العروس آمنة... ضحية جديدة للعنف الأسري

آمنة عادت إلى لبنان في كفن (الأخبار)
آمنة عادت إلى لبنان في كفن (الأخبار)


اليوم يمثل معين أمام قاضي التحقيق الأول في صيدا لاستجوابه بتهمة ضرب زوجته آمنة حتى الموت. أهل الضحية استنجدوا بالقضاء، فيما يطالب أصدقاء الضحية وناشطون «بجعل دمها قرباناً أمام الحكومة لإقرار قانون الحماية من العنف الأسري»

صور ــ

ظهر الأول من أيلول الماضي، كان الموعد الأخير بين آمنة (مواليد 1991) ووالديها وأشقائها العشرة وأخواتها الأربع. كانت تتحضر للسفر مع زوجها معين د. (مواليد 1972) إلى دولة الموزمبيق الأفريقية حيث مقر عمله.

كانت آمنة عروساً، قد تزوجت للتو من ابن عمتها الذي تعرفت إليه خلال فترة وجيزة، وذلك بعدما وافق الأهل على زواجها منه، وتم الزواج بعد التعارف بشهرين تقريباً.

الزواج من قريب جعل آمنة وأهلها يطمئنون لمسألة هجرتها، هي الصبية التي لم تغادر لبنان يوماً ولم تكمل دراستها المدرسية.

مر شهران، انقطعت خلالها أخبار الصبية عن أهلها، باستثناء اتصالات نادرة وسريعة تطمئنهم عنها، تقول لهم بضع كلمات قبل أن يقطع الاتصال... إلى أن ورد «الاتصال الحاسم» في الثالث من تشرين الثاني الماضي، يومها أبلغ أشقاء معين، عبد الله بيضون بأن ابنته آمنة قد توفيت، نقلوا له «روايات متعددة حول سبب الوفاة»، يقول الأب «ما دفعني إلى الشك بأنها لم تمت في ظروف طبيعية»، ويضيف «مرة قالوا إنها تعرضت لحادث سير، ومرة أخرى إشارة إلى أنها قضت بمرض عضال أو بالتهاب رئوي حاد، ثم ادعوا أنها تسممت من جراء تناولها كمية كبيرة من الدواء بدافع الانتحار».

تعدد الروايات لم يكن العامل الوحيد لبث الشك في صدر الوالد، بل أيضاً ما كانت آمنة قد أسرّت به لشقيقها المغترب في أبيدجان، قبل أسبوع واحد من وفاتها عن «المعاملة السيئة التي تلقاها من زوجها ومناشدتها إياه المجيء إلى الموزمبيق لإنقاذها. فضلاً عن ندرة اتصالاتها بنا منذ سفرها». الشقيق لم يتمكن من الوصول إلى شقيقته بسبب تعثر أوراق الدخول إلى البلاد التي استقرت فيها.

حين تبلّغ بيضون نبأ وفاة ابنته توجه إلى مخفر معركة ليتقدم بشكوى بشأن موت ابنته «في ظروف غامضة». العاملون في المخفر أحالوه إلى فصيلة العباسية، وأُحيل هناك إلى النيابة العامة الاستئنافية في صيدا بسبب طبيعة الشكوى.

بالتزامن مع طلب استرداد جثمان آمنة، بدأ قاضي التحقيق بطلب الزوج لاستجوابه والتقارير الطبية عن سبب الوفاة. بيّنت التحقيقات الأولى أن «الزوج فر إلى جهة مجهولة» وفق ما قال أشقاء زوج آمنة لوالدها، وروى الأخير أنه رداً على طلب قاضي التحقيق اللبناني تولى أشقاء معين إرسال عدد من التقارير الطبية «المتناقضة» عن «أسباب وفاة آمنة».

بعد تسعة أيام على الحادثة، اتسمت بـ«المماطلة والتأخير المقصود» يقول الوالد، وصلت جثة آمنة إلى براد مستشفى حيرام في صور، حيث طلب أهلها حضور طبيب شرعي لتشريحها. ولدى فتح النعش تبين أن الجثة قد تحللت بسبب عدم اتخاذ إجراءات التحنيط المؤقت «فلم يتمكن الطبيب الشرعي من الكشف عليها، بسبب انتشار رائحة في أرجاء قسم الطوارئ» بحسب شهود في المستشفى.

دفن الأهل آمنة، وقرروا تصعيد تحركهم حتى القبض على صهرهم الهارب ومعاقبته. وما زاد من يقينهم بـ«ذنبه» هو العثور على «ملابس ممزقة وأخرى ملطخة بالدماء بين أغراض آمنة المستعادة»، ذلك إضافة إلى «ما أفصح به أقاربه لاحقاً من هناك أنه كان يضربها باستمرار ويحبسها في المنزل ويمنعها من الاختلاط بالآخرين. وأنها كانت مكسرة الأضلاع وغارقة بدمها عندما عثروا عليها جثة هامدة».

ذوو آمنة عمدوا «سراً بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية» إلى وضع اسم زوج ابنتهم وصورته بين المطلوبين على مداخل المرافئ والدخول إلى لبنان براً وبحراً وجواً، كما كلّفوا محامياً لمتابعة الشكوى أمام القضاء.

في 11 الشهر الماضي، عاد معين إلى لبنان عبر المطار، وذلك بناءً على طلب أحد أشقائه «ليس لتسليم نفسه بل لإخفائه وحمايته بدل أن يظل هارباً في أفريقيا خوفاً من ثأر شقيقها منه عبر تكليف أحد من الأفارقة بقتله» وفق ما روى بيضون. في المطار أُلقي القبض على معين، وأوقف قيد التحقيق منذ ذلك الحين في النيابة العامة في صيدا.

تكثر الروايات عن مصير آمنة، يقول البعض إنه تبين أن زوجها بدأ بتعنيفها جسدياً ومعنوياً منذ اليوم الأول لزواجها منه، لكنها لم تبح بالأمر إلا عندما هددها بالقتل، وفق ما قالت لشقيقها.

تقر فاطمة (21 عاماً)، شقيقة آمنة، بأن «العنف ضد النساء منتشر في بيوت كثيرة ولا أحد يدري بأحد»، لكنها تؤكد أنها لم تتعرض وأخواتها للضرب يوماً. لكن ما تعرضت له أختها يدفعها إلى توخي الحذر تجاه أي شخص قد ترتبط به، من دون أن تنسى أن والدها «وثق بصهره لأنه ابن أخته».

العنف أمام القضاء

هل يطبق قانون الحماية من العنف الأسري المنتظر إقراره، في إطار التحقيق في قضية آمنة؟

يشير رئيس محكمة صور القاضي عرفات شمس الدين إلى أن زوج آمنة، إذا ما أدين، فإنه ينال عقابه قياساً على القانون المقترح أو قانون العقوبات الذي يطبق على شكاوى العنف الأسري، لا سيما المادة 550 منه التي تنص على أن «من سبب قتل إنسان عن طريق الضرب والعنف والشدة أو أي عمل آخر مقصود عوقب بالحبس لخمس سنوات على الأقل»، أما إذا ثبتت نية القتل فإنه يحاكم وفق المادة 549 منه».

ما هو الحكم إن لم يسبب العنف قتل الزوجة المعنفة؟ يؤكد شمس الدين أن قانون العقوبات «لا ينصف المرأة المعنفة في هذه الحال بالمقارنة مع القانون المقترح، وإن كان يعاقب على الضرب ويشدد على أن الرابط الزوجي لا يحل من العقاب». وعليه، فإن المادة 554 كانت لتعاقب زوج آمنة بحبسه فقط من يوم إلى 10 أيام، أو تكبده غرامة من 10 آلاف ليرة إلى خمسين ألفاً، هذا إن ادعت عليه أمام القضاء بجرم ضربها وحجز حريتها وإساءة معاملتها». أما قانون العنف الأسري فإنه «يضمن حقها إن لم تستخدم حق الادعاء الشخصي وتتحرك النيابة العامة لمقاضاته وفق الحق العام لأنها تتحرك بدافع الحفاظ على المجتمع والسلم الأهلي».

لكن قلة دعاوى العنف الأسري المرفوعة أمام محكمة صور، التي بلغت حوالى العشر في عام واحد، لا تعني خلو المجتمع من الظاهرة، بل تشير إلى «استمرار تحفظ المجتمع عليها وخوف المرأة من مواجهتها» بحسب شمس الدين الذي يلفت إلى أن النساء «باتت تلجأ إلى منطق المقايضة للتخلص من زوجها المعنف بحيث ترفع دعوى عنف أمام المحكمة الجزائية ودعوى تفريق أمام المحكمة الشرعية للضغط عليه. وبذلك لا يكون هدفها حماية نفسها أو معاقبته بل أن تتخلص منه وتنتزع حضانة أطفالها».

الزوج ينكر التهمة والشهود يؤكدون

لا تزال عائلة آمنة تجهل الرواية الكاملة عن الأيام التي قضتها مع زوجها. فالصبية أمضت مع معين نحو شهرين في الموزمبيق.

حين يتحدث ذوو آمنة عنها يبدون متأكدين من أن زوجها هو من قتلها، وذلك على رغم أنه ما زال متهماً بالجريمة ولم يصدر القضاء حكماً في حقه. لكن أقارب الزوجة الراحلة يتساءلون إن كان «تعمد قتلها».

من جهة أخرى، لا يزال المتهم، أي الزوج معين، ينكر التهمة الموجهة ضده، كما ينكر التهم القائلة إنه كان يعنّف آمنة، وقد تقدم مرات عدة بطلب إخلاء سبيل، ولكن رفضه القاضي.

بحسب علي القرا، محامي عائلة آمنة، فإن الدلائل «تشير إلى إدانته بالتهمة المنسوبة إليه استناداً إلى إفادات الشهود من أقربائه الذين طلبوا للإفادة من الموزمبيق بدءاً من الجلسة الأولى المحددة».

ووفق الإجراءات القانونية، كما يؤكد متابعون للشؤون القانونية، يحتاج القاضي «إلى شهرين من التحقيق ليثبت الوقائع قبل أن يحيل القضية إلى المحاكمة للبت بالحكم».

تعليقات: