جهود لاستعادة هيبة التعليم الرسمي في حاصبيا والعرقوب

طالبات يتراصفن في حاصبيا قبل الدخول إلى الصفوف
طالبات يتراصفن في حاصبيا قبل الدخول إلى الصفوف


عقدان من الاحتلال «فعلا فعلهما».. والنهوض الحقيقي يلزمه الكثير...

حاصبيا:

تمكنت المدارس الخاصة في منطقة حاصبيا والعرقوب، خلال السنوات العشر الماضية، من استقطاب اكبر عدد من الطلاب على حساب القطاع الرسمي، وبنسبة تجاوزت 75 في المئة، مستفيدة من تراجع المدرسة الرسمية بسبب الأوضاع الفوضوية التي كانت سائدة خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي على مدى أكثر من عشرين عاما. ومع الاحتلال الذي كان سائداً، غابت الرقابة وندرت المساعدات، ليعود هذا القطاع، خلال السنوات الخمس الماضية يتنفس الصعداء من جديد ويستجمع قواه، في محاولة لإثبات الوجود والتعويض عما فات. ويساعد القطاع التربوي الرسمي في المنطقة حوافز عدة، تبدأ بعودة الثقة تدريجيا الى المدرسة الرسمية مع التشدد المتجدد في الرقابة والتفتيش التربوي، وخضوع المدرسين لدورات مكثفة في مختلف مواد المناهج الحديثة، مع تزويد المدارس بمعدات تربوية ومخبرية، إضافة إلى الإعفاء من الرسوم، التي تسددها كهبة المملكة العربية السعودية، في مقابل الارتفاع التصاعدي لأقساط المدارس الخاصة ومتطلباتها المالية المتعددة.

يبلغ العدد الإجمالي لطلاب مدارس حاصبيا حوالى 4500 تلميذ وتلميذة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، موزعين على 31 مدرسة رسمية وخاصة، في حين يصل عدد المدرسين الرسميين إلى 417 مدرسا، وعدد مدرسي القطاع الخاص الى 190 مدرسا. وهناك أيضا خمس ثانويات، أربع منها رسمية وواحدة خاصة تضم مجتمعة حوالى 650 طالبا وطالبة. تعتبر المباني المدرسية في حاصبيا ومنطقتها جيدة وحديثة بمعظمها، حيث كان مجلس الجنوب قد أنجز خلال السنوات العشر الماضية، بناء مدارس عدة في حاصبيا، ميمس، مرج الزهور، شبعا، عين عرب، ابل السقي، كفرشوبا، عين قنيا، الهبارية والكفير.

يمكن تصنيف المدارس الرسمية في منطقة حاصبيا ما بين مدارس مقفلة، ولا تزال منذ كان الاحتلال بسبب تهجير الأهالي، وعدم عودة القسم الأكبر منهم بعد التحرير، وهي مدارس كوكبا وكفرحمام وراشيا الفخار وعين ثنتا وأبو قمحة. وهناك مدارس تعاني نقصا في الطلاب بحيث يتساوى عدد طلابها تقريبا مع عدد المدرسين ومنها مدارس ميمس والكفير والفرديس، ومدارس مستمرة بشكل مقبول إلى جيد، يتراوح عدد طلاب كل منها بين 150 و300 طالب، ومنها مدارس عين قنيا وشويا وشبعا وكفرشوبا وحلتا وحاصبيا للصبيان وعين جرفا.

في تقييم المربي سعيد مرداس الوضع في المدارس الرسمية، يشير إلى أن التعليم الرسمي في المنطقة يشهد حالاً من التراجع، «إذ فقد الأهل الثقة بالمدرسة الرسمية، وتوجهوا ناحية التعليم الخاص لأسباب متعددة يمكن حصر ببعض المؤشرات».

«الأمر الواقع» غير الطبيعي الذي فرضه الاحتلال على مدى اكثر من 20 عاما، والذي انعكس سلبا فغيب الرقابة التربوية وخاصة التفتيش التربوي الذي فقد هيبته في تلك المرحلة، بحيث لم تعد له فعالية تذكر، كذلك العلاقة بين الإدارة والهيئة التعليمية التي سادتها حالة من عدم احترام القوانين. ويعتبر مرداس أن «الوضع الرديء الذي مرت به المدرسة الرسمية، شجع العديد من الجهات على فتح مدارس خاصة تكاثرت خلال سنوات عدة، مستغلة الفجوات في المدرسة الرسمية، ومنها مثلا عدم وجود فروع لتعليم اللغة الإنكليزية، وهذا ما لم يكن متوافرا في المدرسة الرسمية، فكان تحول الى القطاع الخاص نما بسرعة خلال اقل من 15 عاما».

ويعتبر المربي مرداس أنه «يمكن للمدارس الرسمية ان تستعيد هيبتها بسرعة، خاصة ان إمكانيات هامة بدأت تتوافر لها ان لجهة المبنى المدرسي بمواصفات عالية أو بالنسبة للتجهيزات وما شابه، فالمطلوب ادارة قوية واثقة في ظل تفتيش صارم وهمة للمدرسين». علما بأن مدرسي القطاع العام هم ذاتهم الذين يدرسون في المدارس الخاصة، ويعطون نتائج مرموقة بحيث تصل نسبة النجاح فيها الى حدود 100%، على عكس بعض نتائج المدارس الرسمية.

ويرد مدير مدرسة شبعا الرسمية يحيى علي التراجع الحاصل في المدرسة الرسمية، «إلى عدم توافر الكادر التعليمي حيث إن تسعين في المئة من المدرسين في العرقوب خاصة، من خارج الملاك ويدرسون بالتعاقد، وهؤلاء لم يخضعوا لدورات كافية للمناهج الجديدة، كذلك هناك نقص بالتجهيزات». ويشير علي إلى عدم وجود صفوف للغة الإنكليزية وهو ما يشكل ضربة قاسية للمدرسة الرسمية التي كانت قد بدأت تتحول تدريجيا لإضافة الإنكليزية إلى جانب الفرنسية، وهذا سيكون عاملا إيجابيا لجذب الطلاب.

وعن أسباب تفوق المدرسة الخاصة في حاصبيا، يقول مدير إحدى المدارس الشيخ رفيق أبو صالحة، إن ذلك عائد اساسا الى الجهود التي تبذلها الإدارة والمدرسين، إضافة الى التشدد في كل شيء ابتداء من وصول الطالب الى الملعب ودخوله الى الصف والمتابعة في المنزل، كما أن هامش الحركة في تبديل المدرسين متاح وأسهل منه في الرسمي، وكذلك اختيار الكتب ومعالجة كل الصعوبات مهما كانت في المدرسة الخاصة، كلها عوامل تخلق مناخاً تربويا مميزاً يوصل الى نتائج باهرة تبدو جلية في الامتحانات الرسمية.

ويشير مدير مدرسة أخرى نهاد الحمرا إلى أن التميز في القطاع الخاص، «سببه الرئيسي حرية اختيار المدرس والكتاب والمناهج والأسلوب خارج أي تأثير سياسي أو حزبي، فيما يبقى دفع القسط المدرسي من قبل ذوي التلميذ حافزا جيدا، في حث الأهل على متابعة وضع ولدهم في المدرسة متابعة شبه متواصلة، مما يخلق حالة من التعاون بين المدرسة والأهل نحرص كثيرا على نموها». ويعتبر الحمرا «ان هناك مدارس جيدة وأخرى فاشلة في القطاعين الرسمي والخاص، وهذا يعود للإدارة، والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها».

وكان تجمع المدارس الخاصة في حاصبيا قد حدد مطالب القطاع عبر اقتراحات قدمت لوزارة التربية والتعليم العالي يطالب فيه بدفع مستحقات التعليم المجاني في أوقاتها، وبإعادة النظر في قرار عدم الالتزام بتدريب التعليم الخاص وإدارته، حماية المؤسسات التربوية الخاصة الصغيرة، إشراك هذا القطاع في كل المناسبات والنشاطات التربوية، وتزويده بالتجهيزات المعرفية التي يستفيد منها لبنان كهبات، وضبط آلية إجراء الامتحانات الرسمية، خاصة في مجال القرارات المطلوبة، والاهتمام بالجانب المسلكي للطالب اللبناني تمشيا مع أهداف التربية التي تسعى لإيجاد المواطن الصالح وليس المتعلم فقط، وإجراء تقييم سنوي مشترك بعد نهاية كل عام دراسي، وضمان حق المدرس بالتقاعد أسوة بزميله الرسمي.

من جهته يعتبر مدير ثانوية حاصبيا الرسمية بالوكالة امين سليقا أن الوضع مع بداية العام الدراسي الجديد يسير بصورة طبيعية، وان كان هناك بعض التلكؤ في تسجيل التلامذة على أمل أن تشمل المبادرة السعودية طلاب المرحلة الثانوية كما حصل في السنوات الماضية، نظراً للاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أولياء الطلاب خاصة.

ويشكو سليقا من نقص بعض التجهيزات في الثانوية مثل مولد كهربائي، وآلة تصوير ومعدات للمختبر، مشيرا الى ان الثانوية بأمس الحاجة الى موقف للسيارات وملعب رياضي للطلاب، كما هناك نقص في الكادر التعليمي لبعض المواد، مشيراًً إلى مطالبة الأهالي للإدارة باستحداث صف لطلاب علوم الحياة باللغة الفرنسية، «وهو مطلب محق والادارة تسعى لتحقيق ذلك على أمل أن يلقى هذا المطلب تجاوباً من قبل المعنيين».

في حاصبيا مهنيتان، واحدة خاصة والثانية رسمية فتحت أبوابها منذ أربع سنوات ويزيد طلابها على الثلاثمئة، وتستقطب أعدادا إضافية عاما بعد عام، كما يشير مديرها رفيق نجاد نظرا للنتائج المميزة التي تحصدها سنويا في الامتحانات الرسمية والتي تتراوح بين 94 في المئة إلى مئة في المئة نجاحاً، مما يجعلها من بين المهنيات الأولى في لبنان.

ويشكو نجاد بدوره من نقص في بعض التجهيزات المطلوبة للمهنية مثل مصانع ومختبرات وما شابه بالرغم من مرور اربع سنوات على افتتاحها، لافتا إلى التعاون القائم بين المهنية ومنظمة العمل الدولية للتدريب المهني السريع، حيث تستمر الدورة ستة أشهر يتمكن خلالها الطالب من الحصول على شهادة مصدقة من منظمة العمل الدولية ومن وزارة التربية ايضا، تمكنه من الحصول على عدة عمل كاملة في الاختصاص الذي اختاره وبالتالي من مباشرة العمل فورا. وتشمل الاختصاصات تمديدات صحية وكهربائية، دهانا، صناعة الألمينيوم.

«A/H1N1»

انطلق العام الدراسي الجديد في منطقتي حاصبيا والعرقوب بإرشادات ونصائح توعية للوقاية من مرض انفلونزا A/H1N1، تطبيقا لتعميم وزارة التربية والتعليم العالي لجهة إرشادات الوقاية من المرض، بحيث خصصت إدارات المدارس والثانويات حصصا عدة لشرح إجراءات التوعية والإرشاد وكيفية الوقاية من الفيروس. ووزعت منشورات على التلامذة وملصقات في مـمرات المدارس وأروقـتها، كما نُشرت ملصقات وأدوات النظافة اللازمة في المراحيض، وإلزام الطلاب بالاغـتسال دوريا بالطرق الصحية السليمة، إضافة الى تجهيز غرف صحية في المدرسة للحالات المشكوك بها، على ان يتم إعلام ذوي التلميذ عن حالة ولدهم الصحية وضرورة استشارة طبيب مختص في حال ارتفاع حرارته.

وتبين جولة على عدد من المدارس مستوى الجدية التي يتم التعاطي معها من قبل الهيئة التعليمية والطلاب، تطبيقاً للتعميم الرسمي وإجراءات الوقاية المتبعة من قبل إدارتها، والتزام الهيئات التعليمية والتلاميذ بتلك الإجراءات حفاظاً على الصحة والسلامة العامة. مع الإشارة إلى أن مسؤولي المدارس بصدد عقد لقاءات في الأسبوع المقبل مع الأهل، للتأكيد على دورهم، ووجوب التزامهم بسبل الوقاية والإرشادات الواجب اتباعها ليكون ذلك موازيا لما تقوم به المدرسة في هذا الإطار.

يشير المرشد الصحي في مدرسة عين قنيا حمزة أبو عمر إلى أنه وجّه الإرشادات والتوجيهات للهيئة التعليمية في المدرسة، وكذلك كيفية التعامل مع التلامذة ومواكبتهم في سبل الوقاية والنظافة التي يجب اتباعها معهم، مؤكداً أنه تم إعطاء توجيهات للتلامذة وتأمين المنشورات والملصقات للوقاية من الفيروس. ويلفت أبو عمر إلى متابعة العمل «على متابعة مدى الالتزام بالإرشادات، خاصة ان النادي الصحي البيئي في المدرسة مجهز بالمستلزمات الضرورية كافة، مشيراً إلى أنه في حال ظهور عوارض حرارة أو سعال أو رشح لدى أي تلميذ في المدرسة، سيُعزل في هذه الغرفة ويُتصل بذويه لإبلاغهم ضرورة عرضه على طبيب مختص، على ان يبقى في المنزل حتى انتهاء تلك العوارض.

من جهته، يؤكد مدير ثانوية الكفير نعمان الساحلي «أن الثانوية تعمل على تطبيق كل ما هو مطلوب منها لتأمين الإرشادات والتوعية للوقاية من الفيروس، بدءاً من أفراد الهيئة التعليمية والتلاميذ وذويهم أيضاً»، معتبراً «أن الوقاية هي ممارسة وسلوك يومي، ويجب أن تبقى مع التلميذ في خلال وجوده في المدرسة، ونحن لا نتهاون في موضوعي العلم والصحة لأن العقل السليم في الجسم السليم، ونأمل عاما دراسيا جيدا، خاصة في ظل النتائج المرموقة في الامتحانات الرسمية التي تحصل عليها الثانوية في كل عام بحيث باتت محط ثقة الجميع».

ويشير قائمقام حاصبيا وليد الغفير إلى انه يتابع الوضع الصحي عن كثب في المدارس، وذلك بالتنسيق والتعاون مع طبابة القضاء، وانه بصدد توجيه كتب الى البلديات يطلب منها المساهمة، وفقاًَ لإمكانيات كل منها، في دعم النظافة وتأمين مستلزماتها من ادوية ومنظفات الى المدارس، إضافة الى تقديم الدعم لتأمين وقود التدفئة فيها، وخاصة المازوت، حتى نتمكن جميعا من إنقاذ العام الدراسي الذي هو من مسؤولية الجميع.

ضابطة من اليونيفيل تساعد تلميذة روضة على تعلم الكتابة
ضابطة من اليونيفيل تساعد تلميذة روضة على تعلم الكتابة


تعليقات: