يوسف سعادة: المحاور المهذَّب والحزبي الأمين الذي لا يرى نفسه زعيماً

يوسف سعادة
يوسف سعادة


يوسف سعادة عرف كيف يتجاوز حدود عائلته المتواضعة ليصبح شريكاً لسليمان فرنجية في الانتقال بالمردة من الميليشيا إلى الحزب، عاش مع فرنجية التحولات السياسية والتحديات كلها. حضور سعادة إلى طاولة مجلس الوزراء يعني حضوراً قوياً للنائب سليمان فرنجية

لا يفهم الطفل أنطوان سعادة ما يحصل في منزله في زغرتا، إذ كثُر فجأة الزوار وازدادت فرحة أهله، وتأخر والده في العودة إلى المنزل لليوم الرابع على التوالي. هو في السادسة من عمره، لا يعرف ماذا تعني كلمة «minister»، لكنه يعتقد أنه أمر جيد ما دام يُفرح بهذه الطريقة أهله، وخصوصاً جدته. هذه المرأة، أم يوسف، خسرت شقيقين استُشهدا مرتديَين ثياب المردة (أحدهما في مجزرة إهدن) وخسرت زوجها باكراً قبل أن يبلغ يوسف سعادة، كبير أشقائه، سن الثامنة عشرة، فلحظت بحنان اهتمامه بالعائلة وتحمله المسؤوليات المعنوية أولاً ثم المادية. وها هي الوالدة تراه وزيراً. فرحتها لا توازيها إلا فرحة زوجة الوزير، تانيا فرنجية، التي يعرف عنها في زغرتا عدم تفويت أي نشاط شعبي للمعارضة إلا تشارك فيه.

يوسف سعادة ليس ابن عائلة سياسية، والده كان موظفاً متواضعاً في وزارة الأشغال يدين بولاء مطلق للرئيس سليمان فرنجية. ورث عن والده الولاء التقليدي، وسرعان ما تعرف، عام 1988، إلى النائب سليمان فرنجية (الذي يكبر سعادة بثلاث سنوات فقط)، فأعجب كلٌّ بالآخر وأطل سعادة بعد عام واحد ليقدم فرنجية في إطلالته الإعلامية ـــــ الشعبية الأولى في حياته السياسية في الذكرى المئوية لوفاة يوسف بك كرم.

تخرّج من الجامعة ليتفرغ للعمل مع «سليمان بك» لتحويل المردة من ميليشيا إلى مؤسسة

منذ ذلك التاريخ وفق سعادة بين مهمتين: الأولى هي مواكبة فرنجية، ويروي الوزير (مواليد 1967) أنه أنشأ مع بعض الشباب في نهاية عام 1988 تجمعاً شبابياً كان الأول من نوعه في زغرتا الزاوية، يضم شباباً من العائلات كلها، وينشط ثقافياً ورياضياً واقتصادياً. وسرعان ما التقى هؤلاء الشباب مع فرنجية الذي جلس معهم يخبرهم عن مشروعه السياسي ونظرته إلى الأمور، فأقنعهم بالانضمام إلى المردة، وهكذا كان. تقرب سعادة من فرنجية، وتخرج من الجامعة عام 1989 ليتفرغ للعمل مع «سليمان بك» لتحويل المردة من ميليشيا إلى مؤسسة لها مكاتب اجتماعية وتربوية وطالبية ونقابية. ومع الوقت، توطدت الصداقة بين الرجلين، فصار سعادة الأقرب بين أبناء جيله إلى فرنجية والأكثر خبرة في طريقة تفكير الوزير السابق وأسلوب تعامله مع الملفات. وغدا من قلة تستأثر بكل شاردة وواردة في تيار المردة. وبات كل من يلتقي سعادة من سياسيي الشمال يطمئن إلى أن فكرته ستصل بأمانة إلى الوزير فرنجية.

أما المهمة الثانية فهي إثبات نفسه سياسياً. ويشير سعادة هنا إلى ثقة فرنجية بالشباب الذين التفوا حوله، وتوزيعه الأدوار والمهمات عليهم، مكرراً مطالبتهم بأن يبنوا لأنفسهم شخصيات قوية، لا أن يتحولوا إلى معقّبي معاملات بينه وبين الناس. وبحسب سعادة، فإن شباب المردة بدأوا يحققون طموحهم بعد إنشاء حزب المردة عام 2006، إذ بات كل واحد منهم يعرف دوره جيداً، ويعلم أن تعبه لن يذهب هدراً. وبعد إطلاق الحزب، يروي سعادة، اتسعت آفاق عملي السياسي، تكثفت اتصالاتي السياسية وإطلالاتي الإعلامية، وصرت أمثل حزب المردة في معظم الحوارات.

ويؤكد الوزير الشاب بحماسة أن هامش الحرية الذي يعطيه فرنجية لشباب حزبه تسهّل تعاطيهم مع الناس، مشيراً إلى وضعه يده في كل شيء يخص المردة، من دون أن يسبب ذلك أي حساسيات.

لهذه الأسباب، ربما، تكثفت فور إعلانه وزيراً، الاتصالات من السياسيين الحلفاء ومن بعض نواب تيار المستقبل الذين انقطعوا عن التواصل معه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن النائب عن كتلة القوات اللبنانية أنطوان زهرا، زميله في لجنة المصالحة بين المردة والقوات، إضافة إلى الكثير من أبناء زغرتا حتى المؤيدين لخصوم تيار المردة. ويشار هنا إلى أن سعادة الذي فقد خاله في مجزرة إهدن لا يجد غرابة في اجتماعه وأنطوان زهرا لتقريب وجهات النظر بين المردة والقوات، ولا يرى أن في هذا الأمر ما يستحق التوقف عنده.

سعادة يقول إن تسميته وزيراً تثبت لكل شباب لبنان أن المردة مكان يمكن المناضل الصغير أن يصبح فيه كبيراً. لكن، إن كان طوني سليمان فرنجية أكبر سناً، فهل كان فرنجية يوزر ابنه أو سعادة؟ يبتسم الوزير، لكن السؤال لا يربكه، فيجيب بثقة أن فرنجية كان سيختاره هو أو أي ناشط مردي آخر، من دون أن يعني ذلك أن ليس لطوني فرنجية حيثيته وحضوره اليوم في حزب المردة.

سعادة الذي فقد خاله في مجزرة إهدن، لا يجد غرابة في اجتماعه وأنطوان زهرا لتقريب وجهات النظر

وكيف تبلّغ سعادة قرار توزيره؟ من «سليمان بيك» شخصياً قبل أيام من تسرب الخبر إلى وسائل الإعلام، لكنه تكتّم على الموضوع حتى أمام شقيقه وشقيقاته الذين سمعوا الخبر عبر وسائل الإعلام وهمس المرديين. علماً بأن التكتم قد يكون إحدى أبرز صفات سعادة: «اتصل صحافيون كثر لسؤالي عن المداولات بشأن البيان الوزاري، فاعتذرت عن إعطائهم أي معلومة التزاماً بمبدأ سرية النقاش، لكني فوجئت بأن وزراء آخرين سربوا للصحافيين بعضاً من المداولات. وهذا يسبب إرباكاً في التعامل مع الصحافيين. لذا، أعتقد أنني أحتاج إلى بعض الوقت لأضع معايير تحدد بوضوح ما يفترض قوله وما يجب التكتم بشأنه».

من جهة أخرى، يتذكر سعادة اختلافه في الرأي مرات كثيرة مع فرنجية بشأن ملفات عدة، مشيراً إلى أن فرنجية الذي وقف له إشبيناً مستمع جيد، لا يعترف لمحاوره بسرعة بصوابية طرحه، لكنه يتخذ في النهاية قراراً ينسجم مع أفضل الأفكار المتداوَلة. بصراحة، يعود سعادة ليقول: بعيداً عن الشعر والدعاية، نحن نناقش لكن القرار في النهاية عند رئيس الحزب، ونحن نلتزم في النهاية القرار الذي يتخذه فرنجية.

الوزير الشاب يعتقد أنه سيكون واحداً من قلة في مجلس الوزراء يستطيعون حسم موقفهم من دون الاتصال بمرجعيتهم. لماذا؟ «لأنني، بصراحة، أعرف جيداً كيف يفكر فرنجية والمعايير التي يضعها لاتخاذ قراره في اللحظات الحرجة». مع الأخذ في الاعتبار أن ثقة فرنجية بسعادة تسهّل أموره في إدارة النقاش والاتصال بالأفرقاء السياسيين، وربما اتخاذ القرار، لكنها في الوقت نفسه تضعه أمام تحدٍّ دائم للنجاح وعدم خسارة هذه الثقة.

وهل يحرجه على طاولة مجلس الوزراء الموقع الموفق بين الأفرقاء الذي سعى فرنجية أخيراً لأدائه؟ أبداً، يجيب سعادة، نحن متحالفون مع التيار الوطني الحر ومتفاهمون على معظم العناوين، لكن لكل واحد أسلوبه، وحول طاولة المجلس سنقول اقتناعاتنا كما هي.

يرى سعادة أن الحقائب مهمة للخدمات، لكن الوزير يجب أن يكون سياسياً بامتياز ليؤدي دور الشريك في إدارة البلد، مؤكداً أنه سيملأ موقعه حتى تظهر قيمة وزير الدولة ويثق المشككون بأنها ليست مجرد جائزة ترضية.

في النتيجة، هل تتسع زغرتا لوزير جديد؟ الأمر غير مطروح نهائياً، يقول سعادة، مضيفاً: لست أبداً زعيماً جديداً، ولا أطرح نفسي بهذه الطريقة، أنا ممثل لحزب المردة ولا أبحث عن أي دور آخر.

في البناية وزير!

عناصر الأمن في البناية، حيث يستقبل الوزير يوسف سعادة ضيوفه، لا يعلمون أن الشاب الذي ينتظر يومياً المصعد من دون مرافقين هو «معالي الوزير»، وهم لا يعلمون أصلاً أن ثمة وزيراً في البناية.

لقب «المعالي» لم يغيّر كثيراً في يوسف سعادة، ما زال يرد على الهاتف بهدوء مؤكداً لطالبي الوزير أن «يوسف معكم»، يعتذر من زواره عن استقبالهم في مكتب «استعاره» من صديق في انتظار حصوله على مكتب من مجلس الوزراء، ويحمرّ خداه حين يسمع إطراءً.

تعليقات: