«الهريسة» طبخة لا تخلو من «الفرح» في عاشوراء الحزينة

يساعدان في طبخة الهريسة في بنت جبيل
يساعدان في طبخة الهريسة في بنت جبيل


دقائق عشر فقط، هو الوقت الذي استغرقه الشباب للتخطيط لمشروع طبخة الهريسة في احد احياء بنت جبيل، والتي يندر ان يخلو منها حي او قرية في الجنوب او اي منطقة تحيي هذه المناسبة حتى ارتبط اسمهما معا.

في حي «الشهيدين» بالقرب من «حارة الجماعنة» في بنت جبيل وفي تمام الساعة السابعة من مساء العاشر، بدأ التنفيذ الفعلي للطبخة، حيث أُوقدت الشعلة الأولى تحت القدور النحاسية السميكة بعد تأمين الحطب اللازم لها، معلنة انطلاق السهرة «العاشورائية» المباركة التي نُذرت من قبل هؤلاء الشبان حباً للامام الحسين باعتبار ان طبخة الهريسة هي من الاطعمة التقليدية التي يقال وبحسب الروايات انه يرجع تاريخها الى عام 61 للهجرة، العام الذي استشهد فيه الامام الحسين وآل بيته وأصحابه وأخذت عياله بمن فيهم الأطفال سبايا الى بلاد الشام.. وهناك أنهكهم الجوع بعد أن أعياهم التعب لطول الطريق فكانت السيدة زينب تجمع الحبوب الموجودة في الخربة التي احتجزوا فيها السبايا وراحت تعمل من هذه الحبوب القليلة جداً طعاما تسد به رمق الجوع الذي أنهك الأطفال.

اكثر من 12 ساعة كانت كافية لطهو الهريسة التي وضعت في قدور نحاسية «خلاقين» التي انعقد حولها مجموعة كبيرة من ابناء الحي الذين تناوبوا حتى الصباح على هرسها بملاعق خشبية ضخمة على نار هادئة من حطب، فيما انشغلت النسوة بتهيئة مستلزماتها وسلق اللحمة، وتقدير السمنة ومراقبة سير العمل. تقول المشرفة على طبخة الهريسة المربية نزيهة جمعة «ليس الرجال وحدهم من يطبخون الهريسة فالنساء خاصة كبيرات السن لهن في طبخها لمسات كبيرة وأساسية» وأضافت «أنا تعودت على طبخ الهريسة منذ فترة طويلة ودائماً نحرص على طبخها كل عام»، مضيفة «بعض الناس يطبخونها على الغاز اما القسم الكبير من اهالي البلدة فإنه يعتمد الحطب لذلك، لتوزع لاحقاً بعد الانتهاء من طبخها في الصباح الباكر على المشاركين وبيوت البلدة».

حتى ان بعض القرى تحرص على طبخ الهريسة بشكل سنوي وبطريقة جماعية وذلك في ساحة البلدة او الحسينية ويشارك في تمويلها كل من يطلب الاجر والثواب كما هي الحال في بنت جبيل حيث ينظم فوج المدينة في كشافة الامام المهدي سنويا المناسبة لهذه الطبخة التي يستعمل فيها اكثر من 300 كلغ من القمح ومثلها من اللحم وتكون مناسبة لجمع عدد كبير من ابناء البلدة في سهرة واحدة تمتد حتى الصباح، يشارك فيها الصغير كما الكبير.

ويقول باسل شرارة «الهريسة في أيام عاشوراء لها نكهة مميزة ولها مدلولات تاريخية وإيمانية أيضا وهذا تقليد تعودت عليه منذ كنت صغيراً حيث كان الاهل يطبخون الهريسة لأجل التعبير عن الحب والولاء الى الامام الحسين وإلى واقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين في العاشر من محرم الحرام».

الحال هذه تنطبق على جميع احياء بنت جبيل، اذ بات هذا التقليد سنوياً اساسياً في ايام عاشوراء، فتقام ورش طبخ الهريسة تقريباً في جميع الاحياء والحارات التي تشبه الى حد كبير «الكرنفال» الشعبي، فبالاضافة الى الاجر والثواب الذي يبتغيه المتبرعون بهذا العمل، فإنها تجمع الاسر والجيران والاصدقاء عن روح أبي عبد الله الحسين عليه السلام.. وهي لا تخلو من الفرح والاركيلة وإن كانت اقيمت بالاصل لمناسبة حزينة.

تعليقات: