لبنان يتراجع عن اتهام إسرائيل بتدمير معمل الجيّة

بان كي مون
بان كي مون


نيويورك ــ

فاجأ موقف مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة، متنازلاً عن مكاسب دبلوماسية في مجال التلوّث النفطي الذي أصاب لبنان جرّاء العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، أوساطاً دبلوماسية عربية وأجنبية في نيويورك، إلى حدّ أن وصف أحدهم ذلك بغضب: «قصر نظر وتفرّد يصبّان في مصلحة إسرائيل».

فقد رأت تلك الأوساط أنّ التعديلات المقترحة على نصّ مشروع القرار «أضعفت الموقف اللبناني التفاوضي وضحّت ببعض الحجج التفاوضيّة التي كان لبنان يستند إليها لحمل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على التعاطف مع قضيته المحقة وتأييد مشروع القرار». ولم يدرك العديد من الدبلوماسيين الأسباب الموجبة لتعديل الفقرة التمهيديّة السادسة من مشروع القرار، المتعلّقة بالتعبير عن «التقدير إزاء المساعدة المقدّمة من البلدان المانحة والمنظمات الدوليّة من أجل التعجيل في إنعاش لبنان وتعميره». فقد حُرفت هذه الفقرة عن الصيغة التي جرى التوافق عليها في الأعوام السابقة وأضيفت إليها عبارة «من أجل عمليات التنظيف»، ما أوحى بأنّ تلك المِنح لتنظيف الشاطئ اللبنانيّ هي التعويض الذي يجب أن تدفعه إسرائيل، إذ إن المنح أمر والتعويض الإسرائيلي أمر آخر.

أضافت الأوساط الدبلوماسيّة أنّ هذا الأمر من شأنه تخفيف الضغط على إسرائيل والإفساح أمامها في المجال للتملّص والمناورة. وقد أشارت الأوساط الدبلوماسيّة إلى أنّه حتى وإن كان في الأعوام الماضية يُتخلى عن هذه المفردات، بقرار سياسيّ، لغرض كسب تأييد الاتحاد الأوروربي لمشروع القرار، فإنّ هذا الأمر لا ينفي الإجماع الذي تحقق في الأعوام السابقة على صعيد مجموعة الـ77 والصين، والموثّق بوثيقة رسميّة صادرة عن الأمم المتحدة يُقرّ فيها بتعمّد إسرائيل قصف معمل الجيّة الحراري. وهو التوصيف الأهمّ، لأنّه يدعم حق لبنان المشروع في الحصول على تعويضات، فضلاً عن أنّ هذه الوثيقة يمكن الاعتداد بها وضمّها إلى ملفّ الدعوى التي يمكن لبنان أن يرفعها ضدّ إسرائيل. فالقرار النهائيّ المعتمد من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لا ينتقص مما أجمعت عليه مجموعة الـ77 والصين، والمعلوم على صعيد الأمم المتحدة أنّه يمكن في أيّ وقت الرجوع إلى هذا الإجماع والاستناد إليه وعرض مشروع القرار بالصيغة التي أجمعت عليها مجموعة الـ77 والصين على الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لغرض اعتماده. وقد أكّدت الأوساط الدبلوماسيّة أنّ لبنان، بعدما خفض كثيراً سقف مطالبه بالمقارنة مع الأعوام السابقة، لن يكون في مقدوره في العام المقبل إلزام مجموعة الـ77 والصين بأكثر من السقف الذي طالب به هذا العام، والمعبّر عنه في المشروع الذي تقدّمت به بعثته في نيويورك، كما لن يكون في مقدوره سوق الحجج نفسها التي كانت في السابق تدعّم موقفه. وهي رأت أنّ هذا الأمر يعدّ «خطأً استراتيجياً كبيراً».

ولاحظت الأوساط الدبلوماسيّة أنّ هذا التعديل سيمنح، مجاناً، الحجّة للراغبين في النيل من القرار للقول إنّه إذا كانت الدول المانحة قد قدّمت المساعدة لعمليات التنظيف، فما الموجب إذاً للمطالبة بإنشاء صندوق لعلاج أضرار الانسكاب النفطيّ في شرق البحر الأبيض المتوسّط؟

تتابع المصادر: «في الأعوام الماضية، كان يُحقَّق إنجازان دبلوماسيان على صعيد المفاوضات المتعلقة بمشروع القرار؛ الأوّل عبر إلزام مجموعة الـ77 والصين بتبنّي لغة قويّة تجاه إسرائيل تقرّ فيها وتجمع 130 دولة، في وثيقة رسميّة صادرة عن الأمم المتحدة تعرف بـ«L-Document»، على القول بأنّ إسرائيل تعمّدت قصف معمل الجيّة لتوليد الكهرباء، وبأنّ هذا المعمل مرفق مدني يقدّم الخدمة للجمهور العام، إضافة إلى التعبير فيها عن القلق من عدم امتثال إسرائيل لمطالب المجتمع الدوليّ لها بدفع تعويضات للبنان، فضلاً عن مطالبة إسرائيل بالتقيّد بالقرارت السابقة الصادرة عن الجمعيّة العامة للأمم المتحدة.

أما الإنجاز الثاني فيتمثّل بحشد أكبر قدر من التأييد لمشروع القرار، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبيّ. وقد رأت الأوساط الدبلوماسيّة أن هذه اللغة التي كانت تجمع عليها مجموعة الـ77 والصين والأمين العام بان كي مون كانت تعدّ مكسباً كبيراً للبنان، فضلاً عن أنّها كانت تؤدي إلى تعزيز موقفه التفاوضي مع الدول والمجموعات الأخرى، وفي طليعتها الاتحاد الأوروبيّ.

وقد أبدت هذه الأوساط أسفها الشديد لخلوّ الوثيقة المعتمدة من قبل مجموعة الـ77 والصين هذا العام من أيّ إشارة إلى تعمّد إسرائيل قصف معمل الجيّة الحراري الذي يعدّ مرفقاً مدنياً، إضافة إلى خلوّها من مطالبة إسرائيل بتطبيق الفقرة المتعلقة بالتعويضات.

وعبّرت هذه الأوساط عن خيبتها من اللغة المستعملة في الفقرة السابعة التي حُرفت هذا العام عن المقصد الأساسي، في ضوء ما كانت تهدف إليه في العام المنصرم من مطالبة الأمين العام بحشد المساعدة التقنيّة والماليّة على الصعيد الدوليّ لغرض توفير الموارد الكافية والملائمة للصندوق.

تعليقات: