أيام التعذيب والمعاناة التي عشناها في معتقل الخيام


لحظة انتهاء الاجراءات ادخلوني الى غرفة ثم حضر احد العملاء الجلادين من البلدة ورفع الكيس عن رأسي فقال لي بان هناك اسلحة وجدت في البلدة وانت على علاقة بها وكانت كلماته مقرونة بالتهديد فبادرت الى الانكار وردّ عليّ بانهم سوف يبدأون بالتعذيب اذا لم اتكلم، وقد لمّح لي اين وجدت والانواع التي وجدت واصريت على الانكار وفي هذه الاثناء سمعت صوت الصديق الذي احضروه منذ بضعة اشهر وهو يئن من العذاب فخطر ببالي فكرة بانه قد تحدث عن الامر وباننا على علاقة بالمقاومة.

وقد تبيّنت بعد ذلك بان احد افراد البلدة المتعاونين مع العملاء هو من كان وراء كشف بعض العتاد وتم الدلالة عليها خرج العميل الذي هو من البلدة ودخل حوالي خمسة من السجانين العملاء ونزعوا عني الثياب وبقيت فقط بالثياب الداخلية ولم يكن يزل الكيس في الرأس وعصبة على العينين والقيود في اليدين والرجلين وانهالوا علي ضربا" بشتى الوسائل منهاالكرباج (وهو عبارة عن سلك كهربائي مجدول ) والعصي وباكعاب البنادق بالاضافة الى الركل بالارجل المنتعلة بالاحذية العسكرية والضرب بخراطيم المياه استمرّ الضرب متواصلا"لمدة الساعة او اكثر وضعوا الاسلاك الكهربائية في يديّ وبعض اعضاء جسدي وتم تشغيلها حتى بدأت الصدمات الكهربائية تتنقل من اعلى الرأس الى اخمص القدمين حتى اغمي عليّ وبدأو بصب الماء على جسدي لتزيد من الصعقات الكهربائية اللاذعة وكانو يطلقون العنان لزمّور قوي الذي اذا بدأ بالدوي لايكاد الفرد مناّ بان يسمع صراخه من الالم من شدة زعيقه، وقد تركوا اثار اجرامهم على جسدي ومازالت لغاية الان بعدها اخذوني وعلقوني على حديدة مثبتة على الحائط وقدماي شبه مرفوعة عن الارض وبدأوا بصب المياه الباردة والساخنة عليّ، بقيت على هذه الحالة حتى الساعات الاخيرة من الليل ثم حضر احدهم واجلسني على الارض بحالتي وكنت منهك من شدة ما صنعوا بي ولم تغفو لي عين حتى الصباح وعندما لم اسمع أي صوت من حولي حاولت رفع العصبة عن عيناي مستعينا بركبتي واذا بي أرى اخي الاصغر وبعض الاخوة من البلدة قد احضروهم همست لهم بان لاعلاقة لكم باي شيء فابقوا على هذا الكلام حتى لا ينالوا منكم وبدأت الاصوات تقترب ارجعت العصبة على عيني ولم اعد اعرف شيئ عنهم الا بعد حين بانهم قد اصبحوا معتقلين بعد تعرضهم لاشدّ انواع التعذيب والمعانات كما مارسوا علينا بالاضافة الى الضرب والتعذيب اسلوب التجويع والعطش لنستمر اياما" دون طعام وشراب.

كانت الايام الاولى منهكة للغاية كان الاستجواب عن ماضيّ وعن الاعمال التي قمت وسوف اقوم بها تتوالى عليّ بلا توقف والتهديد بالاعدام وتهجير اهلي وتهديم منزلنا لا يبارح السنتهم

وبعد مضي اسابيع على اعتقالي استدعاني احد الجلادين ورفع العصبة عن وجهي واذا به احد الاشخاص الذي كنت معه في نفس الصف في احدى المدارس ويدعى سمير عيد وبدأ يتكلم معي باسلوب اللين واللوم باني سلكت الطريق الخطأ وممكن معالجته عبر التعامل معهم والأخذ بنصيحته ولكن خسئ بذلك فلم اكترث له رغم اني ما زلت رهن التحقيق والتعذيب وهناك امورا"كثيرة مهمّةلم ولن اعترف بها او اكشف عنها 0

بدأت رحلة التحقيق والتنكيل بي بين سين وجيم تبدأ بتاريخ الميلاد والنشأة والدراسة والاقارب والاصدقاء والوضع الصحي والانتماء وكانت الاجوبة التي لاتعجبه يرد عليها بالضرب والمطالبة باجوبة اكثر وضوحا" وتتوسع الاسئلة لتطال الجوانب الشخصية من علاقات بالنساء وكيفية الممارسة وصولا" الى المعارف في القرى المجاورة (طبعا" هذا الاسلوب يستعملوه ليتسنى الى ذهن المعتقل بانهم اغبياء وباي اسئلة يلتهون ولكم هذا الاسلوب هو من صميم التحقيق لانه عندما يتشتت الذهن على هذه الاسئلة يفاجئونه باسئلة تتعلق بالتحقيق واذا كان شارد الذهن يتلعثم ويأخذوا ذلك بعين الاعتبار ويدرسوا شخصيته ) ويتم اشعار المتهم بانه عالق بين يدي اهم اجهزة استخباراتية في العالم وبان المعلومات الدقيقة والتفصيلية عنه بحيازتهم وما عليه الا ان يثبتها لديهم بواسطة الاعتراف ويعتمدوا عملية الترهيب والترغيب للحصول على المعلومات وما هذه الا الجولة الاولى من التحقيق فانها مجرد بداية ثم يتم اخراجي من غرفة التحقيق ليتسلمني عناصر من السجانين وهؤلاء من المتخصصين بعمليات الضرب العشوائي ويمضي الوقت اما واقفا" واما راكعا"او ملقى على الارض والضرب والركل من كل ناحية وصوب مع القفز عليّ وتستغرق هذه العملية لبعض الوقت الى حالة الانهاك ثم يعاد دخولي الى غرفة التحقيق واستمريت على هذه الحالة لفترة اربعة اشهر ، وقد علقت على عامود التعذيب لاكثر من مرة ولمدة ثلاث ايام متواصلة اما معلّقا" على علوّ لاتكاد رجلاي تلامس الارض او بطريقة اخرى معلّق بالقدمين والرأس الى الاسفل دون ملابس وفي اثناء التعليق يصب الماء البارد حينا" والساخن حينا" آخر مما يتسبب بتلف للاعصاب ثم يحضر احد السجانين ليطفئ سيجارته على جسدي اويضرب ويكهرب او يرمس الرأس في برميل من المياه وكل سجاّن حسب مزاجه يتعامل معنا ،

واذكر في احدى المرات في شهر شباط بينما الثلج يتساقط تم استدعائي للتحقيق مجددا" بسبب شبّان احضروهم من البلدة وليس لي علاقة بهم وعندما لم ينالو منّي شيئا" ارادوا ان يشفوا غليلهم بان علقت على العامود من دون ملابس والثلج يتساقط عليّ بقيت حتى منتصف الليل حتى حضر ما يسمى بالممرض ولمس جسدي فرآه لوح ثلج فبادرعلى عاتقه بفك الاغلال فسقطت على الارض كورقة خريف صفراء ولم اعد اقوى على الوقوف او تحريك يداي ولم احس بشيئ لان يداي كانتا مجمدتان وجسدي مخدر اخذني الى قرب مغسلة مياه وفتح المياه الساخنة وصلت درجة الحرارة فيها الى السبعين وانا لم اشعر بها وبدأ بفرك يداي تحتها وضع علي حرام وادخلني الى الغرفة قام الاخوة بالباسي بعض الثياب ووضعوا حوالي سبع حرامات ولم اشعر بالدفئ واصابني دور من البرد وكنت ارتجف من شدّة الصقيع بقيت على هذه الحالة حتى الصباح

(ومن نجا مناّ في فترة التحقيق والتعليق فقد شاهد الموت بام عينه ومنّا من قضى نحبه من شدة التعذيب هذا المزيج المركب من التعذيب الجسدي والنفسي فعل فعلته اذ بلغ عدد الشهداء عشرة داخل المعتقل ومن المؤكد ان عمليات الافراج عن البعض الذين يعانون ليس بداعي انساني بل اخذوا بعين الاعتبار بان وفاتهم داخل المعتقل يمكن ان تؤدي الى حملات تضامن وادانة للصهاينة والعملاء والتي سوف تقوم بها المنظمات والهيئات الانسانية المحلية والدولية لذا كانو يطلقون سراحهم ، ولا تختصر المعانات على السجناء فقط بل تطال حتى المحررين الذين لم تتحمل قدرة اجسامهم على مقاومة المعانات يظلّون يحملون اثارا" لا تمحى من صعوبة التعذيب فاذا خرج وهو يعاني من الامراض يلاقي حتفه وقد سقط العديد من جراء ذلك)

فالحياة هنا جامعة للأضداد بين آلام الجسد وعذابات النفس فأنواع التعذيب الجسدي عديدة منها الضرب المبرح على كافة الجسم وبالأخص أمكنة الآلام وبكافة الوسائل وتستمر لساعات طويلة و التعليق باليدين على عامود حديد مرفوع الرجلين عن الأرض أو بالعكس أي بان يكون الرأس إلى الاسفل والارجل الى الاعلى وقد تصل مدّة ذلك الى ثلاثة أيام بالاضافة الى تعريضنا للكهرباء في كافة أعضاء الجسم حتى الأعضاء التناسلية ذكرا"كان أم أنثى مع صب المياه لتزيد الصعقة الكهربائية ليصل بنا الامر إلى مرحلة الإغماء وفقدان الوعي كما يتم رمسنا في برميل مليء بالماء او الوقوف طويلا" تحت اشعة الشمس صيفا" وتحت الامطار والصقيع شتاء" طبعا" من دون ملابس وكانوا يسحبوننا من ارجلنا لمسافات طويلة يغمرون رؤوسنا بالتراب ويدوسون بنعال احذيتهم على ايادينا مع الدلك كما كانوا يتبولون علينا ويطفؤون السجاير على اجسادنا او يحمّون الاسياخ ويلذعوا بها اجسادنا ويركعوننا على الحصى كما كنا نتعرّض إلى التعذيب النفسي كتعريتنا من ملابسنا أو إحضار احدا" من أهلنا واخواتنا و زوجاتنا وضربهم وتعريتهم أمامنا ليضعفوا إرادتنا وقد مارسو ذلك معي وبعد فترة من الزمن احضرو والدي كوسيلة ضغط عليّ حتى هو لم يسلم من ممارسة تعذيبهم عليه وقد اعتقلوه لمدة الشهر تقريبا ولا ننسى بأنهم استعانوا بأطباء نفسيين ليأخذوا فكرة عن هذا الأسير الجاثم بين أيديهم وليدرسوا شخصيته كيف يتعرض لكل هذه الممارسات ولا يتكلّم ولا يدلي بأي معلومة متسائلين عن هذه العقيدة التي يحملها سؤال يبقى ببالهم لعلّى أحد يعطيهم الجواب .

بقيت مرميا" فترة شهرين متتاليين في الممر الخارجي معصب العينين مكبل اليدين والرجلين والسجّان لاينساك من غضبه ذهابا وايابا فلا بد من ان يعطيك بعضا من لكمات يديه او ركلات رجليه عدا ان النوم على الارض دون غطاء جعلت لي الحذاء وسادة والقميص غطاء لا يكاد الصحو يفارقني ،امّا الطعام فكانوا يلقموننا اياه ولانعرف ما نأكل الا من خلال الطعم وهذا اذا ساعدتنا حاسة الذوق لمعرفتها

ثم انتقلت بعدها الى غرفة انفرادية لبعض الوقت تكاد مساحتها تصل الى التسعين سنتم طولا وكذلك عرضا لا ارى فيها النور الا من خلال فتحة صغيرة في السقف لاتكاد الاصابع تمر من خلالها ، بداخلها دلو صغير لقضاء الحاجة والروائح النتنة حدث ولا حرج نقلت بعدها الى غرفة صغيرة لاتزيد عن الستين سنتم طولا وكذلك عرضا" بعلو المتر يجلس احدنا لمدة يوم او يومين وهو مكبل اليدين والكيس في الراس ولحسن حظ الذي لم يكن بدينا لانهم يدخلونه بالقوة ، وليزداد العذاب علينا يقوم السجان بالضرب على بابها الحديدي ليبقى احدنا موتّر الاعصاب

ثم بعد ذلك ننتقل إلى الزنازين الجماعية فكانت بطول المترين وعرض متر ونصف وهي مظلمة لانكاد نرى وجوه بعضنا البعض كنا فيها خمسة اشخاص واحيانا يصل العدد الى الستة اشخاص وكنا ننام فيها اشبه بعلبة السردين ( كعب ورأس ) واذا تقلّب احدنا على الجميع التقلب واذا قام احدنا على الاخرين القيام وبعض الاحيان نتناوب على المنامة هذا اذا جاء لاحدنا النوم وكان غطائنا حرام نصفه للاستلقاء عليه والنصف الاخر للغطاء في عزّ البرد وقيظ الصيف واما الوسادة فكانت الحذاء واما بيت الخلاء فكان يوجد بداخلها دلوا" صغيرا" معد لقضاء الحاجة واغلب الاحيان يكون بلا غطاء ويفرغ كل ثلاثة الى اربعة ايام مرة ، وهي بؤرة للامراض والعلل فالرطوبة تخرج من الارض وتتسلل لتنخر العظام وتساهم في تنامي الامراض داخل الجسم ويرافقنا ايضا في الغرفة القمل والجرب فهم من المقيمين بداخلها سابقا" وحاليا" ولاحقا".

لمحة عن الأسير المحرر علي خشيش

ألبوم صور جمعية الوفاء التعاونية لتأهيل أسرى المعتقلات الإسرائيلية

الحلقة السابقة: "يوم زجّي في معتقل الخيام"

الحلقة التالية: "رحلة الغرف" يكتبها الأسير المحرر علي خشيش

تعليقات: