سميّة بعلبكي: «عاشقة الورد» ورسولة الطرب الأصيل

سميّة بعلبكي
سميّة بعلبكي


رغم الإجراءات الأمنية المشدّدة في محيط منطقة قريطم (الحمرا)، نجحنا بالوصول إلى شقّة سميّة بعلبكي التي زيّنتها بلوحات شقيقها التشكيلي أسامة. منذ إطلالتها الغنائية الأولى عام 1993 في الجامعة الأميركية في بيروت، اختارت سميّة الطرب الأصيل والتراث الغنائي العربي رغم صعوبة تسويقه و«قيود الإنتاج». الابنة البكر للفنان الجنوبي عبد الحميد بعلبكي، ولدت عام 1970، وأمضت طفولتها على خطّ التماس بين بيتها في الشياح و«مدرسة القديس بولس» في عين الرمانة. كانت الوحيدة بين إخوتها التي تتمتع بصوت جميل. الوالد تابع دراسته الأكاديمية في فرنسا، والأم انتبهت إلى مواهبها طفلةً. «كانت أول من اكتشفني ومن بعدها أبي، فعمّي».

بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، انتقلت العائلة إلى قريتها العديسة (الجنوب) حيث بقيت أربع سنوات، ما حال دون دخول سميّة إلى «المعهد الوطني العالي للموسيقى» (الكونسرفاتوار). هاجس واحد كان يشغلها: «أريد أن أغني لكن لا أعرف أين، وخصوصاً أننا كنا نسكن في ضيعة نائية من قرى الجنوب الحدودية المطوّقة بالاحتلال، وهي تشبه إلى حدّ كبير السجن. لذلك أردت النزول إلى بيت عمي في بيروت. كنت في آخر المرحلة الثانوية، وأردتُ متابعة دراستي في الموسيقى، ولم أكن أفكّر في أي شيء آخر».

وافقت العائلة على طلب الابنة، وبدأت تبحث لها عن مكان يؤمن بالفن الملتزم. توسّط لها عمّها فوزي عند نبيه الخطيب ليسمع صوتها. وكان لها ما أرادت. هكذا، صارت تتدرب في فرقة للموشحات والأدوار. لاحقاً، التحقت بالكونسرفاتوار أواخر عام 1987 لتنال دبلوماً في الموسيقى. وفي 1993، قدمت أول عرض غنائي منفرد مع فرقة بإدارة الفنان نبيه الخطيب: «المؤمن الأول بسمية بعلبكي كمغنية وصوت». كانت الإطلالة في الجامعة الأميركية في بيروت وسط جمهور كبير: «كنتُ لا أزال صغيرة وكانت مسؤولية هائلة. أدّيتُ أغنيات صعبة لأم كلثوم. هذه الحفلة لن تُمحى من ذاكرتي رغم الحفلات الكثيرة التي قدّمتها والنجاحات التي حققتها».

الإطلالة الثانية جاءت بعد أشهر من على مسرح الكونكورد، حيث أقيمت ثلاث حفلات، غنت المطربة الصاعدة في كل ليلة ساعتين بمرافقة فرقة من 35 عازفاً. كانت حفلات ناجحة فتحت الطريق أمام سميّة إلى «مهرجان قرطاج» الذي حصدت فيه جائزة الميكروفون الذهبي عام 1994 عن أغنية «لا أريد اعتذاراً» (كلمات أنور سلمان وألحان إحسان المنذر).

هكذا، استطاعت سريعاً أن تأخذ مكانتها في مقام الأغنية العربية الأصيلة، لكنها كانت تحتاج إلى الدعم. وما لم تفكّر فيه الفنانة الشابة خلال بحثها عن فرصتها، هو تنامي موجة الفنّ التجاري، وتبنّي شركات الإنتاج لها: «انفعلتُ وتأزمتُ، وتابعت بصعوبة. خضت صراعاً نفسياً وتعثرت الأمور بينما أنا متمسكة بخيارات صعبة. صرت أناور حتى أبقى مستمرة. اليوم، يمكنني القول إنني صمدت وتجاوزت المرحلة، وإن لم أحقق كل طموحي».

في عام 1995، سجلت ألبومها الأول على CD صدر عن «صوت الشرق» تحت اسم «لا أريد اعتذاراً». الأسطوانة لم تسوّق بشكل كاف، لكنها حصدت أصداءً جيدة. ثم صارت سميّة تسجل أغنيات متفرقة بسبب مشكلة الإنتاج. «طرقت أبواباً كثيرة بلا جدوى. بعدها توجّهت نحو الحفلات لأنها لا تكلّف كثيراً». ثم اتجهت نحو الإنتاج الخاص، وسجّلت مجموعة أغانٍ لم تستطع تسويقها. وجاءت وفاة والدتها في حادث سير في بيروت لتسبّب لها ردّ فعل قوياً جعلها تنكفئ قرابة سنتين.

في عام 2008، اختارتها شركة «فوروورد ميوزيك» بإدارة الفنان غازي عبد الباقي، واحدةً من مجموعة فنانين يحترفون الفنّ الأصيل. وسجلت لها أسطوانة Arabtango التي ضمت أغنيات تحت راية التانغو العربي من «أطلب عينيّ» و«أهواك» و«لا مش أنا اللي ابكي»، إلى «دخلت مرة في جنينة» و«يا عاشقة

الورد».

منذ عشر سنوات، صوّرت أغنية «لا أريد اعتذاراً» وأغنية أخرى؛ وبعض الأغنيات الوطنية، لكنّها باتت شديدة الحذر: «اليوم لن أصورّ كليباً إلا إذا كان على مستوى من التنفيذ والجودة. هناك عرض قدّمه إلي المخرج اللبناني المخرج أسد فولادكار. طلب أن ننفّذ فيلماً غنائياً. لكنّه الآن في مصر، وأتمنى أن يعود كي نتابع تنفيذ الفكرة».

وعن تعثر تبنّي شركات الإنتاج لها، تقول: «بعضهم يتّهمني بالكسل، وهذا عجيب! هل استطاع أحد أن يتحمّل مثلي ما حملته في غياب الدعم؟ كنت في بعض الأحيان أشكّ في أنّني مقصّرة. لكنّني طرقت باب شركات عدّة من دون جدوى». وتضيف بحسرة: «اليوم، لا أجد ملحّناً مهتمّاً بالكتابة لصوت بسبب إمكاناته الفنيّة. معظم الملحّنين في هذا الزمن يبحث فقط عن المال. معك مال؟ تعال وخذ لحناً. يتوافر ملحنون ممتازون اليوم، وشعراء أغنية. لكن إن لم يكن معك مال لتدفع لهم بالدولار، فلا يمكنك أن تشتغل».

5 تواريخ

1970

الولادة في حيّ الغبيري، بيروت

1993

غنّت للمرة الأولى على مسرح «إسامبلي هول» في الجامعة الأميركية في بيروت

1995

سجلت أسطوانتها الأولى «لا أريد اعتذاراً» عن «صوت الشرق»

2008

صدور Arabtango عن «فوروورد ميوزيك»

2009

مشاركة في الموسم الرمضاني الحالي بأمسية طربيّة على إيقاع التانغو، من أجواء أسطوانتها Arabtango. تعدّ لحفلة في تشرين الثاني (نوفمبر) في بيروت، ولتصوير أغنية «ليه قابلتك؟» (كلمات هاني عبد الكريم، ألحان محمد صاوي)

تعليقات: