الشيوعي والرحباني يتذكران 16 أيلول: كي لا ننسى المقاومة

كانوا قلة، وغلب على الحضور في مكان العملية الأولى للمقاومة الوطنية فئة الشباب
كانوا قلة، وغلب على الحضور في مكان العملية الأولى للمقاومة الوطنية فئة الشباب


لبّى عدد من أنصار المقاومة دعوة الحزب الشيوعي اللبناني لإحياء ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عام 1982. كانوا قلة، وغلب على الحضور في مكان العملية الأولى للمقاومة الوطنية فئة الشباب. كذلك، نظّم زياد الرحباني حفلاً فنياً ـ سياسياً في مسرح المدينة، شهد أصواتاً متنوعة قرأت التجربة من مواقع مختلفة، كما في الماضي كذلك في الحاضر.

من روسيا التي هاجر إليها غابي في بداية تسعينيات القرن الماضي، أتى إلى لبنان للمشاركة في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. ينتمي الرجل الأربعيني إلى الحزب الشيوعي اللبناني الذي أحيا مساء أمس الذكرى الـ27 لانطلاقة الجبهة، باحتفال في مكان العملية الأولى التي نفذها مقاوموه عام 1982 ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب صيدلية بسترس في منطقة الصنائع. أحضر غابي معه ابنه الذي بلغ التاسعة من عمره ليشهد المناسبة التي «تجسّد النقطة الأكثر بياضاً في تاريخ الوطن، وفي ذاكرتي أنا». يقول الرجل إنه أحيا الذكرى ذاتها عامي 1986 و1988 بطريقة مميزة. «كنت في دورية للمقاومة في عمق الشريط الحدودي». تلمع عيناه عند ذكر كلمة «دورية». يقول بفخر: «شاركت في 37 منها. كنا نحصيها».

لكن عدداً كبيراً من رفاق الرجل الشيوعي، الذين اجتمعوا في المكان ذاته أمس، كان لهم رأي آخر. فمعظمهم لم يأتِ للاستذكار وحسب، بل للقول إن اليسار أدى دوراً مركزياً في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وإنهم مستعدون للمشاركة في أي عمل مقاوم إذا سنحت لهم الفرصة. لم يكن الحشد الذي لفّ ساحة صيدلية بسترس باللون الأحمر أمس كبيراً. لم يتجاوز عدد الحاضرين 500 شخص. وقف بينهم نحو 10رجال ونساء يحملون علمين لفلسطين، ويهتفون باللغة الإيطالية. هم أعضاء في لجنة «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا». لكن أكثر ما ميّز القلّة التي اجتمعت هو النسبة العالية من الشبان، الذين لم يكن معظمهم قد شهد عز جبهة المقاومة الوطنية والحزب الشيوعي اللبناني بالتحديد. لكنهم أتوا ليؤكدوا «دور اليسار في المقاومة، وهنا في مكان الطلقة الأولى»، بحسب ما قال حسن.

وحضر إلى «بسترس» لإحياء الذكرى التي تمثل «كل ما هو جميل». يميّز حسن بين المقاومة التي انطلقت عام 1982، وتلك التي قاتلت عام 2006. «فالأولى، كانت دفاعاً عن الوطن، أما الثانية، فكانت لهيمنة حزب على الوطن». كلام حسن يثير حفيظة رفيقين له. يقول أحدهما، علي، إنه مع أي مقاومة ما دامت ضد العدو. هشام، أحد الشيوعيين الذين شاركوا في ثمانينيات القرن الماضي في مقاومة الاحتلال، يبرر العدد القليل للمحتفلين بالقول «إنّ من الجيّد أن يكون هذا العدد من الشبان مجتمعاً هنا، في ظل الهيمنة الطائفية».

كان التجمع فرصة لفتاة صغيرة يعمل والدها في محل مجاور، كي تتمكن ركوب دراجتها، بلا خوف من السيارات. عدد كبير من الناس الذين كانوا يتجولون في المنطقة القريبة من مكان الاحتفال لم يكونوا على علم بما يجري. يتوقف أحدهم بعدما لفتته الرايات الحمراء. وبعد الاستفسار عن سبب التجمع، يهز برأسه كمن يوافق على فكرة طُرِحَت عليه، ثم يرحل من دون أن ينطق سوى بكلمة واحدة: حلو.

بعد إذاعة تسجيل لبيان انطلاقة جبهة المقاومة، عُزِفَ نشيدا لبنان والحزب الشيوعي. ثم ألقى سمير صباغ كلمة حيّا فيها شهداء الحزب الشيوعي وجميع المقاومين. الرجل قال إن ألم ظهره الذي كان يفرض عليه مشياً مترنحاً غاب عندما وقف في مكان العملية الأولى. بعده، تحدّث الكاتب فواز طرابلسي عن بيروت التي استقبلت المقاتل بالقتال، وأخرجته بالقتال، وعن دور اليسار وحصته في انتصار عام 2000. طرابلسي شدد على البعد الآخر للمقاومة، المتمثل بمقاومة الطائفية والسعي إلى تحقيق العدالة. بعده، تحدّث عضو المكتب السياسي في «الشيوعي» رفيق سعد، ثم بسام صالح باسم «لجنة كي لا ننسى صبرا وشاتيلا».

بين المتجمعين أمام صيدلية بسترس، كان بعض الشبان يتهامسون: سنخربها. كانوا يقصدون الحفل الذي نظّمه زياد الرحباني في مسرح المدينة في الحمرا، للمناسبة ذاتها. أما دافع «التخريب»، فمشاركة الزميل جان عزيز. في مسرح المدينة، وما إن اعتلى عزيز المسرح ليلقي كلمته، حتى بدأ نحو 10 شبان الصراخ في وجهه اعتراضاً على مشاركة «اليميني في هذه المناسبة»، ورفعوا أصواتهم مانعين الحاضرين من سماع الكلمة (نصها في الإطار أدناه). وبعد انتهاء الكلمة، خرجوا من المسرح، فيما لقي عزيز تصفيقاً حاراً من الحاضرين. بدأت بعدها فرقة موسيقية عزف مقطوعة للرحباني، قبل أن يؤدي الفنان غسان الرحباني أغنية من تأليفه مهداة إلى الشعب الأرمني. وشهد المسرح عرضاً فنياً تواصل حتى منتصف الليل، تخللته كلمة لعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي سعد الله مزرعاني الذي توقف عند ما جرى أثناء كلمة عزيز بالقول إن اليسار يجب أن يتقبل الأفكار كلها، ولا سيما المتعلقة بالتحولات الجديدة المرحّب بها، التي تمثّل دليلاً على صوابية ما قام به الحزب الشيوعي منذ 1982. وتحدّث النائب السابق نجاح واكيم، ثم الزميل أنور ياسين الذي روى تجربة العملية التي أُسر خلالها. وتخلل الحفل إلقاء الشاعر عصام العبدالله عدداً من قصائده، و«اسكتشات» للرحباني الذي اختتم الحفل بنشيد كان قد ألّفه قبل أكثر من 20 عاماً، مشيراً إلى أنه كان «من المفترض أن يكون للحزب الشيوعي اللبناني، لكنه اليوم للشعب اللبناني كله».

تعليقات: