المخاتير صانعو النوّاب

مختار الأشرفيّة بيار صدقا خلال عمله في معركة إنجاح المرشح نديم الجميّل
مختار الأشرفيّة بيار صدقا خلال عمله في معركة إنجاح المرشح نديم الجميّل


إذا لم يتصل بك مختار منطقتك بعد، فقريباً جداً سيفعل ليطمئن إلى صحتك ووضعك المادي ورأيك في الانتخابات، وطبعاً سيضرب معك موعداً مع فنجان قهوة في السابع من حزيران، يضيِّفه هو ويدفع ثمنه أحد المرشحين

غالباً ما يكتسب المختار، حتى من لا يطيل شاربيه أو يرتدي شروالاً، هالة يحرص الناس على إحاطته بها، مؤكدين في حضرته أن كلمته لا تصير اثنتين. هذا المختار يتحول في معظم الأوقات إلى راصد فعال للحياة الاجتماعية في حيّه: لا تمر خبرية إلا يلتقطها، لا يتزوج شاب إلا يدعوه، لا يولم مسؤول إلا يترك له كرسياً بجانبه، لا يطلّق زوج زوجته إلا يمر بمكتبه طالباً إنجاز معاملة، ولا يغير أحدهم سكنه إلا يأتي ليبلغه بمكان إقامته الجديد،

فتتراكم لديه المعطيات: مَن مع من ومن ضد من، من يقبل الرشوة ومن يرفضها، من يتفق مع هذا المسؤول السياسي ومن يعاديه، من مشكلته مع المرشح شخصية ومن مشكلته سياسية، من يحتاج إلى الخدمة الطبيّة ومن لا يحتاج إليها (...). وبين زيارة وأخرى، يمر البعض بمكتب المختار ليطلب مساعدة في الإدارة الرسمية، فيحمل المختار الملف، ويتحرك بديناميكية من باب مسؤول إلى آخر، طالباً العون أو «الدعم». و«الناس بطبيعتهم أوفياء»، يقدرون جهد المختار ـــــ واسطتهم لتحصيل حقوقهم في الدولة ـــــ فيقفون على خاطره في الموسم الانتخابي، سائلين رضاه: أنت سمِّ يا مختار وانتظر نتيجة الصندوق.

■ واحد «بطنه بستان» وآخر «مهره غالي»

في دائرة بيروت الأولى، يبلغ عدد الناخبين نحو 93 ألفاً. 30% منهم تقريباً يعيشون في الدائرة، أما الآخرون فموزعون في أقضية جبل لبنان المجاورة لبيروت، وفي المهجر. أما المرشحون فكلهم، باستثناء مرشح المعارضة عن المقعد الماروني مسعود الأشقر ومرشح الأكثرية عن المقعد الكاثوليكي ميشال فرعون، حديثو العهد مع الانتخابات الجدية في هذه الدائرة، ولا يعرفهم ناخبوهم المفترضون. والماكينات هي الأخرى لا تعرف الأرض لأن عمرها الفعلي لا يتجاوز بضعة أشهر.

أمام هذا الواقع، يبرز دور مخاتير الدائرة. هم يعرفون تفاصيل معظم ناخبيهم: المهاجرون وغير المهاجرين، المقيمون في بيروت والمقيمون في مناطق أخرى، العناوين وأرقام التلفون، التوجه السياسي وطريقة الاستقطاب.

في دائرة كهذه، يصعب على ماكينة المرشحين الانطلاق من دون بركة بضعة مخاتير.

هذه الدائرة تتألف من 3 مناطق هي: الصيفي، الأشرفية والرميل. الصيفي يمثلها أربعة مخاتير، جميعهم يؤيدون الأكثرية؛ الأشرفية يمثلها 12 مختاراً، توفي أحدهم، اثنان منهم مقرّبان من حزب الطاشناق، أحدهما يحب التيار الوطني الحر، لكنه كاثوليكي مع فرعون، وليس مع مرشح التيار نقولا صحناوي. أما الثمانية الآخرون فغالبيتهم تؤيد الأكثرية؛ الرميل يمثلها 12 مختاراً، طُعن بشرعية أحدهم ليبقى 11، بينهم 3 مقربون من الطاشناق، 2 من المعارضة، و6 من الأكثرية.

في النتيجة، من مجموع 26 مختاراً في دائرة بيروت الأولى، ثمّة 18 يؤيدون الأكثرية، 5 مع الطاشناق، و3 فقط مع التيار الوطني الحر، مع العلم بأن المختار موظف في الدولة، وقانون الانتخابات يمنع على الموظف استخدام نفوذه لمصلحة مرشح ضد آخر. هذا القانون يهابه مخاتير «الوطني الحر» والطاشناق. أما الآخرون فلا يعيرونه كثير الاهتمام. يحددون للصحافي موعداً في مكاتب المرشحين للانتخابات، أو في مكاتبهم الخاصة التي غدت أشبه بالمكاتب الانتخابية لكثرة صور المرشحين فيها، مع العلم بأن القانون يمنع على المختار أن يرفع غير صورة رئيس الجمهورية في مكتبه. ومع دخول المخاتير المعترك الانتخابي النيابي عبر تزعمهم إدارة الماكينات الانتخابية في دائرة بيروت الأولى، يبدأ تقاذف الاتهامات: مرة مختار «مهره غالي قطفه تيار المستقبل رغم انسجامه مع طرح المعارضة»، ومرة مختار «يريد أن يملأ براد بيته»، ومرات مختار «بطنه بستان فلا أحد يؤكد عدم اختفائه يوم الأحد (يوم الاقتراع)».

■ أسرار من دون اعتراف

يوسف عطا الله ينشط اليوم في مكتب المرشح عن المقعد الأرثوذكسي في الأشرفية، اللواء عصام أبو جمرة. انتسب إلى حزب الكتائب عام 1968، وحصل على بطاقة حزبية عام 1970. يقول إنه انتمى عن قناعة ترسخت بعد «اعتداء الفلسطينيين على شبابنا في تل الزعتر، وتحرك النخوة فينا». وهو عيِّن عام 1973 مدرباً لإقليم عاليه الكتائبي قبل أن يبدأ بالتنقل بين الجبهات، ثم يصاب في حرب الأسواق التجارية وينقل إلى باريس للمعالجة. ولاحقاً، بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل، بدأ يبتعد عن الحزب. ومع بدء الانتفاضات المسلحة جمّد نشاطه العسكري ليكرس وقته للاهتمام بأسرته. ثم عام 1998، شارك في انتخابات المخترة في منطقة الصيفي عبر لائحة رباعيّة، أشرف على إعدادها مرشح المعارضة عن المقعد الماروني اليوم مسعود الأشقر، وحلَّ أول. وبعد ست سنوات، ترشح باسم عائلات الصيفي، رافضاً الانضواء تحت أي غطاء حزبي، ما أفقده أصوات العونيين رغم قربه سياسياً منهم. ورغم ذلك، فاز ومارس مهماته 5 أشهر ثم صدر قرار عن مجلس شورى الدولة يقبل الطعن بفوزه، ويعطي لقب المختار رسمياً إلى شخص آخر. ورغم ذلك، حافظ عطا الله على أداء المختار، مبقياً تواصله مع الناس على حاله، شاغلاً نفسه بقضايا الشأن العام، مواظباً على الخدمة. وفي سياق الحديث في المكتب الانتخابي لأبو جمرة، يتصرف عطا الله على اعتبار أنه «المختار الأصلي». ويؤكد أن المختار يشبه كاهن الرعية، في معرفته التفاصيل التي لا يقولها الناس عادة بصراحة إلا خلال ممارستهم «سر الاعتراف». ويكشف «المختار» أن من أصل نحو 9600 ناخب في منطقة الصيفي، هناك نحو 600 فقط يقيمون في الصيفي، ويتوزّع الآخرون في كل لبنان. ويشير إلى أن المختار لا يمون على أحد لأن الناس مفروزون. لكنه، في المقابل، يستفيد من إفادات السكن والمعلومات التي تتراكم لديه حتى يعيد تنقيح لوائح الناخبين، مسهّلاً على الماكينات الانتخابيّة عملها.

ويردد عطا الله جازماً بأن المختار ممنوع من التعاطي في الشأن السياسي، ويفترض أن يكون على مسافة واحدة من الجميع. لكن، كيف يقول ذلك وهو جالس في مكتب أحد المرشحين؟ التبرير جاهز: لا شيء يمنع أن يكون للمختار رأيه في المرشحين الآخرين، وفي حالتي، كنت حزبياً وأعرف كل الناس، فأستطيع أن أقدم نصيحة مقنعة.

ختاماً، يسأل «المختار» من أين يوزع بعض زملائه الخدمات على المواطنين، وكيف اغتنى بعضهم بسرعة قياسية؟ ويطلب أن تصل رسالته إلى هؤلاء بأن هذه آخر انتخابات لبنانية تشهد توزيع أموال، وعليهم، تالياً، أن يبدأوا بالتفكير بطريقة صحيحة وصحية لوطنهم.

■ المختار الجيّد

في المكتب الانتخابي للنائب ميشال فرعون في الأشرفية، نموذج ثانٍ اسمه مختار الصيفي (تبيّن أن بيت الكتائب المركزي تابع عقارياً لمنطقة المرفأ لا الصيفي) ميشال نصر.

بعد استقبال ودود، واطمئنان إلى الأمانة الصحافية، يبدأ نصر بالكلام: «المختار الجيد هو المختار الواقعي، الذي ينقل صورة الناس بحذافيرها إلى السياسي. والمختار الجيد هو الذي يفتح مكتبه ليدخل الناس بسهولة ويطلبوا ما يريدونه من دون خجل وقلق على ما سيترتب عليهم إذا حصلوا على ما ينشدونه. والمختار الذي يهتم بمشاكل الناس، ويوفر عليهم المتاعب الإدارية والملاحقات الأمنية، يفوز بالصدقية بالنسبة إلى السياسي فيسهل الأخير عمله».

وبوضوح، يبدي نصر اعتزازه بالعمل في مكتب فرعون، وخصوصاً أن «قناعاتي السياسية وقناعات غالبية أبناء منطقتي تنسجم مع قناعات فرعون».

ما هي تلك القناعات؟ ثوابت ثورة الأرز طبعاً، يردّ مبتسماً، مشيراً إلى أن الناس اليوم مفروزون بين خطين. وغالبية من يلتقي بهم من أهالي الصيفي هم مع خط الأكثرية، مع العلم بأن الفرز السياسي، بحسب نصر، يحول دون تأثير الخدمات تأثيراً كبيراً على الناخبين: أبناء الأشرفية لا يشترون ولا يباعون، أنا أعرفهم جيداً، بعضهم يواجه أحياناً ضائقة مادية فيطرق باب أحد الزعماء الموجودين أصلاً لمساعدته. لكن ذلك لا يعني أبداً ارتهانه إلى هذا أو ذاك. ففرعون، مثلاً، يعطي مساعدات على مدار ولايته النيابية من دون توقف، وهي لا ترتبط أبداً بالموقف السياسي، علماً بأن هذه الخدمات تؤثر قليلاً من منطلق أن غالبية الناس يرفضون شتم اليد التي تساعدهم. وفي النتيجة، بقدر ما تكون مع الناس يكونون معك، فتكبر مونتك، ويأتون عشيّة يوم الانتخاب ليسألوا: اسم من تريدنا أن نسقط في الصندوق.

نصر يقول إنه عادة يتجنب الإجابة عن السؤال الأخير. علماً بأنه يجزم أكثر من مرة بأن «المختار المحايد، لا طعم له ولا لون، ويفقد تأثيره بسرعة قياسية». ويشير إلى أن دعمه لفرعون «تحصيل حاصل»، لكونه يتلاقى معه في السياسة وفي توفير الخدمات لأبناء المنطقة: انتخاب فرعون بمثابة شكر خاص ورد بسيط لجميله الكبير.

لكن، هل يرى أن المختار ما زال يتمتع بالهيبة والوقار في مجتمعه؟ طبعاً، وخصوصاً إذا انسجم في مواقفه مع غالبية أبناء منطقته ورفض أن «تكون له تسعيرة».

أما دوره في ردِّ الجميل لفرعون فكبير. يساعد نصر الماكينة عبر توفير اتصالها بالناخبين حيثما كانوا، ومساعدة الناخبين ليحصلوا على الأوراق القانونية لممارسة حقهم، وتسهيل وصول الناس إلى مرشحهم. ووفق معاييره، هو مختار ناجح.

يبقى تفصيل أخير على لسان نصر: «أوقفنا المساعدات الاجتماعية حتى لا نُتّهم بـ«برطلة» أحد، انسجاماً مع ما يطلبه القانون. لكن ذلك لا يعني أبداً أننا سنترك لبنانياً نعرفه يموت على باب المستشفى. فإذا حصل طارئ، وقد حصل، أتعهد بدفع ثمن المعالجة الصحية من جيبي الخاص، لأننا لا نستطيع أبداً، ولا نتحمل، أن نترك الناس يموتون تحت بند التزامنا بالقانون».

■ مختار نديم بشير الجميّل

عام 1967 تأسس حزب الكتائب في منطقة الرميل، في منزل مختار الأشرفية بيار صدقا. صدقا لم يحمل بندقية كتائبية، إذ تفرغ للعمل السياسي والإعلامي في مكتب بشير الجميّل. وكانت الاجتماعات الحزبية مقدسة بالنسبة إليه، لكن شاءت الصدف أن يتخلّف يوم 14 أيلول 1982 عن الاجتماع فينجو من الموت. لاحقاً، لم يبتعد صدقا عن الكتائب، موازياً بين عمله الحزبي وعمله الاجتماعي في الأشرفية، فأسس نادي الاستقلال الرياضي، ونظّم عشرات الحفلات للأطفال، وشارك في تأسيس كشافة الاستقلال. وفي غالبية النشاطات، يقول صدقا إنه كان يحاول إبراز مسعود الأشقر الذي ضغط عام 1998 لإدخاله على لائحة المخاتير الفائزة في انتخابات البلدية والمخاتير يومها، قبل أن يبادر هو إلى دعم الأشقر في معركته النيابية عام 2000. وبعد تلك الانتخابات، تعرّف صدقا إلى نديم بشير الجميّل، الذي زاره سائلاً عن حقيقة قربه من العماد ميشال عون، فكشف له صدقا عن جمعه صوره منذ كان طفلاً يلهو في حضن والده بشير. ومذ ذاك، يتابع صدقا، حسمت خياري: أنا مع نديم لأنه ابن المؤسسة، فيما مسعود يضع يده بيد القوميين المتهمين باغتيال بشير. وكيف لا أكون معه، واسمه نديم بشير الجميّل.

هكذا، إذاً يفسّر تحوّل مكتب «المختار» إلى ما يشبه المتحف الخاص بنديم الجميّل. أما الاستفسارات الإضافية فلها أجوبة منفعلة: أنا موظف في بنك، لكنني أخذت عطلة للتفرغ لمعركة أعتبرها معركتي. أنا أخدم الناس منذ 3 عقود، مرة من خلال وظيفتي في المصرف، وأخرى من خلال حفلات خيرية، ومرات عبر الركض من مستشفى إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى. والناس كافة يحبونني. يكفي أن تشاهد ماذا يحصل أمام مكتبي حين يفوز نادي الحكمة وأبدأ بتوزيع «البقلاوة». أنا اليوم أحد الأعمدة في ماكينة نديم، أعرّفه إلى الناس، وأزور معه بعض الأحياء، وأمضي غالبية وقتي في إجراء الاتصالات بالناخبين، وها هي اللوائح تكاد تكتمل، مع إشارة في موازاة كل اسم.

البعض يقول إن نديم صغير، فأدعوه إلى الجلوس معه والتعرّف إليه. خلال الزيارة يشرح نديم أنه مع الحريري لأن الحريري أتى إلى قرنة شهوان، متعهداً أمامهم بأنه يؤسس لخط مستقل، وتيار خاص به كما فعل والده (...).

هكذا إذاً هي الانتخابات في بيروت الأولى، وربما في كل لبنان. صراع مخاتير لصناعة نواب يحسنون تقديم الخدمات، مع الأخذ بعين الاعتبار دائماً أن الانتخابات البلدية ومعها انتخابات المخاتير على مرمى حجر، وقبلها ببضعة أسابيع سيتذكر المرشحون الفائزون من كان معهم ومن كان ضدهم وسط المرشحين إلى المخترة، فيوعزون إلى أنصارهم بانتخاب هذا لا ذاك، حتى يبدو المشهد الأخير: مخاتير يصنعون نواباً ونواب يصنعون مخاتير. ودائماً، الأكرمون أولى بالمعروف.

الصحناوي جديد وغير مجرّب!

يقول المختار ميشال نصر إن منافس النائب ميشال فرعون (المتحالف مع نديم الجميّل ونايلة تويني) نقولا الصحناوي محترم وابن عائلة، لكنه «جديد في عالم السياسة، وغير مجرّب»، ما يصعّب على الناس تقبّله. كذلك فإن خطه السياسي لا يحظى بتأييد كبير في الأشرفية. أما «الخط السياسي لفرعون فقد جُرّب واختبرت مساعداته وخدماته 13 سنة، وبانت حسناته». وبحسب نصر، فإن فرعون أنجز مشاريع كثيرة لن ينساها أبناء الأشرفية. أيّ انجازات؟ يعدّد نصر أربعة أساسية: 1ـــــ تطوير البنية التحتية في شارع مونو ومعالجة أزمات هذا الشارع السياحي المتعددة. 2ـــــ ترميم كنيسة المخلّص واستحداثه مستوصفاً، ومتابعته وتغطيته مادياً. 3ـــــ حلّ مشاكل الناس اليومية وعدم سماحه مثلاً بإغلاق بعض المطاعم وتشريد موظفيها. 4ـــــ سعيه لتمر «القديسة تيريز في الأشرفية وترفع على الأكتاف، محافظاً على كرامة أبناء المنطقة».

لامركزيّة بلديّة

في الأحاديث التعبوية، يطرح بعض مسؤولي التيار الوطني الحر أن يكون لكل منطقة في بيروت (الأشرفية، الرميل، الصيفي، الباشورة، المصيطبة، المرفأ...) بلديتها الخاصة، فلا تبقى المركزية التي لا تسمح بتمثيل بلدي صحيح. وبحسب هؤلاء، فإن بلدية بيروت اليوم هي بلدية تيار المستقبل، ورئيسها عبد المنعم العريس غائب «لا نحن نقرأه ولا هو يقرأنا».

«انتخب نايلة لأنك تعرفها»

مختار الصيفي الياس خياط هو أحد فناني فرقة «الفرسان الأربعة» الذين غنّوا «الزعما فلّوا من لبنان». خياط يحاول إرضاء كل الناس، مشيراً إلى أن المرشحة نايلة تويني صديقة للفرسان منذ فترة طويلة، وهو يحبها وسينتخبها لأنه يعرفها، فيما لا يعرف عصام أبو جمرة. ويستصعب المفاضلة بين نديم الجميّل ومسعود الأشقر أو بين نقولا الصحناوي وميشال فرعون، مرجّحاً فوز الأكثرية.

إضاءة

أجور خياليّة وسمسرة بأشكال متعددة

تغيّر دور المختار كثيراً. فالفائز بختم المختار في بيروت إنما يفوز بوظيفة تدرّ أمولاً كثيرة، إذ إن غالبية المخاتير في بيروت لا يمدّون يدهم إلى ختمهم إلا بعد مشاهدتهم ورقة العشرين ألف ليرة على الطاولة أمامهم. وبعضهم يطلب ثمناً لتوقيعه على بعض المعاملات خمسين ألفاً ومئة ألف. وهكذا، على ذمّة بعض المخاتير، تتخطى يوميّة بعضهم في بعض أحياء العاصمة خمسة ملايين ليرة، مع العلم بأن بعض هؤلاء يوظف سكرتيرة في مكتبه فتوقع بختم المختار لمن تثق بهم، وتستقبل طلبات الآخرين حتى يوقّعها المختار مساءً. واللافت أن مكاتب بعض المخاتير أكبر بكثير وأكرم خدماتياً من منازل بعض النواب، فيما يروى في بيروت، وفي محيط شارع الجميزة تحديداً، عن مخاتير استغلوا ثقة الناس بهم، ومعرفتهم بالأمور الإدارية، ليتحولوا إلى سماسرة. وقد أتقن هؤلاء اللعب على نقاط ضعف الناس، فقدموا لأصحاب المنازل عروضاً ذكيّة شجعتهم على بيع منازلهم، إما لتهدم وتقام محلها «ناطحات سحاب»، أو لتتحول إلى مطاعم وملاه ليلية. ويروي أهل الجميزة بإسهاب كيف أن أحد ممثّليهم يغدر بهم يومياً متضامناً مع مستثمري المطاعم لا معهم. ويستغرب هؤلاء كيف يكلّف أحد المرشحين هذا المختار بمهمات انتخابية، كأنه لا يعلم أن مجرد وقوفه مع مرشح سيدفع الناس إلى انتخاب المرشح الآخر.

وفي الموضوع الانتخابي أيضاً، يستغرب مسنّ من الصيفي، يدعى خليل خياط، كيف بات المخاتير يتسوّلون الأموال من مكاتب المرشحين، ويتصرفون بدونية لا تقيم وزناً لصفتهم التمثيلية. ووفق خياط، فإن المختار سابقاً كان يجلس كأنه زعيم في منزله، يقصده المرشحون طالبين بركته، ويجلسون هم في صالون منزله ليتعرفوا إلى الناس ويلتقوا بالناخبين. فيما يقول أحد المرشحين في دائرة بيروت الأولى إنه حاول أن يتصل ببعض المخاتير للتفاهم معهم بشأن الانتخابات، لكنه فوجئ بأن أحد هؤلاء طلب حوالى مئة ألف دولار لمساعدته، وسعى آخر إلى إقناعه بقدرته على توزيع أصوات نحو 400 ناخب في منطقة الصيفي بالتساوي بينه وبين المرشح المناوئ له إذا دُفع الثمن المناسب، مع العلم بأن بعض المخاتير يحاولون اليوم إرضاء كل المرشحين، على اعتبار أن ثمة انتخابات بلدية واختيارية آتية بعد الانتخابات النيابية، وتأثير المرشحين الفائزين سيكون كبيراً فيها. فلا يجوز إغضابهم أو استفزازهم كي لا يضع أحدهم فيتو على حفاظهم على لقب المختار. في المقابل، يقول أحد المرشحين، إن بعض أعضاء ماكينته يضاعفون جهدهم ليكسبوا ثقته على أمل أن يرشحهم لاحقاً للفوز بلقب المختار.

تعليقات: