المراهقة

المراهقة هي الإقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي
المراهقة هي الإقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي


ترجع لفظة المراهقة إلى الفعل العربي (راهق) الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق: أي قارب الاحتلام، وراهقت الشيء رهقاً قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الإقتراب من النضج والرشد.

* التعريف الإصطلاحي:

المراهقة هي الإقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ولكنه ليس النضج نفسه، لأنه في مرحلة المراهقة يبدأ الفرد في النضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 9 سنوات.

أما الأصل اللاتيني للكلمة فيرجع إلى كلمة DOLESCERE وتعني التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي، أو الوجداني أو الانفعالي.

* الفرق بين المراهقة والبلوغ:

البلوغ عند علماء النفس يعني "بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة وقدرتها على أداء وظيفتها، أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وعلى ذلك فالبلوغ جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة".

يقول الدكتور عبد الرحمن العيسوي: إن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضّر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف في المجتمع المتزمّت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.

كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها إستقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة.

* مراحل المراهقة وخصائصها:

- المراهقة المبكّرة

تمتد فترة المراهقة المبكّرة بين عمر 11 و14 سنة تقريباً، ورغم اعتقادك أن طفلك لا يزال صغيراً، فإنه يمر بتغييرات كبيرة ومهمة جداً. ففي هذا العمر يتأرجح المراهق بين رغبته في أن يعامل كراشد وبين رغبته في أن يهتم به الأهل.. ما يجعل الأمر صعباً ومربكاً للوالدين.

يمكننا إطلاق اسم مرحلة "حب الشباب" على هذه الفترة من المراهقة، ففي هذه الفترة يشعر المراهق بضعف الثقة فيما يتعلق بمظهره الخارجي والتغييرات التي تطرأ عليه. ويعتقد بأن الجميع ينظر إليه، ويصعب على الأهل اقناعه بغير ذلك.

وتنعكس حاجة المراهق لمزيد من الحرية في العديد من الأمور، فيبدأ برفض جميع أفكار ومعتقدات الاهل ويشعر بالإحراج إن وجد في مكان واحد مع أهله. وقد يبدو أكثر عصبية وتوترا. كما يبدأ المراهق في هذه المرحلة باكتشاف نفسه جنسيا. وتزداد حاجته للخصوصية والإنفراد بنفسه. وقد تبدو هذه المرحلة في غاية العشوائية بالنسبة للأهل ولكن عليهم التحلي بالصبر، والإصغاء إلى احتياجات أطفالهم، ودعمهم لتطوير وتنمية شخصيتهم المستقلة والخاصة.

- المراهقة الوسطى

تمتد مرحلة المراهقة الوسطى بين عمر 15 و 17 سنة تقريبا، أهم سمات هذه المرحلة شعور المراهق بالاستقلال وفرض شخصيته الخاصة، وبسبب حاجتهم الماسة لإثبات أنفسهم، يصبح المراهقون أكثر تصادما ونزاعا ضمن العائلة، فيرفضون الإنصياع لأفكار وقيم وقوانين الأهل ويصرّون على فعل ما يحلو لهم. ويجرب الكثير من المراهقين الأمور الممنوعة أو الغير محبذة عند الأهل، كالتدخين وشرب الكحول والسهر خارج المنزل لساعات متأخرة، ومصادقة الأشخاص المشبوهين، كنوع من التحدي للأهل ولفرض رأيهم الخاص.

ويصبح المراهق أكثر مجازفة ومخاطرة، ويعتمد على الأصدقاء للحصول على النصيحة والدعم، وليس على الأهل، وعلى الأهل في هذه المرحلة إظهار تفهم شديد لأبنائهم لكي لا يخسروا ثقتهم، وبنفس الوقت يضعوا قوانين واضحة لتصرفاتهم وتعاملاتهم، مع الأخرين ومع العائلة. وبما أن معظم التغييرات الجسدية قد حدثت في مرحلة المراهقة المبكرة، يصبح المراهق أقل اهتماما بمظهره الخارجي وأكثر اهتماما بجاذبيته للجنس الاخر، و يستمرّ النّموّ الفكريّ للمراهق في هذه المرحلة، ويصبح أكثر قدرة على التفكير بشكل موضوعي والتخطيط للمستقبل، كما بإمكان المراهق أن يضع نفسه مكان الآخر، فيصبح لديه القدرة على أن يتعاطف مع الآخرين في هذه المرحلة.

- المراهقة المتأخّرة

تمتد هذه المرحلة تقريبًا بين أعمار 18 و 21 سنة وفي مجتمعنا قد تمتد هذه المرحلة فترة أطول، نظرا لاعتماد الأبناء على الأهل في الشؤون المادية والدراسية إلى ما بعد التخرّج ومرحلة العمل أيضا.

يستطيع معظم الشباب في هذه المرحلة أن يعملوا بطريقة مستقلة، رغم انهماكم بقضايا تتعلق برسم معالم هويتهم وشخصيتهم. ولأنهم يشعرون بثقة اكبراتجاه قراراتهم وشخصيتهم، يعود الكثير منهم لطلب النصيحة والإرشاد من الأهل. ويأتي هذا التغيير في التصرف مفاجأة سارة للأهل، إذ يعتقد الكثير منهم أن النزاع والصراع أمر محتم، قد لا ينتهي أبدا. ويتنفس الأهل الصعداء، فبالرغم من أن الأولاد اكتسبوا شخصيات مستقلة خلال مراهقتم، تبقى قيم وتربية الأهل واضحة وظاهرة في هذه الشخصيات الجديدة إن أحسن الأهل التصرف والتفهم لهذه المرحلة الحرجة في حياة أولادهم.

* خصائص نمو المراهقين:

1- خصائص النمو الجسمي:

زيادة إفراز هرمون النمو الذي يؤدي إلى تغيرات جسمية سريعة تؤثر على سلوك المراهق.

الشعور بالكسل والخمول نتيجة التغيرات الجسمية.

سرعة الشعور بالتعب والإعياء عند بذل أي مجهود أو نشاط.

2- خصائص النمو العقلي:

زيادة القدرة على القيام بالكثير من العمليات العقلية العليا كالتفكير والإستنتاج والتعلّم والتخيّل.

نمو القدرات العقلية في الرياضيات والمعادلات.

نمو بعض المفاهيم المجردة كالحق والعدالة والفضيلة.

الإهتمامات بالميول الخاصة كالاهتمام بمستقبله الدراسي.

3- خصائص النمو الانفعالي:

الرهافة الانفعالية كالغضب لأتفه الأسباب والحزن الشديد عند تعرضه للإحباط من الآخرين.

الحدة الإنفعالية كالصراخ بعنف وشتم الآخرين والإندفاع بتهورعندما يتشاجر مع الآخرين.

الإرتباك الشديد بسبب الخوف وعدم القدرة على التصرف عند تعرضه للسخرية من الآخرين.

الحساسية الشديدة للنقد حيث يتضايق بشدة عند تعرضه للإنتقاد من الآخرين.

التقلّب الإنفعالي بين الفرح والحزن وبين الضحك والبكاء.

الخوف من أشياء كثيرة كالمدرسة والجنس والعلاقات الأسرية.

الاهتمام بالمظاهر الشخصية في الملبس والمأكل والعناية بالجسم.

الغضب والغيرة يعتبران من الإنفعالات الشائعة عند المراهق.

4- خصائص النمو الاجتماعي:

الميل إلى الاستقلال والإعتماد على النفس في اختيار الأصدقاء والملبس والدراسة.

الميل إلى شلة معينة من الأصدقاء يتقيد بآرائهم ويجد التقدير والراحة والمتعة والفهم لديهم، والذي لا يجده في المنزل أو المدرسة.

الميل إلى مقاومة السلطة في المنزل والمدرسة عندما تتعارض آراءهم مع آراء شلة الأصدقاء.

المنافسة في اللحاق بالآخرين أو التفوق عليهم.

الميل إلى الجنس الآخر في محاولته جذب الإنتباه إليه عن طريق أناقة المظهر الشخصي أو امتلاك أشياء مثيرة.

* كيفية التعامل مع المراهقين:

إن التعامل مع المراهقين يحتاج إلى إلمام تام بالمتغيرات التي تحدث في هذه المرحلة ومعرفة جيدة بمتطلباتها لكي يتم اتخاذ الطرق السليمة للتعامل المناسب،حيث أن عدم الإلمام أو الجهل بالمتغيرات التي تحدث للمراهق تنعكس سلباً على سلوكه وقد تؤدي به إلى اتخاذ خطوات خطرة قد تترك أثرها على حياته ومستقبله.

وقد سبق لنا القول إن المراهق يتسم بشيء من التمرد في هذه الفترة، وهنا تكمن مسؤولية الأهل في تفهّم هذا التمرد واستيعابه وعلاجه، ويمكن القول إن العلاج يكون بالوسائل التالية: السماح للمراهق بالتعبير عن أفكاره الشخصية، وتوجيهه نحو البرامج الفعالة لتكريس وممارسة مفهوم التسامح والتعايش في محيط الأندية الرياضية والثقافية، وتقوية الوازع الديني من خلال أداء الفرائض الدينية، والتزام الصحبة الصالحة، ومد جسور التواصل والتعاون مع أهل الخبرة والصلاح في المحيط الأسري وخارجه، ولا بد من تكثيف جرعات الثقافة الدينية، والإشتراك مع المراهق في عمل أنشطة يفضلها، وذلك لتقليص مساحات الإختلاف وتوسيع حقول التوافق وبناء جسور التفاهم، وتشجيع وضع أهداف عائلية مشتركة واتخاذ القرارات بصورة جماعية مقنعة، والسماح للمراهق باستضافة أصدقائه في البيت مع الحرص على التعرف إليهم والجلوس معهم لبعض الوقت،

اذن على الأهل أن يراعوا الأمور المتقدمة، وأن يبذلوا جهدًا فى تغيير توجهاتهم وأساليبهم وطريقة تعاملهم مع المراهق وأهم ما يمكن التوصية به يتمثل فى النقاط التالية:

• الاهتمام بإعداده لمرحلة البلوغ، وأن يوضحوا له أهمية مرحلة المراهقة لإثبات الذات وتحقيق النجاح.

• تقوية وتدعيم الوازع الديني لما له من أهمية في خلق الرادع الذاتي وتدعيم الحصانة الأخلاقية والروحية.

• إظهار الإهتمام والتقدير لما يقوله عند الحديث معه.

• إستضافة أصدقائه والتعرّف عليهم عن قرب، وإبداء الاحترام لهم.

• الثناء على أصدقائه ذوي الصفات الحسنة مع مراعاة عدم ذم الآخرين.

• تشجيعه على تكوين صداقات جيدة، وعدم إشعاره بأنه مراقب،أو بفرض شخص ما عليه لا يريده.

• الحرص على الإجتماع الأسري ( تناول وجبات الطعام معه.(

• إبداء الفخر به أمام أقاربه وأصدقائه.

• حثه وتشجيعه على ممارسة رياضة يحبها، ولا يفرض عليه نوعًا معينًا من الرياضة.

• مكافأته على أعماله الجيدة.

• محادثته كصديق مقرب، والتعاطي معه على أنه فرد مسؤول.

• اختيار الوقت المناسب لبدء الحوار معه.

اختيار الأسلوب المناسب عند المحاسبة أو التوجيه ,الإبتعاد عن الكلمات النابية أو المحقّرة.

• الحرص على الوصول إلى قلبه قبل عقله.

* توجيه:

لا بدّ لنا أن نأخذ بعين الإعتبار البيئة المجتمعية التي يعيش ضمنها المراهق والمراهقة في هذه المرحلة، وما تحويه من مخاطر على مستوى السلوك، بحيث لا يمكن تجاهل الدور السيء الذي تلعبه وسائل الإعلام والإعلان في إشاعة الرذيلة وروح الفساد والإنحطاط الأخلاقي، بما يترك تأثيره الواضح على الذهنية الشبابية، وبالتالي يؤدي إلى انتاج جيل مستهتر فاقد للمبادئ والقيم الرفيعة، من هنا فإنني أرى مسؤولية الأهل مضاعفة في هذه المرحلة في رعاية واحتضان أابنائهم وبناتهم المراهقين والمراهقات، وتوفير البيئة التربوية المحصّنة وإيلائهم الإهتمام الكافي، والإستماع إلى همومهم ومشاكلهم وتساؤلاتهم، وإبداء الإهتمام بهواجسهم وتطلعاتهم وعدم احتقارها أو الإستخفاف بها.

إن على الأهل أن يدركوا أن التعاطي مع المراهقين ليس بالأمر الهين وإنما يحتاج إلى خبرات تربوية، وتنوع في الوسائل والأساليب التي تترك أثرا طيبا في شخصية المراهق.

إن الضمانة الأكيدة لتربية شبابية رائدة إنما يكمن بمدى موفقية ونجاح الأهل بربط المراهق والمراهقة بالأسرة وعدم التسرّب منها إلى المحيط الإجتماعي البديل عن البيت الأسري الذي لا يحقق له الطمأنينة والإستقرار، ولا يلبي حاجاته لتحقيق الذات أو إبداء الرأي أو تحمّل المسؤوليات، كما لا يشبع نهمه للمعرفة وحب الإطلاع.

كما لا بدّ لي من التأكيد على أهمية التربية الدينية في هذه المرحلة الحساسة،لأن لها الأثر الفعّال في غرس السكينة والطمأنينة في شخصية المراهق الثائرة والمتمردة، كما أن الإلتزام الديني يعزز الرادع الأخلاقي والمسلكي، ويشكل حائلا متينا بين المراهق ورغباته ونزواته الجامحة. من هنا فإن على الأهل الأعزاء أن يمهدوا السبل أمام أبنائهم وبناتهم نحو تحصيل المعرفة والثقافة الدينية، وتعزيز الجانب العبادي والإيماني في سلوكهم من خلال ارتياد المساجد والمشاركة في الأنشطة الدينية المتنوعة، وإعداد برامج مطالعة هادفة تصقل نفوسهم بالمعارف الغنية، وتطفأ الكثير من علامات الإستفهام في داخلهم.

* كاتب وباحث لبناني

تعليقات: