مراجعات لمذكرات انطوان لحد

النسخة العبرية لكتاب \
النسخة العبرية لكتاب \"حكاية لبنان\"


المادة الاسرائيلية في الصحافة العربية واللبناني:

التحدي المهني - السياسي الجديد

تجري "قضايا النهار" كصفحة رأي مراجعات لنوع تناولها القضايا المحلية والخارجية.

في هذا الاطار لا شك ان المادة الاسرائيلية تحتل مكانا اساسيا بعد التحولات الكمية والنوعية التي طرأت عليها منذ بدأ الاهتمام المتخصص بهذه المادة "العدوة" في الصحافة اللبنانية عموما وفي "السفير" و"النهار" خصوصا. انه سياق طويل كانت نقطة تحوله النوعية في اوائل الثمانينات من القرن المنصرم عندما بدأت الصحف اللبنانية للمرة الاولى نشر المقالات الاسرائيلية، اي التي يكتبها اسرائيليون بدون اقتطاع اي جزء منها من جهة وبدون استباقها بمقدمة "تعبوية" من جهة اخرى.

لقد افتتحت المخابرات المصرية في عهد الرئيس عبد الناصر ما يمكن اعتباره اول "مدرسة" غير معلنة لرصد المادة الاسرائيلية عبر تدريب كوادر مختصة بمعرفة اللغة العبرية، ثم تلتها منظمة التحرير الفلسطينية عبر "مركز الابحاث الفلسطيني" الذي كان يصدر نشرة رصد اذاعة اسرائيل ويرعى الدراسات الاسرائيلية ناقلاً بعض الخبرات العربية المكرسة إلى خارج إسرائيل وبينها صبري جريس صاحب أول كتاب بالعبرية عن "عرب إسرائيل" صدر في حيفا عام 1966 ونقله المركز إلى العربية.

ظهرت في السبعينات "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" التي ساهمت في "تخريج" جيل جديد متخصص باللغة العبرية والدراسات السياسية والاقتصادية والامنية على اسرائيل. ولا تزال تقوم بجهد بحثي رصين وصامت في معظم الاحيان انطلاقا من مركزها في بيروت.

بالنسبة للبنان كان عام 1982 منعطفاً مهما في المجال المهني! صحيح ان الاجتياح الاسرائيلي فتح الاحشاء اللبنانية بشكل عنيف على الهواء الطلق، لكن كان كل انقضاض اسرائيلي يفتح بفعل وحشيته نفسها "احشاء" اسرائيل امامنا ايضا.

هكذا كل تداخل مدهش في انتاجه لنوع ما "متعادل" بين الغازي والمغزو. وصل صحافيون اسرائيليون الى قلب بيروت، انفجر الوحل اللبناني في وجوه المجتمع الاسرائيلي وتحولت مجزرة صبرا وشاتيلا الى فضيحة جماعية اخلاقية للشعب الاسرائيلي... كما للجماعات اليهودية في الشتات. (ومجرد "فضيحة" سياسية في بيروت؟!)

من كل هذا الخضم كانت المادة الاسرائيلية تصبح "مألوفة" اكثر. "منزلية" اكثر... وهو التعبير الذي احب دائما ان انقله عن فرانز فانون في توصيفه لما كان عليه الاستعمار الفرنسي للجزائر... كـ"استعمار منزلي". والمدهش من هذه الناحية انه كلما كانت اسرائيل تتوغل داخلنا سياسيا وعسكريا كلما كانت "محرماتنا" تسقط حيال التعاطي مع "مادتها" بالمعنى الايجابي للكلمة، اي اسقاط المحرمات التي كانت تحول دون تفعيل معرفتنا بها. هكذا بدت معاهدة "كمب دايفيد" عام 1979 بقدر ما كانت اختراقا سياسيا للعالم العربي، فقد تحولت بشكل ديالكتيكي الى اختراق عربي معرفي لاسرائيل... ثم جاء الاجتياح الاسرائيلي للبنان ليفتح آفاقا صراعية – معرفية جديدة...

هذه قصة تطول... فما يعنينا في مجال المراجعة اليوم هو السنوات العشر الاخيرة التي شهدت سهولة لا سابق لها في وصول المادة الاسرائيلية وفي نشرها التوثيقي كانت محركها – كمواد اخرى – "ثورة الانترنت" ثم اضيفت عليها تطورات جديدة بينها صدور عدد من الصحف الاسرائيلية بنسخة انكليزية. كذلك -ولو اقل – بنسخة عربية.

لم تعد الترجمة الآن عن العبرية هي المعيار الرئيسي للتميز في المادة الاسرائيلية. اصبح نوع التقييم وجدة المادة اي المصادر الجديدة، وعمق هذه المادة هي المقياس. ولهذا اخذ المحررون العرب المختصون بالشؤون الاسرائيلية او المتابعون الجديون لها – بمن فيهم في "قضايا النهار" – يتابعون مصادر مراكز الابحاث في الدولة العبرية لرصد المعلومات والتحولات، في وقت أدت التجربة الفلسطينية المديدة في الداخل الى ولادة "شعب" بكامله من العرب يعرف اللغة العبرية من "عرب اسرائيل". معهم، بعد قيام "السلطة الوطنية الفلسطينية" إثر "اتفاق أوسلو". سيتسع عدد الكوادر الفلسطينية في الضفة الغربية (وقطاع غزة) التي تتقن اللغة العبرية.

لقد نشأ ما يمكن أن نسميه مجازاً "شعب من المختصين" بالشؤون الاسرائيلية، بمعنى الخبرات الحياتية، بما فيها اللغوية، العميقة للنضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال. ولن ننسى، بل لا يجوز أن ننسى طبعاً - ما "تُخَرِّجهُ"السجون الاسرائيلية من مختصين عرب فعليين باللغة العبرية بحكم مرارة وطول التجربة وبينهم من أصبحوا زملاء لنا في الصحافة العربية.

هناك أفكار جديدة (أو نظنها جديدة!) آتية. ومن لديه اقتراحات فـ"شعب المختصين" بالشؤون الاسرائيلية، أي اشقاؤنا الفلسطينيون في "الداخل" والضفة والقطاع. كما نخبهم في الشتات، يزداد نموه المعرفي عبر النضال اليومي بين المدارس النوعية (أي السجون الاسرائيلية) وبين الجامعات والمدن والقرى التي تخترقها المستوطنات وتفسد حياتها.

المادة الاسرائيلية خطيرة. لكن أهم ما تحقق في الثلاثين عاماً الاخيرة هو سقوط "التابو" بالحظر عليها. صار نشرها كما هي لا يثير مخاوف خصوصاً مع انضمام خبرات جيل جديد من الاصوليين في فلسطين ولبنان والمنطقة جعلته ثقته النضالية بنفسه أكثر قابلية لكسر "المحرم"، وهو بحكم فكره الديني جيل الانتماء لأكثر المحرمات تقديساً! (إذن المكسب هنا مكسبان). إنجاز تحقق تدريجياً بجهود وسجالات داخل مجالس تحرير صحف وضد سلطات الرقابة الرسمية التي حاولت أواخر التسعينات (في بيروت) منع قراءة الصحف الإسرائيلية على الإنترنت وفشلت. ولا تزال إلى الآن تمنع التقاط بث قنوات التلفزة الإسرائيلية.

باختصار... وعبر الصحافة أصبح الجمهور العادي أكثر معرفة واطلاعاً على العدو.

الآن علينا أن ننتقل في مجال الثقافة العامة حول اسرائيل الى مقدرة على التقييم أعلى، الصحافة هي ميدانها الأفعل. ودائماً في هذا الصراع الشامل المفروض علينا والذي أفسد حياة جيلين عربيين منذ العام 1948... وقضى على أفق التطور الديموقراطي في دولنا بعد النصف الاول من القرن العشرين... النصف الذهبي والواعد لليبرالية العربية... الذي لا يمكن إعادة اطلاقه - على ما تؤكد التجربة التاريخية - بدون الانتهاء من الصراع العربي - الاسرائيلي.

جهاد الزين

مراجعتان لمذكرات انطوان لحد

أمام الواقع الذي يترابط فيه تطور الخبرة النضالية مع تطور الخبرة المهنية تحاول "قضايا النهار" أن تواكب في السعي لاشكال رصد جديدة لمصادر الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية... ناهيك بالامنية الاسرائيلية ومنها الكتب باللغة العبرية، سواء عبر الكاتب المعتمد لـ"الصفحة" خارج الكادر وهو انطوان شلحت الذي يعيش كباحث عربي في عكا في اسرائيل أو عبر محررة الشؤون الاسرائيلية رندة حيدر التي ستتكيف مساهماتها الآتية مع هذه الخطة الجديدة... والى كل ذلك بل أحياناً قبله الاستمرار شبه اليومي في نشر الترجمات من "المصدر" التي يؤمنها القسم العربي والدولي وهي خدمة ترجمة يومية يرسلها مكتب فلسطيني متخصص من الارض المحتلة لكل افتتاحيات الصحافة الاسرائيلية مع أبرز عناوين أخبارها. خدمة أصبحت لا غنى عنها!

هنا اليوم مراجعتان لكتاب "مذكرات انطوان لحد" بالعبرية والذي صدر عام 2004 ولم يأخذ ما يستحق من اهتمام.

"قضايا النهار"

سيرة ذاتية تحت وطأة الغضب

من "سوء الختام"!

بفلم أنطـوان شلحـت - عكا

يمكن تقسيم كتاب "في عين العاصفة - خمسون عاماً في خدمة وطني لبنان"، الذي يضم بين دفتيه سيرة حياة الجنرال أنطوان لحد، قائد "جيش لبنان الجنوبي" المنحل، والصادر بالعبرية في عام 2004 عن منشورات "يديعوت أحرونوت"، قسمين رئيسين: الأول- قسم السرد التاريخي لأبرز احداث لبنان خلال الفترة بين الأعوام 1948- 2000، وذلك من زاوية الرؤية الخاصة بالمؤلف، وهي رؤية مؤدلجة من ألفهـا إلى يائهـا بفكره الشخصي؛ والثاني- قسم الاستنتاجات المترتبة على رؤيته وفكره وما آلت إليه تجربته العامة والخاصة. وقد ارتأى أن يوجّه استنتاجاته، في معظمها، إلى اللبنانيين بواسطة آخر فصل من الكتاب، والذي حمل عنوان "نداء إلى اللبنانيين الذين يثير وضع بلدنا قلقهم".

غير أن لحد يؤكد، من جهة أخرى، أن كتابه موجّه بدرجة ليست أدنى إلى الإسرائيليين أيضاً، وأنه بادر إلى تأليفه وهو رازح تحت وطأة الغضب الشديد من "سوء ختام" معاملة حكامهم له: "لقد تملكني غضب شديد جراء الانسحاب الإسرائيلي (الأحادي الجانب من جنوب لبنان)، ورغبت في الكتابة عن ذلك، وعندها عكفت على مدار ثمانية أشهر على كتابة فصول هذا الكتاب، حتى من دون أن تكون في حيازتي أي مواد مساعدة" (ص 187)، لكنه سرعان ما يوضح أنه غير نادم على شيء "ولو أن الانسحاب الإسرائيلي غير المخطط أثار بي الغضب على دولة إسرائيل، التي قررت الانسحاب من جنوب لبنان بصورة مفاجئة، وفي موازاة ذلك فإنها اجتثت جيش لبنان الجنوبي من أرضه بصورة مذلة. وما يعزيني هو أن كثيرين من الإسرائيليين، الذين يصادفونني في الشارع، يعربون عن خيبة أملهم من تصرّف حكومتهم هذا".

ولدى التمعن في فصول الكتاب يصادف القارئ أن غضب الجنرال لحد على إسرائيل يعود أيضاً إلى ما يسميه "سماح" الأخيرة للقوات السورية بالدخول إلى لبنان في عام 1976، وامتناعها عن خوض مواجهة جادة مع هذه القوات في إبان حملة "سلامة الجليل" (حرب 1982)، والذي يعتبره ذنباً لا يغتفر (ص118).

وقد كان هذا الغضب وما يحيل إليه مثار تثمين مقدمتين للكتاب كتبهما موشيه ارينز، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، وإفرايم سنيه، الذي سبق أن كان عضواً في الكنيست وتولى مناصب وزارية مختلفة وكذلك منصب نائب وزير الدفاع. ويؤكد كلاهما أن سيرة حياة أنطوان لحد، كما انعكست في فصول الكتاب، هي قصة "زعيم وطني لبناني" أدرك بصورة باكـرة أن الذي يرغب في الحفاظ على استقلال لبنان وفي التخلص من سيطرة السوريين ووكلاء إيران لا بُدّ من أن تربطه مصالح مشتركة مع إسرائيل، ولذا فقد أكمـل مسيرة "زعيم وطني لبناني" آخر هو الميجور سعد حداد، مؤسس "جيش لبنان الحرّ" و"دولة لبنان الحرّة" (في عام 1979)، بعد أن توفي الأخير بمرض السرطان في كانون الثاني 1984.

في واقع الأمر فإن لحد يحرص، حتى وهو يعرض وقائع مرحلة صباه، على توكيد رفضه "الهيمنة السورية"، من جهة، وعلى التلميح بأن التقارب مع إسرائيل لا يبهظـه، من جهة أخرى. ويبدأ كتابه بسرد تلك المرحلة منذ الولادة في عام 1927 في جبال الشوف، فالدراسة في مدارس ثانوية داخلية متعددة كان آخرها في بيروت، ثم في الكلية العسكرية، التي تخرّج منها ضابطاً في عام 1950. وينتقل إلى سرد أحداث حرب 1948، من وجهة نظره، بما انتهت إليه من اتفاقيات هدنة في عام 1949، والتي وفقاً لما يقوله "فهم لبنان منها أن حربه ضد إسرائيل قد انتهت... ولذا فقد تفرّغ لاستيعاب عشرات آلاف اللاجئين (الفلسطينيين) الذين هربوا إليه".

ويشير إلى أن جذور الانقسام بين السلطة اللبنانية والمعارضة عائدة إلى النصف الثاني من خمسينات القرن الفائت، وذلك في ضوء حدثين بارزين:

الأول- ظهور نموذج "الزعيم العربي المناهض للغرب" المتمثل في شخص الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ولا سيما في إثر قراره القاضي بتأميم قناة السويس، وما استتبع ذلك من عدوان ثلاثي على مصر في عام 1956، ثم قيام الوحدة المصرية- السورية التي لم تصمد طويلاً؛

الثاني- انضمام لبنان إلى مبدأ أيزنهاور، الذي سعت الولايات المتحدة من ورائه إلى ملء الفراغ الناشئ في الشرق الأوسط عقب ضعف النفوذين البريطاني والفرنسي.

ويكتب في هذا الشأن ما يلي: "في أيار 1958 أصبح واضحاً للجميع أن لبنان منقسم معسكرين متعاديين، ولم يبق سوى أن يقوم أحد الجانبين بإطلاق أول رصاصة حتى يشتعل فتيل الحرب (الأهلية). وقد انطلقت هذه الرصاصة في الليلة الواقعة بين 7 و8 أيار 1958، وكان ضحيتها الصحافي اليساري المعروف نسيب المتني، صاحب جريدة التلغراف، وأحد كبار نقاد الرئيس (كميل) شمعون... وقد استغلت المعارضة حادث القتل هذا لقرع طبول الحرب" (ص 26). ويدعي لحد أن الملحق العسكري السوفياتي كشف له، بعد "حفلة كوكتيل"، أن وكلاء الاستخبارات السورية هم الذين ارتكبوا جريمة اغتيال الصحافي، كما يتطرّق إلى عمليات تهريب الأسلحة السورية إلى قوى المعارضة.

ولا يضنّ لحد بسهام النقد الموجّه إلى الرئيس فؤاد شهاب "الذي سمح، خلال آخر عامين من فترة توليه قيادة الجيش اللبناني، لعدد من كبار الضباط بالتدخل في الشأن السياسي العام في البلد، حتى ولو أن ذلك حدث من وراء الكواليس، وذلك بغية مساعدته في الوصول إلى غايته، وهي رئاسة الجمهورية. ولا شك في أن انخراط الضباط في السياسة ألحق ضرراً بوحدة الجيش، خاصة بعد أن ترك شهاب قيادته إلى رئاسة الجمهورية"... في الوقت نفسه "فإن انتخاب شهاب لرئاسة الجمهورية فتح الباب أمام انقلابات عسكرية وأمام شرذمة الجيش إلى ميليشيات طائفية... وقد أسفر وهـن الجيش واندثاره عن تحوّل لبنان دوّارة هواء تبدّل اتجاهها وفقاً لحركة الرياح في الشرق الأوسط" (ص 36).

لعل أهم ما يميّز الكتاب هو المعلومات، التي يوردهـا المؤلف في ما يتعلق بتاريخ "جيش لبنان الجنوبي"، والتي تعتبر بمثابة معلومات من مصدر أول. وفي هذا المجال فإن لحد يشير إلى أنه في شباط 1984، وفي أعقاب استقالته من الجيش اللبناني في عام 1983، تلقى اتصالاً هاتفياً من داني كميل شمعون أبلغه عبره أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى يطلبون عقد لقاء معه، وبعد بضعة أيام عقد هذا اللقاء في منزل لحد في الأشرفية وحضره وفد إسرائيلي أمني برئاسة الجنرال مئير داغان (رئيس جهاز الموساد الحالي)، وجرى خلاله فحص مدى استعداد الجنرال المستقيل لتولي زمام المسؤولية عن المنطقة اللبنانية الحدودية، التي كانت خاضعة لقيادة سعد حداد. ويؤكد لحد أنه قبل إعلان موافقته على العرض الإسرائيلي طلب عقد لقاء مع وزير الدفاع في ذلك الوقت، موشيه ارينز، وهذا ما حدث في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب. وفي هذا اللقاء تم الاتفاق على أن تكون غاية التعاون بين الجانبين هي "تحقيق السلام والأمن لكل من لبنان وإسرائيل". كما يؤكد أنه عندما وافق على العرض لم يكن يعرف أن الإسرائيليين ينوون البقاء في جزء من المنطقة الحدودية بعد الانسحاب.

وقد شدّ لحد رحاله إلى المنطقة الحدودية في الأسبوع الثاني من آذار 1984، وكان أول ما فعله هو تغيير اسم الجيش، الذي سيتولى قيادته، من "جيش لبنان الحرّ" إلى "جيش لبنان الجنوبي"، وإغلاق مكاتب جميع الأحزاب اللبنانية التي كانت ناشطة في المنطقة.

ويوضح الجنرال لحد أن "جيش لبنان الجنوبي" تألف من ثلاثة أقسام:

القسم الأول- جهاز الأمن، وقد ضم 250 ضابطاً وجندياً كانوا تابعين بصورة مباشرة لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك) ويتلقون أوامرهم منه. وكان جهاز "شاباك" هو المسؤول عن سجن الخيام؛

القسم الثاني- الإدارة المدنية، وهي إدارة عسكرية تُعنى بقضايا السكان المدنيين، ويقف على رأسها ضابط إسرائيلي من وحدة الارتباط العسكرية الإسرائيلية العاملة في جنوب لبنان، وكانت مسؤولة عن الخدمات الصحية والتعليمية وعن البنى التحتية وعن إذاعة "صوت جنوب لبنان"، فضلاً عن توفير أماكن عمل في إسرائيل لـ 2500 عامل لبناني؛

القسم الثالث- الوحدات القتالية، وتتألف من 2500 ضابط وملازم وجندي، وتضم لواء للقيادة والدعم اللوجستي والخدمات وفرقتين للمشاة ولواء مدرعات قوامه 55 دبابة. وقد انتشرت هذه الوحدات على 26 موقعاً عسكرياً من رأس الناقورة غرباً وحتى سفوح جبل الشيخ شرقاً.

وخلال الفترة، التي عمل هذا الجيش خلالها واستمرت ستة عشر عاماً بين السنوات 1984- 2000، قتل من بين أفراده 660 جندياً، وأصيب 250 جندياً بجروح وعاهات، ولقي 200 مدني من سكان المنطقة مصرعهم.

وقد لخص لحد مهمة الجيش في منع المقاومة (حزب الله) من السيطرة على قرى الحزام الأمني، مشيراً إلى أن التفاهمات التي تم التوصل إليها بعد عملية "عناقيد الغضب" العسكرية الإسرائيلية، في عام 1996، منحت "حزب الله" شرعية القيام بعمليات مقاومة في داخل منطقة الحزام الأمني باعتباره منطقة محتلة. كما خصص فصلين للمحاكمة التي جرت في بيروت له في عام 1996 بتهمة الارتباط مع العدو، والتي تمخضت عن إصدار حكم بالإعدام ضده، ولنشاط "حزب الله" منذ أول ظهور له في عام 1984 وحتى الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000، معتبراً أنه كان بمثابة "نجاح نفسي ودعائي" للحزب.

ولدى انتقاله إلى موضوع الانسحاب الإسرائيلي يتوقف المؤلف عند حادثتين يقول إنهما أدّتـا إلى تصاعد المطالبة في أوساط الرأي العام في إسرائيل بالانسحاب الكامل من الحزام الأمني: الأولى- حادثة القضاء على وحدة "هشييطت" العسكرية الإسرائيلية المختارة في الأنصارية، في 5 أيلول 1997؛ الثانية- حادثة مصرع قائد فرقة الارتباط الإسرائيلية في جنوب لبنان، العقيد إيرز غيرشطاين، والذين كانوا برفقته، لدى انفجار عبوة جانبية في الموكب الذي كان يقله على طريق حاصبيا- مرجعيون، في 28 شباط 1998.

ويسجل لحد يوم 17 أيار 1999 باعتباره اليوم، الذي بدأت فيه الأمور بالتدهور، وذلك في إثر فوز إيهود باراك برئاسة الحكومة الإسرائيلية، متغلباً على منافسه بنيامين نتنياهو، وكان باراك قد أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سينفذ قرار مجلس الأمن رقم 425، القاضي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان كله، حتى موعد أقصاه 7 تموز 2000، سواء من طريق اتفاق مع السوريين أو بصورة أحادية الجانب.

ويصب لحد جام غضبه على باراك، مشككاً في أنه تعهد للأميركيين والأمم المتحدة بتفكيك "جيش لبنان الجنوبي"، ولذا فإن الانسحاب لم يتم بالتنسيق معه قطّ. لكن الغضب لا ينحصر في باراك، ففي فصل خاص بعنوان "رأي شخصي ونقد" يوضح المؤلف أن أصحاب القرار في إسرائيل كلهم لم يكونوا يملكون سياسة واضحة محددة ولا معلومات عامة كافية في كل ما يتعلق بـ "جيش لبنان الجنوبي"، الذي بقي دائماً على هامش الأحداث، على الرغم من تضحياته الجسيمة. فضلاً عن ذلك فإنه عشية الانسحاب في عام 2000 دججت تصريحات سياسية صادرة عن جهات إسرائيلية كثيرة فحواها "لا يجوز الانسحاب من دون ضمان سلامة حلفائنا" أجواء تفاؤل في صفوف أفراد "جيش لبنان الجنوبي" وسكان منطقة الحزام الأمني، لكن سرعان ما اتضح "أنه لم يكن ثمة من يمكن الاعتماد عليه في هذا الشأن". ويوجز لحد المشكلة المركزية لوقائع الانسحاب على النحو التالي: في الوقت الذي كان أفراد "جيش لبنان الجنوبي" وسكان الحزام الأمني يكنون الثقة المطلقة للجيش الإسرائيلي، ولذا فإنهم أوكلوا إليه أمر اتخاذ القرارات المصيرية كلها، فإن الإسرائيليين في معظمهم، كما تبين لاحقاً، لم يكونوا واثقين بتاتاً ببعض وحدات هذا الجيش، وخاصة المؤلفة من أكثرية شيعية.

بناء على ذلك فإن نتائج الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان كانت، في عرف لحـد، كما يلي:

- هزيمة "جيش جنوب لبنان" وإذلاله؛

- تحقيق انتصار كبير لـ"حزب الله"، الذي أصبح يحظى بدعم غير مسبوق من سوريا وإيران، وبات قوة ردع ذات وزن حاسم في مقابل إسرائيل والحكومة اللبنانية؛

- رأت الدول العربية المجاورة لإسرائيل في هذا الانسحاب نقطة ضعف إسرائيلية؛

- بدأ الفلسطينيون بالنظر إلى "حزب الله" باعتباره نموذجاً يُحتذى في سياق جعل إسرائيل تنسحب من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ختاماً، ربما يضيق المجال لإيراد آراء إسرائيلية لاحقة تنطوي على تزكية لهذه النتائج، مع ذلك لا بُدّ من ملاحظة أن هذه الآراء، على كثرتهـا، لم تعوزهـا أي حاجة لأن تنسبها إلى الجنرال لحـد. وإن دلّ هذا على شيء، فإنه يدل على مبلغ استكبار الإسرائيليين، في غالبيتهم، اضطلاعه بهذا الدور، حتى ولو أطلّ عبر صفحات هذا الكتاب، الذي تبقى أهميته في قراءتهم منحصرة في تأريخ مرحلة أصبحت معه، باعتباره أبرز رمز لها، في خبر كان، إسرائيلياً ولبنانياً على حدّ سواء.

(باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار)

"حكاية لبنان" في جزئها المحيِّر

بقلم رنده حيدر - بيروت

من الصعب على قارىء السيرة الذاتية لأنطوان لحد "في قلب العاصفة خمسون عاماً في خدمة وطني لبنان"(1) ألا يشعر بالمرارة مرتين. المرارة الاولى مصدرها الذكريات السوداء لحقبة مؤلمة من تاريخ لبنان، والمرارة الثانية مصدرها الكاتب نفسه،الذي أراد أن تكون سيرته الذاتية فعل ندامة للأعوام الطويلة لتعاونه مع إسرائيل بصفته قائداً لجيش لبنان الجنوبي، فإذا بها تتحول قصة فشل كبير.

رغم ذلك، تبدو حكاية أنطوان لحد عن تجربته جزءاً لا يتجزأ من "حكاية لبنان" على حد قول افرا ييم سنيه في مقدمة الكتاب، وهو الذي شغل منصب نائب رئيس الأركان الإسرائيلي خلال فترة غزو لبنان، وعرف أنطوان لحد عن كثب. وهي بهذا المعنى شهادة حية للفشل الكبير للسياسة الإسرائيلية في لبنان، وللتجربة المرة التي خبرها كل اللبنانيين الذين راهنوا في فترة من الفترات على تحالفهم مع إسرائيل، ومن بينهم أنطوان لحد الذي يقول أنه حتى شباط 1984 لم يكن قد التقى بأي إسرائيلي في حياته باستثناء الضابط الإسرائيلي الذي كان معه في دورة ضباط في الكلية العسكرية في فرنسا خلال 1972-1973.

ويبقى الأمر المحير كيف يمكن ضابطا كبيرا في الجيش اللبناني تنقل في قيادات مختلفة ومناطق عدة، وارتقى الى أعلى الدرجات العسكرية، وعاصر جميع رؤساء الجمهوريات اللبنانية بدءاً من بشارة الخوري الذي له صورة في حفل تخرج لحد من الكلية العسكرية وانتهاء بالرئيس إميل لحود، وعايش أحداثاً مفصلية من تاريخ لبنان الحديث، أن يقتنع بأن توليه قيادة جيش لبنان الجنوبي بعد وفاة سعد حداد هو للدفاع عن لبنان وحماية استقلاله؟

فأنطوان لحد كما يبدو في الكتاب هو بالدرجة الأولى إبن المؤسسة العسكرية، وإبن الشوف، شمعوني الهوى، وخريج الشعبة الثانية. هو باختصار النموذج التقليدي للعسكري والموظف اللبناني، الذي يحب بلده ويتعلق بعائلته، وهو الذي تزوج في سن متأخرة نسبياً اي في الثانية والأربعين من إمرأة تصغره بأكثر من 18 عاماً، والذي اضطرته ظروف تعاونه مع إسرائيل ومحاولة إغتياله الى العيش بعيداً عنها. هي في فرنسا وهو في إسرائيل. كيف يمكن شخصا مثله ان ينهي حياته المهنية والعسكرية بمثل هذه النهاية التي لم تحمل له سوى خيبات الأمل والألم الذي تحدث عنه بوضوح في الفصول الأخيرة من كتابه عندما اتهمه أنصاره أنفسهم بأنه خانهم؟

أنطوان لحد "اللبناني"

يقسم كتاب لحد إلى قسمين أساسيين: الأول يتناول الأحداث الأساسية التي عاصرها لحد كضابط في الجيش اللبناني وفي الشعبة الثانية؛ وقسم ثانٍ يروي تجربته كقائد لجيش لبنان الجنوبي. واللافت أن القسم الأول من الكتاب هو الذي اشتمل على عدد من الأسرار بعكس القسم الثاني.

من أبرز الأشياء التي يكشف عنها لحد في الجزء الأول من كتابه أن من كان وراء اغتيال الصحافي نسيب المتني صاحب جريدة" التلغراف"عام 1958، وهو الذي كان من أشد المعارضين للتمديد للرئيس كميل شمعون وشكل اغتياله شرارة الأحداث آنذاك هو الاستخبارات المصرية التي حاولت الصاق التهمة بكميل شمعون. اما المصدر الذي أبلغ لحد بهذه المعلومة فهو القنصل العسكري السوفياتي في بيروت. كما يكشف لحد بأن منفذ عملية إغتيال معروف سعد في صيدا والتي شكلت تباشير الحرب الأهلية في لبنان هو مقاتل من "الصاعقة" بواسطة مسدس يستخدمه الجيش اللبناني، كي تلصق التهمة بالجيش.

كل الأحداث التي ينقلها لحد عن السنوات التي سبقت عام 1984 العام المفصلي التي شهد تحوله من ضابط لبناني، الى أهم حليف لإسرائيل في لبنان لا تعكس شيئاً أو لا تبشر بشيء عما ستحمله الأعوام المقبلة من تغييرات جذرية على حياته. فهو يبدو كأي ضابط لبناني معني بما يجري في بلاده وضد أي تدخل خارجي في شؤونها، سواء أكانت الاستخبارات المصرية خلال فترة الخمسينات ومطلع الستينات، او الاستخبارات السورية بدءاً من السبعينات.

أنطوان لحد "الإسرائيلي"

نقطة التحول في حياة لحد كانت في شباط 1984. في ذلك اليوم تلقى لحد اتصالاً من داني شمعون أبلغه فبه أنه دبر له لقاء مع مسؤولين إسرائيليين. جرى اللقاء في بيت لحد في الأشرفية مع مئير داغان رئيس "الموساد" حالياً والذي اختارته وسائل الإعلام رجل العام في 2009. يقول لحد إنه وافق على تولي قيادة جيش لبنان الجنوبي من دون ان يعرف ان الإسرائيليين ينوون البقاء في الجنوب. ولكن من الآن فصاعداً تبدأ قصة أخرى ومختلفة لهذا الرجل الذي أراد أن يصبح بطلاً فتحول خائناً محكوماً عليه بالموت بتهمة الخيانة العظمى، لينهي أيامه صاحب مطعم في تل أبيب، يشغل وقته بكتابة مذكراته وبتعلم اللغة العبرية.

من الأمور اللافتة في هذا الكتاب الذي رصد بكثير من التفاصيل أحداثاً مثل الإنقلاب الذي قام به الحزب القومي السوري ورصد المحطات المهمة في عهود رؤساء الجمهوريات الذين تعاقبوا على الحكم، أنه لم يخصص أكثر من صفحة واحدة للعلاقات التي أقامتها الأحزاب المسيحية مع إسرائيل في أواسط السبعينات . يقول لحد ان حزب الكتائب اشترى عتاداً وسلاحاً من إسرائيل بقيمة 150 مليون دولار، وان الحزب حصل على السلاح في مطلع 1976. ولا يعرف لحد من أين تدبر الحزب المبلغ.

من بين الأمور التي تسترعي الإنتباه ما يرويه لحد عن أن كل الزعامات المسيحية في لبنان مثل بيار الجميل وبشير الجميل وكميل شمعون كانوا على علم مسبق بموعد دخول القوات الإسرائيلية الى لبنان عام 1982، وأنها ستصل الى مداخل بيروت. يقول لحد إن أحد هذه الزعامات اخبره بذلك، والأرجح هو كميل شمعون الذي ربطته بلحد علاقة وثيقة كونه إبن منطقته ومقربا منه. وهذا أمر مثير للإستغراب نظراً الى أن الخطة الأساسية لعملية "سلامة الجليل" التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية برئاسة مناحيم بيغن هي تلك التي تعهد فيها وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون ان يتوقف تقدم القوات الإسرائيلية عند حدود نهر الأولي اي على بعد 42 كيلومتراً من الحدود، وبذلك يكون الجيش الإسرائيلي قد حقق الهدف الأساسي المعلن للعملية العسكرية أي إبعاد المستوطنات في الجليل عن مدى نيران صواريخ الكاتيوشا الفلسطينية. ولكن شارون سرعان ما خرج عن هذه الخطة بعد نجاحه في ظرف ايام قليلة في دحر القوات الفلسطينية، واجبارها على الإنسحاب نحو العاصمة ليتقدم بسرعة نحو محاصرة بيروت، والسيطرة على طريق دمشق وليعقد مؤتمره الصحافي الشهير في بعبدا. وسيشكل هذا التطور العسكري نقطة خلاف وجدل كبيرين في إسرائيل بين الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى والتي اتهمت شارون بأنه قد خرج عن الأهداف الأساسية للحملة العسكرية لينفذ مشروعاً سياسياً هو تغيير وجه لبنان السياسي. وكان مناحيم بيغن في أيامه الأخيرة قد اعترف بأن شارون خدعه ولم يطلعه في حينها على خطته الكبرى، التي على ما يبدو كان أطلع الزعامات المسيحية عليها وحاول التنسيق معهم مسبقاً.

ينتقد لحد خطة شارون في إقامة نظام سياسي جديد في لبنان قادر على توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، في الوقت الذي ما زالت فيه سوريا تسيطر على أجزاء مهمة من لبنان. في رأي لحد استطاعت حرب إسرائيل عام 1982 القضاء على دولة "فتح" في لبنان ولكنها استبدلتها بدولة "حزب الله".

لم يشمل الكتاب أي عملية تقويم أو نقد ذاتي للأعوام الـ16 التي قضاها أنطوان لحد قائداً لجيش لبنان الجنوبي حتى الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الذي نفذته إسرائيل في أواخر شهر أيار من عام 2000. ولا يخفي استياءه الكبير من الطريقة التي نفذ بها إيهود باراك الإنسحاب، وهو يعتقد بأن الاخير تعهد أمام الأميركيين بحل جيش لبنان الجنوبي، من دون ان يعمله بذلك، ويلمح الى أن الانسحاب جاء بالتنسيق مع "حزب الله". هذا ما يقصده في تساؤلاته التالية: "لماذا لم تسقط خلال الإنسحاب قذيفة واحدة على المواقع الإسرائيلية، وإنما استهدف القصف مواقع جيش لبنان الجنوبي فقط؟ ولماذا بعد انسحاب القوات التابعة لي، وعلى الرغم من بقاء القوات الإسرائيلية لمدة 24 ساعة بعدها لم تقع أية مواجهة بينهم وبين "حزب الله"؟ ولماذا قام عناصر الحزب بسرقة سيارات الجيش الإسرائيلي بالقرب من المطلة تحت أنظار الجيش الإسرائيلي من دون أن يحرك ساكناً؟".

يروي لحد أن "الموساد" طلب من عملائه قبل 15 يوماً من الإنسحاب أن يتخلصوا من كل الوثائق، وأمرهم بالمغادرة الى إسرائيل قبل ثلاثة أيام من موعد الإنسحاب. وينقل الطريقة المفاجئة التي نفذ بها الإسرائيليون انسحابهم من القرى والبلدات الجنوبية، وكيف وجد جنود لحد وعائلاتهم انفسهم وجهاً لوجه امام تقدم المدنيين والمقاتلين التابعين لـ"حزب الله" الأمر الذي زرع الهلع في نفوسهم فهربوا في اتجاه الحدود مع إسرائيل حيث وقفوا ساعات طويلة على المعبر قبل ان تسمح لهم إسرائيل بالدخول الى أراضيها.

لحد الذي، قادماً من باريس، انتقل فوراً الى الحدود لدى سماعه أخبار سقوط المنطقة، التقى عند المعابر باللبنانيين الهاربين الذي صرخوا في وجهه عندما شاهدوه: "خائن" اعتقاداً منهم أنه كان على علم بالانسحاب وأنه تخلى عنهم.

خصص لحد في كتابه فصلين كاملين لمعالجة العلاقات السورية - اللبنانية، وللحديث عن تركيبة النظام السوري، وعن موقف سوريا من عملية السلام. وهو يبدو هنا من المؤمنين بأن لبنان لن يكون بلداً مستقلاً طالما ما زالت سوريا تسيطر عليه، ويرى أن قوة سوريا هي في قدرتها على الصمود واستخدام الوقت لمصلحتها. وحسب قوله: "الزمن هو السلاح الأوحد لسوريا". وعلى ما يبدو كان يعتقد أن إنسحاب القوات السورية من لبنان من شأنه أن يغير كل شيء.

واللافت أن لحد لم يخصص في كتابه فصلاً واحداً للحديث عن"حزب الله"، ولا عن سنوات القتال والمواجهات معه. فالخصم الأساس في رأيه هو سوريا وليس "حزب الله".

كشفت مذكرات لحد شعوراً بالذنب لدى بعض المسؤولين الإسرائيليين تجاهه. والدليل على ذلك المقدمتان اللتان كتبهما موشيه أرينز وافراييم سنيه، والرسائل المتبادلة بين يوسي بيلين وأنطوان لحد المثبتة في نهاية الكتاب. وقد تكون ترجمة المذكرات الى اللغة العبرية محاولة للتعويض على الخسارة الشخصية والعامة الهائلة التي دفع لحد ثمنها. لكن الواقع أن هذا كله زاد من الإحساس الهائل بالمرارة، وعّمق من الانطباع الأساسي بالإخفاق الكبير الذي أنهى به أنطوان لحد مسيرته العسكرية والشخصية.

(1) النسخة العبرية للكتاب صدرت عن دار "يديعوت أحرونوت" 2004

تعليقات: