الضاحية تقمع المخالفات: مطرحك يا واقف

 بعض المخالفات التي ازيلت عادت رويدا رويدا
بعض المخالفات التي ازيلت عادت رويدا رويدا


مضى أسبوعان على بدء حملة «قمع التعديات على الأملاك العامة» التي تندرج تحت شعار «النظام من الإيمان». خلال هذا الوقت، لم يتغيّر الأمر كثيراً في أحياء الضاحية، حيث تنفَّذ الحملة، باستثناء أن المخالفات عادت بحلّة أنيقة

لن يكون من السهل لحملة «النظام من الإيمان» التي أطلقتها جمعية قيم منذ خمسة أسابيع، ومن ورائها حزب الله، أن تُرسي في فترةٍ قياسية قيَمَها في ضاحية اعتاد أبناؤها عدم سؤالهم عن المخالفة التي يرتكبونها، منذ «استيطانهم» هذا المكان. كما أنه من الصعوبة بمكان تطبيق هذه الحملة في منطقة سكنية نمت عشوائياً، وارتجل أهلها، في غفلة عن القانون، مدينة بنيت على كمٍّ هائلٍ من المخالفات. لكن، «لا بدّ من الصبر، فنحن نريد أكل العنب لا قتل الناطور»، يقول المنسق العام للحملة الأهلية للمساهمة في تطبيق النظام العام، حسين فضل الله.

ما الذي تغيّر في أحياء الضاحية، بعد خمسة أسابيع على انطلاق حملة «النظام من الإيمان»، وأسبوعين على بدء النشاط الأول: «قمع التعديات على الأملاك العامة»؟ ومتى يحين إذاً وقت «أكل العنب»؟

من الصعب تقدير حجم المتغيّرات في الضاحية بعد انطلاق الحملة. فما تغيّر لا يمكن مقارنته بالمخالفات التي أُعيدت في بعض الأماكن كما كانت عليه قبل الجولة الأولى من حملة القمع. فلنعد على الأقل إلى منطقة الكوكودي: المحطّة الأولى للقمع.

كان ذلك قبل أسبوعين تقريباً، حين طلب شهاب المولى، صاحب قهوة الكوكودي مهلة عشرة أيّام ليفكّ خيمته عن الرصيف، محتجاً بالقول «شو خلصت أمّة محمد وما بقى في غيري؟»، فرد عليه الشرطي بأن «أمّة محمد تبدا من هنا». مرّت الأيام العشرة، ولا تزال الخيمة في مكانها، وأمامها اللافتة التي نُزعت سابقاً «مقهى الكوكودي يرحّب بكم». يعرف شهاب أن خيمته «طايفة» على الرصيف، وكان قد تلقّى ثلاثة إنذارات بسبب ذلك. كان آخرها أوّل من أمس. تنتهي مهلة هذا الإنذار اليوم، غير أن الرجل غير قادر على تنفيذ الأمر. أما السبب؟ فـ«الدني طايفة والطقس مش مساعدنا»، يقول.

لا يهتم الرجل بالإنذارات. وهو ليس «عاصياً على القانون»، كما يعترف، بدليل «أنني أفتش عن مكان آخر لنقل الخيمة إليه». لكن، ما يطالب به الرجل هو البديل لـمصدر لقمة عيشه وشريكَيه. لا يعدو البديل كونه «تأمين رخص لمكان بديل، وتوفير الخدمات السوبر ضرورية لنا في هذه المنطقة». يفتح الحديث عن المطالب شهيّة المولى للحديث عن غياب الدولة. يطلق الرجل رشقاً من الأسئلة. هي الأسئلة نفسها التي واجه بها شرطة البلديّة في الجولة الأولى: «أين هي الدولة؟ أين كانت قبل 40 عاماً عندما بنينا المخالفات؟ لماذا هذا التطبيق التعسّفي للقانون؟». لكن، هل يبرّر غياب الدولة هذا الإصرار على ارتكاب المخالفات؟ لا يجيب الرجل صراحةً على السؤال. كل ما يريده إيجاد البديل، والالتفات أكثر لحال المنطقة المهمّشة.

على مقربة من مقهى الكوكودي، يعيد أبو مهدي المولى تدريجاً ترتيب قهوته التي نزعت الحملة درجها المتعدّي على الرصيف وخيمته. فلا يكاد يمرّ يوم، من دون إضافة شيء، حتى عادت القهوة كما كانت: سقف جديد و«طايف» أيضاً على الطريق كما كان. ودرج من الخشب بدلاً من القديم الذي نُزع. لا يعترف المولى إلا بإعادة مخالفة واحدة: الدرج. ويبرر هذه العودة بـ«تسهيل الصعود إلى المقهى لا أكثر ولا أقل». أما عن السقف الجديد، فينكر الرجل. ويؤكّد نفيه بالقول إنه تقدّم «بطلب رخصة إلى بلدية برج البراجنة لإقامة سقف يقينا الأمطار، إلا أنها رفضت، فقلنا لا نريد العمل في الشتاء». لكن، تبدو الأمور على ما يرام هناك: المقهى شغّال، والسقف الذي أعاد ترتيبه أبو مهدي كفيل بردّ مطر الشتاء.

عادت المخالفات. يتوقع رؤساء البلديات هناك هذه العودة. وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس بلدية برج البراجنة محمد الحركة «أن التوقعات بإعادة ترتيب المخالفات كانت قائمة منذ بداية الحملة، فنحن نعرف أن الناس لن يتجاوبوا من الجولة الأولى». يعرف الحركة أنه لن يكون من السهل نزع مخالفات مرّت على تأسيسها سنوات كثيرة، ولكن لا بد من نهاية «بالزايد جمعة، أو حتى أكثر، لكن الحملة بدأت وستُكمل». ليس سهلاً على الحملة الوصول إلى النتيجة المرجوّة من دون عواقب، وهي سلبية في أحيان كثيرة. وهنا، يشير فضل الله إلى أنه «ليس لدينا مشكلة في إعطاء الوقت للمخالفين، ولكن على قاعدة الوصول إلى حل، وحثّ البلديات على إقامة دوريات شبه يومية في الأماكن التي نُزعت المخالفات منها». يعرف فضل الله أن المرحلة الأولى ستكون شبيهة بقصة «القطّ والفأر»، لكن من جهة أخرى، يؤكّد أن «العمل جارٍ مع البلديات على متابعة كل موضوع على حدة أسبوعياً للوصول إلى النتيجة المرجوّة، ولذلك نحن نشدّد اليوم على الحملة في حارة حريك بادئ الأمر».

ربما، «سيطول الوصول»، يؤكّد فضل الله. لكن، لا بد من خوض المغامرة، لإقناع المخالفين على الأقل بأنهم مخالفون. لا أكثر ولا أقل.

تعليقات: