الجيش يرى الأخطر من الهروب... ما كان سيليه

مغاوير الجيش قبل أن تقبض على حاجي سليمان
مغاوير الجيش قبل أن تقبض على حاجي سليمان


النقاش يتزايد حول ما يجري في سجن رومية..

افرز النقاش الذي أحاط «فضيحة الهروب» من سجن رومية مجموعة مشاهد متناقضة داخل جدران ذاك الحبس التأديبي:

المشهد الأول، يظهر اللواء جميل السيد، اللواء علي الحاج، العميد مصطفى حمدان والعميد ريمون عازار في زنزاناتهم الانفرادية، محاصرين من الجهات الأربع الأصلية والفرعية ومن فوق ومن تحت ومخنوقين بالحصار المشدّد عليهم، ولازمتهم العناصر الأمنية كظلهم، وأحصت أنفاسهم وسجلت أقوالهم، ولو قيّض لهذه العناصر لفتشت نسمة الهواء التي تنفسوها خلال سنوات السجن...

المشهد الثاني، يُظهر مساجين خطيرين ينتمون إلى تنظيم «فتح الإسلام»، مجموعين معاً في غرفة واحدة وتحت سقف واحد ويتمتعون بوضع خاص وبرعاية مميزة، أكل، شرب، كماليات، خلوي، راديو، تلفزيون، ومؤخرا «دي في دي»، مناشير، معجونة حديد. وحرامات ومناشف وشراشف عقدوها ببعضها البعض على مهل، على طريقة الأفلام العربية، ونشروا شباك السجن على مهل، وأكيد أن عملية النشر تصدر «أزيزاً»، ثم ألقوا «الحبل المشرشف» من ذاك الشباك، وتدلوا على مهل واحدًا تلو الآخر وصولا إلى الخاتمة التي انتهت بفرار السجين الأصولي طه احمد حاجي سليمان. قبل أن يعود الجيش ويلقي القبض عليه مجددا في أحراج بصاليم أمس.

المشهد الثالث، يُظهر خليطا من الموقوفين، المحكومين، وغير المحكومين، وقضايا و«أخذاً وعطاء» على الطالع وعلى النازل، «ومحسوبيات ومحظيين» برعاية وإشراف «شاويش القاووش»، وروايات ألف ليلة وليلة، لا تنتهي حول ما يجري هناك.

ولقد بلغ مراجع سياسية بعض من تلك الروايات، وتفاصيل متصلة بفضيحة الهروب وبـ«سجناء فوق القانون» كما تصفهم، وأحاطتها بأسئلة «اتهامية» في الأمن، في السياسة، في المسؤوليات، وفي التدابير، طلبا لأجوبة شافية، وخصوصا في حجم التورّط وغض النظر الأمني والسياسي عن تحذيرات جرى تبليغها رسميا ومفادها «إن ما يجري عندكم من انتفاضات وأعمال شغب من قبل هؤلاء السجناء، ما هو إلا محاولة لدرس مكامن الخلل والضعف في السجن... فانتبهوا»!

أكثر ما يقلق تلك المراجع في هذه الفترة، تسلل الهروب في لحظة جفاف سياسي وتعثر حكومي، وبلد فاقد أدوات حكمه التنفيذية، وليست مهمة بالنسبة الى تلك المراجع معرفة كيف دخل المنشار إلى سجن رومية، ولا معجونة الحديد، ولا كيف نجحت عملية الفرار، بقدر ما هو مهم بالنسبة اليهم معرفة الخطوة التالية بعد الهروب، والإجابة بشكل أساسي على سؤال محدد: هل ثمة من يحاول تحرير موقوفين يعتبرون «مخازن أسرار» حول قضايا بالغة الدقة والحساسية والخطورة؟

بات الملف مفتوحا على مصراعيه، سواء ما خص الشق الداخلي تقنيا وإداريا ومسلكيا في السجن، لكن الأهم يتصل بالجانب الأمني، وهنا يبرز دور الجيش اللبناني، الذي يعتبر، والكلام لمصادر مطلّة على أجواء المؤسسة العسكرية، أن الهروب بحد ذاته ليس أمرا عابرا، بل هو اعتداء صارخ على أمن الدولة اللبنانية.

تقول المصادر إن عملية الهروب، شكلت صدمة كبرى على مستوى المؤسسة العسكرية التي شعرت أنها أصيبت مرة جديدة بكل شهدائها وجرحاها الذين سقطوا في مواجهة «فتح الإسلام» في نهر البارد وفي التفجيرات الإرهابية التي طالتها، فضلا عن أن هذه العملية، تنطوي على محاولة القول بأن «فتح الإسلام» ما زالت موجودة ولم تنته وهنا الخطورة الكبرى.

تشير المصادر إلى يقين الجيش بأن عملية الهروب منسقة مع أطراف في خارج السجن، لذلك، من اللحظة الأولى اتخذت المؤسسة العسكرية على مستوى القيادة ومديرية المخابرات قرارا بإحباط ما سعى إليه المخططون وتحت عنوان «يجب أن نلقي القبض على طه سليمان مهما كلف الأمر»، وعلى هذا الأساس جاء التحريك السريع لفوج المغاوير وإنزاله على الأرض في تلك المنطقة، وخصوصا في محيط السجن مع إجراءات بالغة الدقة سواء على مستوى المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق، أو على مستوى المناطق اللبنانية التي يمكن أن يلجأ إليها السجين الفار، أو على مستوى المجموعات الدينية التي يمكن أن ترعاه وتخفيه.

وبحسب تلك المصادر فإن ما حفّز الجيش على التحرّك السريع لمطاردة السجين الفار وإلقاء القبض عليه، قناعته بأن مجموعة «فتح الإسلام» وخصوصا طه سليمان، لم يعرضوا أنفسهم لخطر الفرار وما يمكن أن يصيبهم أثناء العملية، لو لم يكونوا خارجين ليقوموا بعمل أكبر خارج السجن. ولا سيما أن العملية تتزامن مع أجواء قلق وهواجس وتهديدات أمنية جديدة، وخوف من أن تكون عملية الهروب مقدمة لتنفيذ عمل أمني ما في الداخل.

ومن هنا، والكلام للمصادر، كان الاستنفار «فوق العادة» في متابعة العملية وصولا إلى إحباطها وإلقاء القبض على السجين الفار. مع الإشارة إلى أن حجم هذا الاستنفار، وحجم الإصرار الذي تجلى لدى قيادة المؤسسة العسكرية ومخابرات الجيش، يوازيان حجم خطورة طه احمد حاجي سليمان، وحجم القلق المتوقع مما يمكن أن يقدم عليه، وخصوصا وسط الحديث عن محاولات لخلق توترات في هذه المرحلة، سواء من خلال استهداف شخصيات لبنانية أو غير لبنانية، أو التعرض لقوات «اليونيفيل»، أو افتعالات تواكب حركة التوتر المتزايدة في بعض المخيمات، أو محاولة ملاقاة شهر أيلول بأعمال على صلة بما يحكى عن إجراءات للمحكمة الدولية تنسجم مع ما ورد في تقرير «ديرشبيغل».

تشير المصادر إلى مخالفة الجيش لما قيل عن أن الهروب يمكن أن يكون ابن ساعته، فالعملية ليست وليدة اليوم، والجيش سبق وحذر من عملية فرار، فضلا عن أن الحديد لا ينشر بلحظات، والجيش متأكد من أن الهروب لم يكن إلى المجهول، بل كان في اتجاه هدف وعنوان واضحين ومحددين. ولدى الجيش إشارات بأن هناك من كان ينتظرهم، وأن الجهد الحالي منصب على متابعة الخلايا الخارجية، التي كان من الممكن أن يزودها الهروب ـ لو تم ـ بشحنة معنوية عالية.

وتخلص المصادر الواسعة الاطلاع إلى معلومة تناقض ما قيل عن أن طه سليمان سجين غير خطير، وتفيد بأنه كان موقوفا لدى مخابرات الجيش قبل إحالته إلى سجن رومية، وبيّن التحقيق أنه شخص صلب، وعجز عن انتزاع إفادات واضحة منه، فالتحقيق استغرق ثلاثة أيام حتى اعترف باسمه فقط. وأمام المحققين الآن مهمة صعبة.

تعليقات: