برّ الوالدين


هناك آداب ينبغي لنا مراعاتها، و يجدر بنا سلوكها مع الوالدين، لعلنا نرد لهما بعض الدين، ونقوم ببعض ما أوجب الله علينا نحوهما، كي نرضي ربنا، وتنشرح صدورنا، وتطيب حياتنا، وتيسر أمورنا، ويبارك الله في أعمارنا، ويغفر الله لنا في الدنيا والآخرة بها. فمن تلك الآداب طاعتهما واجتناب معصيتهما فيجب على المسلم طاعة والديه واجتناب معصيتهما، وأن يقدم طاعتهما على طاعة كل البشر ما لم يأمرا بمعصية الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، إلا الزوجة؛ فإنها تقدم طاعة زوجها على طاعة والديها. كما يجب علينا الإحسان إليهما بالقول، والفعل، وفي وجوه الإحسان كافة. وكذلك خفض الجناح لهما وذلك بالتذلل لهما، والتواضع، وعدم التكبر عليهما. والبعد عن نهرهما وذلك بلين الخطاب، والتلطف بالكلام، والحذر كل الحذر من نهرهما، ورفع الصوت عليهما. والإصغاء إليهما وذلك بالإقبال عليهما بالوجه إذا تحدثا، وترك مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث، والحذر كل الحذر من تكذيبهما، أو رد حديثهما. والفرح بأوامرهما، وترك التضجر والتأفف منهما كما قال - عز وجل -: «سورة الإسراء (سورة رقم: 17) آية رقم:23 « فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا». والتودد لهما، والتحبب إليهما ومن ذلك مبادأتهما بالسلام، وتقبيل أيديهما، ورؤوسهما، والتوسيع لهما في المجلس، وألا يمد يده إلى الطعام قبلهما، وأن يمشي خلفهما في النهار، وأمامهما في الليل خصوصا إذا كان الطريق مظلما أو وعرا. ومن أخلاق المسلم أيضاً الجلوس أمامهما بأدب واحترام وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عما يشعرهما بإهانتهما من قريب أو بعيد، كمد الرجل، أو القهقهة بحضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعري، أو مزاولة المنكرات أمامهما، أو غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما. وعلينا أيضاً تقديم حق الأم فمما ينبغي مراعاته تقديم بر الأم، والعطف عليها، والإحسان لها على بر الأب، والعطف عليه، والإحسان إليه، وذلك كما جاء في الحديث الشريف جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك ومساعدتهما في الأعمال فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما. ويجب علينا تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما: وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الأخوة وأهل البيت عموما بعيدا عن أعينهما وتلبية ندائهما بسرعة: سواء كان الإنسان مشغولا أم غير مشغول؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولا - تظاهر بأنه لم يسمع الصوت، وإن كان فارغا أجابهما فاللائق بالولد أن يجيب والديه حال سماعه النداء. الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما في جميع الأمور العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به من رعاية للإخوة، أو صلة للأرحام، أو مبادرة بالهدية، أو نحو ذلك مما يسرهما، ويدخل الفرح على قلبيهما. وكثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما: قال الله - تعالى سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:24 «وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا». وقال - تعالى -:«سورة نوح (سورة رقم: 71)؛ آية رقم:28 «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ».

ومن الأمور التي يمكن للمسلم أيضاً أن يبر والديه بها برهما بعد موتهما فمما يدل على عظم حق الوالدين، وسعة رحمة رب العالمين - ان كان بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء، فإذا ماتا عض يده ندما على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين، وتمنى أن يرجعا للدنيا؛ ليعمل معهما صالحا غير الذي عمل. ومن هنا يستطيع المسلم أن يستدرك ما قد فات، فيبر والديه وهما أموات، وذلك بعدة أمور منها الدعاء لهما و كثرة الدعاء والاستغفار لهما والانفاق والتصدق عنهما بعد الممات كما أن عليه حق البرِّ لهُمَا في جملة أمور ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل من أصحابه فقال: يا رسول الله هل بقي لأبوي شي‏ء من البرّ أبرهما به بعد وفاتهما، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «نعم ، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلاّ بهما».

وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). وفي حديث للإمام الصادق عليه السلام : «يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج‏ُ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله ببرِّه وصلاته خيراً كثير».

تعليقات: