ضجيج التيّار الوطني الحر أبو جمرا وحيداً... لكنّ الاحتجاجات قائمة

إدغار معلوف، مقرّب من الرابية وأبو جمرا والوسيط بين الرجلين
إدغار معلوف، مقرّب من الرابية وأبو جمرا والوسيط بين الرجلين


ثمة ضجيج خفيف في محيط الرابية: خلاف بين العماد ميشال عون واللواء عصام أبو جمرا. حتى الساعة، نجح العونيون في تطويق الملابسات الإعلامية لهذا الضجيج، وخصوصاً أنّ الرابية أصدرت تعميماً يمنع مسؤولي التيار الوطني الحرّ من إثارة الموضوع الخلافي أو التطرّق إليه في الإعلام

جاء تأليف الحكومة الحالية المنطلق الأساسي لاعتراض عصام أبو جمرا، الذي يرى أنّ عدم اختيار العماد ميشال عون كوادر التيار ومناضلين عونيين في التشكيلة الحكومية يعدّ انتقاصاً من دورهم، وإشارة إلى عدم تقدير قيادة التيار لهم. كذلك يعترض اللواء، وفق مصادر مطلعة، على أن هذه الخطوة كان يمكن أن تمرّ لو لم تُقطع وعود بالتوزير لعدد من الأشخاص المقربين، أو المحازبين، مثل النائب السابق كميل خوري، ونقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي، ونقولا صحناوي، وربما غيرهم، في موازاة استثناء الوزير جبران باسيل من مبدأ عدم توزير الراسبين. ويضيف المطلعون أنّ أبو جمرا بات يطالب أيضاً بدخول التيار في عهد المأسسة، بعيداً عن المحسوبيات والاحتكام للغة المقرّبين وحكم العائلة.

ويحاول اليوم النائب إدغار معلوف، وغيره من المقرّبين من الرابية وأبو جمرا في الوقت نفسه، أن يؤدي دور الوسيط بين الرجلين لإنهاء الخلاف وإعادة المياه إلى مجاريها بينهما، وخصوصاً أنهما رفيقا سلاح ولهما تاريخ مشترك في العسكر والمنفى والسياسة. ولا تزال هذه الاتصالات بطيئة على هذا الصعيد، وذلك وسط انسداد أفق إمكان وجود حلّ مشترك ووسطي بين الرجلين.

إلا أنّ المطلعين على موقف أبو جمرا يؤكدون أنّ الأخير يعجز عن ترك التيار الوطني الحرّ أو تقديم استقالته، على اعتبار أنّ ورقة الاستقالة يمكن أن تقضي على كل سجّله السياسي وتمحوه، كما يعجز معنوياً عن الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات عديدة تتعلّق بكل السنوات الطويلة الماضية التي أمضاها في هذا الخط السياسي. ولذلك، يجزم المطلعون أنفسهم بأنّ أبو جمرا «لن يخطو أي خطوة، إلا خطوة العودة الى الرابية والتفاهم مع العماد عون لمعالجة ذيول غيمة الحكومة».

وفي مضمون موقفه، يقترب أبو جمرا من موقف مجموعة الكوادر والناشطين العونيين، أو مجموعة «الثلاثاء الأسود»، التي أثارت قبل نحو عام ملف مأسسة التيار وإصلاح تنظيمه. ويحاول أبو جمرا اليوم استيعاب أفراد هذه المجموعة والاستعانة بحركة أفرادها ونشاطهم وقدرتهم التأثيرية لمواجهة العماد عون وتحقيق المطالب الإصلاحية التنظيمية، علماً بأنّ هذه المجموعة تطرح كل ما يطرحه أبو جمرا، إن كان بالنسبة إلى مأسسة التيار وإجراء الانتخابات، وإبعاد سلطة «العائلة والقرابة» عن قيادة التيار، ومحاسبة المسؤولين عن فشله في بعض المجالات والقطاعات.

وبعد أيام من محاولات الاتصال والنقاشات، اتّخذت مجموعة «الثلاثاء الأسود»، بغالبيتها الساحقة، قراراً بعدم الانخراط في جبهة أبو جمرا، وذلك مع محافظة أعضائها على المطالب والثوابت التي أخرجت، قبل عام، عدداً منهم من التنظيم. موقف ترجمته العملية تفيد بأن رهان أبو جمرا على الحالة الشبابية لم يكن في مكانه، وهو فوجئ بعدم التجاوب معه نتيجة رفض هذه المجموعة الوقوع في «الخطأ نفسه الذي سبق أن وقعت فيه قبل عامين». خطأ تحدده هذه المجموعة بسعي بعض الطامعين الى استغلال موقفها. ولعدم تجاوب هؤلاء أسباب، منها:

أولاً: إنّ بعض أفراد هذه المجموعة يرون أن موقف أبو جمرا ناجم عن إبعاده عن اللوائح الوزارية للتيار، وأن الاعتراض خرج فقط بعد إعلان التشكيلة. وبالتالي فهو اختار توقيتاً خاطئاً.

ثانياً: إن أبو جمرا لم يقف الى جانب هذه المجموعة يوم حصلت المشكلة بينها وبين الرابية، رغم تأكيده دعمه لها في وقت سابق.

ثالثاً: إنّ هؤلاء الناشطين لا يجدون في مواجهة عون المصلحة الكبرى، على اعتبار أن من شأن قرار المواجهة والتجاذب مع الرابية أن يقضي على أي حلم أو طرح إصلاحي داخلي. كما أن حركة أبو جمرا تتعارض والمصلحة العامة التي تتطلب أعلى درجات التضامن في جسم التيار نظراً للاستحقاقات المقبلة.

في هذه الأثناء، نشطت الاتصالات والوساطات. واجتمعت قبل أيام اللجنة التنظيمية المركزية التي ألّفها العماد عون قبل نحو عام، وتضمّ: الوزير جبران باسيل، المسؤول التنظيمي بيار رفول، نعيم عون، زياد عبس، كارلا سعادة، رومل صادر، نبيل شديد وغابي عبود. وشارك في الاجتماع نحو 40 من الكوادر لمناقشة أوضاع التيار. ويقول مطّلعون إنّ هذا اللقاء استبعد أربعة من الكوادر الأساسيين، «ربما لمعالجة أوضاعهم العالقة مع العماد ميشال عون بهدوء». ويضيفون أنّ «الاجتماع كان هادئاً، بحيث جرى التطرّق إلى موضوع الانتخابات البلدية ودعوة اللجنة المجموعة إلى العمل يداً واحدةً في هذا الاستحقاق». إلا أنّ أحد المطلعين أشار إلى «وجود رسالة واضحة لهؤلاء الكوادر، قدّمها أحد أعضاء اللجنة المقرّبين جداً من العماد عون، مفادها: التيار ماشي، بكم ومن دونكم».

إذاً، يحاول العماد عون استيعاب ما يجري في التيار. وهو «ملّ من حالة التململ هذه، ويريد الانتهاء من هذه المشكلة». ويأتي هذا اللقاء الأخير الذي دعت إليه اللجنة التنظيمية في إطار سعي عون إلى ضبط التشرذم الحاصل، وتصويب الأمور مع المعترضين، ولو أنّ الاجتماع لم يحمل أي نقاش جدي في الخلاف الحاصل.

في الضفة الأخرى، يركّز هؤلاء الشباب العونيون، خلال نقاشاتهم، على أنّ اعتراضهم ليس موجهاً ضد وزراء التيار، وخصوصاً الوزيرين شربل نحاس وفادي عبود. ويقرّون بأنّ الإساءة الكبرى التي مسّت بهم هي قول العماد عون في أواخر مواقفه الإعلامية: «ليس عندي السير الذاتية للجميع، موضوع التوزير أعتبره منتهياً»، في إشارة إلى عدم توزير الكوادر والمسؤولين.

المأسسة والإصلاح التنظيمي

بالعودة إلى ما يجري اليوم في التيار، فإنّ الخلاف التنظيمي ليس وليد حركة أبو جمرا وخلافاته. ويبدو أنّ تراكم هذا المشكلة منذ اكثر من عامين، بدأ يفاقم الوضع التنظيمي ويخرجه أكثر إلى العلن. ويمكن العودة الى فترة سبقت «الثلاثاء الأسود»، كانت هذه المجموعة الشبابية قد قررت عقد مؤتمر في أحد فنادق كسروان ومناقشة الموضوع بعيداً عن الإعلام. وكانت طروحات أفرادها تناقش الوضع التنظيمي في التيار، والانتقال من مبدأ التعيينات الحزبية إلى الانتخابات التنظيمية، إضافة إلى مطالبة العماد عون بالاستماع إليهم.

وبعد معرفة قيادة التيار بهذا الأمر، دعت هذه المجموعة إلى لقاء عون ومناقشته. وفيما كان المقرّبون من الرابية يقولون إنّ عدد هذه المجموعة لا يتعدّى عدد أصابع اليد، غصّت دارة الرابية بأكثر من مئة عوني، فعقد اللقاء مع عون في القاعة المخصصة للإعلام.

كان اللقاء عاصفاً بين الطرفين، بحيث تعرّض عدد من الحاضرين شخصياً للوزير باسيل والمسؤول العوني بيار رفول، ما أشعر عون بتوتّر وغضب شديدين. وانتهى اللقاء بإقامة لجنة تحقيق تنظيمية، ضمّت يومها كلاً من القاضي يوسف سعد الله الخوري، واللواء نديم لطيف وسليم جريصاتي. وهي اللجنة التي استمعت الى عدد كبير من الكوادر والشباب الذين كانون في الرابية والذين أصرّوا على ما عبّروا عنه في السابق خلال اللقاء مع عون. لكن المشكلة هي أن نتائج التحقيق لم تظهر بعد، ما يشير إلى وجود احتمالين: إما أنّ التحقيقات لم تنتج أي أمر سلبي بحق الكوادر، وإما أن القيادة العونية تمسك بهذا الملف وتضعه جانباً لاستحضاره في التوقيت المناسب لها.

لكن المهم في اجتماع «الثلاثاء الأسود»، هو ظهور ثلاث فئات من المعترضين: الشباب «المحروقين» بفعل الصراعات على المراكز والمناصب، الفريق الساعي الى مناصب رسمية تمثيلية، والكوادر والشباب الذين يعملون على الأرض ويشكّلون عصباً حقيقياً في التيار.

اليوم، وبعد مرور ما يقارب سنتين على بدء الخلاف والاعتراض التنظيمي في التيار، تعود المشكلة الى الأضواء. وما يزيد في حرارة النقاش حولها الخسائر التي مُني بها العونيون في انتخابات الجامعات والنقابات. وتشهد مجالس العونيين نقاشات بشأن الحلول الممكنة للخروج من هذا المأزق الداخلي. ويرى عارفون أن الحل لن يطول، وأنّ الأمور باتت أمام خيارين لا ثالث لهما:

1ـــــ العودة الى هيكلية جديدة تفعّل العمل المؤسساتي داخل الحزب، وتستعيد الحيوية المفقودة منذ أكثر من عامين.

2ـــــ الاستمرار بالسياسة الحالية، سياسة الابتعاد شيئاً فشيئاً عن العمل الحزبي اليومي والانتقال الى الحالة العونية التي لطالما أشاد بها العماد عون عبر أكثر من مؤتمر صحافي وإطلالة.

تعليقات: