قصص عن المُبعدين من الإمارات: من هم؟ وما هي استثماراتهم؟

الإمارات لم تعد تمثل ملاذاً آمناً للاستثمارات
الإمارات لم تعد تمثل ملاذاً آمناً للاستثمارات


(بلال جاويش)الإمارات لم تعد تمثل ملاذاً آمناً للاستثمارات..

بدأوا من الصفر ثم عادوا إلى الصفر! هكذا هي حال المُبعدين من الإمارات، بعض هؤلاء ولد هناك، والبعض استقر في هذه البلاد منذ 3 عقود، صدّقوا الوعد، أسسوا شركات، نفّذوا مشاريع، افتتحوا مطاعم، وشغلوا وظائف مختلفة، حتى نال منهم «الأمن الإماراتي»، واضطرهم إلى ترك حياتهم وأملاكهم وتصفية أعمالهم... فمن هم هؤلاء؟

فقد المُبعَدون الأمل بعودتهم للعمل في الإمارات العربية المتحدة، ولكنهم ما زالوا يرفضون كشف هويّاتهم خوفاً على ما بقي من أحلام بنوها في الغُربة... يطغى عليهم الخوف من ردّ فعل «الأمن الإماراتي»، إذا اتهمهم بالتحريض، فمعظم هؤلاء ترك هناك مؤسسات وأملاكاً وأقارب وأصدقاء، لا بد من المحافظة عليهم، كما يقول أحدهم لـ«الأخبار».

ما لم يخسروه في الأزمة المالية العالمية وخسائر البورصات، خسروه بقرار جائر تحت عنوان «الأمن القومي»، إذ فجأة، كما يروي معظمهم، طُلب إليهم أن يغادروا الإمارات ويتخلّوا عن جنى العمر... كلهم لم يفهموا السبب، مع أن بعضهم خضع لاستجوابات وإغراءات وتهديدات لا تمتّ بصلة إلى نشاطهم التجاري أو الوظيفي الذي يكرّسون له وقتهم هناك.

هناك شعور بالخيبة لدى المبعدين، ليس بسبب خسارتهم فقط، بل بسبب طريقة التعامل مع قضيتهم في لبنان، فهم لم يتحرّكوا علناً إلا بعدما لمسوا عدم رغبة الجهات الرسمية في التعامل مع هذا الملف بجدّية، وهذا ما جعلهم يثيرون أسئلة كثيرة: «ماذا لو تغيّرت حسابات السياسة الإماراتية وطال الإبعاد فئات أخرى؟ ما هي تداعيات الإبعاد على أعمال اللبنانيين في الإمارات؟ وماذا عن سمعة الإمارات نفسها؟».

للإبعاد السياسي تداعيات سلبية على سمعة الاقتصاد الإماراتي، ويمثّل قضية ليس سهلاً تجاوزها بالنسبة لبلد يسوق نفسه مركزاً اقتصادياً إقليمياً، فما جرى مع هذا العدد من اللبنانيين والفلسطينيين والإيرانيين يكشف أن الإمارات لم تعِ شروط استمرارها بلعب دور المركز، كما أنها لم تعد تمثّل ملاذاً آمناً للكثير من المستثمرين، إذ إن المبعدين ليسوا أشخاصاً عابرين أو مهاجرين يعيشون على الهامش، بل إن أكثريتهم مستثمرون وظّفوا أموالهم في هذه البلاد، واكتشفوا الآن أنهم بلا أي حماية أو استقرار.

يقول رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين كميل منسى إن «خلط السياسة بالاقتصاد أمر غير مقبول»، ففي لبنان اتُّبعت هذه الطريقة «وأنظر أين أصبحنا»، ويأمل أن يكون الأمر «مجرد سوء تفاهم، لأن مفاعيل الإبعاد السياسي ستكون سلبية على لبنان والإمارات، لا سيما أنه طال عدداً من المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة».

إذاً، من هم هؤلاء المبعدون؟ وما هي أعمالهم؟ وأي مراكز مرموقة كانوا يشغلونها في الشركات الكبرى في أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، رأس الخيمة، أم القيوين، والفُجيرة؟

■ المذبوح

هم مستثمرون في العقارات والمطاعم والتجارة وأصحاب إنجازات في حقول النفط

ربيع المذبوح، المُبعد من الإمارات، كان يملك مكتباً تجارياً في دبي، وهو مقتنع بأن خلفية قرار الإبعاد تأتي ضد المقاومة اللبنانية، ولكنها «تصبح ضد مَنْ، إذا تغيّر الوضع السياسي وحسابات الإماراتيين؟».

وكان مكتب المذبوح يشحن البضائع من دبي والشارقة إلى أفريقيا وإيران ولبنان، بضائع مختلفة، مثل الثياب والإلكترونيات، «وكنّا نتعامل مع الحبتور للإلكترونيات، ونستورد الفحم من ميناء الفحم، ونأخذ السيارات من سوق العوير إلى أفريقيا... وكانت لدينا خطط توسعية ونقل مركز الشركة الأساسي من بيروت إلى دبي لكننا ألغينا المشروع حالياً بعد ما جرى». ويشير إلى أنه كان يشحن نحو 10 حاويات شهرياً تتراوح قيمتها، بحسب نوع البضاعة، بين 20 و70 ألف دولار لكل واحدة. وبعد الإبعاد، واستغلال الكفيل له، ينصح المستثمرين «بألا يستثمروا في الإمارات. إذا كانت المسألة اليوم ضد المقاومة، فمن سيُطرد إذا تغير الوضع السياسي، الإمارات لم تعد ملاذاً آمناً للاستثمار فيها».

■ مسعود

وحسين مسعود، يمتلك مجموعة شركات للمقاولات والألمنيوم والحديد، وهو يتذكّر مشاركته في الاحتفال الثالث للعيد الوطني في الإمارات، وكان له من العمر خمس سنوات فقط، وكانت الإمارات مجرّد صحراء، طرقها رمليّة... «فهذه البلاد كانت قد فتحت أبوابها للبنانيين الهاربين من أتون الحرب الأهلية، فأسهموا في مشاريع نهضتها العمرانية والاقتصادية، واستثمروا في مختلف القطاعات، لكنهم اليوم، باتوا خائفين من قطع أرزاقهم وخسارة أملاكهم وظلم ذوي القربى».

وعائلة مسعود موجودة في الإمارات منذ 35 عاماً، ويعمل 85موظفاً في مجموعتها، التي تقدر قيمتها السوقية بنحو 10 ملايين دولار، ولديها أملاك عقارية باتت اليوم «بلا أي نفع» على الرغم من سمعتها الجيدة ومشاركتها بمشاريع تعدّ تأسيسية في الإمارات، مثل «مستشفى صقر الحكومي الذي أسهمت في إنشائه منذ 30 سنة في إمارة رأس الخيمة» وبعضها له طابع أكثر حداثة مثل «مصنع الألماس»، شاليهات «هيلتون»، مستشفى راشد عمران، «اكسبو لاند».

■ حطيط

ويروي قريب لمُبعد من آل حطيط، أنه كان يعتبر أول من أنشأ مخبزاً في الإمارات ولديه استثمارات في هذا المجال بملايين الدولارات، ولديه ثلاثة أسماء تجارية لهذه المخابز هي الأكثر شهرة في الإمارات (السندباد، المختار، زهرة لبنان) وهي موجودة في إمارتي أبو ظبي ودبي، وتصل حصّته فيهما من مجمل مبيعات الخبز العربي إلى 90 في المئة.

■ الموسوي وأبو عفيف وأبو وائل

ويعرف معظم اللبنانيين في الإمارات أحمد الموسوي، الذي يعمل في أبو ظبي منذ 30 عاماً، ويملك شركة للمقاولات... كما يعرفون أبا عفيف وأبا وائل اللذين يملكان مطاعم مشهورة في تلك البلاد، فضلاً عن آل فاضل الذين يملكون مطعم «الصحاري» الشهير، وهو تأسس في إمارة رأس الخيمة في عام 1999 باستثمار تبلغ قيمته 1.5 مليون دولار، وهو متخصّص بالمطبخ اللبناني، ويلفت بعض اللبنانيين المقيمين هناك، إلى أن هذا المطعم نال استحسان حاكم الإمارة في حينه الشيخ صقر بن محمد القاسمي، وعندما اجتمع السفير اللبناني في الإمارات مع ولي عهد إمارة رأس الخيمة في حينه الشيخ خالد بن صقر القاسمي تطرقوا إلى أهمية إنشائه بالنسبة لقطاع السياحة في الإمارة، علماً بأن آل فاضل كانوا قبل ذلك، قد أسسوا أول مطعم لبنان في رأس الخيمة في عام 1985، وهم يعملون في هذا المجال منذ ذلك الوقت، وزبائنهم هم كبار الشيوخ والسفراء... فيما العقار الذي قام عليه المطعم (8 محال) مملوك من حاكم الإمارة.

قصص المستثمرين المبعدين كثيرة، ولكنّ هناك أيضاً موظفين مرموقين كانوا يعملون في شركات النفط الكبرى مثل المهندس (ب. س) الذي كان يعمل في شركة «أتكو» للمناطق البرية والتنقيب عن البترول والتي تملك أكبر حصة في شركات النفط في الإمارة (3 حقول نفط)، إذ سجّل عدداً من الاختراعات في قانون السلامة العامة والبيئية المتصلة بعمل الشركة، فهو قد شهد تطور إمارة أبو ظبي منذ 19 عاماً حين كان أكبر مبنى في الإمارات لا يرتفع أكثر من 5 طبقات، والطرق كانت رملية، فيما هي اليوم ناطحات سحاب وأبراج ومبان زجاجية.

150 ألفاً

هي تقديرات وزارة الخارجية التي تبلغتها من السفارة اللبنانية في الإمارات عن عدد اللبنانيين الموجودين هناك، لكن تقديرات رجال الأعمال تشير إلى أن عددهم لا يقل عن 200 ألف وذلك بعد موجة صرف الموظفين على أثر الأزمة العالمية

قلق على مصير مشابه

لم يعد المبعدون خائفين على أنفسهم، فقد قطعوا الأمل من عودتهم إلى الإمارات، إلا أن من أبرز أسباب «اختبائهم» وعدم الكشف عن هويتهم هو القلق على مصالحهم التي يديرها أقاربهم هناك، وآخرون كانوا قلقين على أقاربهم هناك من مصير مشابه، وبعضهم كان هاجسه الحصول على تأكيدات عن تأثير قرار الإمارات بإبعادهم على باقي دول مجلس التعاون الخليجي، فهل بإمكانهم العمل في غير دول خليجية، ولا سيما الذين كانوا يعملون في مجال النفط؟

تعليقات: