القاعدة موجودة بقوة في لبنان، إنها حقيقة مرعبة للكثيرين لكن خوفهم من الإقرار بها لا بنفيها

إبن الخيام، الكاتب والمحلل حسين عبدالله
إبن الخيام، الكاتب والمحلل حسين عبدالله


لقد بدأت الأعمال الارهابية التي تتنقل من منطقة لبنانية الى اخرى ترسم السيناريو الذي يريده هذا التنظيم الارهابي للبنان، فالقاعدة لديها في لبنان “بنك” باهداف متعددة وخطيرة وهذا ما يزرع الرعب في قلوب اللبنانيين الذين ارتجفوا هلعا وهم يشاهدون عناصر فتح الاسلام يفجرون انفسهم أو حين هددوا بتحويل لبنان الى براكين متفجرة واتبعوا ذلك بدفعة على الحساب بتفجيرات متنقلة في عدد من مناطق العاصمة بيروت.

ووفق ما نشرته صحف لبنانية نقلا عن مصادر امنية فان عناصر لليونيفيل سيكونون الهدف الاساسي للقاعدة حيث يتم استهدافهم في مطاعم بيروت وعبر تنقلهم بين بيروت ‏والجنوب.، ‏و تفجير سيارات مفخخة بدوريات لليونيفيل ‏ اضافة الى استهداف إحدى السفارات الأجنبية بيروت من خلال عملية انتحارية مزدوجة.، ‏ وكذلك ضرب مواكب لسفراء أجانب ونصب كمائن على الطرقات التي يسلكونها.‏

مع احداث تفجيرات تطال أسواقاً تجارية ومباني سكنية، ‏ ويتعدى الامر الى تفجير مبان تابعة للدولة اللبنانية، ‏ وتنفيذ عمليات خطف طائرات من مطار بيروت وفرض شروط تخدم مصالح ‏ العالم، كذلك استهداف شخصيات لبنانية لهزّ الاستقرار الأمني البلاد.

مجموعات محلية أم تنظيم عالمي

بدأ الحديث عن وجود حقيقي للقاعدة في لبنان في السنوات الاخيرة ولاسيما بعد احتلال العراق حيث بدأت تظهر تنظيمات اسلامية سلفية متطرفة تعلن انقلابها على الواقع اللبناني القائم وتدعو لتطبيق شريعة الله على الارض. لكن هذه التنظيمات عبرت وتعبر عن مظهر ليس له علاقة بحقيقة الإسلام, ولا بالسلفية الصحيحة الملتزمة بكتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام. ووفق المختصين بشؤون الحركات الاسلامية فانهم لاحظوا ان التنظيمات الاسلامية المتطرفة التي تنتهج العنف طريقا لترسيخ مفاهيمها وبسط سلطتها تعتبر نفسها ممثلة امينة للجهادية الاسلامية . وان كل من لا ينسجم معها في توجهاتها ومنطلقاتها كافر يقام عليه الحد.

وعلى الرغم من ان هذه الجماعات لم تمارس حتى الآن العنف في لبنان في مفهومه الدامي الواسع عبر السيارات المفخخة وقتل المدنيين الا ان إقدام فتح الاسلام على ذبح اكثر من عشرين جنديا من الجيش اللبناني اكد انها تتماهى مع القاعدة وان النموذج العراقي قادم بسرعة الى لبنان، ومن الملاحظ ان التنظيمات السلفية المتطرفة تنشط في مناطق لبنانية مهملة وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة و نهر البارد حيث لا سلطة للدولة اللبنانية.

وتستظل بالتنظيمات الفلسطينية مع ان السلاح غالبا ما يكون وسيلتها في حل خلافها مع أي تنظيم فلسطيني كما انها تحتمي وراء القول بان دربها هو الجهاد في سبيل الله ضد الاحتلال في فلسطين والكفار الصليبيين. . لكن هذه الجماعات لم تطلق حتى الان طلقة على الاسرائيليين ولا سقط لها شهيد في مواجهتهم. ومن الثابت انها كلما اشتد الضغط الاجتماعي على المخيمات المتمثل بالبطالة و الفقر كلما تحولت المخيمات الى بيئة خصبة للأفكار المتطرفة خصوصا وان المجتمع الفلسطيني في لبنان مجتمع عاطل عن العمل, محاصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فتستغل هذه التنظيمات الواقع الاجتماعي المزري لمخاطبة الجمهور الفلسطيني بأن لا خلاص من الظلم الا بالاسلام الذي يقدم الحل.

ووفق الشيخ الداعية فتحي يكن رئيس جبهة العمل الاسلامي ان تنظيم القاعدة في لبنان يتنامى ويتسع منذ توقيف مجموعة فتح الاسلام التي تم توجيه أصابع الاتهام اليها في قضية تفجيرات عين علق في المتن الشمالي في الثالث عشر من شباط الماضي، وقرر تنظيم القاعدة بعد توقيفات لعناصر اصولية شهدتها منطقة الشمال اللبناني التعامل بوجه جديدة مع الساحة اللبنانية ليس باعتبارها ساحة نصرة وحسب بل ساحة جهاد، وقد أثار توقيت النقلة علامات استفهام كبرى، خاصة أنه تزامن أو برز الى العلن، مع انتشار قوات اليونيفيل في منطقة جنوب الليطاني في الخريف الماضي. وكشفت المعلومات أن التحقيقات مع المجموعة المتهمة بالانتماء إلى تنظيم القاعدة تتركز حول ما اذا كانت هذه المجموعات تم تجنيدها خارجياً أم في لبنان وحول ما اذا كان هناك أي رابط بين هذه المجموعات، خاصة أن التحقيقات وأعمال الرصد السابقة التي قامت بها القوى الامنية اللبنانية، أظهرت أن مجموعات لبنانية وفلسطينية بادرت من خلال قادتها أو أمرائها للاتصال بتنظيم «القاعدة» في حالات عدة لطلب الانضمام اليه والحصول على الدعم المالي والتقني والعسكري، فضلا عن طلب إرسال مرشدين دينيين لاختبار المجموعات على غرار ما حصل مع مجموعة فتح الاسلام.

وما يؤكد تحويل القاعدة لبنان الى ساحة من ساحاتها ما قاله جون نغروبونتي رئيس المخابرات الأميركية سابقاً من أن الولايات المتحدة تأخذ على محمل الجد ‏إمكانية توسيع القاعدة أنشطتها لتصل إلى لبنان مستغلة الصراع هناك. مضيفاً أن مثل هذه ‏الخطوة والتي حث عليها علانية بالفعل زعماء القاعدة لا يمكن استبعادها، ويقول نغروبونتي لصحيفة (انترناشيونال هيرالد تريبيون) في مقابلة في 22 أيلول 2006م « لقد ‏تحدثت عن الأولوية التي توليها -أي القاعدة- للنجاح في العراق حتى يمكن استخدامه وقتئذ كمنبر لمد أنشطتهم ‏إلى المشرق، ويعني الأردن وسوريا ولبنان. وبحسب بعض المحللين فإن المجموعات الإسلامية المتطرفة التي اكتشفت سابقاً في لبنان قبل اغتيال الرئيس الاسبق للحكومة رفيق الحريري في فبراير عام 2005» لم ترق إلى الإطار التنظيمي المتكامل والذي لديه هيكلية متكاملة، لكنها تسعى الى اقامة تنظيم متماسك طالما انها مهتمة بلبنان وقد كرر قادة تنظيم القاعدة وفي مقدمهم أيمن الظواهري ان لبنان مهم بالنسبة لهم .

بدايات الظهور

يعود ظهور السلفيين في لبنان الى خمسينييات القرن الماضي حيث كانت مدينة طرابلس أول من استحضر الفكر السلفي إلى لبنان، عبر الشيخ سالم الشهال الذي اسس عام 1975 عند اندلاع الحرب الاهلية في لبنان ما عرف بجيش السنة.

وعند انتهاء حرب السنتين 1977تم حل هذا الجيش وانصرف الشيخ سالم ومعه نجله الشيخ داعي الإسلام الشهال إلى العمل الدعوي لنشر الفكر السلفي من خلال إنشاء جمعية ومعهد الهداية والإحسان مع مجموعة من المشايخ .

وبدأ دور التيار السلفي في طرابلس يتعاظم مع بداية الثمانينات. وبدأت رقعة انتشاره تتوسع بسرعة خارج المدينة، مستفيداً من توسع انتشار حركة التوحيد الإسلامي وهي حركة سلفية متشددة التي شكّلت آنذاك مظلة لمعظم التيارات الإسلامية، وساهم حضورها العسكري والسياسي بزعامة أميرها الراحل الشيخ سعيد شعبان، في تأمين الغطاء المناسب لتوسع نشاط السلفيين الذين كانوا قريبين جداً من شعبان. لكن تمدد هذا التيار في الشارع السني في الشمال، كان يكبر ويتعاظم انطلاقاً من النشاط المكثف الذي مارسه في المعاهد الشرعية الرسمية والمساجد والأحياء والمصليات التي أحدثت في عدد من الشقق، إلا أن العمل الدعوي للجمعية السلفية اصطدم في نهاية التسعينات بملاحقات من الدولة اللبنانية بسبب نشرها وتبنيها أحكاماً تكفيرية، وتسببت تلك الملاحقات بتشرذم تلك الحالة السلفية بين أمراء ومجموعات أخذت كل واحدة منها ببناء هويتها الخاصة وارتباطاتها المختلفة. وسمح هذا التشرذم بتوجيه العديد من التهم لبعض الأشخاص بالتورط في عدد من الأعمال الأمنية في الشمال العام 1999 وكان بعضهم يتعرض للتوقيف عند كل حادث أمني، مما ساهم في خلق نوع من النقمة فاتخذ بعضهم قرار الفرار من أي ملاحقة نحو جرود الضنية القريبة من طرابلس. وبنتيجة ذلك حصلت أحداث الضنية الشهيرة في نهاية العام 2000بين الجيش اللبناني ومجموعة مسلحة اتهمت بأنها ترتبط بتنظيم القاعدة. ومعظم الذين شاركوا في تلك المواجهات هم إما من رموز الحالة السلفية المباشرين أو المنتمين إليها بالفكر، وبعضهم ممن كان عائداً من الجهاد حيث قاتل تحت قيادة أسامة بن لادن في أفغانستان.

ولم يكن ممكناً العثور على الارتباط التنظيمي بين السلفيين في طرابلس والضنية وعكار وبين تنظيم القاعدة إلا من خلال أولئك العائدين من الجهاد في أفغانستان للالتحاق بالحالة السلفية في لبنان أو لتأسيس مجموعات سلفية جهادية جديدة.وخلافاً للاعتقاد السائد حول السلفيين، فإن المنتمين إلى هذا الفكر وأمرائه يحتل عندهم التثقيف الديني، عبر المعاهد الشرعية والجمعيات التي أنشأوها والمساجد، مرتبة أولى وأساسية في عملهم. وربما هذا ما يساهم سرعة انتشار الفكر السلفي بين أهل السنة والجماعة الذين تعتبر مدينة طرابلس ومحيطها قاعدة رئيسة لهم. وقد نمت على هامش تلك الحالة مجموعات ومعاهد سلفية انتشرت في معظم المناطق السنية في لبنان من عكار والضنية إلى البقاع الغربي والجنوب ثم العاصمة بيروت انطلاقاً من طرابلس، ومروراً بالمخيمات الفلسطينية التي نشأت فيها خلايا متماسكة لتلك الحالة السلفية وإن تحت مسميات متعددة.

* عن المدينة السعودية

تعليقات: