راشيا الفخار رمز الاهمال والحرمان.. كان سكانها من الشيعة فطردهم الأتراك

كان بين سكانها الجدد من يجيدون صناعة الفخار، فأطلق عليها اسم راشيا الفخار
كان بين سكانها الجدد من يجيدون صناعة الفخار، فأطلق عليها اسم راشيا الفخار


مطالب أهلها في وادٍ واهتمامات المسؤولين في وادٍ آخر!

أن تكتب عن قرية ما في مكان ما من هذا البلد، أمر طبيعي ومألوف؛ أما الكتابة عن راشيا الفخار فمسألة فيها نظر، لما لهذه الضيعة العرقوبية من تاريخ يضج بالحياة والنضال والصراع لقرون من الزمن، وهي التي دفعت وعبر هذا التاريخ الاثمان الغالية للذود عن كيان لبنان وعن قضية فلسطين.

شهداء كثر من أبنائها سقطوا على هذا المذبح، ولم تُبدل تبديلاً، أوسمة كثيرة يجب أن تعلق على صدرها، لكن "سمعان" غائب، والتقصير بحقها سيد الموقف، ليس اليوم فقط، وانما منذ الاستقلال الذي لا نُحسد عليه!

من عهد إلى آخر

قبل عهد الاتراك كان سكانها من الشيعة، وكانت القرية الثانية في عدد السكان في منطقة حاصبيا بعد شبعا في مرحلة من المراحل.

ثم أقدم الاتراك على طرد سكانها منها، والاتيان بسكان من الطائفة المسيحية مكانهم، وكان بين هؤلاء من يجيدون صناعة الفخار، فأطلق عليها اسم راشيا الفخار، ليصل عدد الافران فيها الى 70 فرناً لتصنيع الفخار، فعاشت ولفترة طويلة جداً في بحبوحة، كانت تشاركها فيها القرى المحيطة بها في منطقة العرقوب مثل كفرشوبا وكفرحمام والهبارية والفرديس والماري، لأن هذه الافران كانت في حاجة الى كميات كبيرة من الحطب لطبخ الاواني الفخارية من خوابٍ وجرار وأباريق وغيرها، فكان المردود يتقاسمه الجميع.

دمار وخراب

بعد الاستقلال جاءت نكبة فلسطين في العام 1948، وكانت المرحلة الممتدة حتى الحرب العربية - الاسرائيلية في العام 1967 مرحلة من التراجع في مجال تصنيع الفخار التي هي عصب الحياة في هذه البلدة الى جانب كروم الزيتون والصنوبر. وتقلص عدد المصانع من 70 الى 40 مصنعاً. وبعد هذه الحرب بسنوات قليلة دخلت المقاومة الفلسطينية الى العرقوب، فكانت راشيا الفخار أحد العناوين المميزة للمقاومة، حيث كان يتقاسمها حزبان عقائديان يعتبران القضية الفلسطينية قضيتهما المركزية هما الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني.

وتفاعل الاهالي مع المقاومة، فأدركت اسرائيل هذه الحقيقة. وانتقاماً من موقف الاهالي ركّز الاسرائيليون اعتداءاتهم عليها، فدمروا منازلها وأحرقوا كرومها أكثر من مرة، واستشهد من استشهد، وكانوا في كل مرة يعيدون بناءها. وزارها كثيرون من المسؤولين متفقدين، ومنهم ياسر عرفات وكمال جنبلاط وغسان تويني وريمون إده وسليم الحص وتقي الدين الصلح وكامل الاسعد والإمام موسى الصدر وغيرهم وغيرهم.

يقول رئيس بلديتها السابق جورج عواد (أبو سمير) لـ"النهار"، "لقد اغتاظ وقتها الرئيس كامل الاسعد من زيارة غسان تويني الى راشيا، واحتج لدى الاهالي كيف يقبلون منه 500 حرام كمساعدة، وقال: "نحن نحاربه لغسان تويني وأنتم تستقبلونه"، وعندما اعتقل الاستاذ غسان وأودع حبس الرمل، ارسل له اهل راشيا الفخار باقة ورد الى السجن نقلتها سيارة "بيك آب" لحجمها الكبير، عربون وفاء له".

وتوالت الهجمات العسكرية الاسرائيلية على راشيا الفخار، وسوّى الطيران الحربي المعادي منازلها بالارض، واقفلت مدارسها الثلاث، وتعطلت الصلوات في كنائسها الثلاث، بعدما انتهكت القذائف الاسرائيلية حرمتها وأحرقت بعضها، وهُجّر أهلها الذين يزيد عددهم على الالف نسمة، ولم يبق منهم الاّ القليل القليل، ومعظمهم من كبار السن، وشُلت الحياة فيها لفترة طويلة من الزمن، وتوقفت أفران الفخار جميعاً.

أديب الغريب وحده بقي صامداً مع فرنه الذي يعمل بالطريقة البدائية، علماً انه وكما يقول "في طريقه الى الاقفال اذا لم تُعِر الدولة والمعنيون فيها اهتمامهم بهذا القطاع الذي يلفظ انفاسه الاخيرة. وقد ناشدنا سابقاً ونناشد اليوم من هم في السلطة أن يديروا وجههم صوبنا، ولكن لا أعتقد ان ثمة من يسمع".

اهمال وحرمان

ويتطرق المربي المتقاعد جبور الغريب الى جانب آخر هو التعويض على أصحاب المنازل التي دمرتها اسرائيل، ويضيف "لقد قبضنا من الجمل أذنه، ولا زلنا ننتظر"، ويتساءل "متى تصرف وزارة المال المستحقات للجنوبيين المتضررين بفعل الاعتداءات الاسرائيلية ليتمكن مجلس الجنوب من القيام بواجباته تجاهنا؟ لقد بُح صوتنا، ولكن على ما يبدو لا حياة لمن تنادي".

***

اليوم تعيش راشيا الفخار حياة "روتينية ومعها قوات الأمم المتحدة، التي تتمركز فيها منذ العام 1978، وفي ظل بلدية يتربع على "عرشها" غطاس الغريب والذي يعمل أكثر من طاقته مع أعضاء المجلس البلدي من أجل ايجاد فسحة من الأمل ضمن الامكانات المتوافرة ومعهم المختار جرجس خليل.

أما ابن البلدة النائب اسعد حردان فيعمل جاهداً لانتزاع حقوق الاهالي من تعويضات وغيرها الى بعض المشاريع التي تُثبتهم في أرضهم، الاّ أن الدولة في واد، وهذه القرى الريفية في وادٍ آخر.

من هنا مطلوب من الدولة أن تؤمن كل البنى التحتية لهؤلاء، علّ وعسى يعود من هجرها اليها، وتعود اليها الحياة من جديد، ومعها أجراس الكنائس ايذاناً بفرح... لم يلح في الأفق بعد.

تعليقات: