عودة عبد الله غندور... مقتولاً إلى جانب القلعة

أمنيون وعناصر من الصليب الأحمر في مسرح الجريمة
أمنيون وعناصر من الصليب الأحمر في مسرح الجريمة


انتهت فصول اختفاء رئيس غرفة التجارة والصناعة، عبد الله غندور، أمس، بعدما وجدت القوى الأمنية جثته في البترون، وأوقفت متهماً في المشاركة بقتله. لكن التحقيقات لم تنته، إذ أكد مسؤولون أمنيون لـ«الأخبار» وجود متهمَين آخرَين

طرابلس ــ

أسدل الستار، بعد ظهر أمس، على لغز اختفاء رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، عبد الله غندور. كانت النهاية مأسوية. اختفى غندور عن الأنظار منذ يوم الجمعة الماضي، وحافظ أقرباؤه على الأمل بعودته، لكن أمس، عُثر عليه جثة هامدة في جوار أوتوستراد بيروت ـــــ طرابلس الدولي، على مقربة من قلعة المسيلحة في قضاء البترون، بعدما أرشد أحد الأشخاص الموقوفين والمشتبه فيهم القوى الأمنية إلى مكان وجود الجثة. جاء الكشف عن مصير غندور بعد يوم «ماراتوني» تضاربت فيه المعلومات حوله إلى حد التناقض، ما جعل الانطباعات تشير إلى احتمال حصول تطور ما يضع حداً لقضية شغلت المراجع السياسية والقضائية والأمنية والرأي العام وذويه على مدى خمسة أيام. كانت بداية التطورات أمس مع إعلان الأمين العام لاتحاد الغرف اللبنانية، توفيق دبوسي، في مؤتمر صحافي عقده في الغرفة صباحاً، اقتراب موعد عودة غندور «في الساعات المقبلة، لنحتفل معاً بعودته إلينا وإلى عائلته ومحبيه»، مشيراً إلى أن «الأجهزة الأمنية في طور إعادته إلى منزله سالماً خلال ساعات قليلة».

أكد مسؤول أمني أن المشتبه فيهما الآخرين عراقيّان وهما على خلاف مالي مع غندور

فاجأ كلام دبوسي أوساط الغرفة، التي لم يكن أعضاؤها على علم مسبّق بالمستجدات الطارئة، وكذلك رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد الزعتري، ورئيس غرفة زحلة والبقاع إدمون جريصاتي، ورئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية سابقاً خالد أبو اسماعيل، الذين كانوا يعقدون اجتماعاً لهذه الغاية، وهو ما جعل المجتمعين يشاركون دبوسي تفاؤله بعودة غندور. لكن، وفي سياق منفصل، أحدث إعلان دبوسي إرباكاً عند القوى الأمنية، وفقاً لما نقله مسؤولون أمنيون من أن القوى الأمنية سارعت إلى الاستفسار عن مصدر معلومات دبوسي للتأكد من صحتها، وقد تبيّن لاحقاً، وتبعاً لمسؤول أمني، أنها كانت «اجتهادات منه بعدما كان رئيس الشرطة القضائية العميد أنور يحيى قد أكد لعائلة غندور، أثناء زيارته لها أول من أمس في طرابلس، أن الأخير ليس موجوداً في البقاع أو الجنوب كما كان يروّج البعض، بناءً على معطيات لديه تتعلق برسائل الـ«SMS» التي كانت ترسل من هاتفه الثاني إلى أقربائه، مطالبة إياهم بدفع فدية مالية قدرها 3 ملايين دولار أميركي للإفراج عنه، والتي كان مصدرها كسروان، وأن دبوسي انطلق في تفاؤله من تفاؤل رجال الأمن في هذا الجانب».

غير أن هذا الإرباك لم يحل دون متابعة رجال الشرطة القضائية لعملهم الذي بدأوه فور علمهم بالحادثة، من خلال رصدهم الاتصالات الهاتفية التي أجراها غندور أو أجريت معه قبل اختفائه، والتحقيق مع أصحابها، مثلما حصل مع مواطن من مدينة صور، كان قد اتصل بغندور من هاتف ثابت ومطالبته له بتعويض مالي لكونه كان يعمل عنده سابقاً، ثم أفرج عنه بعد استجوابه بعدما تبين أن لا علاقة له بالقضية، إلى أن تمكنت القوى الأمنية من إمساك طرف الخيط الذي أوصلها إلى نهايته، من خلال كاميرات المراقبة الموجودة في محيط مقر الغرفة، والتي تبيّن منها أن غندور غادر الغرفة في الساعة الرابعة من عصر يوم الجمعة، برفقة شخصين، كان أحدهما رأفت د.، والثاني من التابعية العراقية.

أوقفت القوى الأمنية المشتبه فيه محمد د. (علمت «الأخبار» أنه من أصول عراقية ويحمل الجنسية اللبنانية، مقيم في طرابلس ويعمل فيها منذ سنوات في مجالات الإعلام والتجارة) يوم الاثنين الماضي، وأجرت معه تحقيقات مكثفة، تبين خلالها أن غندور أقام علاقات تجارية مع رجال أعمال عراقيين في مجالات الاستيراد والتصدير (أخشاب، حديد، مواد بناء، مواد غذائية وغيرها)، وأنه هو، رأفت، كان أحد الوسطاء في عمل غندور مع العراقيين.

لم تقف التطورات المتسارعة عند هذا الحد، وأعلنت الشرطة القضائية قبل نحو ساعتين من كشف مصير غندور أنها «باتت تملك معلومات وخيوطاً عديدة، وهناك موقوف يتم التحقيق معه، مشيرةً إلى أن الشرطة توصلت إلى الأشخاص الذين كانوا في سيارة غندور قبل اختفائه، كما أن التحقيقات تتركز في التحليل الجنائي الذي يرتبط بالهاتف والبصمات التي تم رفعها من السيارة والهاتف الخلوي الذي كان يستخدمه غندور». وترافقت هذه التوضيحات، مع أجواء تأهب واستنفار لافتة في مقر مفرزة طرابلس القضائية، قبل أن يعلن بعدها بوقت قليل عن النبأ رسمياً. عُثر على جثة غندور في البترون، بعد اعتراف الموقوف بمكان وجودها، وإرشاد القوى الأمنية إليها، والتي تبيّن وفق مسؤول أمني أنها كانت «موضوعة داخل حقيبة ملابس كبيرة، وأن غندور قضى منذ اليوم الأول لاختفائه، وأن رسائل الـ«SMS» التي كانت ترسل إلى ذويه هي لتضليل التحقيق، ومن أجل تسهيل مهمة خروج خاطفيه وقاتليه من لبنان، الذين تبيّن أنهم عراقيون كانوا يرتبطون معه بعلاقات تجارية ومالية».

في البترون، نقل مراسل «الأخبار» عمر حبيب، أن المشهد كان مؤلماً. انتهى الأمل بعودة غندور نهائياً. تجمّع رجال من الجيش اللبناني والدرك والشرطة القضائية على بعد 300م من قلعة المسيلحة في البترون، بعد اكتشاف جثة المفقود. منعوا الجميع من الاقتراب، فيما لاحظت «الأخبار» وجود عدد كبير داخل مسرح الجريمة، الأمر الذي قد يعرقل التحقيقات. استقرت الجثة في منحدر صغير يقع على بعد 15م من الطريق العام، علماً بأن مسؤولاً أمنياً رفيعاً، أعلن أنها متحللة منذ أيام، وأن الطبيب الشرعي سيفحصها في الساعات الأولى من مساء اليوم (أمس). وحضر قاضي التحقيق الرئيس خالد عكاري، ورئيس الشرطة القضائية العميد أنور يحيى، ولم يدل المعنيون بأي تصريح، وذلك حفاظاً على سرية التحقيق. وسرت شائعات بين الصحافيين في المنطقة، أن ابنة غندور حضرت إلى المكان، وُسمح لها بإلقاء نظرة على الجثة قبل نقلها من مكانها. ونفى مسؤول أمني رفيع بعض الأخبار التي تناقلتها وكالات الأنباء، عن حدوث تشويهات في الجثة، أو تعرضها لصعقات كهربائية، وخصوصاً أن الموقوف رأفت د. غيّر في إفاداته كثيراً أثناء التحقيقات الأولية، مؤكداً أن الشرطة تنتظر الطب الشرعي وفحص الأدلة الجنائية، لحسم أسباب الوفاة، فيما يستمر البحث عن المشتبه فيهما الآخريَن.

قوى الأمن تعلن توقيف «القاتل»!

أعلنت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، في بيانٍ لها أمس، أن مفرزة طرابلس القضائية تمكنت أمس، بالتنسيق مع قسم المباحث الجنائية العلمية وفرع المعلومات، وبعد تحريات مكثفة للكشف عن مصير عبد الله غندور، من توقيف أحد المشتبه فيهم وهو رأفت عبد الله الدحني (48 عاماً) الذي تربطه علاقات تجارية بالمفقود. وأشار البيان إلى أن المشتبه فيه اعترف منتصف ظهيرة أمس، بإقدامه على قتل السيد عبد الله غندور بالاشتراك مع شخصين آخرين متواريين عن الأنظار، وقام بالدلالة على مكان رمي جثة المغدور الموضوعة في حقيبة قرب قلعة المسيلحة ـــــ البترون، حيث تم التعرف على الجثة بحضور قاضي التحقيق في طرابلس، الأستاذ خالد عكاري، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة، العميد أنور يحيى وباقي القطعات. ونقلت الجثة إلى براد المستشفى الحكومي في طرابلس للكشف عليها ومعاينتها من قبل الأطباء الشرعيين لتحديد كيفية القتل، ولفت البيان إلى أن التحقيق جارٍ بإشراف القضاء المختص لمعرفة ملابسات الجريمة ولتوقيف المشتبه فيهما الآخرين.


تعليقات: