الأسواق اللبنانية تشهد إرتفاعاً للسلع بسرعة الصاروخ دون حسيب أو رقيب

سلع بالجملة وإغراءات لا حدود لها
سلع بالجملة وإغراءات لا حدود لها


- تكلفة الذهاب الى <المول> مرتين في الشهر أدفع مبلغاً تقارب الحد الأدنى للأجور..

- كل <ماركت> تبيع على هواها لعلمها أن أحداً لن يراقب وراءها..

منذ مدّة، والأسواق اللبنانية تشهد ارتفاعاً بسرعة الصاروخ في أسعار العديد من المواد والسلع الأساسية دون حسيب أو رقيب يحد من ارتفاعها، هذا عدا عن أسعار المحروقات التي بدأت فعلياً تنهك كاهل المواطن الذي بات بين نارين: نار السلع ونار المحروقات·

وهذه الأزمة وإن كانت تطال كافة فئات المجتمع اللبناني، إلاّ أنها بالدرجة الأولى تستهدف رب العائلة الذي يحتار في كيفية تأمين لقمة عيشه خصوصاً عندما يكون من أصحاب الدخل المحدود وعليه أن يجمع ما بين دفع الأقساط المدرسية وأسعار السلع والمحروقات· وبالرغم من انتشار التعاونيات الكبرى و<المولات> في كل المناطق اللبنانية، إضافة إلى الـ <ميني - ماركت> التي باتت موجودة في كل شارع، إلا أن هذه المشاريع جميعها لم تصب في مصلحة المواطن الذي بات بدوره يحتار من أين يشتري السلع المطلوبة لأن الأسعار تتفاوت ما بين <مول> وآخر خصوصاً في ظل الفلتان الحاصل·

انطلاقاً من هذا الواقع نتمنى أن تشكل الحكومة العتيدة في أقرب وقت على أن تتحمل كل وزارة مسؤولياتها بشكل جدي وفعّال للحد من هذا الفلتان المستشري في كل حدب وصوب والذي يستهدف كما سبق أن ذكرنا الشريحة اللبنانية ككل، لذلك لا بد أن توضع قوانين جديدة تراعي المرحلة الإقتصادية المرتقبة من كافة جوانبها مع كثير من الدقة والمراقبة من قبل المسؤولين، وذلك للحفاظ على أبسط حقوق المواطن·

حماية المستهلك > لمعرفة واقع السوق الإقتصادي وما إذا كانت هذه الأسعار مهددة بالإرتفاع أكثر فأكثر التقت <اللــــــواء> رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو، الذي يقول: <على الدولة أن تتدخل بشكل مباشر وفوري لتخلق نوعاً من التوازن وكي تحافظ على مصالح الجميع من مستهلكين وتجار، وبالتالي أن لا يترك الحبل على غاربه كي يتحكموا بالسوق ويضعوا الأسباب التي تناسبهم لأن هذا الموضوع بالتحديد ليس أخلاقياً كما أنه ليس بموضوع ديني أو مسألة رأفة بالناس والعباد بل هو موضوع يتحكم بمصالح الناس، وهنا اهمية تدخل الدولة· نحن لا نسعى إلى عدم ارتفاع الأسعار بل نطالب بالمراقبة والتنظيم والإستيراد عند الضرورة ولا سيما عندما تختص المسألة بالسلع الأساسية مثل الطحين والنفط· لأن كل شيء يتجاوز حده يستلمه التجار ويلجأون إلى التزوير بغية زيادة الأرباح وبشكل غير شرعي، وذلك لتأمين الأرباح خاصة عندما تكون الدولة غائبة وتخوض معارك سياسية وطائفية ومذهبية لا حدود لها، الأمر الذي يؤدي إلى ترك الحبل على غاربه للتجار لتأمين مصالحهم الخاصة·

في هذا المجال لا بد أن أشير إلى أنه عندما حدثت أزمة القمح وازدادت الأسعار ثلاثة أضعاف منذ مدة السنتين، زادت العديد من الدول إنتاجها وهي من دول العالم الثالث· وهنا أنا لا أتحدث لا عن أميركا ولا عن أوروبا· كان إنتاجهم يوازي المليون و200 ألف طن، خلال سنتين أصبحوا ينتجون خمس ملايين طن أي أضعاف ما كانوا ينتجونه لأنهم شعروا أنهم إن لم يفعلوا ذلك فستأكل الناس بعضها البعض· أما نحن فدفعنا 50 مليون دولار وبرأيي أنها كانت مجرد رشاوى للمطاحن وللأفران على حساب المستهلك من خزينة الدولة بينما كان باستطاعتهم تعزيز هذا القطاع والإنتاجية، وأعتقد أن الشعب اللبناني يوافقني الرأي تماماً·

كذلك الحال بالنسبة للحوم التي نستوردها، مما يتوجب علينا وضع سياسة أستيراد، فاليوم كيلو لحم الغنم أصبح بـ 30 ألف ليرة وأصبح هذا النوع حكراً فقط على الطبقة الغنية، ولأخذ العلم فإن أسعار اللحوم في أوروبا باتت أرخص بكثير· كذلك بالنسبة للأجبان والألبان التي تعتبر غذاؤنا اليومي، فبدل أن ندعمها أصبحنا عاريين تماماً أمام هذه الأزمات· وهذه المسألة تتكرر باستمرار· لذلك المفترض أن يتخذ قرار على المدى البعيد لمناقشة هذه الأمور لا أن نتلهى بمسألة السني والشيعي والدرزي والماروني· ما يحصل معيب ومعيب علينا أكثر كشعب لأننا نقبل ما يجري!!؟

اليوم، السياسيون كافة يتنافسون فيما بينهم لكن هل ناقش أحداً منهم أوضاع الناس وأسعار السلع؟ لا أعتقد·

انطلاقاً من هذا الواقع، على الدولة أن تتدخل لتمنع التزوير والغش ولتكافح الإحتكار وتمنع سيطرة القطاعات، ولتتدخل من أجل مراقبة وحماية الأسعار من هذه المبالغات، ولا سيما أنه لدينا حدوداً معينة بالنسبة للسلع الغذائية وقد صدر قراراً وزارياً بذلك إلا أنه حتى الساعة لم يطبق وهو يحدد هامشاً معيناً للأرباح لإيجاد الحماية الضرورية للقطاعات التي تعتبر من الأولويات بالنسبة للناس والتي هي تقلص من احتمالات الأزمات الإجتماعية والأمنية والسياسية والعسكرية، لأن الشعب إذا كان يموت من الجوع بالتأكيد سيدخل للأحزاب والميليشيات، ليقاتل ويخون وليتعامل مع إسرائيل وذلك ليؤمن 50 دولاراً من هنا و100 دولار من هناك مما يحدث فساداً في البلد ككل>·

وعن دور جمعية حماية المستهلك يقول د· برو: <نحن باستمرار نطلق الصرخات، كما أننا نقدم كل 3 أشهر نشرة لمؤشر الأسعار، عبر مراقبة الأسواق وطرح الحلول المناسبة·

وقد طلبنا تشكيل لجنة مهمتها تحديد ماهية السلم المتحرك لأسعار الخبز بناء على كلفته وبناء على تحديد نسبة الربح، لأنه من غير المقبول أن تتجاوز نسبة الفرن الـ 50% أو الـ 70% إذ أن هذا القطاع يجب أن تحدد أقصى نسبة فيه الـ 10% ومن يوافق أهلاً به ومن لا يريد فليقفل فرنه وانتهى الأمر·

فالخبز هو <لقمة> الناس الفقراء، فالفقير لا يأكل ربع رغيف في النهار كالغني بل رغيفين وثلاثة ليسد جوعه لأن باقي المأكولات لا يتذوقها كاللحوم وغيرها>··

يضيف: <طبعاً، هناك قضايا ننجح بها وقضايا أخرى نفشل فيها، خصوصاً عندما نصطدم بمعنيين يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر· مع الأسف نحن نتعامل في كثير من الأحيان مع طبقات سياسية مريضة·

وفي الختام، المسألة بيد المواطن فإن ارتضي هذا الواقع وأراد الإستمرار على هذا النحو والإنغماس فقط بالغليان الطائفي والمذهبي صحتين على قلبه لكن ليلتزم الصمت وليتحمل ما يجري له وإما فليتحرك لأنه ليس هناك من خيار اخر، ونحن معه بكل تأكيد>·

د· يشوعي > بدوره، الخبير الإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي تحدث عن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، قائلاً: <إن السبب جوهري بالنسبة لهده المشكلة، وهو يعود إلى دولرة الإقتصاد اللبناني وإلى أن لبنان يستورد أشياء كثيرة من دول أوروبية تتعامل باليورو، وندفع بالدولار فواتير أو سلع <مفوترة> باليورو علماً أن سعر صرف الدولار يتراجع أمام سعر صرف اليورو مما يتسبب بارتفاع السعر نتيجة فروقات أسعار الصرف، وهنا يقع لبنان ضحية هذه المشكلة الخارجية·

أما فيما يتعلق بالأسباب فهناك أولاً كما ذكرنا إرتفاع للأسعار بسبب دولرة الإقتصاد اللبناني وبسبب إستيراد لبنان سلع إستهلاكية كثيرة من أوروبا يدفعها باليورو، وبسبب تراجع سعر صرف الدولار تجاه اليورو·

أما السبب الثاني فهو سبب داخلي هيكلي، لأن الإنتاج في لبنان وكما تعلمين ضعيف ومحدود وغير متنوع وأسباب عدم وجود إنتاج في لبنان تعود إلى سياسات الدولة والحكومات السابقة التي اعتمدت تحرير الإقتصاد وخفض الجمارك بشكل دراماتيكي واستحداث الضريبة على القيمة المضافة التي لا تميّز بين المحلي والأجنبي، وبما أن الكلفة عالية في لبنان فقد تسبب هذا الأمر بانهيار العديد من المعامل والمصانع لأنه تم التسرع كثيراً في مسألة تحرير الإقتصاد ومسألة خفض الجمارك، كان هناك تسرع ورعونة وسوء تقدير لنتائج مثل هذا القرار لأن القطاعات غير مهيأة للمنافسة مع الخارج، حتى اتفاقات منظمة التجارة العالمية تسمح بفترات طويلة قبل خفض الجمارك بشكل كبير، والفترة تمتد لسنوات، لعقدين من الزمن· فالمسألة لا تأتي بين ليلة وضحاها، بشكل نخفض فيه الجمارك بهذا الشكل، ونفتح الحدود ونعرّض الإنتاج والإقتصاد للخطر وهذا ما حصل بالفعل·

هذا الواقع، وأمام ضعف الإنتاج المحلي الذي يبيع دوماً بأسعار أرخص، فهو ليس لديه نقل عن طريق البواخر كما ليس لديه مصاريف شحن وتأمين وتخزين·

السبب الثالث يتمثل بمصلحة حماية المستهلك الموجودة داخل وزارة الإقتصاد، وهذه المصلحة لا أعلم فعلياً عملها، وأتساءل حماية المستهلك من ماذا؟! من السلع المنتهية صلاحيتها، من السلع الفاسدة، او من جنون الأسعار؟! أحياناً نرى ومضات لهذه <المصلحة>، فنرى بعض <الكونسروة> التي تتلف، بعض الفراريج التي تتلف، مجرد ومضات، بينما دور حماية المستهلك أن تقوم بعملها بشكل يومي ودائم لا بشكل ظرفي أو تحت أي ظرف سياسي لنبهر الناس·

السبب الرابع يتمحور بشركات الإستيراد التي لديها حصرية تمثيل تجاري لآلاف من السلع، وهنا نحن لا نختلف على حصرية التمثيل التجاري لأن حصرية التمثيل التجاري لها هدف يتمثل بأخذ وكالة وبما أنني أخذت هذه الوكالة سأضطر لأن أبيع وبذلك يجب أن يكون لديّ توزيع صحيح، علاقات جيدة، وسمعة طيبة·

وهنا ما أود أن ألفت إليه إلى أن من لديه وكالة حصرية ليس عليه أن يمنع الغير من أن يشتري ذات السلعة من غير مصدر، ربما من أحد وكلاء الشركة الأم ومن بلد المصدر، صحيح ربما سيشتريها بسعر مرتفع لكن سيصبح هناك نوعاً من المنافسة·

وبالنسبة للخطوات الأولية للحد من ارتفاع أسعار السلع، يقول د· يشوعي: <من المفترض على المصرف المركزي أن يبدأ بطريقة ما أن ينوّع المدخرات فبدلاً من أن تكون <بعملة صعبة> واحدة فلتكن بعملتين: بالدولار واليورو· عندما يصبح هناك في البلد دولار ويورو حينها سيتمكن المصرف المركزي من أن يكون لديه إحتياط من الدولار واليورو، وهكذا المسألة لا تعود مرتبطة بالدولار فقط· عندئذ في حال ارتفع الدولار أو انخفض اليورو أو العكس ستبقى الليرة جاهزة وثابتة أي مستقرة، وعندها إن أردت أن أستورد من أوروبا أدفع باليورو وإن أردت أن أستورد من أميركا أدفع بالدولار·

أما مسألة الإنتاج الداخلي فهي تحتاج لإعادة نظر بسياسات الإستقرار الإقتصادي جميعها بدءاً من السياسة النقدية انتقالاً إلى السياسة المالية، لسياسة الإنفاق وسياسة الإستثمار وتشجيعه وخلق فرص عمل·

أما بالنسبة للموضوع الأخير فيجب أن يكون هناك حداً أدنى من المنافسة في الأسواق، وبالتالي حصرية التمثيل يجب أن لا تمنع من يريد أن يشتري نفس السلعة وإن من مصادر أخرى شرط أن تتوافر فيها النوعية والجودة>·

ما هو رأي المواطن؟ > ليلى قانصو تقول: <الأوضاع لم تعد تحتمل، وأنا بالرغم من أنني قلصت نفقاتي إلى الربع، إلاّ أنني في كل مرة أذهب فيها لشراء ما يلزمني أدفع ما يقارب المئتي ألف ليرة أي أنني في حال ذهبت إلى <المول> مرتين في الشهر إدفع مبلغ يقارب الحد الأدنى للأجور، ومع ذلك لا أحد يحاسب أو يدقق وكل <مول> تبيع على هواها لعلمها أن أحداً لن يراقب وراءها· لذلك أتمنى أن تتشكل الحكومة بسرعة وليتفقوا ما بينهم لأننا بصراحة كمواطنين لم يعد باسطاعتنا تكبد ما يجري حولنا من ضغوطات حياتية إقتصادية فليتفقوا قبل <أن تأكل الناس بعضها>·

> سعيد بهلوان، يقول: <أنا موظف بسيط، ولديّ ثلاثة أولاد بالكاد أستطيع أن أتكفل بدراستهم كما لم يعد باستطاعتي أن أشتري لهم سوى السلع الضرورية كي نؤمن قوتنا اليومي أي الرز والزيت والمعكرونة وما شابه· أما باقي السلع كـ<التونا> والمعلبات الأخرى أو البسكويت والشكولا التي يتمنى كل طفل شرائها فلم يعد بإمكاني تأمينها، حتى الحليب أحاول أن أوفر فيه فبدلاً من كوبين أو ثلاثة في النهار نكتفي بكوب واحد لكل طفل في النهار، وذلك كي نستهلك أكبر وقت ممكن علبة الحليب التي حلّق سعرها كالصاروخ· وما ذكرته يعتبر بعض من فيض لأن الأسعار جميعها حلقت دون استثناء· صدقيني لمْ أعد أهتم لا لوضع سياسي أو أمني، كل ما يهمني أن أؤمن <لقمة> جيدة لأسرتي والباقي كله تفاصيل>·

منى السيد، تقول: <بالرغم من أن راتبي يعتبر جيداً مقارنة مع غيري، إلا أنني بدأت أشعر بالضائقة المادية، لدرجة أنني لم أعد أشتري سوى المستلزمات الضرورية والأساسية للمنزل أما المعلبات التي كنت أشتريها وأكدسها في كل زيارة فأصبحت أشتريها عند الحاجة فقط أو عندما يكون لديّ مائدة لأصدقاء· أما فيما عدا ذلك فالسلع محدودة·

فأنا إن أردت أن أعبئ كارت هاتفي الخليوي إضافة إلى <تفويل> سيارتي بالبنزين وشراء ما يلزمني من سلع للمنزل لن يبقى معي شيئاً أعيش به لآخر الشهر· لذلك أصبحت أصرف شيئاً فشيئاً لدرجة أنني عدلت كافة نفقاتي بشكل يتماشى مع الواقع الإقتصادي الجديد إلى أن تتكرم دولتنا وتضع حداً لهذا الفلتان الحاصل في الأسعار>·

> محمد عبد السلام، يقول: <أوضاعنا الإقتصادية بشكل عام لا تسر أحد، لذلك أخذت على عاتقي عدم الإهتمام بكل ما يحصل، فكما المسؤولين لدينا يديرون ظهورهم لمواطنيهم ولا يكترثوا لأوضاعهم أنا أيضاً أدير ظهري لكل ما يحصل في هذا البلد لأن الفلتان موجود في كل زاوية· صحيح أن الفلتان في أسعار السلع يضر أكثر من غيره لأنه يصيب المواطن بشكل مباشر في لقمة عيشه، لكن مهما تكلّمنا وأطلقنا الصرخات فلن يسمعنا أحد، وبالتالي بات علينا أن نتبع سياسة <على قد بساطك مد رجليك> وبالتالي ليس علينا أن ننتظر تغيير الأوضاع لأنها لن تتغير، فهكذا هو حال البلد منذ سنين، وهذا بالأحرى هو لبنان إلاّ إذا افتعل الله معجزة في هذا البلد وأشفق عليه وعلى عباده>·

تحاول البحث عما تبقى من الراتب
تحاول البحث عما تبقى من الراتب


تعليقات: