العقارات مصابة بانتفاخ الأسعار

فوضى عقارية
فوضى عقارية


الضواحي تتمدّد شمالاً وجنوباً وشرقاً بفعل الطلب على السكن الشعبي..

بين مطلع 2007 ومنتصف 2008 ارتفعت أسعار الشقق بنسب تجاوزت 60%، لكن السوق في 2009 لا يزال راكداً، إذ إن عمليات البيع والشراء محدودة، فهو لم يهضم بعد هذا الارتفاع الجنوني. وفيما ينتظر الجميع أن تصبح مستويات الدخل قادرة على تمويل أسعار منطقية، يكابر تجار العقارات لإبقاء مستوياتها الحالية

لا يزال سوق العقارات مصاباً بفقاعة الأسعار التي انتفخت في عام 2007 من دون أي مبرّر، واستمرت حتى أواخر عام 2008، فالأشهر الستة الأولى من عام 2009 لم تشهد تغيرات أساسية في مستويات أسعار الأراضي والشقق السكنية، لا بل كانت الأسعار الفعلية أقرب إلى الثبات، فيما حركة العرض والطلب باتت خاضعة لمفاعيل عملية هضم الارتفاع الجنوني.

■ آثار وانفصام

«لم يتمكن سوق الشقق السكنية من تقبّل زيادة بالأسعار تتجاوز 60 في المئة في فترة قصيرة»، يقول رئيس شركة «رامكو» رجا مكارم. فالارتفاع في عام 2007 و2008 «كان زائداً عن حدّه وجنونياً وكان غير منطقي وعكس التيار، وقد ترك لدى الناس انطباعاً بأن الأسعار ستتراجع في المستقبل». هذا الوضع خلق حالة من الانتظار والركود أدّت إلى حركة سلبية في السوق وانفصام بين العرض والطلب، «فالناس تنتظر الانخفاض، وبالتالي لم تجر عمليات بيع، وانعكس الأمر جموداً لدى تجار البناء والمطورين العقاريين الذين لم يبيعوا بأسعار منخفضة وأصرّوا على بيع مخزون الشقق بالأسعار المرتفعة، ولذلك فإنهم ينتظرون منذ 10 أشهر زيادة ما في حركة البيع، غير أنهم سيضطرون إلى الانتظار حتى نهاية السنة الجارية لتكون الأسعار الحالية، في حينه، أقرب إلى المنطق». وبالتالي فإن قدرة التجار والمطوّرين على الصمود، أو عنادهم وتمنّعهم عن البيع بسعر منخفض، قابلها عناد وإحجام عن الشراء احتجاجاً على ارتفاع الأسعار الجنوني.

■ أسباب بنيوية

البائع يزيد السعر أضعافاً بناءً على عدد السائلين، وبالتالي من دون أي عمليات بيع

لكن الخبراء يجمعون على أن المنحى التصاعدي للأسعار لن يتوقف لأسباب بنيوية ـــــ استراتيجية تدعم مثل هذا الاتجاه، وإن بوتيرة أقل بكثير مما كانت عليه قبل سنة ونصف... والأسعار في مدينة بيروت هي الأكثر تماسكاً، تليها ضواحي بيروت، فالواضح أن عدد الأراضي المتاحة للبيع في المدينة قليلة جداً، وبحسب رئيس فرع المهندسين المعماريين في نقابة المهندسين في بيروت توفيق سنان فإنها «لا تتجاوز 200 قطعة أرض جاهزة للبيع والشراء والتطوير، وهذا يعني أن بيروت كتلة اسمنتية هائلة، كما أنه سبب كاف لزيادة الأسعار». ويشير إلى أن بعض المساحات غير المبنية الموجودة في منطقة وطى المصيطبة حيث تنتشر معامل الرخام هي ملك للأوقاف المسيحية وهناك مساحات أخرى ملك الوقف السني، فيما عدد كبير من الأراضي يملكها عدد ضخم من الورثة، والمشاكل التي لا تسمح بحصرها.

ويرى سنان أن هناك بعض الأسباب السياسية ـــــ الديموغرافية لارتفاع الأسعار، «فالأسهل لبعض الطوائف أن تبقى في لبنان، والعكس صحيح بالنسبة إلى طوائف أخرى الهجرة المؤقتة أو الدائمة». وفي حال إنشاء 1500 وحدة سكنية على العقارات الـ 200 فإنها لن تكفي للطلب المتنامي على الشقق، الذي يقدّره سنان «بالآلاف».

ومن الأسباب الإضافية، برأي الأمين العام لجمعية تجار ومنشئي الأبنية أحمد ممتاز، أن الطفرة المالية النفطية التي كانت في الخليج، انتهت بانفجار الأزمة المالية العالمية في أيلول 2008، وأدى هذا الأمر إلى «إعادة تموضع الاستثمارات العقارية». ويرى مكارم أن 90 في المئة من المشترين في السنوات الثلاث الأخيرة هم لبنانيون، إذ إن الخليجيين والأجانب لا تتعدى نسبتهم 10 في المئة، وبالتالي فإن شراء الشقق الكبرى يقتصر على أثرياء لبنان، وعددهم محدود.

■ تمدّد ضواحي بيروت

الشقق في بيروت باتت حكراً على شريحة معينة من اللبنانيين، فمن المستحيل شراء شقة سكنية جديدة مساحتها 150 متراً مربعاً يقلّ سعرها عن 300 ألف دولار، وإذا كانت تطلّ من بعيد على البحر فلا بد أن سعرها سيزيد بنسبة 50 في المئة على الأقل. ويقول ممتاز: أصبح الناس يتجهون إلى المسكن الشعبي، أي إلى الضواحي. إلا أن هذه المناطق الشعبية لم تعد تتسع، ويفسر سنان: «في السنوات الأخيرة، امتلأت الأحياء في الضاحية الجنوبية مثل حي الأميركان، العمروسية، الشويفات، وصحراء الشويفات... واللبناني لم يعد بإمكانه الشراء في بيروت، فالدولة لم تضع حدوداً لتملك الأجانب. إذ إن المساحة الصالحة للبناء تبلغ 45 في المئة من مجمل مساحة لبنان، ومنها 40 في المئة في منطقة البقاع وحدها، أي يبقى 1045 كيلومتراً مربعاً صالحاً للبناء في غير مناطق. وبالتالي «ارتفاع الأسعار محتوم، فالعقارات هي السلعة الوحيدة غير المنتجة».

ويرى مكارم أن هناك خصوصية للضواحي، فالارتفاع بالأسعار يدفع الناس إليها، فضلاً عن وجود طلب دائم عليها، واليوم امتدت هذه الضواحي شمالاً من أدونيس حتى نهر الكلب وتلال عوكر ومحيطها، جنوباً حتى الجية والدامور وخلدة ودير قوبل وبشامون وعرمون، وشرقاً حتى عاليه وشملان وعيتات...

وارتفاع الأسعار في ضواحي بيروت يكاد يوازي المستويات في مدينة بيروت، ولأسباب بنيوية أيضاً، فالضاحية الجنوبية، مثلاً، تحولت أيضاً إلى مجمع اسمنتي متراصف، والمساحات القابلة فيها للبناء قليلة جداً، لكن الفارق أنها المكان الأكثر شعبية حيث السكان الفقراء ومن هم دون الدخل المتوسط، وفيها تزايد سكاني ملحوظ، ما يخلق طلباً متزايداً على الوحدات السكنية ويدفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة.

■ أسعار الأراضي

ويعتقد مكارم أن حركة العقارات غير المبنية (الأراضي) شهدت ركوداً أيضاً سببه وجود أكثر من منطق في السوق، فالأسعار ترتفع من دون أي عمليات بيع فعلية، وهذا الارتفاع مبنيّ على طلب وهمي تخلقه الأسئلة عن سعر قطعة الأرض هذه أو تلك.

ويشير إلى وجود إحجام لدى المطوّرين العقاريين عن الشراء بسبب ارتفاع الأسعار، إذ كانت عمليات المبيع في الأشهر العشرة الأخيرة محدودة. وفي المقابل يطلب أصحاب العقارات ثمناً جنونياً، فالمطور لن يشتري الأرض إلا بالسعر المناسب، والبائع يزيد السعر أضعافاً بناءً على «عدد السائلين»، وبالتالي «ترتفع الأسعار من دون أي عمليات بيع».

50 ناطحة سحاب

هو عدد الأبنية الشاهقة المتوقع أن يكون موجوداً على الواجهة البحرية لمدينة بيروت بعد 10 سنوات، فالطلب على هذا النوع من المباني أصبح كبيراً في الفترة الأخيرة، ولا سيما مع تطور حركة العمران وقلّة المساحات المخصصة للبناء

حركة إيجارات لا بيع

يردد تجار العقارات والأراضي أحاديث عن وجود عدد كبير من الخليجيين في لبنان في موسم الصيف، ويشيرون إليهم كسبب وراء ارتفاع أسعار الشقق، إلا أن رئيس شركة «رامكو» رجا مكارم، يؤكد أن الحركة العقارية في مناطق الاصطياف تقتصر على الإيجارات والفنادق وليست حركة بيع. ويرى الأمين العام لجمعية تجار ومنشئي البناء أن الطلب الخليجي على الوحدات السكنية يتركّز على شقق «السوبر ديلوكس» التي يزيد ثمنها على 1.5 مليون دولار.

تعليقات: