العونيّون على كلّ جبهات الحرب الكونيّة

مناصرون للتيار الوطني الحر في جولة انتخابية أمس
مناصرون للتيار الوطني الحر في جولة انتخابية أمس


مرة جديدة يرفع العونيّون التحدي إلى أعلى مستوى ممكن. ينهمكون بتفاصيل 15 معركة، يربطون مصير نحو 64 مقعداً نيابياً بهم، يتصرف كل واحد منهم باعتبار أنه في حدّ ذاته ماكينة كاملة، آملين ختاماً «النوم يوم الأحد على انتصار ليستيقظوا على ثورة»

من جزين إلى عكار، مروراً بالنقاط الملتهبة في الأشرفيّة والمتن وجبيل وغيرها، ثمّة صور كثيرة تحاول مزاحمة صورة ميشال عون. وحين يعدّد العونيون أسماء الخصوم، يمرون باللهجة نفسها على أسماء إدمون غاريوس وسمير جعجع وإميل كنعان وأمين الجميّل وكارلوس إده وبطرس حرب وميشال معوض، منتهين بعد استعراض اللائحة الطويلة من الخصوم إلى القول: هم أنفسهم كانوا ضدنا عام 1989، وكنّا أكثرية شعبية، وكانوا ضدنا عام 2005 وكنّا أكثريّة شعبيّة. وكلما ازداد تجمعهم كثافة وانضم إليهم من يشبههم مثل ميشال المر وأصحاب رأس المال، ازدادت قوتنا.

أكثر ما يحبّه العونيون هو تعداد أقطاب «الحرب الكونية»، التي تُشنّ عليهم: قبالتنا، هناك النائب سعد الحريري وكل قدرات تيار المستقبل. وهناك غالبية أصحاب رأس المال الذين تجمعهم والحريري مصالح مشتركة، وهؤلاء يضغطون عبر شركاتهم ومؤسساتهم التي توظّف عشرات الألوف. وهناك الأحزاب التقليدية والأحزاب الوهمية التي تنتهي صلاحيتها لحظة نزع لوائحها الإعلانيّة عن الطرقات. وهناك بعض الموظفين الفاسدين الذين يخشون على أنفسهم من الحساب. وهناك جيش من رؤساء المجالس البلدية وأعضائها والمخاتير يسعى إلى النيل منّا. وهناك بعض الأمنيين الذين يضغطون على عائلات تعولها المؤسسات الرسميّة. وهناك الطاقات التي يوفّرها التعاقب على الحكم 15 سنة. وهناك، أخيراً، رئيس الجمهورية الذي اضطر إلى مغادرة قصره التوافقي والنزول إلى شوارع عمشيت.

في الدرجة الثانية، يعشق العونيون تعداد المعارك التي تنتظرهم. وفي هذا السياق، يقول أحد أقرب النواب إلى عون: في البترون، الكورة، زغرتا، جبيل، كسروان، المتن، الأشرفية، بعبدا، جزين وزحلة نخوض معارك ممنوع الغلط فيها لأن «الزحطة» تكسر رقبة المعارضة لا قدمها فقط. أما في عكار، عاليه، الشوف، البقاع الغربي، وبيروت الثالثة، فيخوض التيار بمرشحين حزبيين ومؤيدين لإثبات وجوده في هذه الدوائر. وهكذا لا يجد التيار إلا مقعد إميل رحمة الماروني في دائرة بعلبك ـــــ الهرمل في جيبه، وهو تحصيل حاصل نتيجة التفاهم مع حزب الله.

في النتيجة، يفترض مضاعفة الجهد وتكثيف الحراك. ويلفت أحد المتابعين هنا إلى ضرورة أن يعرف العونيّون أن النصر الذي ينتظرونه يتطلب منهم عدم التعالي والإسراف بالثقة في النفس، والالتفات إلى كل صوت، والالتزام بالمهمات حتى لحظة إقفال الصناديق.

لكن، ماذا عن الماكينة الانتخابيّة؟ يتنهد أحد مسؤولي التيار، يتريث قليلاً قبل القول: ولّى زمن الخيبات، وقد استفدنا كثيراً من عِبَر التعثُّر في انتخابات المتن الفرعية قبل سنتين التي كانت بمثابة جرس الإنذار. وأشار إلى أن أمين سر التيار الوطني الحر، ومسؤول الماكينة الانتخابية أنطوان مخيبر يختبر تحدياً كبيراً جداً، إذا نجح فيه رغم الإمكانات المتواضعة، يكون قد حقق إنجازاً خيالياً. هذه الماكينة (التي زار مقرها الرئيسي العماد عون أول من أمس، وتفقّد العمل عن قرب) تنطلق من وحدة مركزية مقرها في المتن. تتوزع على 14 غرفة عمليات، وكل غرفة عمليات تتصل بماكينة التيار في إحدى الدوائر الأربع عشرة التي يخوض التيار الانتخابات فيها. وفي موازاة ذلك، ثمة 5 لجان مركزية تتصل أيضاً بلجان في الدوائر:

ـــــ لجنة النقل التي وفّرت في المتن مثلاً 350 سيارة وباصاً بتصرف المنسقين لضمان وصول الناخبين وعودتهم إلى منازلهم.

ـــــ لجنة المحامين التي يفترض أن تتحرك بسرعة بين «الأرض»، القوى الأمنية، وزارة الداخلية والإعلام.

ـــــ لجنة المتطوعين التي يفترض أن تكون جاهزة بالعديد لملء أي فراغ تنظيمي في أي مكان.

ـــــ اللجنة اللوجستية التي يفترض أنها أنهت الاستعداد للانتخابات، ويسجل هنا مثلاً أن كل هيئة محليّة في التيّار ستوفر الطعام والشراب للمندوبين من البلدة التي يكونون فيها. وقد اتفق من الآن مع المطاعم في البلدات. وطلب التعميم المركزي أن تُختار الترويقة من مطعم يكون غير مطعم الغداء الذي يفترض أن يكون بدوره غير مطعم العشاء.

ـــــ اللجنة المعلوماتيّة التي يفترض أنها استفادت من الشلل الذي أصابها ظهر يوم انتخابات المتن الفرعية، وسياق عمل اللجنة يفرض على المندوب الجوال ـــــ المسؤول عن مركز الاقتراع أن يزود الماكينة المركزية في القضاء، كل ساعة، بعدد المقترعين في المركز وأسمائهم، ليتجدد الفرز مركزياً كل ساعتين ويعرف من انتخب ومن لم ينتخب بعد. والجدير ذكره هنا أن اللجنة المعلوماتية لا تتواصل في ما بينها عبر الإنترنت التقليدي، ولا يمكن بالتالي شلّ هذه الماكينة بمجرد قطع الإنترنت عن إحدى المناطق.

وعلى صعيد المندوبين، نجح التيار الوطني الحر، بِطاقتِه الذاتية، في توفير العدد الكافي من المندوبين الثابتين والجوّالين لتغطية كل مراكز الاقتراع في دوائر الكورة والبترون وجبيل وكسروان والمتن. وفي المتن مثلاً، يحق لكل مرشح بـ350 مندوباً ثابتاً و100 مندوب جوّال استنفدهم التيار جميعاً. وثمّة ناشطون كانوا يأملون أن يكونوا مندوبين، لكن محدودية المكان حالت دون ذلك.

من جهة أخرى، ترى ماكينة التيار أن الأجواء العامة مهمة جداً، وتؤثر في العملية الانتخابية، لكن قرار قيادة التيار كان تجنب المواكب السيّارة قطعاً لطريق مفتعلي الإشكالات، الذين يقلقون غالبية الناخبين، ويبعدونهم عن الصناديق. وطُلب أيضاً من الماكينة الالتزام بما يقوله قانون الانتخاب بشأن مكبّرات الصوت، والمظاهر المحيطة بمراكز الاقتراع. وفي موازاة ذلك، ستركّز الماكينة عملها لتضمن اقتراع الملتزمين في التيار قبل الساعة التاسعة، ثم المؤيدين خلال الساعتين اللاحقتين، للتفرغ بدءاً من الظهر لجذب المتردّدين أو غير الحاسمين لموقفهم الانتخابي. وفي فريق العمل العوني من يطمئن الجمهور إلى أن طغيان أحد الألوان على اللون البرتقالي في إحدى الدوائر لا يعني أبداً أن ثمة خللاً في التنظيم أو في الماكينة، لأن فريق العمل العوني الأساسي لن يُشغل يوم الانتخابات بغير ضمان مشاركة أكبر عدد ممكن من الناخبين.

الجدير ذكره أن ثمّة ماكينات خلفيّة تحمي ظهر الماكينات العونيّة، ففي الكورة والبترون هناك ماكينتا الحزب القومي والمردة. وفي المتن والأشرفية هناك ماكينة الطاشناق، وفي بعبدا وجزين وزحلة هناك ماكينة حزب الله، ما يفترض، بحسب أحد مسؤولي التيار، أن يطمئن جمهور التيّار إلى أن كل الثُّغر المفترضة أُخذت في الاعتبار ولن تحصل أي مفاجآت.

ختاماً، يعيش العونيون في ترقب لنتائج الصناديق لا مثيل له وسط مناصري الأحزاب الأخرى، فهم راكموا طوال سنوات تلقي الخيبات التي كانت بعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان أكثر من قبله:

استبعاد مفاجئ من «شراكة انتفاضة الاستقلال» عشية تأليف اللوائح النيابية، تلاقٍ في اتفاق رباعي على تكريس الاستبعاد، عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات واستبعاد من «الحكومة الاستقلالية» الأولى، ومحطات كثيرة قبل الوصول إلى الخيبة العونية الكبرى في قطع طريق بعبدا أمام العماد ميشال عون. كل ذلك تزامناً مع تشهير واتهامات، مرة بالسورنة، ومرة بالفرنسة، ومرات بالانقلاب على المبادئ. اليوم، يبدو العونيون عملياً، أقرب إلى الوصول إلى السطة من أي يوم سابق.

هل يتحقق ذلك؟ عدم حصوله لا يعني أبداً أن البرتقاليين سيُحبَطون: هم خبراء في القفز فوق الخيبات، رفع صوت الأغاني، شبك الأيادي، والرقص محدّدين عنواناً جديداً لمعركة يظن من يسمعهم يتحدثون عنها أنها أهم معركة في العالم.

■ عون: كتلتنا ستكون من 35 نائباً

ومساء أمس، توقع عون في حديث تلفزيوني أن يضم تكتل التغيير والإصلاح 35 نائباً، مؤكداً فوز لوائحه في كسروان وجبيل وبيروت الأولى، مشيراً إلى إمكان خرق لائحة المعارضة في زحلة بمقعد واحد. ورأى عون أن كل من سيترشح ضد اللائحة التي رشحها في جبيل سيجري التعامل معه باعتباره خصماً سياسياًَ، قائلاً: «أنا لا أتهم الرئيس بأي شيء وهذا الأمر يتعلق بأهالي جبيل». واتهم خصومه بدفع أموال طائلة، وخاصة في المتن، داعياً المتنيين إلى إنهاء عهد ميشال المر، «لأنهم إذا لم ينهوه فهذه كارثة عليهم». ووعد عون بوضع «خطة إنمائية لخفض الدين العام»، في حال انتصار المعارضة، مضيفاً: «وسيهرب السارقون من لبنان لا المستثمرون».

الطاشناق والمرّ

تعمل ماكينتا الوطني الحر والطاشناق بانتظام وتمايز في الدوائر الانتخابية المشتركة بينهما (المتن، بيروت الأولى وزحلة). وكان لافتاً في مهرجان الطاشناق الأخير 3 مفارقات لها دلالات انتخابية:

1ـــــ المهرجان الذي كان النائب ميشال المر يحوّله إلى احتفال خاص به، لم يُدعَ هذه المرة إلى حضوره.

2ـــــ حرص الأمين العام للحزب هوفيك مختاريان على تكرار أن الحزب سيلتزم بلوائح التغيير والإصلاح في كل الدوائر، ولم يُذكَر اسم المرّ قط.

3ـــــ أفسح الطاشناق الطريق أمام المرشحَين عن المقعدين الأرثوذكسيين على لائحة عون للإطلال على الجمهور الأرمني، فغنّى غسان الرحباني أغنيتين، وخطب غسان مخيبر.

تعليقات: