إبراهيم بيضون..رمز فكري وابن الجامعة اللبنانية والعاملي الرافض لتزوير التاريخ

فضل الله ومنيمنة يسلمان الدرع إلى بيضون (علي لمع)
فضل الله ومنيمنة يسلمان الدرع إلى بيضون (علي لمع)


«المركز الإسلامي الثقافي» يكرم الباحث والمؤرخ إبراهيم بيضون..

لم يكن التكريم ما يثير حماسته، ولم يرضخ للاغوائية في مسيرته العلمية الطويلة، أما أن يأتي التكريم من مؤسسة مرشدها المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله، فهو شأن آخر، وهو فوق ما كان يتوق إليه ودونه كل الأوسمة الذهبية التي يتباهى بها العديد. بهذه الكلمات توجّه الباحث والمؤرخ اللبناني الدكتور إبراهيم بيضون، الى زملاء وأصدقاء ورفاق درب في الجامعة اللبنانية، في الاحتفال التكريمي الذي أقامه المركز الإسلامي الثقافي - مكتبة العلامة السيد فضل الله، في قاعة الزهراء الملحقة بمجمع الإمامين الحسنين.

كتاباته ومؤلفاته تشهد له على حرارته العلمية، فكان الحضور مميزاً، كيف لا والمكرم علم من أعلام الجامعة اللبنانية، ورمز من رموز الفكر العربي، كما شهد بذلك وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة، وهو من أتقن بجدارة حضارية لغة التاريخ، سبر الأغوار متسلحاً بعقل نير ومتوثب، قرأ التاريخ بعينين مفتوحتين، كما وصفه مدير المركز الثقافي الإسلامي شفيق الموسوي. والمكرم أيضاً، هو من كتب سلسلة مقالات نشرت على صفحات «السفير» في ملف بعنوان «المشي فوق الذكريات؛ من الخيام إلى بنت جبيل مروراً بشبعا»، فكانت تحية من ناشر ورئيس تحرير «السفير» طلال سلمان، ولأنه متعلق بقيم موروثة هي في أعلى سلم الهرمية القيمية عنده كالوفاء والثبات على المودة والتي هي الاسم الآخر للمحبة في الصحبة والصداقة والعشرة الطيبة، شارك رئيس الرابطة الثقافية - انطلياس الدكتور انطوان سيف، متحدثاً عن سيرة بيضون المحاضر والمؤرخ والباحث والمؤلف.

أصدقاء كثر حضروا تلك الأمسية ففضلا عن السيد علي فضل الله ممثلا السيد محمد حسين فضل الله، حضر أصدقاء من «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» حيث تولى دوراً بارزاً فيه منذ السبعينيات حتى التسعينيات بوصفه نائباً لأمينه العام، وأيضاً إلى جانب نشاطه المذكور، كما تولى بيضون دوراً رائداً في «مؤسسة عامل» إلى جانب صديقه الدكتور كامل مهنّا، وغيرهم كثر من رجال الثقافة والتربية والإعلام.

بداية الحفل بتقديم من جعفر عقيل، وكلمة للموسوي تحدث فيها عن المكرم بقوله «ترى في الحق والحقيقة رمز صدق التاريخ والبعد عن الزيف. عندما تتعالى الأصوات وتحاول ان تغيب المشاهد المشرقة والعناوين المحملة بحزم الضوء، فإن كل هذه الأصوات مضافاً الى كل هذا الصخب، لا يمكن ان يعم الهدوء إلا على أيدي هذا المؤرخ الذي أعار عقله للحق والحقيقة ولم يعره للبلاط او السلطان، لأنكم كما تعرفون ان التاريخ عندما يكون في خدمة البلاط وعهدة السلطان لا يكون التاريخ إلا جسر عبور الى الكهوف المظلمة التي تنضح جدرانها برائحة الظلمة، وفي ظل محاولات إخفاء التاريخ على أيدي الكتبة الكسبة، بقي هذا الجنوبي العاملي المسكون بحب المقاومة وفلسطين خارج معادلاتهم، متمسكاً بمعادلته الخاصة، معادلة الحرية والإنسانية وكرامة الانسان، ايا كان هذا الانسان».

وركز منيمنة على الصديق الذي يعرفه لأعوام طويلة «صاحب شخصية رحبة، لا تخشى ان يؤدي الاختلاف معه الى خصومة، ولا يحمل حديثه، المنطوق أو المكتوب، أية أملاءات، بل يتطوّع عقلك للإقبال بلهفة على قوله، لأنه يصنع لك من وثائق التاريخ التي ألفتها، تاريخاً آخر ذا راهنية إنسانية ومحملا بصور اجتماعية ومعرفية مكثفة».

ولم يدع منيمنة المناسبة تمر من دون أن يعرج على الشأن التربوي وورشة العمل التي أطلقها لترجمة بنود البيان الوزاري، أملاً «ان نستثمر الأجواء الوفاقية التي تسود الداخل اللبناني لتفعيل مؤسسات الدولة، وتوفير شروط حياة كريمة للمواطن اللبناني، ليس في تأمين ضروراته الأساسية من غذاء وامن وصحة وتعليم فقط، بل في النهوض به لمواكبة تحولات العالم واستيعاب متغيراته، ليصبح مواطناً يعي مواطنيته بما لها وما عليها، ويصير فردا فاعلا لا متلقيا، ومنتجا لا مستهلكا».

وتمنى أخيراً للدكتور بيضون الذي هو «احد أعلام الجامعة اللبنانية دوام الصحة والعطاء وندعو لهذا الوطن بكل خير وتقدم».

ورأى طلال سلمان أننا «أمام امتحان جدي خطير، أكثر مما في حفل تكريم.. امتحانه يحصرنا ويحاصرنا بين كبيرين من بلادنا تعلمنا منهما الكثير، وما زال أمامنا الكثير نتعلمه منهما مما يتصل بشؤون الدين والدنيا، والعلاقة بين الانسان ووجدانه، والفكر هو مساحة التلاقي بين الأرض والتاريخ والعلم هو مرجع اليقين». ليتابع «هل هي مصادفة أننا محاصرون بين عامليين أولهما مرجعية مميزة في التنوير (السيد محمد حسين فضل الله)، وثانيهما أحد شعراء الأرض بتاريخها...».

وقال «بقدر ما نختلف في لبنان على التاريخ فإننا نتفق على هذا المؤرخ بالذات ومعه، ليس لأنه صديقنا بل لأنه كتب بعقله كما بقلبه بعلمه ودراساته، كما بوعيه ومعرفته بناسه في أرضهم».

وختم: «تستحق التكريم لأنك لم تسكت عن التزوير ولم تقبل ان تكون شاهداً على عملية التزييف الهائلة التي تعرض لها تاريخنا على امتداد هذه الأرض العربية لنغدو وكأننا طارئون عليها او غزاة عابرون في جمل عابرة، لقد اكدت لنا ما عرفته يقينا بدراساتك كما بقراءتك الواقع: إننا من الأرض وإليها وهي منا وفينا واليها المآب».

وقال الدكتور سيف «السيرة الاكاديمية لإبراهيم بيضون نأت بنفسها عن سير عدة تداخلها، وكثيرها اشترطها وقعد ركائزها ووجّه منطلقاتها ومسالكها... لقد امتطى أحلاماً كثيرة قبل ان يصل الى بوابة التاريخ التي ولجها تأليفاً في أواسط العقد الرابع... وإسلامه وتشيّعه وعروبته ومقاومته، فيها الكثير من الفرادة الشخصية على العاصية، شخصية أبولونية، يشاهد العالم ويشهد لمآسيه من غير أن يكون منخرطاً فعلاً فيه».

وقبل كلمة المحتفى به، تسلم بيضون درعاً تذكارية من المركز، سلمه إياه الموسوي بحضور الوزير منيمنة، والسيد علي فضل الله، ومدير عام جمعية المبرات السيد محمد باقر فضل الله، ليلقي بعدها كلمة معتبراً ان تكريماً يأتي من مؤسسة مرشدها المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فهو شأن آخر ودونه كل الأوسمة الذهبية التي يتباهى بها العديد... من بيت السيد تعرفت الرصانة وصفاء الانتماء، من الأب الجليل الساطع وجهاً وعلماً وإيماناً، وأخذني الانبهار مبكراً بالابن الشاعر الصاعد فقهيا الى المرجعية، والابن الثاني الواعد كان أول الأصدقاء وأول من سار بي الى الطريق التي عليها درجت. في هذه المدرسة ترعرعت فكانت المنبع الذي منه نهلت الإسلام، القيم، الأدب، القضية، التاريخ، الرسالة، كذلك الممانعة التزاما راسخا لم تنل منه السنون الثقال، وها هو السيد قطب المدرسة في مداها الأوسع وانا بعد اتفيأ بظلالها، مسكونا بهالة المقام على كثير من الاعتزاز، لكأني فزت لتوي بالامتحان الصعب وحزت الإجازة بلغة الفقه، فما أبهى حينئذ التكريم». ليختم كلمته شاكراً المركز الإسلامي الثقافي والخطباء والحضور، ومتوجها إليهم بكل مشاعر الود والامتنان.

طلال سلمان
طلال سلمان


شفيق الموسوي
شفيق الموسوي


انطوان سيف
انطوان سيف


تعليقات: