منذ طرحه لاول مرة في لبنان العام 1951، اثار مــوضــوع الـــزواج المدني جـــدلا كــبــيــرا فانقسمت الآراﺀ حوله بين موالين ومعارضين حيث رفض من قبل رجــال الدين في حين لقي تأييدا من قبل الساعين لبناﺀ دولة مدنية علمانية ديــمــقــراطــيــة.
وارضاﺀ لرجال الدين، عدل مــشــروع الــــزواج المدني في لبنان وجعل اختياريا ولــيــس الــزامــيــا، كما في الخارج، ولكنه لا يتم على الاراضي اللبنانية.
الزواج المدني هو زواج يتم في المحكمة غالباً بين اتباع ديانتين مختلفتين وهــو عــبــارة عــن عقد قانوني يتم في حضور الشهود والكاتب وموافقة الطرفين. ويقوم هــذا العقد على الحب المتبادل والرغبة في تأسيس اسرة تتمتع بــكــامــل حــقــوقــهــا الاجــتــمــاعــيــة والــمــدنــيــة والاقــتــصــاديــة امــام القانون، ويتم تسجيل هذا العقد فــي ســجــلات الــدولــة وهــو خاضع بشكل كامل الى القواعد القانونية التي حــددهــا المشترع والــتــي لا يجوز للافراد مخالفتها.
جــاﺀ فــي بــنــود قــانــون الـــزواج المدني الذي هو عقد بين طرفين لانشاﺀ عائلة اشارة الى وجوب عدم اقــتــران احــد مــن الطرفين بــزواج سابق ووجــوب الابــلاغ عن الرغبة في الــزواج قبل 15 يوما من ابرام عقد الزواج المدني. كما يجب على الازواج الانتظار ثلاث سنين قبل ان يقدموا طلبا للطلاق الذي لا يقبل الا في حال الخيانة ويلغى الزواج في حال الخطأ في الشخص والغش والاكراه.
قــوبــل مــشــروع الـــزواج المدني الاختياري في لبنان برفض كبير من المسلمين ثم من المسيحيين حتى وان كان اختياريا. بالنسبة للكنيسة، فهي رفــضــت الـــزواج المدني لسببين، اولا لان الــزواج في الكنيسة ليس عقدا بشروط دنيوية بــل هــو ســر مــن اســرارهــا بمعنى انه يجب ان يتم بمباركة من رجــل الدين المسيحي الذي يمثل المسيح على الارض. ثانيا ان الزواج في الدين المسيحي هو رابط ابدي "ما جمعه الرب لا يفرقه انــســان" لــذا لا يوجد طــلاق في الكنيسة الكاثوليكية انما ابطال زواج، مع العلم ان الكنيسة تعترف بالزواج المدني لغير المسيحيين.
اما بالنسبة لرجال الدين المسلمين، فقد رفضوا الــزواج المدني رفضا قاطعا لثلاثة اسباب اولا لاعتبار أن عقد الــزواج في الديانة المسلمة يجب ان يخضع لقانون الــقــرآن وثــانــيــا ان تــعــدد الـــزوجـــات لا يتعارض مع الاســلام وثالثا فان الطلاق مسموح في الدين المسلم وفق شروط القرآن.
كــان لامــيــن مــعــلــوف، الكاتب والروائي اللبناني، رأي في الزواج المدني "انا احترم من يختار ان يتزوج في اطار ديني كما احترم مــن يــخــتــار ان يــتــزوج فــي اطــار مدني، الشيﺀ الوحيد المرفوض هو حرمان المواطن من حق الاختيار لان حرمانه من حق الاختيار يحرمه مــن حــقــوقــه كــمــواطــن، ويحرمه من حقوقه كانسان". اما رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي الذي قام العام 1998، كمحاولة رسمية ثانية، فــي طــرح مشروع الزواج المدني على مجلس الوزراﺀ وحصوله على 21 صوت من اصل 30 وزيـــرا، فقد اعتبر انــه" كــان ممنوعا علينا نحن الــمــوارنــة ان نصافح الارثوذكس، لكن الاحوال تغيرت الــيــوم، وحتى تحت قبة رومــا في الفاتيكان اصبح هناك زواج مدني".
من جهته يرى سامي (مواطن لبناني) ان الــزواج المدني احدى وسائل تحرير المجتمع اللبناني والــدولــة من العصبية الطائفية والمذهبية ويرى ان "طالما يرفض اللبنانيون الزواج المدني، ستبقى شؤون حياتهم بايدي تجار الدين الساعين لتحقيق منافع ومصالح شخصية ضيقة".
وتـــعـــارض ديـــانـــا هـــذا الـــرأي معتبرة ان رجــال الدين على حق في رفضهم الــزواج المدني الذي لا يندرج فقط في اطار العلمانية لا بل ايضا في مخطط يهدف الى الغاﺀ الــديــن. وتوافقها باسكال الرأي قائلة: "الزواج امر مقدس ولا اعتقد ان عقدا ورقيا قادر على اضفاﺀ القدسية عليه دون اخذ بركة رجــل ديــن رغــم شرعية وقانونية هذا العقد".
رغم ان الــزواج المدني لا يتم رسميا فــي لبنان، الا ان الــدولــة اللبنانية تعترف بالزواج المدني المنعقد في البلاد المجاورة وعليه فمن الممكن ان يتقابل اللبنانيون فــي مكتب الاحــــوال الشخصية لــلــزواج فــي قــبــرص، وهــذا الــزواج ليس ممنوعا في لبنان فقط بل ايضا في اسرائيل والاردن وسوريا.
ويعتبر الزواج المدني في قبرص بالنسبة الى اللبنانيين المنتمين الى طوائف دينية مختلفة الراغبين في الزواج، الحل الوحيد، خصوصا عندما لا يريد احد منهم اعتناق ديــن الآخـــر او لا يستطيع ذلــك.
فنادر درزي وجوانا مسيحية وكونه درزيــا فهو لا يستطيع ان يتزوج امـــرأة مــن ديــن آخــر ولا يحق لاي شخص يعتنق دينا آخر ان ينتمي الى جماعة الدروز وعليه فان زواج نادر من احدى المسيحيات يعتبر مستحيلا. اما بالنسبة لجوانا فكان الوضع مختلفا كما يــروي صديق العروسين الــذي يقول "عندما اخــبــرت الاســــرة بــذلــك لــم انعم بالهدوﺀ واتصل بي اقــارب جوانا باستمرار وكانوا جميعا مصدومين من الامر". لقد اخذ الاثنان قرارهما ووضعا الخطة مسبقا فذهبا الى سفارة قبرص في بيروت وقدما الاوراق المطلوبة للحصول على التأشيرة. وتشير جــوانــا الــى ان الاجـــراﺀات تمت دون ايــة عوائق وبعد وصولهما الى الجزيرة قاموا بتقديم الاوراق لدى مكاتب الاحوال الشخصية وبعد ساعتين "كانت مراسم الزواج قد انتهت".
الدولة اللبنانية تعترف بالزواج المدني الا أنها لا تعقده على أراضيها
تعليقات: