عون وتيّاره في عقل المقاومة: الحليف الذي يستحق التضحية

مشاركة عونيّة في مهرجان لحزب اللّه (أرشيف)
مشاركة عونيّة في مهرجان لحزب اللّه (أرشيف)


قبل احتدام الأزمة بين حزب الله وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى عام 2005، وجد حزب الله أنه بات الآن في موقع يتيح له مغادرة كل موجبات التحالف الرباعي. لم يندم الحزب على هذا التحالف كما يقول قادته، لكن السيد حسن نصر الله عاد وشرح الأمر في خطاب ألقاه عشية الانتخابات الأخيرة. يومها، أُثير من خارج جدول الأعمال ملف العلاقة بالعماد ميشال عون. قرّرت قيادة حزب الله المبادرة إلى فتح قناة اتصال سياسية مباشرة. عرض السيد نصر الله عقد اجتماع أو أكثر مع العماد ميشال عون لمناقشة كل الأمور، والوصول إلى علاقة مختلفة. يومها، لم يكن العماد عون متردّداً أو خائفاً، لكنه قال إنه لا يريد لقاء الصورة التذكارية. وهو يجد أن هناك قاعدة جدية للتفاهم مع الحزب، وأن الأمر يتطلّب عملاً مشتركاً يحدَّد في ضوء نتائجه سقف العلاقة ونوعيتها بين التيار الوطني الحر وحزب الله.

لم يتأخر الوقت حتى أُلّفت لجنة مشتركة بين الجانبين، تولّت مناقشة أمور كثيرة، وخلال أسابيع قليلة وُضعت بنود أساسية يجب التفاهم على الموقف منها للقول إن القاسم المشترك يتيح تفاهماً يسمح بلقاء يتجاوز حدود التكتيك السياسي، حتى إنه جرى التقدم في فترة معيّنة نحو ترتيب لقاء بين نصر الله وعون، قرر الأخير تأجيله لأسباب تتعلّق بالشكل والمضمون، ثم عمد في فترة لاحقة إلى تجميد التواصل، وخصوصاً عندما اندلع الاشتباك السياسي بين حزب الله وفريق 14 آذار. واستمر الأمر محصوراً في إطار اللجان التي ناقشت كل شيء، حتى تم التفاهم على ورقة، سهّلت عقد اللقاء الشهير في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006.

قبل الجنرال، لم يرفع جمهور المقاومة صورة لغير قادته وشهدائه

في غضون الفترة كلها، لم يكن العماد عون يتحدث داخل التيار عما يجري، كانت الحلقة غير مغلقة، لكنها ضيقة جداً، وفي حزب الله حيث الالتزام التنظيمي له تأثيره في أمور كثيرة، لم يكن الحوار القائم محل مناقشة عامة، بل كان محصوراً لدى مجلس شورى الحزب والمعنيين المكلّفين التواصل. وإثر إعلان وثيقة التفاهم، لم يحتَج حزب الله إلى وقت طويل، حتى يحوّل التفاهم إلى بند في جدول أعمال كل وحداته التنظيمية، ولدى جمهوره أيضاً، فيما بدا أن العماد عون يحتاج إلى جهد خاص وإضافي. واتضح لاحقاً أن سبب قرار عون إبقاء الأمور محصورة به وبدائرته الضيقة جداًَ، عائد إلى خشية موجودة لديه ولدى معاونين له، من أن فتح نقاش بين كوادر التيار وقواعده بشأن علاقة خاصة مع حزب الله قد يؤدي إلى نتيجة معاكسة، واتخذ عون قراره الشهير بالذهاب نحو تفاهم يعتقد هو بقوة أن فيه مصلحة للبلاد وللمسيحيين على وجه الخصوص. ثمّ مرّت شهور عدة والبلد يضج بمناقشة أبعاد هذه الخطوة. تفسيرات وتحليلات وتصورات، لكن كان هناك من يراقب باهتمام كيفية انعكاس الأمر على الشارع. وتحديداً على قواعد الطرفين، وعلى بعض المناطق ذات الخصوصية، لاتصالها بذاكرة الحرب الأهلية بين اللبنانيين، إلى أن جاءت حرب تموز.

يومها، لم يكن في حسابات حزب الله السياسية، ولا في حسابات قواعده وأنصاره في لبنان وخارجه، انتظار موقف خاص من التيار الوطني الحر، والعماد عون على وجه الخصوص. كان الجميع يعذره حتى لو صمت، أو حتى لو وقف على الحياد. وكانت قلّةٌ تخشى أن يذهب نحو ما ذهب إليه فريق 14 آذار في التآمر على المقاومة. لكن عون أدهش جمهور الحزب وقيادته، وأدهش الآخرين من الأصدقاء والأعداء. فبعد أيام قليلة على اندلاع المواجهة، كان عون يقود الحملة السياسية ـــــ الشعبية في لبنان، تلك التي تقول إن المقاومة قوة لبنانية، وإن قادتها وعناصرها من الشعب اللبناني، ويتعرّضون لاعتداء من عدو لبنان، وإن الوقوف إلى جانبهم واجب وطني، وصولاً إلى الرسالة القصيرة التي عُمّمت على هواتف ناشطين في التيار وقالت: مثلما تجمّع العالم كله ضد العماد عون في 13 تشرين الشهير، فإن العالم كله يتجمّع اليوم ضد السيد حسن نصر الله ورفاقه، فادعموهم.!

وخلال أيام إضافية، كانت قواعد التيار الوطني في جميع المناطق، تُشغل بأكبر عملية احتضان شعبي مع حرارة لم تُلحظ في مناطق أخرى، وعند قوى أخرى، وفجأةً كُسر حاجز نفسي ظل الوهم يبنيه على مدى ثلاثة عقود بين المناطق، وبين الناس، واكتشف الناس أنهم من جلدة واحدة، يأكلون ويشربون ويعملون ويتعلّمون ويرفضون القهر والذل ويقاومون، حتى إذا انتهت الحرب بانتصار المقاومة، كان العونيون يحتفلون بانتصار كانوا شركاء فيه، وهكذا شعر أهل المقاومة. وصار الناس يطبعون صور العماد عون والأعلام البرتقالية، ويرفعون الشعارات التي تعكس فهماً من نوع خاص لهذه العلاقة، وحيث لم يحصل أن عشق جمهور حزب الله قائداً أو زعيماً لبنانياً آخر غير قادته. لكنّ عون صار من صلبهم كما يقولون، وبعد يومين على وقف إطلاق النار، كان عون أول من تفقّد الضاحية الجنوبية، وصل إليها من دون ضجيج، وزار السيد نصر الله في أحد أبنيتها، كان الرجلان يحتفلان بالانتصار، ويومها قال السيد نصر الله عبارته الشهيرة: إن للعماد عون والوزير سليمان فرنجية ديناً في ذمتنا إلى يوم الدين. ومن لا يفهم معنى ذلك لم يفهم كل الآليات السياسية الداخلية التي ساقها حزب الله في مواجهة الاستحقاقات الداخلية.

اليوم، ليس لدى جمهور حزب الله أيّ شك في أن ما يطلبه العماد عون في المسائل العامة، هو حق يجب الحصول عليه، وأن حزب الله لا يتركه أو يخذله، ولو كلفه الأمر تحمّل أضعاف ما تحمّله في عدوان تموز نفسه.

العونيّون لحزب اللّه: «العتب على قدّ المحبّة»

خارج جدران مؤسسة التيار الوطني الحرّ الرسمية، ثمة ملاحظات أو تمنيات كثيرة يأمل بعض جمهور التيار الوطني الحرّ، الحريص على استمرار التفاهم بين التيار وحزب الله، أن يلحظها حفاظاً على المصلحة المشتركة

غسان سعود

في بلدات الانتشار العوني لا يكاد يخلو حديث من ذكر حزب الله. في هذه الأحاديث، يواجه العونيون خصومهم بشراسة، مدافعين عن حزب الله كأنهم يدافعون عن أنفسهم. فبعد 3 سنوات من التفاهم، بات كل عوني يتصرف على اعتبار أنه معني مباشرة بما يُحكى عن حزب الله، لأن التيار والحزب أكثر من مجرد حليفَين سياسيين. لكن في هذه الأحاديث، أحياناً، يصل العوني إلى مكان يفقد فيه القدرة على الهجوم أو الدفاع، فينتصر خصمه أمام الرأي العام.

أحد الناشطين في التيار يقول إن العماد ميشال عون لم يفوّت مناسبة خلال 3 سنوات إلا استغلها ليشرح قضايا مرتبطة بحزب الله تشغل الرأي العام. والإعلام العوني يحاول بقدراته المتواضعة الدفاع عن النفس وعن حزب الله، لكنّ ثمة أموراً تتجاوز قدرات التيار الوطني الحرّ وترتبط بحزب الله نفسه، الذي عليه البحث عنها بهدوء، والتدقيق فيها، ومحاولة معالجتها، ذلك إذا كان مهتماً بتعزيز علاقته أكثر مع جمهور التيار الوطني الحرّ، وإنقاذ هذا الجمهور من السجالات الحرجة التي يتخبط فيها.

تجدر الإشارة قبل الدخول في تفاصيل الموضوع إلى أن معظم العونيين، حتى المثقلين ببعض علامات الاستفهام تجاه حليفهم، يرون أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله يحرص على مراعاة كل أسئلتهم، وهو في خطاباته عشية الانتخابات وضع إصبعه على الكثير من الجراح. لكن المشكلة أن قلة فقط من الناس تلتقط ما قصده نصر الله بالسرعة المطلوبة، فيما المسؤولون في الحزب والنواب لا يكررون ما قاله «السيِّد»، كما يفعلون في قضايا أخرى حين يُشغَل حزب الله كلّه بتكرار العبارات ذاتها فتصل الرسالة إلى الجمهور كلّه في كلّ مكان.

أولى علامات الاستفهام تتعلق بسلاح حزب الله. إحدى الناشطات العونيات سابقاً في كلية العلوم الاجتماعية ـــــ الفرع الثاني ترى أن وثيقة التفاهم بين التيار والحزب شرّعت بقاء السلاح في أيادي المقاومين حتى انتفاء الحاجة إليه. وتشير إلى أن بعض خطب «الأمين العام» تُشعرها بأنّ الحزب مستعد للنقاش بشأن هذا السلاح أو أن ثمة في الأفق أملاً بانتفاء الحاجة إليه. لكن في خطب أخرى ـــــ تتابع الصبية ـــــ للأمين العام ومسؤولين آخرين، يظهر أن السلاح أبديٌّ، ويخرج من يصرخ بأنّ أيّ يد تمتد إلى هذا السلاح ستُكسر.

الصبية تقول إنّ خطابات كهذه تقلقها وتحرجها قليلاً في نقاشاتها. وهي تزداد حرجاً حين يُطل أحد المسؤولين في حزب الله ويبدأ المجاهرة بنياته إزالة إسرائيل من الوجود. وفي اليوم التالي لهذا الخطاب ـــــ تقول الصبية ـــــ تعتكف عن الذهاب إلى العمل لأنها لا تعرف ماذا ستقول لمن سيأتيها سائلاً عن دورها ومكانها في هذا الصراع. وإذ تتفهم الصبيّة الحاجة إلى سلاح المقاومة حتى استعادة الأرض، تستدرك أن تحرير الأراضي الفلسطينية لا يعنيها أبداً «حتى لو كانت الأزمة الفلسطينية أساس الأزمة اللبنانية». وتؤكد أنها غير مقتنعة بأنّ عليها «تحرير الأراضي الفلسطينية، أو حتى مساعدة الفلسطينيين على تحقيق هذا الهدف». وتشير إلى ضرورة فهم حزب الله هذه النقطة جيداً، ومساعدة التيّار من خلال التخفيف من حماسة بعض المسؤولين في الحزب المترقبين بشوق اليوم الذي يرمون فيه إسرائيل في البحر.

زميلها في العمل، في إحدى الجمعيات، يرى أن حزب الله لم يتعامل بجدية مع استراتيجية الدفاع، سواء التي قدمها العماد ميشال عون أو غيرها، وهو لا يظهر أي استعداد جدي للنقاش في هذه المسألة، «بحجة عدم ثقته بالسلطة الحالية». لكن ـــــ يتابع الشاب ـــــ في مكان ما لا بد من وضع الإصبع على الجرح، وعلى حزب الله أن يُطلّ مصارحاً اللبنانيين برأيه في الاستراتيجيات المطروحة، فيقول: هذه تعجبني، وتلك هذه ملاحظاتي عليها، لا تعجبني. ويلفت الشاب إلى أنهم بوصفهم عونيين قالوا للناس إن الاستراتيجية الدفاعية التوافقية ستكون المدخل إلى الانتهاء من قضية سلاح حزب الله، لكنهم فوجئوا بعدم النقاش جدياً في هذه الاستراتيجية، رغم أن جزءاً كبيراً من حملة الأكثرية الانتخابية قام على التنديد بموضوع السلاح.

في المقابل، في موضوع سلاح حزب الله، يجدر القول إن هناك عونيين كثراً لا يرون أي مشكلة في هذا السلاح، سواء أكان لتحرير مزارع شبعا أم لتحرير القدس، وبعض العونيين يبدو حقاً مقتنعاً بأن حزب الله سيعطي سلاحه للدولة اللبنانية مقابل إخراج الفلسطينيين من لبنان!

ثانية علامات الاستفهام تتعلق بأولويات حزب الله. تسأل إحدى الناشطات بين النساء في التيار عن موقف الحزب من مبدأ «لبنان أولاً». وتلفت إلى انجذاب الرأي العام المسيحي، عموماً، كثيراً إلى هذا المبدأ وتعاطف هذا الرأي العام غرائزياً مع من يردد هذا الشعار. الناشطة ترى أن حزب الله في بطولاته وتضحيات مقاوميه قد يكون أهم الممارسين في تاريخ لبنان لمبدأ «لبنان أولاً»، لكن خطابات المسؤولين في الحزب تفتقر إلى إشارات كهذه. ونتيجةً للضغط الإعلامي والإعلاني المقابل، لا يعود معروفاً بالنسبة إلى الرأي العام ما هي أولوية الحزب، السيادة اللبنانية أو وجود الطائفة الشيعية أو مصلحة إيران أو ماذا.

ثالثاً، تشير سيدة أخرى إلى تجنب حزب الله إيضاح بعض الأمور مقابل حرصه على الرد بطريقة أكثر من جيدة في أمور أخرى. وترى السيدة الستينية العونية المتابعة كثيراً للتفاصيل السياسية، أن النائب سعد الحريري يريد الاستمرار بالمناصفة في شكلها الحالي، بمعنى تبعية المسيحيين، لكنه يعرف كيف يخرج هذا الأمر بطريقة إعلامية تظهر كأنه بطل حفظ الوجود المسيحي في لبنان من خلال تمسكه بالمناصفة، فيما يتجنب مسؤولو حزب الله في كلماتهم ومقابلاتهم التلفزيونية أي إشارات إلى إيمانهم الجدي بمبدأ الشراكة وتطبيق مناصفة حقيقية. وتسأل السيدة عمّا حال دون قطع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد الطريق على كل المصطادين بالماء العكر، وعقده إثر كلام المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله مؤتمراً صحافياً يؤكد فيه تمسك حزب الله بالديموقراطية التوافقية التي أعلن الحزب إيمانه بها في وثيقة تفاهمه والتيار الوطني الحر. المؤسف، تقول جارتها، أن الحزب يستنفر كل طاقاته الإعلامية والإعلانية للرد على أمر صغير يعني المقاومة، لكنه يدير الأذن الطرشاء لاتهام القوات اللبنانية له مثلاً بالاعتداء على آثار بعلبك. و«هذا أمر يُربكنا كثيراً ويضعفنا أمام الرأي العام». علماً، تتابع السيدة نفسها، بأن دفاع المسؤولين في التيار الوطني الحر لا يفيد هنا. فالمطلوب من الحزب أن يتوجه بصراحته المعتادة ليشرح، أو يخسر التيار أكثر مما يربح بكثير. وتلفت في هذا السياق إلى موضوع مروحية الجيش التي أسقطها حزب الله، فتقول إن إطلالة الأمين العام للحزب يومها، وشرحه تفاصيل ما حصل للناس، كانا سيفيدان أكثر بكثير من محاولة مسؤول في التيار غير مطّلع بدقة على تفاصيل ما حصل أن يبرر للحزب فعله.

رابعة علامات الاستفهام يرسمها عوني عكاري بلغته العفوية: لا يجوز أن يقيس الأشقاء أفضال بعضهم على بعض في الميزان. لكن أنا وعدد كبير ممّن أعرفهم لنا الحق في أن نعرف من الحزب ماذا حصل في الدوحة، ولماذا قبل حزب الله أن ينتخب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية لا الجنرال عون. ولنا الحق في أن نسأل لماذا يوم مُسّ حزب الله مباشرة عبر القرارين الحكوميين الشهيرين أظهر حزب الله قدرته على قلب الطاولة بسرعة قياسية، أما حين كان العماد عون يعمل على إسقاط الحكومة فلم يتحرك الحزب كما يفترض.

وقبل أن يكمل الرجل، يقاطعه صديقه مستغلاً الفرصة لدعوة حزب الله إلى التفكير قليلاً في ما قدمه خلال السنوات الثلاث الماضية عملياً للتيار، ليس على صعيد الرئاسة الأولى أو الحكومة أو الانتخابات النيابية وحسب، بل على صعيد موظفي الفئة الأولى ودعم شباب التيار في التوظيفات والتعيينات الإدارية. والحزب قادر، وفق الرجل المتقاعد، على أن يضغط ليعزز الحضور المسيحي في الإدارة. ويكشف الرجل العكاري أيضاً أنه في معظم النقاشات يُحرَج كثيراً حين يُسأل عمّا جناه العونيون على صعيد دخول الدولة، مقارنة بضغط تيار المستقبل على كل المستويات لملء الشواغر في مؤسسات الدولة بأنصار القوات اللبنانية.

وعلى ذكر الدولة ومؤسساتها، تروي إحدى العونيات أن المجتمع المسيحي غارق بسيل من الاتهامات. تقول إن جمهور حزب الله لا يدفع الضرائب والمستحقات، ويؤوي المجرمين والفارين من العدالة في الضاحية وبلدات بقاعية عدّة، وإنّ سرقة الكهرباء في الضاحية مستمرة وجباة الدولة يتجنّبون إحراج الناس بفواتيرهم. وهذه قضايا، وفق السيدة، تحتاج إلى معالجة سريعة عبر إعلام حزب الله. وعلى الحزب أيضاً أن يثبت براءته من مزارعي الحشيشة وتجارها. ويشير زوجها إلى أنه كان يقول لجاره إن عليه منع أولاده من مصادقة بعض الشبان، لأن أحزابهم تشجع على تعاطي المخدرات، فنظر إليه جاره قائلاً إن عليه الانتباه من حلفائه المتسامحين مع زراعة الحشيشة. إذاً، يتابع الرجل، ثمة شائعات يروّجها أنصار الأكثرية كيفما تحركوا لضرب صورة حزب الله ووصفه بالحاضن لسارقي السيارات والهاربين من العدالة وتجار المخدرات. وهذه الصورة لا تلقى أي اهتمام من حزب الله، ما يُحرج العونيين كثيراً.

خامساً، يشير أحد الناشطين في التيار الوطني الحرّ إلى البعد الديني لحزب الله. يقول إنه يعشق حزب الله المقاوم ومعجب جداً بحزب الله السياسي، لكنه لا يفهم أبداً مستقبل العلاقة مع حزب الله الديني. وبحسب الشاب، فإن هذا الموضوع هو عنوان سجال يومي في المجتمع المسيحي. وبعد كل ما قيل، لم تُهضَم قصة ولاية الفقيه بعد، و«على حزب الله توضيحها أكثر». إضافة إلى هذه القضية، يلفت الشاب إلى أن جمهور التيار الوطني الحر ـــــ العلماني سابقاً، كان يبشّر بفصل الدين عن الدولة، ويقول لأنصار القوات اتركوا الصليب في الكنيسة وتعالوا لنتجادل ونتناقش في السياسة. لكن هذا الجمهور نفسه يتحالف اليوم مع حزب طائفي بامتياز، ما يفرض على حزب الله الإضاءة قليلاً على هذا الجانب في تركيبته، فيشرح للناس لماذا يقود رجل دين حزباً سياسياً، وما هي العلاقة بين الديني والسياسي في هذا الحزب، وهل يُقدم حزب الله على خطوة لا تقف وراءها تطلعات دينية؟ هنا، يقول الشاب، إن ثمة عملاً كثيراً على حزب الله القيام به، وبعد بدء التيار التصرف بصفته حزباً مسيحياً، تفرض مصلحة الحزبين تنظيم ندوات تجمع رجال دين شيعة ومسيحيين ليشرحوا للناس نظرة أحدهما إلى الآخر، وعلاقة الطائفتين تاريخياً والأبعاد الدينية للتفاهم. الشاب الذي يبدو خبيراً في ما يقوله، يروي أن القوات وخصوم التيار يحاولون إذلال العوني المتحمس لنصر الله بصفته مسيحياً يتبع شيخاً شيعياً، فيما هم يتحمسون لشاب علماني يرتدي ثياباً مثل ثيابهم ويسرّح شعره على الموضة. ويشير الشاب إلى أن بعض المسؤولين في حزب الله يخطبون مرات عن أمور ساذجة، لكنهم سرعان ما يصبغونها عبر حركات أصابعهم وملامح وجوههم بالألوهية، وغالباً ما يُظهرون تشدداً في المواقف، كأنما لا شيء قابل للتسوية. وهذه القسوة في التعبير التي بدأ المسؤولون في الحزب يتناقلونها تُقلق بعض الناس الذين يحبون تواضع نصر الله وإبداءه دائماً الرغبة في الانفتاح.

من هنا، إلى موضوع «التشادور». ترى عونية من بلدة الزلقا أن الأمر ليس مزحة أو مجرد مزايدة: حقاً التشادور ليس تقليداً لبنانياً، وهو لا يشبه الناس الذين يرتدونه. فعلى حزب الله أن يبرر هذا الاجتهاد لتسويقه.

الصبية نفسها تقول إن صديقاتها يخبرنها عن عزل حزب الله لمن لا يصوم عبر تجنبّهم الكلام معه وعدم الشراء من دكانه، وعزلهم في بلدات نفوذهم غير الملتزمين دينياً. وهي تتردد كثيراً إلى البقاع، وتعرف أن هذا الموضوع ليس صائباً مئة في المئة. لكن الساكنين في الزلقا الذين لم يقطعوا يوماً جسر الدورة أو ملعب فؤاد شهاب لا يمكن لومهم على تصديقهم هذه الأخبار في ظل صمت حزب الله وسكوته، الذي يبدو اعترافاً بالذنب.

ختاماً، ثمة علامات استفهام أخرى كثيرة تشغل العونيين: هل يعتقد حزب الله أن بشير الجميل كان عميلاً؟ ما قراءته لتاريخ لبنان؟ هل يريد الوصول إلى السلطة؟ هل يملك برنامج حكم؟ والأهم، إذا قررت القوات اللبنانية والكتائب الانفتاح عليه، فهل يرحب بهما؟ أولويته نبيه بري أم ميشال عون؟ تعزيز الحضور الشيعي في الدولة أم الضغط ليستعيد المسيحيون بعض حضورهم في الدولة؟

معجبون بحسن نصر الله

يروي مصدر مقرّب سياسياً من حزب الله والتيار الوطني الحرّ أنّ سفير الولايات المتحدة في إسرائيل روى له مرة أنه كان في عرس زواج المارونية السياسية، ممثلةً ببشير الجميل، بإسرائيل. فجأة، حصل انفجار ففتح عينيه ليشاهد أن العروس (المارونية السياسية) قد اختفت والعريس في محله.

السفير السابق يقول إن حزب الله تزوج منذ 3 سنوات العماد ميشال عون، والتيار الوطني الحرّ تزوج السيّد حسن نصر الله. لكن حزب الله والتيار الوطني الحرّ لم يتزوجا بعد.

بلغة أسهل، العونيون معجبون جداً اليوم بحسن نصر الله، وهم لا يترددون في رفع صوره في منازلهم وترقب إطلالاته التلفزيونية. لكنهم، في المقابل، لم يتعرفوا بعد كما يفترض إلى حزب الله، ولم يكتشفوا خصوصيات هذا الحزب، ولم يتعلموا منه المأسسة، لم يشاركوه خبراته الإعلامية، لم يروا مؤسساته الاجتماعية والصحية والتعليمية. وفي هذا السياق يمكن القول إنهم لم يأخذوا منه شيئاً. وهذا الأمر مؤسف لأنه يفوّت على العونيين فرصة توأمة تيارهم المغمور تنظيمياً بحزب لا يوازيه تنظيم في العالم من حيث الدقة التنظيمية. ويلفت المصدر إلى أن العونيين ضيّعوا في الانتخابات الأخيرة فرصة الاستفادة من التفاهم لبناء ماكينة انتخابية على صورة ماكينة حزب الله، ويضيعون يومياً فرص التعلم من حزب الله كيفية التعامل مع الحدث وإعداد الملف وتحضير الشخص المناسب للكلام في المكان المناسب. والأهم من ذلك، يضيعون فرصة التعلم أن الاستمرار للمؤسسة لا للشخص، مهما كبر شأنه.

في المقابل، فإن حزب الله ربط نفسه بالعماد ميشال عون وبعض المقربين منه ونسي الأمور الأخرى. وهكذا، لم يبذل جهداً جدياً لقيامة مؤسسة حزبية عونية قوية، ولم يسعَ إلى إفادة التيار (حتى لو لم يسأل التيار ذلك) في خبرته على صعيد تثبيت أقدام الحزب في المجتمع من خلال المؤسسات الكشفية والرياضية والثقافية. ولم يستفد حزب الله من فرصة التفاهم وتقبّل أنصار عون لنصر الله كي ينفتح على المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية في المجتمع المسيحي. ويشير أحد المصادر إلى أن النائب سعد الحريري، مثلاً، لا يترك فرصة لوضع حجر باسم والده في صرح مسيحي ما أو بلدة مسيحية إلا يسارع لاستغلال المناسبة. أما حزب الله فلا يحرك ساكناً إلا إذا كان الحجر سيوضَع في بلدة نفوذه. وفي السياق نفسه، لم يستفد إعلام حزب الله من إعجاب الجمهور العوني به لمدّ جسور جدية مع هذا الجمهور الذي عاد يتابع الخبر السياسي على إعلام حزب الله ثم ينتقل إلى وسائل إعلامية أخرى، لأن إعلام حزب الله لا يعنيه عدم إنجاز جسر نهر الموت أو زحمة السير في كسروان أو غيرها الكثير من القضايا التي يعطيها إعلام «المستقبل» أولوية على الأمور الأخرى، لأنه متمسك بجمهور القوات اللبنانية والكتائب.

تعليقات: