موقع «اللبنانيون في إسرائيل»: حيث إسرائيل ولبنان.. كالأب والأم

 رسم لطفلة لبنانية من أبناء الفارين إلى إسرائيل
رسم لطفلة لبنانية من أبناء الفارين إلى إسرائيل


عبد النبي بزي. عقل هاشم.

للاسمين وقع يعرفه الجنوبيون خاصة، واللبنانيون عامة. هذان من كبار عملاء «جيش لبنان الجنوبي». هما في رأس لائحة مرتبة من قتلى التنظيم، أسماؤهم مرتبة بحسب الأحرف الأبجدية الإنكليزية «لشهداء» الجيش. يمكن الواحد أن يضيء لهؤلاء «الشهداء» شمعة بينما يستمع إلى «أغنية وحياة إلي راحوا»، إذا كان يتصفح الموقع الالكتروني، «اللبنانيون في اسرائيل»

www.lebaneseinisrael.com

هو موقع مجهول النسب. لا هيئة تحرير ولا إدارة ولا شيء. غير أن الموقع يهتم «بقضية» العملاء الفارين إلى اسرائيل كما يهتم بشؤونهم وعائلاتهم هناك.

في الاجابة عن «من نحن؟» نقرأ: «نحن فئة من الشعب اللبناني، كُتب لها أن تكون ضحية جغرافية وتاريخية عانت المساومات السياسية. قاتلت ربع قرن من الزمن في عزلة قاسية، موحشة، أليمة كي تبقى في أرضها، فعاشت أمراً مفروضاً عليها، لكنها قررت أن تعيشه أمينة للقضية الوطنية، وفيّة للهوية اللبنانية... فدفعت ثمن تعلقها بوطنها وتحولت إلى «كبش محرقة» لانسحاب لا رأي لها فيه بعد أن دفعت ثمن واقع لا رأي لها فيه أيضاً».

ليس من شأن جيوش الاحتلال في العادة استشارة عملائها من المحليين في قراراتها. هذا درس لم يتعلمه العملاء بعد. ولا يبدو أنهم تعلموا شيئاً يذكر من تاريخهم. الموقع يسمي جيشه «المقاومة الشريفة» التي كان فيها «أبطال». و..»في البداية، وعلى رأس هؤلاء الابطال، مشى قائد شاب تتلمذ عسكريا، فتخرّج لبنانيّا أصيلا، هذا الضابط الثائر كان «سعد حدّاد» الذي رفع صوته إلى أبعد من الحدود وأسمع الدنيا بأنّ اللبناني يأبى الذّل ولا ينام على الضيم، فأعلن على الملأ مقاومته، ومن ثمّ خلفه اللواء أنطوان لحد (...) مقاومة تضّم المسيحي، الشيعي، السني والدرزي جنباً إلى جنب، في السرّاء والضرّاء وفي الأفراح والأتراح وأرادوا من خلال نضالهم: الامن والاستقرار والعدالة والمساواة والكرامة والحرية».

ثم: «مقاومة شريفة، في أرض جنوبية أبيّة، ليس فيها موطئ قدم لمغتصب ولا محتّل، ولا مخرّب، ولا لمعتد، ولا لعميل، ولا لمأجور».

في المفارقة الغريبة أن هذا الجهاز كان موطئ قدم لكل ما ينفيه عنه. كاتب النصوص الركيكة تأخذه الحماسة إلى مبالغات لا تقنع حتى العملاء أنفسهم، الشهداء منهم والفارون. في شرحه «لجيش لبنان الجنوبي»، يكتب أن «عناصره لبنانيون، متحمسون لدولتهم ولأرضهم، مخلصون لبلادهم، كان العديد منهم من المسلمين الشيعة، إضافة الى المسيحيين، جميعهم انخرطوا في الدفاع عن لبنانية الجنوب». بناء عليه، يستنتج: «وهكذا يتضّح أنّ «جيش لبنان الجنوبي» ليس جيشا طائفيا وليس ميليشيا، وليس عميلا، كما حاولوا تصويره.. ولولا «جيش لبنان الجنوبي» لكان الجنوب أصبح أرضاً إسرائيلية».

مظلومون إذاً. يعيشون في زمن توقف عند الخامس والعشرين من ايار العام 2000. هذا التاريخ هو «ذكرى إفراغ الجنوب من أهله». يوم حزين يخصص له عداد سنوي على الصفحة الرئيسية. على الصفحة ذاتها، تتجدد يومياً زاوية: «حدث في مثل هذا اليوم» يستذكر فيها «تواريخ عمليات حزب الله الارهابي على مواقع جيش لبنان الجنوبي. هذه العمليات شبه يومية، وهي بمعظمها باءت بالفشل بعدما صد عناصر الجيش الهجوم موقعين في صفوف الارهابيين قتلى وجرحى».

«الحرب التي استمرت اثنتين وعشرين سنة في الجنوب، لم تكن بين المقاومة الوطنية ثم الاسلامية، من جهة وبين اسرائيل. هنا، الحرب كانت ضد مقاومة حداد ولحد الشريفة».

في آخر نص طويل، يشرح عن الجيش نقرأ أنه كان «يتشكل عسكريا من: فوج قيادة ولوجستية وخدمات، إضافة إلى لواءي مشاة. وكان قوام كل لواء ثلاثة افواج مشاة وقوة مساندة مؤلفة من بطاريات مدفعية ثقيلة عدة من عيار 155 و130 موزعة على لواءي المشاة. (كما يوجد) فوج مدرع من 55 دبابة. تمكنت هذه القوة من تسلم 46 موقعاً على طول الجبهة بينما تسلم جيش الدفاع الاسرائيلي 11 مركزاً معظمها في الخطوط الخلفية. كان التنسيق ممتازاً بين جيش الدفاع الاسرائيلي والجيش الجنوبي بخاصة في ما يتعلق بالعمل داخل المنطقة الامنية».

كيف انتهى هذا الجيش الصلب؟ حسنا: «وصل الجيش إلى مستوى عال من الجهوزية القتالية ونفذ جميع المهمات التي طلبت منه بكفاءة من دون ان يتنازل عن مركز واحد، برغم الضغوط المعنوية والقتالية التي كان يتعرض لها، مما جعله قوة ردع أهابت جميع الاطراف، لا سيما من ناحية تشبثه بأرضه وقضيته (!) وعدم خضوعه للارتهانات والمساومات، وهذا ما حدا إسرائيل وحزب الله والدولة اللبنانية والمجتمع الدولي إلى اعتماد سياسة «المباغتة الغدر» بالاتفاق المبرمج على الانسحاب المفاجئ، فلولا لما استطاعوا تفكيك ارادة ابناء المنطقة الحدودية إرادة «جيش لبنان الجنوبي».

جيش قوي متشبث بأرضه وقضيته، يُباغت ويُغدر فيختفي قافزاً كله فوق الحدود، فقد تآمرت الكرة الارضية كلها عليه. تحرير العام 2000 كان موجهاً ضد جيش لبنان الجنوبي، بشراكة إسرائيل نفسها. ما الذي يمكن مقاومة شريفة كهذه أن تفعل أكثر؟ لا شيء. تدير موقعاً على الانترنت، يعيش في حالة إنكار تام لأكثر الحقائق بديهة.

التاريخ المشرف للعملاء ينتهي قبل تسعة أعوام. حاضرهم إسرائيلي. والموقع يطل على حياتهم في «المنفى» كما يسمون الارض المحتلة التي هربوا إليها بإرادتهم. يشي الموقع بأن احوال الجالية (أحياناً الرعية) اللبنانية بخير.

يروي «تقرير صحافي»، موقع بأربعة أسماء صريحة، عن أصحاب مهن وأعمال حرة في إسرائيل. ينفخ التقرير في بوق مكسور. فالابطال السابقون لم يحققوا خلال تسع سنوات من هروبهم ما يرفع رأس لبنان عالياً. هم أناس عاديون فتح معظمهم مطاعم وافران مناقيش صغيرة وصالونات تجميل وغيرها. ثمة واحد بينهم فخور بإنجازه وضع كلمة لبناني بالعبرية تحت صورة الارزة فوق مطعمه. هذه الكلمة لديها «تأثير كتير كبير» على الزبائن، بخاصة اليهود، كما يقول. بالطبع، ولأننا كيفما رميناه، يرتطم بالارض واقفاً، فثمة لبناني اسمه سيلفر حنا، يمكننا أن نفتخر بأنه صاحب مؤسسة جمال وازياء، كما لدينا سوبر موديل 2009 لا يشرح لنا الموقع ما إذا كانت لبنانية أو اسرائيلية. جميع أصحاب المهن هؤلاء محبون للسلام مع إسرائيل ولا يدرون بأي ذنب هم بعيدون عن وطنهم لبنان.

أبناؤهم وبناتهم الذين كبروا أو ولدوا هناك، لا يختلفون عن الآباء، إذا اعتمدنا على الصورة التي يقدمها موقعهم عنه. تقرير صحافي مترجم عن صحيفة الكترونية إسرائيلية، ينقل عن الشابة اللبنانية ماري قولها: «عندما تدخل مدرسة يعاملونك على انك عربي.. كثر اعتبرونا عربا ولم يسمعوا ابدا عن جيش لبنان الجنوبي، فكنا مجبرين في الدفاع عن أنفسنا وتوضيح الامر لهم اننا لسنا بعرب وانما لبنانيين. كان الامر صعبا بالفعل». أما جولي فتقول: «عندما يسألونني عن لغتي الام «اقول لهم لبنانية» مشددة على ضرورة الحفاظ على الهوية. تتابع: «يوجد اشخاص في اسرائيل لا يميزون بين العربي واللبناني وعلينا توضيح من نكون. نحن لبنانيون وهذه هذه قضيتنا، قضية جيش لبنان الجنوبي، الحفاط والدفاع عن هويتنا اللبنانية». تتابع: «كل المنظمات الارهابية والدول العربية أدخلتنا في الصراع العربي الاسرائيلي محاولين تغيير هويتنا، لكننا نرفض ذلك، فلدينا هويتنا الخاصة ونفخر بها وها نحن ندفع الثمن».

التقرير يسأل الشابات عما تعني لهن كلمة اسرائيل. «سلام» تجيب ستيفاني مباشرة، أما ماري فتضيف على ما قالته رفيقتها: «اسرائيل ولبنان كالاب والام».

من حيث لا تدري، تصيب ماري الحقيقة. «الجيل الثاني» هو نتيجة للتلاقح بين اسرائيل وعملائها في لبنان. وهو جيل لا لبنان محظوظ به، ولا هو محظوظ بنفسه. يكبر عنصرياً في دولة عنصرية تضطهد ابناء عرقه. ومع ذلك تدفع أطفاله إلى ان تقتصر أحلامهم على يد اسرائيلية تصافح يداً لبنانية. هؤلاء الأطفال يكبرون بنافذة واحدة على بلدهم، إلكترونية رديئة شكلاً ومضموناً، تصنع تاريخاً لم يحصل قط، وتعيش أوهاماً لا تنتهي وتقتات غبار أشخاص مثل الرائد المؤسس سعد حداد، واللواء «المُفَكك» انطوان لحد، ومن بينهما.

اسرائيل ولبنان كالاب والام. ثمة اسئلة لا يجيب عنها إلا العملاء. بماذا يجيبون عن مثل هذا السؤال إذا وقفوا أمام قاض لبناني. هل يتبنون مثلاً أبوة اسرائيل؟ هل يدافعون عن جيشهم بأنه مقاومة شريفة؟ وهل سيجدون محامياً يترافع عنهم بلغة الموقع هذه؟ في الغالب، هم سيتنكرون للموقع، تماماً كما تنكر له صاحبه، الذي هو على الارجح صاحب الشخصية السرية التي توقع مقالات باسم «ابن الجنوب».

المثير للشفقة أنهم لم يتغيروا. طالما أنهم في كنف اسرائيل، فهم أبناء قضية. إذا عادوا يوماً، سيتركون القضية خلفهم، كما الموقع. كما فعلوا يوم إفراغ الجنوب من اهله. هم عملاء. هذه عادة العملاء.

تعليقات: