السنيورة يستبق زيارة برّي ويبرّر قرارات الإبعاد من الإمارات

السنيورة
السنيورة


توقّعت مصادر واسعة الاطلاع أن يتمكن الرئيس نبيه بري، خلال زيارته المرتقبة إلى أبو ظبي، من إيجاد حل لقضية إبعاد لبنانيّين من دولة الإمارات. وكان لافتاً أمس المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، الذي أكد أن القرارات الإماراتية «شأن سيادي»

هل دخلت قضية المبعدين اللبنانيّين من دولة الإمارات العربية المتحدة فصلها الأخير؟ توحي أجواء الاتصالات التي دارت أمس بشأن الملف بوجود قدر كبير من الإيجابية، وخاصةً لناحية الأمل المعقود على زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الاثنين المقبل لدولة الإمارات، ولقائه المرتقب مع رئيسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. ولفت عضو كتلة التحرير والتنمية النائب عبد المجيد صالح إلى أن تحرّك بري يهدف «إلى الوقوف على مصلحة الجالية اللبنانية ومصلحة دولة الإمارات أيضاً»، مشيراً إلى «أن هذا التحرك يصبّ في خانة دعم الاغتراب اللبناني الذي مثّل ويمثّل الداعم الاقتصادي للبنان». وتكتّمت مصادر بري على ما سيطرحه في الإمارات، مكتفيةً بالقول «إن الأمور بخواتيمها».

وإزاء الصمت المخيّم على عين التينة، لفت المتابعين للقضية ما قاله أمس عضو جمعية الصداقة اللبنانية ـــــ الإماراتية إلياس أبو صعب، بعد لقائه، على رأس وفد من الجمعية، المرجع السيد محمد حسين فضل الله، عن ثلاث نقاط إيجابية تتعلّق بزيارة الرئيس نبيه بري إلى الإمارات. وهذه النقاط الثلاث هي:

ـــ ثمّة توجُّه للاستماع إلى الرئيس برّي، مما قد يؤدّي إلى تجميد قرارات الإبعاد الصادرة بحق لبنانيين لا يزالون في الإمارات، والتي كان مقرراً تنفيذها لاحقاً.

ـــ سيسعى الرئيس نبيه بري إلى معرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت السلطات الإماراتية إلى إبعاد مواطنين لبنانيين، وإلى أن تعاد دراسة ملفّات الأشخاص الذين يرون أنهم ظُلموا، وأنهم لم يخالفوا القوانين الإماراتية.

ـــ تأكيد عدم ضياع حق أحد مادياً، وخاصةً أولئك الذين قالوا إنهم أُبعدوا من دون السماح لهم بالدخول إلى الإمارات من أجل تصفية أعمالهم.

تحدّث أبو صعب عن ثلاث نقاط إيجابيّة سيبحثها بري في الإمارات قد تؤدي إلى حلّ

وذكرت مصادر فضل الله لـ«الأخبار» أن الأخير طرح على الوفد رؤيته للقضية، مشدّداً على عدم وجود أي مشكلة سياسية بين لبنان والإمارات العربية المتحدة، مستعيداً «المراحل التي وقفت فيها الإمارات إلى جانب اللبنانيين، وخاصةً في عهد رئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وخليفته الشيخ خليفة»، منوّهاً بدور الأخير في معالجة القضايا العربية. ولفت فضل الله إلى «التجربة التنموية التي خاضها حاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم». وشدّد فضل الله على أن مجرد الحصول على أي تأشيرة دخول إلى دولة معينة، يُعدّ «من الناحية الشرعية عقداً بين طالب التأشيرة وهذه الدولة»، وهذا العقد، برأي فضل الله، يوجب عدم المساس بأمنها والالتزام بقوانينها. وحتى لو كانت هذه الدولة تحظر العمل السياسي على أراضيها، فلا يجوز مخالفة ذلك. وطالب فضل الله السلطات الإماراتية بإحالة من يهدّدون أمنها على القضاء، لافتاً في الوقت عينه إلى معرفته ببعض المبعدين من الإمارات، وإلى أنه يستبعد «أن يكون هؤلاء على صلة بتهديد أمني للدولة التي قضى بعضهم فيها أكثر من 30 عاماً وكانت لهم أيادٍ بيضاء في نهوضها».

ومساء أمس، زار وفد «جمعية الصداقة» الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، وبحث معه في القضية. وعلمت «الأخبار» أن الحريري قال لوفد الجمعية إنه اتصل بولي عهد إمارة أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مستفسراً عن أسباب قرارات الإبعاد، وأن الأخير ردّ بأن الأمر يتعلق بأمن دولة الإمارات. ووعد الحريري بمتابعة الاتصالات، مشيداً بالدور الذي يقوم به الرئيس نبيه بري في هذا الإطار.

ولفت بعض المطّلعين على الملف إلى أن «الإيجابيات التي باتت محيطة به تتخطّى ما حاول رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة إمراره أمس، عبر وضع قضية الإبعاد في إطار القرارات السيادية الصادرة عن دولة الإمارات، والتي لا يجوز التدخّل فيها». وأبدت مصادر دبلوماسية عربية، في اتصال مع «الأخبار»، استغرابها لما قالت إنها «لغة تبريرية يستخدمها السنيورة الذي يوحي في كلامه أن اللائمة تقع على مجموعة من اللبنانيين تحاول التخريب على الجاليات اللبنانية». ولفتت المصادر إلى أن السنيورة استخدم في أحد اللقاءات لغة «هي أقرب إلى الشماتة خلال حديثه عن أن قرارات الإبعاد هي نتيجة لبعض الممارسات، وأنها بدأت في أفريقيا وانتقلت إلى الإمارات وقد تمتد إلى دول أخرى».

وفي توقيت لافت قبل يومين على زيارة بري، استقبل السنيورة أمس في السرايا الحكومية السفير الإماراتي رحمة حسين الزعابي، ونائب مدير المشروع الإماراتي لدعم وإعادة إعمار لبنان عبد الله الغفلي، «للاطّلاع منهما على المراحل التي تحقّقت على صعيد المشروع، ومنها إنجاز مستشفى الشيخ خليفة بن زايد في بلدة شبعا، ومشروع إزالة القنابل العنقودية»، بحسب ما صدر عن المكتب الإعلامي للسنيورة.

وبعد اللقاء، عقد السنيورة مؤتمراً صحافياً عدّد خلاله المساعدات التي قدمتها دولة الإمارات إلى لبنان على الصعد المالية والاقتصادية والتنموية، لافتاً إلى عدد من المشاريع التي نفّذت بعد عدوان تموز 2006 في مجال إعادة الإعمار وإزالة الألغام، فضلاً عن المساعدة المقدمة إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي. وأكد السنيورة أن ما قامت به الإمارات لم يكن إلا «تحسساً بدور لبنان وأهميته وأهمية الوقوف إلى جانبه، وهي لم تقم بذلك انتظاراً لتقدير ولا لشكر ولا للحصول على مكاسب». ونوّه السنيورة بأن دولة الإمارات «فتحت قلبها وأبوابها لعشرات الآلاف من اللبنانيين الذين شاركوا وأسهموا في هذه النهضة الكبرى التي تحقّقها»، لافتاً إلى أن هؤلاء «كان هاجسهم الدائم احترام القانون والسيادة في البلد الذي يعملون فيه، (...) وكل ما تؤكد عليه دولة الإمارات هو أن الذين يأتون إليها يجب عليهم أن يحترموا، كغيرهم، سيادة الدولة».

طالب فضل الله بإحالة من يهدّد أمن الإمارات على القضاء مستبعداً مخالفة عدد من المبعدين للقوانين

وكرّر السنيورة التأكيد أن قضية المبعدين من الإمارات لا يمكن أن تعالج سوى «بالتواصل الهادئ والدبلوماسية الهادئة البعيدة عن الإعلام والضجيج والتشنّج، الذي قد يؤدي إلى نتائج سلبية، ليس فقط على من جرى إبعادهم، ولكن على أعمال اللبنانيين في أكثر من دولة، إن لم ندرك آثار ذلك». وشدّد السنيورة على «التفهّم الكامل لكل ما هو مبنيّ على وقائع لدى دولة الإمارات، وهي الدولة التي لديها السيادة الكاملة. نحن نرعى شأن اللبنانيين العاملين في الإمارات ونتابع قضاياهم، ولكن بالأسلوب الصحيح وبالأدوات التي تؤدي إلى نتيجة. نحن نعمل من أجل إنهاء هذه القضية بالطريقة الصحيحة التي تحترم سيادة القانون والبلد، ومصالح اللبنانيين، ونسعى من أجل تسوية هذا الأمر وإنهائه، بحيث لا يؤدّي ذلك إلى أي إشكال في هذا الموضوع ولا إلى تداعيات في أي مكان آخر».

ورداً على سؤال، شكر السنيورة الرئيس نبيه بري «على ما يقوم به، وهناك تنسيق في ما بيننا (...) وهذا كله يتجمع ليحقق النتيجة المرجوة، وهي أن تعود الأمور إلى الطريق الذي يؤدي إلى المعالجة، بما يحفظ احترام سيادة الدولة وقراراتها بوضوح، وفي المقابل احترام مصالح اللبنانيين. الدولة الإماراتية هي التي لها صلاحية القرار بشأن بلادها، ونحن نتواصل مع الإخوة في الإمارات ونطرح قضايانا ويصار إلى البحث في كل المسائل المتعلقة بهؤلاء اللبنانيين. القرار في هذا الشأن يعود إلى الإمارات لا إلينا، ونحن حريصون على مصالح اللبنانيين، إذا رأت الإمارات مصلحتها الأمنية أو ظروفها بشأن قرار معيّن، فهذا الأمر لا يمكننا ولا يمكن أي بلد آخر أن يتدخّل فيه، كما لو أن السلطات اللبنانية اتخذت قراراً بشأن مواطن لدولة أخرى بإبعاده أو عدم استقباله، فلن نقبل عندها أن يصار إلى التدخل من أي دولة أخرى لإجبار لبنان على استقبال هذا المواطن. هذا الأمر يتعلّق بسيادة البلد، لكننا في المقابل نعمل للحفاظ على مصالح اللبنانيين».

وفي السياق عينه، وجّه رئيس مجلس العمل اللبناني ـــــ أبو ظبي، ألبير متى، نداءً إلى المسؤولين اللبنانيين اتهم به المبعدين بأنهم لم يتقيّدوا «بالقوانين الناظمة للأحوال في دولة الإمارات»، لافتاً إلى أن «الغالبية العظمى من أبناء الجالية تقف وقفة استنكار لكل ما يقال من باطل في حق الدولة والحكام والمؤسسات». وتحدّث متّى عمّا «ينعم» به اللبنانيون في الإمارات، لجهة حماية الدولة لهم والاستفادة «من خيرات أبو ظبي الفاتحة قلبها للطيّبين». وختم متّى بالتأكيد أن «لا الظلم وقع، ولا الحقوق هضمت، ولا الإكراه حصل، بل كل ما في الأمر أن لكل دولة سيادتها ونظامها، وقوانينها العامة التي يجب على الكل احترامها والتقيّد بها».

معلومات من لبنان؟

أشار بعض المطّلعين على قضية الإبعاد إلى أن السلطات المعنيّة في الإمارات تلقّت عدداً من التقارير الصادرة من لبنان، التي تتحدث عن الأبعاد الخطيرة التي نتجت من قرارات الإبعاد، وعن دور التهدئة الذي تؤدّيه المرجعيات السياسية والدينية في الطائفة الشيعية، التي اتخذت قراراً بحصر متابعة القضية بيد رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأشارت المصادر إلى أن سلطات أبو ظبي تعلم بحرص برّي على حل القضية بهدوء، وعلى عدم تحويلها إلى مشكلة سياسية لبنانية ـــــ إماراتية.

ومن ناحية أخرى، لفتت مصادر دبلوماسية عربية إلى أن بعض الدوائر الأمنية في الإمارات تلقّت تقارير معلوماتية من أجهزة خارجية، بعضها لبناني، منذ ما قبل حزيران الماضي. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذه التقارير قد تكون سبب صدور عدد من القرارات بإبعاد لبنانيين من الإمارات، ومنع بعضهم من العودة إلى الإمارات بعد قضائهم لإجازاتهم في لبنان.

برّي
برّي


تعليقات: