مكتبـة حسينيـة النبطيـة واحـة فكـريـة للمـدارس والقـراء

هواة للمطالعة في إحدى مكتبات النبطية
هواة للمطالعة في إحدى مكتبات النبطية


النبطية :

تعرّف أبناء مدينة النبطية في وقت مبكر، إلى المكتبات العامة والخاصة، فنهلوا منها من غير انقطاع، وشكلت كتبها عامل إلهام للعديد منهم، ثقافياً وفكرياً وسياسياً وعلمياً، فبرز من علمائها ومفكريها أسماء لا تحصى أو تعد، منهم الشيخ سليمان ضاهر والشيخ أحمد رضا، رائدا النهضة العربية، ومحمد جابر آل صفا، والشيخ عبد الحسين صادق، الجد وغيرهم.

عاشت المدينة مع جوارها نهضة متقدمة في مطالعة الكتب واقتنائها، ما دفع بالكثيرين للتغني بها، وتوضيبها فوق رفوف منضدة متسقة متراكمة، حازت الأهمية المطلقة في دورهم وبيوتاتهم، مشرعة بعضها نحو الدائبين والمهتمين.

دفع العديد من متنافسي المطالعة للالتقاء حول إنشاء مكتبات عامة في المدارس الرسمية والخاصة، ثم في دار البلدية، غير أن أقدار المنية التي لحقت بالمراجع العلمية والفكرية من جهة، ورياح الحرب، وما تعرضت له النبطية من قصف وتهجير من جهة ثانية، أتى على العديد من المكتبات، وفرق شمل أعدادها الألفية. عرفت النبطية في القرن المنصرم عدداً من المكتبات الخاصة، المحتوية على الآلاف من المجلدات والكتب والمراجع والمخطوطات، أهمها مكتبة الشيخ سليمان ضاهر التي ضمت في جنباتها الطبعة الأولى من «إلياذة هوميروس» لبطرس البستاني، مكتبة الشيخ أحمد رضا، مكتبة الشيخ محمد التقي صادق، مكتبة الحاج سلمان صباح، مكتبة محمد جابر آل صفا، مكتبة الشيخ علي الزين ومكتبة الشيخ عبد الحسين نعمة وغيرها. وتحولت هذه المكتبات بعد غياب أصحابها إلى الورثة، فيما تحول قسم كبير من مكتبتي الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ضاهر إلى مكتبة جمعية المقاصد الخيرية الاجتماعية في النبطية.

بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت الإرسالية الإنجيلية الأميركية نشاطها في النبطية بالمدرسة التبشيرية كما يقول المربي حبيب جابر، حيث تعاقب عليها «مس براون» و«مس لو» وأبو أديب نادر (1925)، ثم تحولت إلى الإنجيلية الوطنية التي أدارها القس حسن ديب من عكار (سنة 1937)، وأنشأ فيها نواة مكتبة عامة، أحياها وطورها بعده القس مهنا زعرب (1946). وفي الخمسينيات نقلت المكتبة إلى منزل حبيب شمس وسميت «القسيس» وكانت غنية جداً بكتبها ومراجعها ولا مثيل لها جنوباً، ومن ثم نقلها القس وديع أنطون إلى سكنه في جناح القساوسة اسكندر شديد وسالم شديد ومدحت ابراهيم وبطرس عواد، وأخيراً رياض جرجورة. وظلت المكتبة مشرعة أبوابها حتى الاجتياح الاسرائيلي عام 1978 إذ نهب قسم من محتوياتها، ونقل الباقي منها إلى المدرسة الإنجيلية الوطنية في صيدا، وجزء بسيط إلى المدرسة الإنجيلية الوطنية في النبطية.

ويروي المربي مصطفى حاج علي أنه في عام 1952 أنشأت بلدية النبطية مكتبة عامة في دارها، لكنها نهبت بعد تعرض النبطية للقصف والعدوان، ونشأت قبلها أو بعدها مكتبات عامة على مستوى الأندية والمدارس الرسمية منها مكتبات نادي الإخاء الذي كان يضم محمد علي رضا، نمر الصباح، ابراهيم فران، كاظم حاج علي، عبد الله سليمان ضاهر وبرعاية المربي عبد اللطيف فياض، ومكتبة نادي الطلبة والمتخرجين في أواخر الأربعينيات (عفيف وأحمد فخر الدين ومحي الدين محي الدين ومصطفى الحاج علي ومحمد وكامل علي أحمد وغيرهم) ومكتبات النبطية العامة، مدرسة فريحة الحاج علي التي نهبت، ثانوية الصباح الرسمية والتكميلية الرسمية للصبيان.

بعدما فقدت المدينة أهم مكتباتها العامة والخاصة، أسس إمام مدينة النبطية الشيخ عبد الحسين صادق عام 1985 مكتبة عامة في مبنى النادي الحسيني، سميت «مكتبة الحسينية» برعاية صادق وإشرافه، وبمساهمة من الخيرين من أبناء النبطية ومنطقتها، فكانت المشروع الأول من نوعه في المنطقة وفي جنوب لبنان.

أما عن تنظيم الشكل الهندسي لهذه المكتبة فقد جاء على الطراز الإسلامي العباسي حيث صنع سقفها من نجوم إسلامية خشبية، كما رسمت نوافذها على الطريقة الإسلامية العباسية، وحازت محتوياتها إعجاب الكثير من المهتمين، ووزعت رفوف الكتب في قاعة بعيدة عن متناول القراء تنظيماً لطريقة الاستعارة والقراءة بإشراف أمين المكتبة، فضلاً عن إضافة الشيخ صادق إليها قاعة للمخطوطات التاريخية التي تضم عدداً نادراً من المخطوطات الأصلية التي تتناول تاريخ لبنان وجبل عامل ومخطوطات مصورة استقدمت من سوريا وإيران.

ويوضح عضو لجنة الإشراف على مكتبة حسينية النبطية الشيخ عادل حريري أنها تضم حوالى خمسة وعشرين ألف مجلد وكتاب مختلف من التاريخ والأدب والعلوم الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية واللغات والموسوعات والدوريات المختلفة، إضافة لفرع لكتب اللغتين الإنكليزية والفرنسية، بحيث تحولت المكتبة إلى مرجع هام لطلاب المدارس والمعاهد والجامعات من أبناء مدينة النبطية ومنطقتها، كما للباحثين المختلفين الذين يقصدونها من المناطق اللبنانية كلها. ويناهز عدد هواة المطالعة الذين يؤمون قاعتها سنوياً الألف شخص يطالعون فيها مختلف أنواع الكتب والموسوعات والدوريات مجاناً، إضافة إلى حوالى 750 شخصاً يستعيرون الكتب منها مقابل اشتراك رمزي قدره خمسة آلاف ليرة سنوياً، ومعظم المطالعين والمستعيرين من فئة الشباب والشابات من طلاب الجامعات والثانويات والمدارس التكميلية. كما جهزت المكتبة منذ فترة وجيزة بأدوات الكمبيوتر وشبكة الانترنت والبرامج المعلوماتية المختلفة التي تتيح للقراء الاطلاع على كل ما يهمهم من الكتب والموسوعات والموضوعات اللازمة. يضيف حريري «ان مكتبة حسينية النبطية بإشراف الشيخ عبد الحسين صادق ورعايته تؤدي دوراً تثقيفياً مهماً بالنسبة لمدارس وثانويات منطقة النبطية من خلال إجراء وتنظيم المسابقات الشهرية للطلاب، حيث توزع الجوائز التقديرية المختلفة على الفائزين والمجلين بإشراف إدارات ومعلمي هذه المدارس والثانويات. كما تجرى مسابقة ثانوية يشارك فيها مئات الطلاب من مدارس المنطقة يقام في ختامها احتفال في حسينية النبطية يوزع خلاله صادق الجوائز على الفائزين والمبرزين منهم».

لذلك فإن مكتبة حسينية النبطية تعتبر في الوقت الحاضر مركزاً فكرياً وثقافياً وحضارياً مما أعاد أمجاد وزهوة النهضة الفكرية والثقافية التي كان يزخر بها تاريخ جبل عامل الحافل على مر العصور والأجيال.

تعليقات: