الطيبة يريد رؤيتي، فأخذني اليه!

وبعدما دخلت مكتبه رأيته قابعا" وراء طاولة كبيرة، سألني ما اسمك قلت له (علي) فرد وقال بان "هناك اناس يريدون رؤيتك في بلدة مرجعيون، تذهب وتأتي بالسلامة". فتبادر الى ذهني بانني ذاهب الى المعتقل لانهم يستعملون هذا الاسلوب وقد استعملوه من قبل مع احد الاصدقاء واخذوه الى المعتقل..

تم احضار سيارتين اصعدوني في السيارة الامامية على المقد الخلفي وجلس على جانبيّ جنود اسرائيليون، أما السيارة الخلفية فكانت مليئة بالعملاء المخابراتية وكانت مرافقة لنا.

انطلقت السيارتان وبدأ يجول في خاطري بانه منذ مدة قصيرة قد اخذوا شبّاناً اعرفهم الى المعتقل.. وأنه ربما قام احدهم بذكر اسمي...

على كلّ فكرت بأنه ربما هي ايام وسوف اخرج!

وصلوا الى مفرق بلدتي حيث يكمن المعتقل على تلتها المرتفعة، وتوجهوا صوبها عندها أيقنت بانهم يقودوني الى المعتقل، وكان داخل البلدة عناصر من العملاء منتشرة باسلحتهم على الطرقات وترافق ذلك مع حظر تجول للمدنيين.

لم يخطر ببالي أي شيئ لهذه المناظر لانهم كانوا يقومون بهذا الاجراء من وقت لآخر!

وصلت الى معتقل الخيام وما ادراك ما المعتقل!

معتقل الخيام معتقل الجوع والحرمان

معتقل النفوس الأبية

معتقل الاحرار معتقل الشرفاء

مسلخ الابطال مقبرة الاحياء

منبع الاباء ،

لقد كان جحيما" وسريا" يلتهم نمطين من الطرائد منهم الذين لهم علاقة فعلية بالمقاومة والمقاتلون الذين اسروا في المعركة ومنهم المشتبه بهم وليس لهم علاقة بالمقاومة والكل مصيرهم واحد ومعاناتهم واحدة بالاستجواب والتعذيب ويتركون بلا محاكمة ولا عقوبة...

وكان قد كتب على مدخله لفترة من الزمن عبارة الداخل مفقود والخارج مولود وكان الاشراف الاسرائيلي مباشراً عليه اما يد التنفيذ بالجلد والتعذيب قد أحيلت لعملاء لبنانيين.

معتقل الخيام

يعود اساس المعتقل الى ثكنة عسكرية انشأتها قوات الانتداب الفرنسية سنة 1933م وكانت مقرا"للمرابطة في منطقة جنوب لبنان ولقد اختير هذا المكان الذي هو في البلدة المعروفة باسم الخيام الذي سمي بعدها باسمها فهي تشرف على منطقة اصبع الجليل في شمال فلسطين وعلى مرتفعات الجولان جنوبي سورية بالاضافة الى بعض القرى الجنوبية اللبنانية ومع الاستقلال استلمها الجيش اللبناني حتى اذار 1978 عندما نفذت القوات الصهيونية اجتياحها لاجزاء واسعة من الجنوب وعقب الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982 وضعت الميليشيات المتعاملة مع الصهاينة يدها عليها فباتت مركزا للتحقيق.

وبعد اتساع ضربات المقاومة اجبر الصهاينة إلى التراجع من الكثير من المناطق التي كان يحتلها مما دفعهم، بعد اقفال معتقل انصار، الى تحويل ثكنة الخيام إلى مركز للاحتجاز والاسر.

وفي مطلع سنة 1984 قد تم ترميم الثكنة وتوسيعها وتأهيلها للقيام بمهمتها الجديدة بعد ان اصبحت لا تختلف عن السجون الاسرائيلية وسمي بمعتقل الخيام وهو مؤلف من اربعة مبان للذكور ومبنى واحد للاناث. ويتألف كل مبنى من عشرون غرفة ما بين جماعية وافرادية وهي تختلف طولا" وعرضا" وارتفاعا" تبعا" للمهمة المناط بها ويوجد بداخلها فتحات في اعلاها لا تسمح باكثر من مرور الصوت وايضا" لتستمر حركة المراقبة والحراسة الدائمة، وهي تطل على ممرات تشغل الجانب الاخر وهذا لايعني ان هناك امكانية لرؤية المعتقلين الاخرين في الغرف الملاصقة او المقابلة.

وهو محاط من الخارج بابراج للمراقبة وحوله حقول مزروعة بالالغام الفردية

اما الجهاز البشري المشرف عليه كان عبارة عن رتب عسكرية اسرائيلية عليا من المخابرات بالاضافة الى بعض العناصر من الميليشيات العميلة... وبقي الأمر هكذا حتى اواخر 1988 عندها نقلت المهمة الى جهاز الامن القومي الاسرائيلي (الموساد).

وغالبا مايكون المسؤول الاول عنه برتبة عقيد ويعاونه فريق من المحققين برتب مختلفة

اما الجهاز الآخر فيتولاه عدد من المسؤولين العملاء بمشاركة عناصر امن محلية ويقوم بهذه المهمة فريق من المحققين ينحدرون في اغلبيتهم من المؤسسة العسكرية النظامية ويستعملون اسماء حركية الا ان الكثير منهم معروفون بأسمائهم..

كما كانت تتم عمليات التعذيب التي يمارسها الحرس والجنود المولجون بالعمل والحراسة فيه، ويرتبط المعتقل بشبكة من مراكز التحقيق الأولى والاعتقال القصير الامد على امتداد المنطقة الحدودية المحتلة، يصار بعدها الى احضار المتهم الى مركز الإعتقال الرئيسي (معتقل الخيام).

وبدأت رحلة الاعتقال

وحين بلغت المعتقل وضعت نصب عيناي هدفا واضحا عقدت العزم ان اواصل المقاومة والحرب ذاتها وإن بغير وسيلة... وان اتصدى لجبروت المحتل.

والصراع اياه بات يوميا رفيقا لكل لحظة من لحظات الاسر فالحياة فيه موازية لاستمرار المعركة التي يخوض المقاتلون غمارها خارج المعتقل..

دخلت الى معتقل الخيام وانا في الرابعة والعشرين من عمري من دون ان اعرف الزمن الذي سوف استغرقه فيه.

انزلوني من السيارة فاستلمني السجانون الذين بادروا الى اخذ الاغراض الموجودة معي ووضعوا كيسا" على رأسي تنبعث منه رائحة كريهة وعصبة على عيناي وقيّدوا يدايّ ورجلايّ بالسلاسل الحديدية ثم تم ايقافي الى الحائط وبدأت عملية تسلّم وتسليم ما بين عناصر الجيش الاسرئيلي وعناصر المخابرات المحلية وبين مسؤولي المعتقل العملاء اللحديين. فسألت مسؤول المحققين ماذا هناك ولماذا احضرتموني الى هنا فجاوبني بانه سوف تعرف لاحقا".

لمحة عن الأسير المحرر علي خشيش

ألبوم صور جمعية الوفاء التعاونية لتأهيل أسرى المعتقلات الإسرائيلية

الحلقة التالية: "التعذيب والمعاناة" يكتبها الأسير المحرر علي خشيش

تعليقات: